الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا التكبر إلا لعظمته سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ بعد أن ذكر الله عز وجل ما ذكر من أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، نزه ذاته عما يصفه به المشركون
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ أي: المقدر لما يوجده الْبارِئُ أي: الموجد الْمُصَوِّرُ الذي أعطى كل شئ صورته لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الدالة على الصفات العلى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ختم السورة بما بدأها به.
كلمة في السياق:
رأينا أن السورة في سياقها الرئيسي تركز على التعريف بالله عز وجل، وتطالب بناء على هذا التعريف بالتقوى، والعمل للآخرة، والخشوع لكتاب الله عز وجل، وقد ذكرت لنا السورة مظاهر من عزة الله وحكمته، فكانت مجلى لظهور اسمي الله العزيز الحكيم اللذين بدأت بهما السورة وانتهت، فرأينا حكمة الله في أفعاله وشرعه فيها، ورأينا عزة الله عز وجل في انتصاره وانتقامه، ورأينا في السورة تدبير الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين، وفعله بالكافرين والمنافقين، ورأينا مزيدا من خصائص المؤمنين، وعرفنا مزيدا من صفات المنافقين والكافرين، ومن ثم كانت السورة تفصيلا لمقدمة سورة البقرة، فمقدمة سورة البقرة تتحدث عن المتقين، ولا تقوى إلا بمعرفة الله عز وجل، وقد عرفتنا السورة على الله عز وجل، ومن صفات المتقين الاهتداء بكتاب الله عز وجل الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وقد
عرفتنا السورة على عظمة هذا القرآن، وطالبت بالخشوع له لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ
…
ومن صفات المتقين الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ وقد دعتنا السورة للعمل للآخرة، وأرتنا خصائص للمتقين التي تمثلت في رجال مهاجرين وأنصار وتابعين لهم بإحسان، وحدثتنا السورة عن تعذيب الله للكافرين في الدنيا والآخرة، وحدثتنا السورة عن المنافقين وصفاتهم من خلال موقفهم من بني النضير، فكان في ذلك كله تفصيل لمقدمة سورة البقرة.
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ قال ابن كثير: (يعني: يهود بني النضير. قاله ابن عباس ومجاهد والزهري وغير واحد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدا وذمة على أن
لا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه، فأحل الله بهم بأسه الذي لا يرد، وأنزل عليهم قضاءه الذي لا يصد، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون، وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله، فما أغنى عنهم من الله شيئا، وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، وسيرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي الشام، وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر، وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم، فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي لا يمكن أن تحمل معهم؛ ولهذا قال تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ قال صاحب الظلال: (أتاهم من داخل أنفسهم! لا من داخل حصونهم! أتاهم من قلوبهم فقذف فيها الرعب، ففتحوا حصونهم بأيديهم! وأراهم أنهم لا يملكون ذواتهم، ولا يحكمون قلوبهم، ولا يمتنعون على الله بإرادتهم وتصميمهم! فضلا على أن يمتنعوا عليه ببنيانهم وحصونهم. وقد كانوا يحسبون حساب كل شئ إلا أن يأتيهم الهجوم من داخل كيانهم. فهم لم يحتسبوا هذه الجهة التي أتاهم الله منها. وهكذا حين يشاء الله أمرا. يأتي له من حيث يعلم ومن حيث يقدر، وهو يعلم كل شئ، وهو على كل شئ قدير).
3 -
بمناسبة قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ قال صاحب الظلال: (ومن ثم فالنظام الإسلامي نظام يبيح الملكية الفردية، ولكنه ليس هو النظام الرأسمالي، كما أن النظام الرأسمالي ليس منقولا عنه، فما يقوم النظام الرأسمالي إطلاقا بدون ربا وبدون احتكار، إنما هو نظام خاص من لدن حكيم خبير. نشأ وحده، وسار وحده، وبقي حتى اليوم وحده، نظاما فريدا متوازن الجوانب، متعادل الحقوق والواجبات، متناسقا تناسق الكون كله، مذ كان صدوره عن خالق الكون، والكون متناسق موزون!).
