الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقت المبكر، وفي هذا الضيق المستحكم، تعلن عن عالميتها. كما هي طبيعتها وحقيقتها. فلم تكن هذه الصفة جديدة عليها حين انتصرت في المدينة- كما يدعي المفترون اليوم- إنما كانت صفة مبكرة في أيام مكة الأولى. لأنها حقيقة ثابتة في صلب هذه الدعوة منذ نشأتها.
كذلك أرادها الله. وكذلك اتجهت منذ أيامها الأولى. وكذلك تتجه إلى آخر الزمان. والله الذي أرادها كما أرادها هو صاحبها وراعيها. وهو المدافع عنها وحاميها.
وهو الذي يتولى المعركة مع المكذبين. وليس على أصحابها إلا الصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).
كلمة في السياق:
رأينا محور السورة من قبل فلنر أجزاءه وما فصلت السورة في كل منها:
1 -
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً قد رأينا في السورة أن هذا القرآن هو هدى الله للعالمين، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه هذا الهدى، وقد أثنت السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرته بما ينبغي أن يفعله.
2 -
فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وقد بينت السورة أن المتقين لهم الجنات وأنهم هم المهتدون.
3 -
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وقد فصلت السورة في مواقف المكذبين وأقوالهم، وكيف يستدرجهم الله عز وجل، وفصلت في استحقاقهم العذاب، وأقامت الحجة عليهم، وسفهت مواقفهم، لأنها لا تستند على أساس، وكل ذلك سار ضمن سياق خاص للسورة.
الفوائد:
1 -
في قوله تعالى: وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ اتجاه إلى أن المراد بالقلم، قلم القدرة، والمراد بالمسطرين الملائكة، وقد رجحنا غير هذا الاتجاه، ولكن بمناسبة هذا الاتجاه قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم
…
عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:
دعاني أبي حين حضره الموت فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب قال يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر
وما هو كائن إلى الأبد» وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد من طرق عن الوليد ابن عبادة عن أبيه به، وأخرجه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي به وقال: حسن صحيح غريب، ورواه أبو داود في كتاب السنة من سننه).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قال ابن كثير: (وروى عبد الرزاق عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: أخبريني يا أم المؤمنين عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم فقالت: كان خلقه القرآن.
وهذا مختصر من حديث طويل. وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث قتادة بطوله، وسيأتي في سورة المزمل إن شاء الله تعالى وبه الثقة. وروى الإمام أحمد عن الحسن قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن.
وروى الإمام أحمد عن رجل من بني سواد قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن! وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قال: قلت: حدثيني عن ذاك قالت: صنعت له طعاما، وصنعت له حفصة طعاما، فقلت لجاريتي: اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام، قالت: فجاءت بالطعام، قالت:
فألقت الجارية فوقعت القصعة فانكسرت، وكان نطع، قالت: فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اقتصوا- أو اقتصي، شك أسود- ظرفا مكان ظرفك» قالت:
فما قال شيئا. وروى البخاري عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسن الناس خلقا، ليس بالطويل ولا بالقصير.
والأحاديث في هذا كثيرة ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب الشمائل.
روى الإمام أحمد عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا ضرب امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شئ يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله عز وجل. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنما بعثت لأتمم صالح مكارم الأخلاق» تفرد به).
وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ: (ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم تبرز من نواح شتى:
تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال، يسجلها ضمير الكون، وتثبت في كيانه، وتتردد في الملأ الأعلى إلى ما شاء الله.
وتبرز من جانب آخر، من جانب إطاقة محمد صلى الله عليه وسلم لتلقيها. وهو يعلم من ربه هذا- قائل هذه الكلمة- ما هو؟ ما عظمته؟ ما دلالة كلماته؟ ما مداها؟
ما صداها؟ ويعلم من هو إلى جانب هذه العظمة المطلقة، التي يدرك هو منها ما لا يدركه أحد من العالمين.
إن إطاقة محمد صلى الله عليه وسلم لتلقي هذه الكلمة. من هذا المصدر. وهو ثابت.
لا ينسحق تحت ضغطها الهائل- ولو أنها ثناء- ولا تتأرجح شخصيته تحت وقعها وتضطرب
…
تلقيه لها في طمأنينة وفي تماسك وفي توازن
…
هو في ذاته دليل على عظمة شخصيته فوق كل دليل.
ولقد رويت عن عظمة خلقه في السيرة، وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة. وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه. ولكن هذه الكلمة أعظم بدلالتها من كل شئ آخر. أعظم بصدورها عن العلي الكبير. وأعظم بتلقي محمد لها وهو يعلم من هو العلي الكبير. وبقائه بعدها ثابتا راسخا مطمئنا. لا يتكبر على العباد، ولا يتعاظم، وهو الذي سمع ما سمع من العلي الكبير!
