المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ذكر الأحاديث الواردة في ذلك) - الأساس في التفسير - جـ ١٠

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌ قسم المفصل

- ‌كلمة في قسم المفصل:

- ‌المجموعة الأولى من القسم الرابع من أقسام القرآن المسمى بقسم المفصل

- ‌كلمة في المجموعة الأولى من قسم المفصل

- ‌والخلاصة:

- ‌سورة الذاريات

- ‌بين يدي السورة:

- ‌كلمة في سورة الذاريات ومحورها:

- ‌مقدمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌[المقطع]

- ‌الفقرة الأولى من المقطع

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌المجموعة الأولى من الفقرة الثانية

- ‌المجموعة الثانية من الفقرة الثانية

- ‌المجموعة الثالثة من الفقرة الثانية

- ‌المجموعة الرابعة من الفقرة الثانية

- ‌المجموعة الخامسة من الفقرة الثانية

- ‌المجموعة السادسة من الفقرة الثانية

- ‌ملاحظة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية

- ‌تفسير المجموعة الثالثة

- ‌تفسير المجموعة الرابعة

- ‌تفسير المجموعة الخامسة

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة السادسة

- ‌تفسير المجموعة السابعة

- ‌ خاتمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة الذاريات:

- ‌سورة الطور

- ‌بين يدي سورة الطور:

- ‌كلمة في سورة الطور ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى من سورة الطور

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثالثة

- ‌ملاحظة في السياق:

- ‌التفسير:

- ‌ملاحظة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة الطور:

- ‌سورة النجم

- ‌[قال صاحب الظلال في تقديمه لسورة النجم:]

- ‌كلمة في سورة النجم ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى وهي مقدمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سور النجم والذاريات والطور:

- ‌سورة القمر

- ‌[قال صاحب الظلال في تقديمه لسورة القمر]

- ‌كلمة في سورة القمر ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌التفسير

- ‌تفسير الفقرة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الثالثة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الرابعة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الخامسة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفوائد

- ‌(ذكر الأحاديث الواردة في ذلك)

- ‌كلمة أخيرة في سورة القمر:

- ‌سورة الرحمن

- ‌بين يدي سورة الرحمن:

- ‌كلمة في سورة الرحمن ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى وهي مقدمة السورة:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌ملاحظة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفوائد

- ‌كلمة أخيرة في سورة الرحمن:

- ‌سورة الواقعة

- ‌بين يدي سورة الواقعة:

- ‌كلمة في سورة الواقعة ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الحجة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الحجة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الحجة الثالثة:

- ‌الحجة الرابعة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثالثة

- ‌ملاحظة:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفوائد

- ‌كلمة أخيرة في سورة الواقعة:

- ‌المجموعة الثانية من القسم الرابع من أقسام القرآن المسمى بقسم المفصل

- ‌كلمة في المجموعة الثانية من قسم المفصل

- ‌سورة الحديد

- ‌بين يدي سورة الحديد:

- ‌كلمة في سورة الحديد ومحورها:

- ‌مقدمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الأول

- ‌الفقرة الأولى

- ‌المقدمة

- ‌المجموعة الأولى من الفقرة الأولى

- ‌المجموعة الثانية من الفقرة الأولى

- ‌الفقرة الثانية

- ‌المقدمة

- ‌المجموعة الأولى من الفقرة الثانية

- ‌المجموعة الثانية من الفقرة الثانية

- ‌المجموعة الثالثة من الفقرة الثانية

- ‌ملاحظة في السياق:

- ‌الفقرة الأولى

- ‌تفسير مقدمة الفقرة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفقرة الثانية

- ‌تفسير مقدمة الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثالثة من الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تتمة تفسير المجموعة الثالثة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌خاتمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة الحديد:

- ‌سورة المجادلة

- ‌بين يدي سورة المجادلة:

- ‌كلمة في سورة المجادلة ومحورها:

- ‌مقدمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الأول

- ‌مقدمة المقطع

- ‌الفقرة الأولى

- ‌الفقرة الثانية

- ‌الفقرة الثالثة

- ‌ملاحظة على السياق:

- ‌التفسير

- ‌تفسير مقدمة المقطع:

- ‌‌‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الأولى:

- ‌تفسير الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير الفقرة الثالثة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورتي الحديد والمجادلة:

- ‌المجموعة الثالثة من القسم الرابع من أقسام القرآن المسمى بقسم المفصل

- ‌كلمة في المجموعة الثالثة من قسم المفصل

- ‌سورة الحشر

- ‌بين يدي سورة الحشر:

- ‌كلمة في سورة الحشر ومحورها:

- ‌‌‌المقدمةوالمقطع الأول

- ‌المقدمة

- ‌المجموعة الأولى من المقطع الأول

- ‌المجموعة الثانية من المقطع الأول

- ‌المجموعة الثالثة من المقطع الأول

- ‌ملاحظة:

- ‌ملاحظة في السياق:

