الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله قلوبهم، أي: خذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحق، وقال ابن كثير: أي: فلما عدوا عن اتباع الحق مع علمهم به أزاغ الله قلوبهم عن الهدى وأسكنها الشك والحيرة والخذلان وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ قال النسفي: أي: لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق.
…
كلمة في السياق:
1 -
ذكرنا من قبل أن السورة عند ما تفصل في محور فإنها تفصل في هذا المحور وارتباطاته وامتدادات معانيه في سورة البقرة، ويظهر هذا جليا في سورة الصف فهي تفصل في مقدمة سورة البقرة، وذلك هو محورها، وتفصل في ارتباطات المقدمة أي:
في الآيات التي تليها مباشرة، وتفصل في امتدادات معاني المقدمة في سورة البقرة، ولذلك فهي تتعرض للقتال، وتتعرض لوجوب نصرة الله، ولذلك صلته بالتقوى وبالإيمان وبالاهتداء بكتاب الله عز وجل، وهي مواضيع رئيسية في مقدمة سورة البقرة، لها امتدادات في سورة البقرة فعلينا ونحن نتحدث عن سياق سورة الصف أن نتذكر هذا كله.
2 -
وصف الله عز وجل بني إسرائيل في الآية السابقة بثلاثة أوصاف:
(أ) إيذاؤهم موسى عليه السلام مع علمهم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ب) زيغ قلوبهم عن أمر الله عز وجل. (ج) فسوقهم عن أمر الله، وضلالهم.
فإذا كانت الطبيعة البشرية فيها مثل هؤلاء فهذا يقتضي قتالا، ولذلك فقد شرع القتال في الإسلام، وحقت محبة الله للمجاهدين في سبيله.
3 -
هناك صلة بين المعاني الثلاثة التي ذكرتها الآية: إيذاء موسى، وزيغ القلوب، والفسوق، فالفسوق الكامل هو أثر عن زيغ القلوب، وزيغ القلوب له علاقة بسوء الأدب مع الرسول.
4 -
هناك صلة بين قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ وبين قوله تعالى في سورة البقرة وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ
مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وهذا يفيد أن بني إسرائيل قد توافرت فيهم هذه الخصال كاملة، ومن ثم لا يهديهم الله عز وجل بهذا الدين، ولهذا الدين.
5 -
في قوله تعالى: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تفسير لقوله تعالى في مقدمة سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فالختم على القلوب سببه أعمال أهلها، وزيغ قلوبهم وفسوقهم بنقض عهد الله، وقطعهم ما أمر الله به أن يوصل، وإفسادهم في الأرض. فالآية في محلها خدمت في تبيان حكمة تشريع الجهاد، وخدمت في تحذير المسلمين أن يسيروا على طريقة بني إسرائيل، وخدمت في تفصيل شئ من مقدمة سورة البقرة وفي ارتباطات المقدمة وامتدادات معانيها: لاحظ ما يلي:
أ- يقول الله عز وجل: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وقال هاهنا في السورة: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ مما يفيد تلازم التقوى مع القتال في سبيل الله عز وجل، فهذا مظهر من مظاهر التفصيل في مقدمة سورة البقرة وامتدادات معانيها.
ب- في مقدمة سورة البقرة كلام عن المتقين والكافرين والمنافقين، وفي هذه السورة إنكار على نوع من المؤمنين كرهوا القتال عند ما فرض عليهم، وما ذلك إلا لمرض في قلوبهم، كما قال تعالى في سورة القتال: رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ وتفسير المرض بالنفاق نصت عليه مقدمة سورة البقرة فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً فأهل النفاق الذين يخالطون المؤمنين وهم في الظاهر منهم كانوا في الظاهر يتمنون القتال، وبعض أهل الإيمان كانوا يتمنونه كذلك، فلما فرض عليهم نكل أهل النفاق عنه، وبناء على هذا نقول: إن الآيات تفهمنا أن الإيمان الحقيقي ينبثق عنه قول يطابق فعلا، وأن النفاق ينبثق عنه قول لا يطابق فعلا، وأن مما ينبثق عن الإيمان جهاد الكافرين، ومن ثم فسورة الصف تعطينا تفصيلا لقضايا مرتبطة بمقدمة سورة البقرة. قال ابن كثير: (وحمل الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا
فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا* أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وقال تعالى:
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ الآية، وهكذا هذه الآية معناها كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز جل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال
الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ؟ وهذا اختيار ابن جرير). فهذا دليل على صلة معاني سورة الصف بما جاء في مقدمة سورة البقرة ولنتابع عرض الفقرة الأولى من سورة الصف:
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ دل ذلك على أن رسالة عيسى عليه السلام كانت إلى بني إسرائيل خاصة، ونصوص الأناجيل الحالية مع كل ما طرأ عليها تذكر ذلك، وتؤكده كما سنرى في الفوائد مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وهذا كذلك موضوع مقرر ومذكور في الأناجيل الحالية على تحريفها؛ ولذلك فالنصارى يعتمدون كتب العهد القديم على خلاف بينهم في بعض الأمور، وإنما أذكر هذا لأن في دقة عرض القرآن لمثل هذه الأمور بمثل هذا البيان والإحاطة دليلا على ربانية مصدره وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ أقول: وهذا كذلك لا زالت نصوصه موجودة في الأناجيل الحالية على تحريفها لمن تأمل أصولها المترجمة عنها، أو رأى طبعاتها العربية الأولى، وعرف شيئا من معاني بعض الكلمات التي لم تترجم، وقد نقلنا ذلك كله في كتابنا (الرسول صلى الله عليه وسلم في فصل البشارات، ورأينا نموذجا عنه في هذا التفسير أثناء الكلام عن سورة الأعراف، ولنا في الفوائد عودة إليه، قال النسفي في الآية: يعني أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر فَلَمَّا جاءَهُمْ أي: عيسى أو محمد عليهما السلام بِالْبَيِّناتِ أي: بالمعجزات قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ أي: واضح، فوجود أمثال هؤلاء مع رغبتهم في إنهاء الإسلام مبرر من مبررات مشروعية القتال.