والله أعلم حيث يجعل رسالته. وما كان إلا محمد صلى الله عليه وسلم بعظمة نفسه هذه- من يحمل هذه الرسالة الأخيرة بكل عظمتها الكونية الكبرى. فيكون كفئا لها، كما يكون صورة حية منها.
إن هذه الرسالة من الكمال والجمال، والعظمة والشمول، والصدق والحق، بحيث لا يحملها إلا الرجل الذي يثني عليه الله هذا الثناء. فتطيق شخصيته كذلك تلقي هذا الثناء. في تماسك وفي توازن، وفي طمأنينة. طمأنينة القلب الكبير الذي يسع حقيقة تلك الرسالة وحقيقة هذا الثناء العظيم. ثم يتلقى- بعد ذلك- عتاب ربه له، ومؤاخذته إياه على بعض تصرفاته، بذات التماسك وذات التوازن وذات الطمأنينة.
ويعلن هذه كما يعلن تلك، لا يكتم من هذه شيئا ولا تلك
…
وهو هو في كلتا الحالتين النبي الكريم. والعبد الطائع. والمبلغ الأمين).
3 -
وبمناسبة قوله تعالى: مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ قال ابن كثير: (وقد ثبت في
الصحيحين من حديث مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» الحديث وأخرجه بقية الجماعة في كتبهم من طرق عن مجاهد به. وروى الإمام أحمد عن همام أن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة قتات» رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن إبراهيم به. وروى عبد الرزاق- بسنده- عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا يدخل الجنة قتات» يعني نماما).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ قال ابن كثير: (أما العتل: فهو الفظ الغليظ الصحيح الجموع المنوع. وروى الإمام أحمد عن حارثة بن وهب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أنبئكم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر» وقال وكيع: «كل جواظ جعظري مستكبر» أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث سفيان. وروى الإمام أحمد أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذكر أهل النار: «كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع» تفرد به أحمد. قال أهل اللغة: الجعظري: الفظ الغليظ، والجواظ: الجموع المنوع. وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غنم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم فقال: «هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للناس رحيب الجوف» وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة الجواظ الجعظري العتل الزنيم» وقد أرسله أيضا غير واحد من التابعين. وروى ابن جرير عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه، وأرحب جوفه وأعطاه من الدنيا هضما، فكان للناس ظلوما، قال فذلك العتل الزنيم» وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين ونص عليه غير واحد من السلف منهم مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم أن العتل: هو المصحح الخلق، الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح وغير ذلك).
5 -
وبمناسبة قوله تعالى: زَنِيمٍ قال ابن كثير: (وأما الزنيم فروى البخاري عن ابن عباس عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ قال: رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة، ومعنى هذا أنه كان مشهورا بالسوء كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين
أخواتها. وإنما الزنيم في لغة العرب هو الدعي في القوم، قاله ابن جرير وغير واحد من الأئمة قال: ومنه قول حسان بن ثابت يعني يذم بعض كفار قريش:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم
…
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقال آخر:
زنيم ليس يعرف من أبوه
…
بغي الأم ذو حسب لئيم
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله زَنِيمٍ قال: الدعي الفاحش اللئيم، ثم قال ابن عباس:
زنيم تداعاه الرجال زيادة
…
كما زيد في عرض الأديم الأكارع
6 -
بمناسبة قوله تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا قد كان هيئ له، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ قد حرموا خير جنتهم بذنبهم»).
7 -
بمناسبة قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ قال ابن كثير: (وقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا» وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق وله ألفاظ وهو حديث طويل مشهور، وقد قال عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: هو يوم القيامة، يوم كرب وشدة رواه ابن جرير ثم روى عن ابن مسعود أو ابن عباس- الشك من ابن جرير- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر: شالت الحرب عن ساق).
8 -
بمناسبة قوله تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قال ابن كثير: (وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ
شَدِيدٌ).
9 -
بمناسبة ذكر يونس عليه السلام، قال ابن كثير:(وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس ابن متى» ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة).
10 -
بمناسبة قوله تعالى: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ قال ابن كثير: (وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة
…
روى أبو عبد الله ابن ماجه عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا رقية إلا من عين أو حمة» هكذا رواه ابن ماجه وقد أخرجه مسلم في صحيحه عن بريدة موقوفا وفيه قصة. قال الترمذي: وروى هذا الحديث الإمام البخاري عن عمران ابن حصين موقوفا: «لا رقية إلا من عين أو حمة» .
(طريق أخرى) روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العين حق، ولو كان شئ سابق القدر سبقت العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» انفرد به دون البخاري. وروى عبد الرزاق عن ابن عباس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة. ومن كل عين لامة» ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام. أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال به.
(حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف رضي الله عنه روى ابن ماجه عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة فما لبث أن لبط به فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعا قال: «من تتهمون به» قالوا عامر بن ربيعة قال:
«علام يقتل أحدكم أخاه؟. إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» ثم دعا بماء، فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه. قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه، وقد رواه النسائي من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس كلاهما عن