- ‌ مقدمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الأولى من المقطع الأول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية في المقطع الأول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثالثة في المقطع الأول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة الحشر:

- ‌سورة الممتحنة

- ‌بين يدي سورة الممتحنة:

- ‌كلمة في سورة الممتحنة ومحورها:

- ‌الفقرة الأولى

- ‌فائدة في سبب النزول:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌فائدة في سبب النزول:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثالثة

- ‌[سورة الممتحنة (60): آية 12]

- ‌فائدة في السياق:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الرابعة

- ‌[سورة الممتحنة (60): آية 13]

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفوائد

- ‌تعليق:

- ‌تعليق:

- ‌كلمة أخيرة في سورة الممتحنة ومجموعتها:

- ‌المجموعة الرابعة من القسم الرابع من أقسام القرآن المسمى بقسم المفصل

- ‌كلمة في المجموعة الرابعة من قسم المفصل

- ‌سورة الصف

- ‌بين يدي سورة الصف:

- ‌كلمة في سورة الصف ومحورها:

- ‌مقدمة السورة

- ‌[سورة الصف (61): آية 1]

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفقرة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفقرة الثالثة والأخيرة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد

- ‌كلمة أخيرة في سورة الصف:

- ‌سورة الجمعة

- ‌بين يدي سورة الجمعة:

- ‌كلمة في سورة الجمعة ومحورها:

- ‌المقدمة والفقرة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفوائد

- ‌كلمة أخيرة في سورة الجمعة:

- ‌سورة المنافقون

- ‌بين يدي سورة المنافقون:

- ‌كلمة في سورة المنافقون ومحورها:

- ‌ الفقرة الأولى

- ‌المجموعة الأولى

- ‌المجموعة الثانية

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌المجموعة الرابعة

- ‌تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثالثة من الفقرة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الرابعة من الفقرة الأولى:

- ‌النموذج الأول:

- ‌‌‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة (المنافقون) ومجموعتها:

- ‌المجموعة الخامسة من القسم الرابع من أقسام القرآن المسمى بقسم المفصل

- ‌كلمة في المجموعة الخامسة من قسم المفصل:

- ‌سورة التغابن

- ‌بين يدي سورة التغابن:

- ‌كلمة في سورة التغابن ومحورها:

- ‌الفقرة الأولى

- ‌المجموعة الأولى

- ‌المجموعة الثانية

- ‌بين يدي الفقرة:

- ‌تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الأولى

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الأولى

- ‌المطلب الأول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المطلب الثاني:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المطلب الثالث:

- ‌‌‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المطلب الرابع:

- ‌المطلب الخامس:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفوائد

- ‌كلمة أخيرة في سورة التغابن وزمرة المسبحات:

- ‌سورة الطلاق

- ‌بين يدي سورة الطلاق:

- ‌كلمة في سورة الطلاق ومحورها:

- ‌الفقرة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفقرة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفقرة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌نقل:

- ‌ الفقرة الرابعة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الخامسة

- ‌[سورة الطلاق (65): آية 12]

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفوائد

- ‌كلمة أخيرة في سورة الطلاق:

- ‌سورة التحريم

- ‌بين يدي سورة التحريم:

- ‌كلمة في سورة التحريم ومحورها:

- ‌الفقرة الأولى

- ‌المجموعة الأولى

- ‌المجموعة الثانية

- ‌ملاحظة:

- ‌تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الأولى:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الأولى

- ‌النداء الأول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ النداء الثاني

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ النداء الثالث

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌ملاحظة على السياق:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة التحريم:

- ‌سورة الملك

- ‌بين يدي سورة الملك:

- ‌كلمة في سورة الملك ومحورها:

- ‌الفقرة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌مقدمة الفقرة

- ‌المجموعة الأولى

- ‌المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الثانية

- ‌الأمر الأول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الأمر الثاني

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌‌‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الأمر الرابع:

- ‌الأمر الخامس:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة الملك:

- ‌سورة القلم

- ‌بين يدي السورة:

- ‌كلمة في سورة القلم ومحورها:

- ‌الفقرة الأولى وهي المقدمة للسورة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ الفقرة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الرابعة

- ‌[سورة القلم (68): آية 34]

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة الخامسة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الخطاب الأول:

- ‌الخطاب الثاني:

- ‌الخطاب الثالث:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفقرة السادسة

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌‌‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌كلمة أخيرة في سورة (القلم) ومجموعتها:

الفصل: ‌(ذكر الأحاديث الواردة في ذلك)

آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، ألا وإن الغاية النار والسابق من سبق إلى الجنة).

3 -

بمناسبة قوله تعالى: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال ابن كثير: قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال:«خمس قد مضين: الروم والدخان واللزام والبطشة والقمر» وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات.

(ذكر الأحاديث الواردة في ذلك)

(رواية أنس بن مالك): روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فقال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ورواه مسلم عن محمد بن رافع، وروى البخاري عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما.

وأخرجاه أيضا من حديث يونس بن محمد المؤدب، ورواه مسلم أيضا من حديث أبي داود الطيالسي ويحيى القطان وغيرهما. (رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه:

قال الإمام أحمد

عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل فقالوا:

سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه وأسنده البيهقي في الدلائل من طريق محمد بن كثير، وكذا رواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل. ورواه البيهقي أيضا من طرق إبراهيم ابن طهمان. (رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: روى البخاري عن ابن عباس قال: انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري أيضا ومسلم من حديث بكر بن نصر. وروى ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ قال: قد مضى ذلك، كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه، وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا. (رواية عبد الله بن عمر): روى الحافظ أبو بكر البيهقي عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال: وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فلقتين، فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل، فقال

ص: 5621

النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشهد» وهكذا رواه مسلم والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح. (رواية عبد الله بن مسعود): روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«اشهدوا» وهكذا رواه البخاري ومسلم، وروى ابن جرير عن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر، فأخذت فرقة خلف الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«اشهدوا اشهدوا» روى البخاري عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة قال فقالوا:

انظروا ما يأتيكم به السفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال فجاء السفار فقالوا ذلك، وروى البيهقي عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين، فقال كفار قريش أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا السفار، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال: فسئل السفار، قال: وقدموا من كل وجهة فقالوا: رأينا.

ورواه ابن جرير من حديث المغيرة به وزاد فأنزل الله عز وجل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ثم روى ابن جرير عن محمد- هو ابن سيرين- قال: نبئت أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: لقد انشق القمر. وروى ابن جرير أيضا عن الأسود عن عبد الله قال: لقد رأيت الجبل من فرج القمر حيث انشق. ورواه الإمام أحمد عن الأسود عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر، وقال ليث عن مجاهد انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:«اشهد يا أبا بكر» فقال المشركون:

سحر القمر حتى انشق).

قال صاحب الظلال معلقا على حادثة انشقاق القمر:

(فالحادث ثابت من هذه الروايات المتواترة المحددة للمكان والزمان والهيئة. وهو حادث واجه به القرآن المشركين في حينه؛ ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه؛ فلا بد أن يكون قد وقع فعلا بصورة يتعذر معها التكذيب، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات، لو وجدوا منفذا للتكذيب. وكل ما روي عنهم أنهم قالوا:

سحرنا! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر، فعرفوا أنه ليس بسحر؛ فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه).

ص: 5622

4 -

بمناسبة قوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* قال النسفي: (وقيل (أي في معنى الآية) ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليعان عليه) وقال ابن كثير: أي سهلنا حفظه ويسرنا معناه، لمن أراده ليتذكر الناس، كما قال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ وقال تعالى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا قال مجاهد: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ* يعني: هونا قراءته. وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن. وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل.

(قلت): ومن تيسيره تعالى على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» . أقول: ذكرت هذه الآية خاصية من خواص هذا القرآن الكثيرة، وهي أن القرآن مع كونه تحدث عن كل شئ فإنه يقرؤه العامي ويستشعر أنه يفهمه، وأعظم الناس علما وثقافة يقرؤه ويستشعر أنه يفهمه، وهذا يأخذ منه على قدره، وهذا يأخذ منه على قدره، ومن تأمل هذه الظاهرة وحدها أيقن أن هذا القرآن من عند الله، لأن أحدا ما لا يقدر على مثل ذلك من البشر.

5 -

رأينا كيف أن قوم صالح كان من كلامهم: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ وهذا يدلنا على أن من أخلاق الكافرين رفض تسليم القياد للقيادة الراشدة، وهذه قضية يجب أن يلاحظها المسلم في ذاته، بأن يجعل ذاته تسلم لأهل الحق في القيادة حقهم، فالقيادة والطاعة والولاء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام يكون حق الطاعة في المعروف لمن قدمه الصف الراشد للقيادة من خلال الشورى، وللمسألة صور ولكل صورة أحكامها، وعلى الأمير الراشد أن يقود الناس بالكتاب والسنة، فعن الشورى تنبثق القيادة، والقيادة تقيم الكتاب والسنة، وتستشير في أمر المسلمين أهل شوراهم لاتخاذ القرار السليم، والمسلم مكلف أن يطيع أميره في المعروف، وهكذا تلتقي في هذه الشريعة أجود ما تحكم به العقول دون ما تصبو إليه النزوات، وذلك من فضل الله على العالمين أن هدى الناس إلى ما فيه رشادهم في كل شئ.

6 -

بمناسبة قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ نقول: إن نغمة (بالوحدة يكون كل شئ) بوحدة الشعب، أو بوحدة الأمة، بصرف النظر عن

ص: 5623

الإيمان والكفر، نغمة قديمة، حتى لقد ظن كافرون أن بالوحدة لا تطالهم يد الله وهيهات، ونحن مكلفون بالإسلام، والإسلام فرض علينا أن نكون أمة واحدة، فهذا فرع هذا عند المسلم.

7 -

بمناسبة قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قال ابن كثير:

(روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر:

«أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا» فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال حسبك يا رسول الله ألححت على ربك، فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ* بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع. وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: نزلت سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قال: قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فعرفت تأويلها يومئذ. وروى البخاري عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين فقالت: نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ هكذا رواه هاهنا مختصرا، ورواه في فضائل القرآن مطولا ولم يخرجه مسلم).

8 -

بمناسبة قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال ابن كثير:

(ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها، وردوا بهذه الآية- وبما شاكلها من الآيات وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات- على الفرقة القدرية الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة، ولنذكر هاهنا الأحاديث المتعلقة بهذه الآية الكريمة. روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ* إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وهكذا رواه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث وكيع عن سفيان الثوري به. وروى البزار عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ما نزلت هذه الآيات إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ* يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ* إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ إلا في أهل القدر. وروى ابن أبي حاتم عن ابن زرارة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ* إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ

ص: 5624

خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال: «نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله» . وحدثنا الحسن بن عرفة- بسنده- عن عطاء بن أبي رباح قال: أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه فقلت له: قد تكلم في القدر، فقال أو قد فعلوها! قلت: نعم، قال: فو الله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ* إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أولئك شرار هذه الأمة، فلا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين، وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر مرفوع عن عبد الله بن عباس قال: قيل له إن رجلا قدم علينا يكذب بالقدر، فقال: دلوني عليه- وهو أعمى-، قالوا: وما تصنع به يا أبا عباس! قال: والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه.

ولئن وقعت رقبته في يدى لأدقنها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تصطفق ألياتهن مشركات، هذا أول شرك هذه الأمة، والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرا كما أخرجوه من أن يكون قدر شرا» ثم رواه أحمد عن أبي المغيرة. وروى الإمام أحمد عن نافع قال:

كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر إنه بلغني أنك تكلمت في شئ من القدر، فإياك أن تكتب إلى فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر» ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل به.

وروى أحمد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون: لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه، وروى أحمد عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في هذه الأمة مسخ، ألا وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية» ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صخر حميد بن زياد به وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وروى الإمام أحمد عن طاوس اليماني قال: سمعت ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شئ بقدر حتى العجز والكيس» ورواه مسلم منفردا به من حديث مالك. وفي الحديث الصحيح: «استعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك أمر فقل قدر الله وما شاء فعل، ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان» وفي حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك؛

ص: 5625

جفت الأقلام وطويت الصحف» وروى الإمام أحمد عن أيوب بن زياد حدثني عبادة ابن الولد بن عبادة حدثني أبي قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال: أجلسوني فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لم تطعم الإيمان ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت:

يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن أول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة» يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار. ورواه الترمذي عن عطاء بن أبي رباح عن الوليد بن عبادة عن أبيه به وقال: حسن صحيح غريب. وروى سفيان الثوري عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر خيره وشره» وكذا رواه الترمذي، ورواه من حديث أبي داود الطيالسى عن علي فذكره وقال: هذا عندي أصح، وكذا رواه ابن ماجه عن ربعي عن علي به، وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» زاد ابن وهب: «وكان عرشه على الماء» ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب).

أقول: قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ يحتمل وجهين: أن يكون القدر بمعنى المقدر، فيكون المراد هو المعنى المشهور الذي يذكر مع القضاء، قال الألوسي:(وحمل الآية على ذلك هو المأثور عن كثير من السلف) وجوز أن يكون المعنى إنا كل شئ خلقناه مقدرا محكما مستوفى فيه مقتضى الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين، فالآية من باب وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً، وبين المعنى الأول والمعنى الثاني نوع تلازم، وعلى ضوء هذا التلازم تكلم صاحب الظلال عن هذه الآية فقال رحمه الله:

(إن ذلك كله، وكل صغيرة وكبيرة مخلوقة بقدر، مصرفة بقصد، مدبرة بحكمة لا شئ جزاف. لا شئ عبث. لا شئ مصادفة. لا شئ ارتجال.

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ كل شئ

كل صغير وكل كبير. كل ناطق

ص: 5626

وكل صامت. كل متحرك وكل ساكن. كل ماض وكل حاضر. كل معلوم وكل مجهول. كل شئ

خلقناه بقدر.

قدر يحدد حقيقته. ويحدد صفته. ويحدد مقداره. ويحدد زمانه. ويحدد مكانه.

ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء. وتأثيره في كيان هذا الوجود.

وإن هذا النص القرآني القصير اليسير ليشير إلى حقيقة ضخمة هائلة شاملة، مصداقها هذا الوجود كله. حقيقة يدركها القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود، ويتجاوب معه، ويتلقى عنه، ويحس أنه خليقة متناسقة تناسقا دقيقا. كل شئ فيه بقدر يحقق هذا التناسق المطلق. الذي ينطبع ظله في القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود.

ثم يبلغ البحث والرؤية والتجربة من إدراك هذه الحقيقة القدر الذي تهيئه هذه الوسائل، ويطيقه العقل البشري، ويملك معرفته عن هذا الطريق. ووراء هذا القدر يبقى دائما ما هو أعظم وأكمل، تدركه الفطرة وينطبع فيها بتأثير الإيقاع الكوني المتناسق فيها، وهي ذاتها بعض هذا الكون المتناسق المخلوق كل شئ فيه بقدر.

ولقد وصل العلم الحديث إلى أطراف من هذه الحقيقة، فيما يملك أن يدركه منها بوسائله المهيأة له

وصل في إدراك التناسق بين أبعاد النجوم والكواكب وأحجامها وكتلها وجاذبيتها بعضها لبعض إلى حد أن يحدد العلماء مواقع كواكب لم يروها بعد؛ لأن التناسق يقتضي وجودها في المواضع التي حددوها. فوجودها في هذه المواقع هو الذي يفسر ظواهر معينة في حركة الكواكب التي رصدوها

ثم يتحقق هذا الذي فرضوه. وبدل تحقيقه على الدقة المتناهية في توزيع هذه الأجرام، في هذا الفضاء الهائل، بهذه النسب المقدرة، التي لا يتناولها خلل أو اضطراب!

ووصل في إدراك التناسق في وضع هذه الأرض التي نعيش عليها، لتكون صالحة لنوع الحياة التي قدر الله أن تكون فيها إلى حد أن افتراض أي اختلال في أية نسبة من نسبها يؤدي بالحياة كلها، أو لا يسمح أصلا بقيامها. فحجم هذه الأرض، وكتلتها، وبعدها عن الشمس وكتلة هذه الشمس، ودرجة حرارتها. وميل الأرض على محورها بهذا القدر. وسرعتها في دورتها حول نفسها وحول الشمس. وبعد القمر عن الأرض.

وحجمه وكتلته. وتوزيع الماء واليابس في هذه الأرض

إلى آلاف من هذه النسب المقدرة تقديرا، لو وقع الاختلال في أي منها لتبدل كل شئ؛ ولكانت هي النهاية

ص: 5627

المقدرة لعمر هذه الحياة على هذه الأرض!

ووصل في إدراك التناسق بين عدد كبير من الضوابط التي تضبط الحياة؛ وتنسق بين الأحياء والظروف المحيطة بها؛ وبين بعضها وبعض

إلى حد يعطي فكرة عن تلك الحقيقة العميقة الكبيرة التي تشير إليها الآية. فالنسبة بين عوامل الحياة والبقاء، وعوامل الموت والفناء في البيئة وفي طبيعة الأحياء محفوظة دائما بالقدر الذي يسمح بنشأة الحياة وبقائها وامتدادها. وفي الوقت ذاته يحد من انتشارها إلى الحد الذي لا تكفي الظروف المهيأة للأحياء- في وقت ما- لإعالتهم وإعاشتهم!

ولعله من المفيد أن نشير إشارة سريعة إلى شئ من هذا التوازن في علاقات بعض الأحياء ببعض. إذ كنا قد أشرنا بشيء من التفصيل في سور أخرى إلى التناسق في بناء الكون، وفي ظروف الأرض.

(إن الجوارح التي تتغذى بصغار الطيور قليلة العدد، لأنها قليلة البيض، قليلة التفريخ، فضلا على أنها لا تعيش إلا في مواطن خاصة محدودة. وهي في مقابل هذا طويلة الأعمار. ولو كانت مع عمرها الطويل، كثيرة الفراخ مستطيعة الحياة في كل موطن، لقضت على صغار الطيور وأفنتها على كثرتها وكثرة تفريخها. أو قللت من أعدادها الكبيرة اللازمة بدورها لطعام هذه الجوارح وسواها من بني الإنسان. وللقيام بأدوارها الأخرى، ووظائفها الكثيرة في هذه الأرض!

بغاث الطير أكثرها فراخا

وأم الصقر مقلات نزور

وذلك للحكمة التي قدرها الله كما رأينا، كي تتعادل عوامل البقاء وعوامل الفناء بين الجوارح والبغاث!

والذبابة تبيض ملائين البويضات. ولكنها لا تعيش إلا أسبوعين. ولو كانت تعيش بضعة أعوام، تبيض فيها بهذه النسبة لغطى الذباب وجه الأرض بنتاجه؛ ولغدت حياة كثير من الأجناس- وأولها الإنسان- مستحيلة على وجه هذه الأرض. ولكن عجلة التوازن التي لا تختل، في يد القدرة التي تدبر هذا الكون، وازنت بين كثرة النسل وقصر العمر، فكان هذا الذي نراه!

والميكروبات- وهي أكثر الأحياء عددا، وأسرعها تكاثرا، وأشدها فتكا- وهي كذلك أضعف الأحياء مقاومة وأقصرها عمرا- تموت بملايين الملايين من

ص: 5628

البرد، ومن الحر، ومن الضوء، ومن أحماض المعدات، ومن أمصال الدم، ومن عوامل أخرى كثيرة. ولا تتغلب إلا على عدد محدود من الحيوان والإنسان. ولو كانت قوية المقاومة أو طويلة العمر لدمرت الحياة والأحياء!

وكل حي من الأحياء مزود بسلاح يتقي به هجمات أعدائه ويغالب به خطر الفناء. وتختلف هذه الأسلحة وتتنوع. فكثرة العدد سلاح. وقوة البطش سلاح.

وبينهما ألوان وأنواع

الحيات الصغيرة مزودة بالسم أو بالسرعة للهرب من أعدائها. والثعابين الكبيرة مزودة بقوة العضل، ومن ثم يندر فيها السام!

والخنفساء- وهي قليلة الحيلة- مزودة بمادة كاوية ذات رائحة كريهة، تصبها على كل من يلمسها، وقاية من الأعداء!

والظباء مزودة بسرعة الجري والقفز، والأسود مزودة بقوة البأس والافتراس! وهكذا كل حي من الأحياء الصغار والكبار على السواء.

وكل حي مزود كذلك بالخصائص والوسائل التي يحصل بها على طعامه، والتي ينتفع معها بهذا اللون من الطعام

الإنسان والحيوان والطير وأدنى أنواع الأحياء سواء.

البويضة بعد تلقيحها بالحيوان المنوي تلصق بالرحم. وهي مزودة بخاصية أكالة، تمزق جدار الرحم حولها وتحوله إلى بركة من الدم المناسب لامتصاصها ونموها! والحبل السري الذي يربط الجنين بأمه ليتغذي منها حتى يتم وضعه، روعي في تكوينه ما يحقق الغرض الذي تكون من أجله، دون إطالة قد تسبب تخمر الغذاء فيه، أو قصر قد يؤدي إلى اندفاع الغذاء إليه بما قد يؤذيه) (1).

(والثدي يفرز في نهاية الحمل وبدء الوضع سائلا أبيض مائلا إلى الاصفرار. ومن عجيب صنع الله أن هذا السائل عبارة عن مواد كيماوية ذائبة تقي الطفل من عدوى الأمراض. وفي اليوم التالي للميلاد يبدأ اللبن في التكوين. ومن تدبير المدبر الأعظم أن يزداد مقدار اللبن الذي يفرزه الثدي يوما بعد يوم، حتى يصل إلى حوالي لتر ونصف

(1) من كتاب: الله والعلم الحديث للأستاذ عبد الرزاق نوفل ص 46 - 47.

ص: 5629

في اليوم بعد سنة، بينما لا تزيد كميته في الأيام الأولى على بضع أوقيات. ولا يقف الإعجاز عند كمية اللبن التي تزيد على حسب زيادة الطفل؛ بل إن تركيب اللبن كذلك تتغير مكوناته، وتتركز مواده، فهو يكاد يكون ماء به القليل من النشويات والسكريات في أول الأمر، ثم تتركز مكوناته فتزيد نسبته النشوية والسكرية والدهنية

فترة بعد أخرى، بل يوما بعد يوم بما يوافق أنسجة وأجهزة الطفل المستمر النمو) (1).

وتتبع الأجهزة المختلفة في تكوين الإنسان، ووظائفها، وطريقة عملها، ودور كل منها في المحافظة على حياته وصحته

يكشف عن العجب العجاب في دقة التقدير وكمال التدبير. ويرينا يد الله وهي تدبر أمر كل فرد. بل كل عضو. بل كل خلية من خلاياه. وعين الله عليه تكلؤه وترعاه. ولن نستطيع هنا أن نفصل هذه العجائب فنكتفي بإشارة سريعة إلى التقدير الدقيق في جهاز واحد من هذه الأجهزة: جهاز الغدد الصم «تلك المعامل الكيماوية الصغيرة التي تمد الجسم بالتركيبات الكيماوية الضرورية، والتي يبلغ من قوتها أن جزءا من ألف بليون جزء منها تحدث آثارا خطيرة في جسم الإنسان. وهي مرتبة بحيث إن إفراز كل غدة يكمل إفراز الغدة الأخرى. وكل ما كان يعرف عن هذه الإفرازات أنها معقدة التركيب تعقيدا مدهشا، وأن أي اختلال في إفرازها يسبب تلفا عاما في الجسم، يبلغ حد الخطورة. إذا دام هذا الاختلال وقتا قصيرا» (2).

أما الحيوان فتختلف أجهزته باختلاف أنواعه وبيئاته وملابسات حياته

«زودت أفواه الآساد والنمور والذئاب والضباع، وكل الحيوانات الكاسرة التي تعيش في الفلاة، ولا غذاء لها إلا ما تفترسه من كائنات لا بد من مهاجمتها والتغلب عليها، بأنياب قاطعة، وأسنان حادة، وأضراس صلبة. ولما كانت في هجومها لا بد أن تستعمل عضلاتها، فلأرجلها عضلات قوية، سلحت بأظافر ومخالب حادة، وحوت معدتها الأحماض والأنزيمات الهاضمة للحوم والعظام» (3).

فأما الحيوانات المجترة المستأنسة التي تعيش على المراعي، فهي تختلف فيما زودت به. «وقد صممت أجهزتها بما يتناسب مع البيئة، فأفواهها واسعة نسبيا؛ وقد

(1) من كتاب: الله والعلم الحديث للأستاذ عبد الرزاق نوفل ص 47 - 48.

(2)

المصدر السابق ص 51 - 52.

(3)

المصدر السابق: ص 71 - 72.

ص: 5630

تجردت من الأنياب القوية والأضراس الصلبة. وبدلا منها توجد الأسنان التي تتميز بأنها قاصمة قاطعة؛ فهي تأكل الحشائش والنباتات بسرعة، وتبتلعها كذلك دفعة واحدة، حتى يمكنها أن تؤدي للإنسان ما خلقت لأجله من خدمات. وقد أوجدت العناية الخالقة لهذا الصنف أعجب أجهزة للهضم، فالطعام الذي تأكله ينزل إلى الكرش، وهو مخزن له، فإذا ما انتهى عمل الحيوان اليومي وجلس للراحة. يذهب الطعام إلى تجويف يسمى «القلنسوة» . ثم يرجع إلى الفم، فيمضغ ثانية مضغا جيدا، حيث يذهب الطعام إلى تجويف ثالث يسمى «أم التلافيف» ، ثم إلى رابع يسمى «الإنفحة» وكل هذه العملية الطويلة أعدت لحماية الحيوان، إذ كثيرا ما يكون هدفا لهجوم حيوانات كاسرة في المراعي، فوجب عليه أن يحصل على غذائه بسرعة ويختفي. ويقول العلم إن عملية الاجترار ضرورية بل حيوية، إذ أن العشب من النباتات العسرة الهضم، لما يحتويه من السليلوز الذي يغلف جميع الخلايا النباتية، ولهضمه يحتاج الحيوان إلى وقت طويل جدا، فلو لم يكن مجترا، وبمعدته مخزن خاص، لضاع وقت طويل في الرعي يكاد يكون يوما بأكمله دون أن يحصل الحيوان على كفايته من الغذاء، ولأجهد العضلات في عمليات التناول والمضغ، إنما سرعة الأكل، ثم تخزينه وإعادته بعد أن يصيب شيئا من التخمر؛ ليبدأ المضغ والطحن والبلع، تحقق كافة أغراض الحيوان من عمل وغذاء وحسن هضم. فسبحان المدبر» (1).

«والطيور الجارحة كالبوم والحدأة ذات منقار مقوس حاد على شكل خطاف لتمزيق اللحوم. بينما للإوز والبط مناقير عريضة منبسطة مفلطحة كالمغرفة، توائم البحث عن الغذاء في الطين والماء. وعلى جانب المنقار زوائد صغيرة كالأسنان لتساعد على قطع الحشائش.

«أما الدجاج والحمام وباقي الطيور التي تلتقط الحب من الأرض فمناقيرها قصيرة مدببة لتؤدي هذا الغرض. بينما منقار البجعة مثلا طويل طولا ملحوظا، ويمتد من أسفله كيس يشبه الجراب ليكون كشبكة الصياد. إذ أن السمك هو غذاء البجعة الأساسي» .

«ومنقار الهدهد وأبو قردان طويل مدبب، أعد بإتقان للبحث عن الحشرات

(1) من كتاب الله والعلم الحديث للأستاذ عبد الرزاق نوفل: ص 72 - 73.

ص: 5631

والديدان، التي غالبا ما تكون تحت سطح الأرض. ويقول العلم: إنه يمكن للإنسان أن يعرف غذاء أي طير من النظرة العابرة إلى منقاره».

«وأما باقي الجهاز الهضمي للطير فهو غريب عجيب. فلما لم يعط أسنانا فقد خلقت له حويصلة وقانصة تهضم الطعام. ويلتقط الطير مواد صلبة وحصي لتساعد القانصة على هضم الطعام» (1).

ويطول بنا الاستعراض، ونخرج على منهج هذه الظلال، لو رحنا نتتبع الأنواع والأجناس الحية على هذا النحو، فنسرع الخطى إلى «الأميبا» وهي ذات الخلية الواحدة، لنرى يد الله معها. وعينه عليها. وهو يقدر لها أمرها تقديرا.

«والأميبا كائن حي دقيق الحجم، يعيش في البرك والمستنقعات، أو على الأحجار الراسبة في القاع. ولا يرى بالعين إطلاقا وهو يرى بالمجاهر، كتلة هلامية، يتغير شكلها بتغير الظروف والحاجات. فعند ما تتحرك تدفع بأجزاء من جسمها تكون به زوائد، تستعملها كالأقدام للسير بها إلى المكان المرغوب. ولذا تسمى هذه الزوائد بالأقدام الكاذبة. وإذا وجدت غذاء لها أمسكت به بزائدة أو زائدتين، وتفرز عليه عصارة هاضمة، فتتغذى بالمفيد منها، أما الباقي فتطرده من جسمها! وهي تتنفس من

كل جسمها بأخذ الأكسوجين من الماء

فتصور هذا الكائن الذي لا يرى إطلاقا بالعين، يعيش ويتحرك، ويتغذى ويتنفس، ويخرج فضلاته! فإذا ما تم نموه انقسم إلى قسمين، ليكون كل قسم حيوانا جديدا».

«وعجائب الحياة في النبات لا تقل في إثارة العجب والدهشة عن عجائبها في الإنسان والحيوان والطير. والتقدير فيها لا يقل ظهورا وبروزا عنه في تلك الأحياء.

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2).

على أن الأمر أعظم من هذا كله وأشمل في التقدير والتدبير. إن حركة هذا الكون كله بأحداثها ووقائعها وتياراتها مقدرة مدبرة صغيرها وكبيرها. كل حركة في التاريخ ككل انفعال في نفس فرد، ككل نفس يخرج من صدر! إن هذا النفس مقدر في وقته، مقدر في مكانه، مقدر في ظروفه كلها، مرتبط بنظام الوجود وحركة الكون،

(1) من كتاب الله والعلم الحديث للأستاذ عبد الرزاق نوفل: ص 73 - 74.

(2)

المصدر السابق: ص 101 - 102.

ص: 5632

محسوب حسابه في التناسق الكوني، كالأحداث العظام الضخام!

وهذا العود البري النابت وحده هناك في الصحراء. إنه هو الآخر قائم هناك بقدر. وهو يؤدى وظيفة ترتبط بالوجود كله منذ كان، وهذه النملة الساربة. وهذه الهباءة الطائرة. وهذه الخلية السابحة في الماء. كالأفلاك والأجرام الهائلة سواء!

تقدير في الزمان، وتقدير في المكان، وتقدير في المقدار، وتقدير في الصورة.

وتناسق مطلق بين جميع الملابسات والأحوال.

من ذا الذي يذكر مثلا أن زواج يعقوب من امرأة أخرى هي أم يوسف وبنيامين أخيه لم يكن إلا حادثا شخصيا فرديا؟ إنما كان قدرا مقدورا ليحقد إخوة يوسف من غير أمه عليه، فيأخذوه فيلقوه في الجب- ولا يقتلوه- لتلتقطه السيارة. لتبيعه في مصر. لينشأ في قصر العزيز. لتراوده امرأة العزيز عن نفسه. ليستعلي على الإغراء.

ليلقى في السجن

لماذا؟ ليتلاقى في السجن مع خادمي الملك. ليفسر لهما الرؤيا

لماذا؟ إلى تلك اللحظة لا يوجد جواب! ويقف ناس من الناس يسألون: لماذا؟ لماذا يا رب يتعذب يوسف؟ لماذا يا رب يتعذب يعقوب؟ لماذا يفقد هذا النبي بصره من الحزن؟ ولماذا يسام يوسف الطيب الزكي كل هذا الألم المنوع الأشكال؟ لماذا؟

ولأول مرة تجئ أول إجابة بعد أكثر من ربع قرن في العذاب. لأن القدر يعده ليتولى أمر مصر وشعبها والشعوب المجاورة في سني القحط السبعة! ثم ماذا؟ ثم ليستقدم أبويه وإخوته. ليكون من نسلهم شعب بني إسرائيل. ليضطهدهم فرعون. لينشأ من بينهم موسى- وما صاحب حياته من تقدير وتدبير- لتنشأ من وراء ذلك كله قضايا وأحداث وتيارات يعيش العالم فيها اليوم بكليته! وتؤثر في مجرى حياة العالم جميعه!

ومن ذا الذي يذكر مثلا أن زواج إبراهيم جد يعقوب من هاجر المصرية لم يكن إلا حادثا شخصيا فرديا؟ إنما كان وما سبقه في حياة إبراهيم من أحداث أدت إلى مغادرته موطنه في العراق ومروره بمصر، ليأخذ منها هاجر، لتلد له إسماعيل. ليسكن إسماعيل وأمه عند البيت الحرام. لينشأ محمد- صلى الله عليه وسلم من نسل إبراهيم- عليه السلام في هذه الجزيرة. أصلح مكان على وجه الأرض لرسالة الإسلام

ليكون من ذلك كله ذلك الحدث الأكبر في تاريخ البشرية العام!

إنه قدر الله وراء طرف الخيط البعيد. لكل حادث. ولكل نشأة. ولكل مصير.

ووراء كل نقطة، وكل خطوة، وكل تبديل أو تغيير.

ص: 5633