4 -
وبمناسبة قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا قال ابن كثير: (وروى الإمام أحمد عن عبد الله- هو ابن مسعود- رضي الله عنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن،
المغيرات خلق الله عز وجل، قال: فبلغ امرأة من بني أسد في البيت يقال لها أم يعقوب، فجاءت إليه فقالت: بلغني أنك قلت كيت وكيت، قال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله تعالى، فقالت إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أما قرأت وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا؟ قالت: بلى قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قالت: إني لأظن أهلك يفعلونه، قال: اذهبي فانظري، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا، فجاءت فقالت ما رأيت شيئا قال: لو كان كذا لم تجامعنا. أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري، وقد ثبت في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» ).
وقال صاحب الظلال: (فأما القاعدة- قاعدة تلقي الشريعة من مصدر واحد:
وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
…
فهي كذلك تمثل النظرية الدستورية الإسلامية. فسلطان القانون في الإسلام مستمد من أن هذا التشريع جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا أو سنة
…
والأمة كلها والإمام معها لا تملك أن تخالف عما جاء به الرسول. فإذا شرعت ما يخالفه لم يكن لتشريعها هذا سلطان، لأنه فقد السند الأول الذي يستمد منه السلطان
…
وهذه النظرية تخالف جميع النظريات البشرية الوضعية، بما فيها تلك التي تجعل الأمة مصدر السلطات، بمعنى أن للأمة أن تشرع لنفسها ما تشاء، وكل ما تشرعه فهو ذو سلطان. فمصدر السلطات في الإسلام هو شرع الله الذي جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم والأمة تقوم على هذه الشريعة وتحرسها وتنفذها والإمام نائب عن الأمة في هذا وفي هذا تنحصر حقوق الأمة. فليس لها أن تخالف عما آتاها الرسول في أي تشريع).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد
…
عن أنس رضي الله عنه قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤنة، وأشر كونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال:«لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم» لم أره في الكتب من هذا الوجه. وروى البخاري عن يحيى بن سعيد أنه سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يقطع لهم البحرين قالوا: لا إلا أن تقطع
لإخواننا من المهاجرين مثلها قال: «أما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة» تفرد به البخاري من هذا الوجه. وروى البخاري
…
عن أبي هريرة قال: «قالت الأنصار: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال: لا، فقالوا: أتكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا: سمعنا وأطعنا» تفرد به دون مسلم).
6 -
بمناسبة قوله تعالى: وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا قال ابن كثير: (قال الحسن البصري وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً يعني: الحسد مِمَّا أُوتُوا قال قتادة: يعني فيما أعطي إخوانهم. وكذا قال ابن زيد:
ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد حيث روى عن أنس رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال:«نعم» قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الليالي الثلاث، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات:«يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه.
قال عبد الله: فهذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق، ورواه النسائي في اليوم والليلة بإسناد صحيح على شرط الصحيحين).
7 -
بمناسبة قوله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قال ابن كثير: (وروى الأعمش وشعبة
…
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا» ورواه أحمد وأبو داود والنسائي. وروى الليث عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا» . وروى ابن أبي حاتم عن الأسود بن هلال قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن إني أخاف أن أكون قد هلكت، فقال له عبد الله: وما ذاك؟
قال: سمعت الله يقول: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئا، فقال عبد الله: ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما، ولكن ذاك البخل وبئس الشئ البخل. وروى سفيان الثوري عن أبي الهياج الأسدي قال:
كنت أطوف بالبيت فرأيت رجلا يقول: اللهم قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له فقال: إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. رواه ابن جرير. وروى ابن جرير عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«برئ من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة» .
8 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ قال ابن كثير: (هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفئ وهم المهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم بإحسان كما قال في آية براءة وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لآثارهم الحسنة، وأوصافهم الجميلة، الداعون لهم في السر والعلانية، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ أي: قائلين رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفئ نصيب، لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا أي: بغضا وحسدا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. وروى ابن أبي حاتم عن
عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الآية. وروى إسماعيل بن علية عن عائشة قالت: أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسببتموهم: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها» رواه البغوي وروى أبو داود عن الزهري قال: قال عمر رضي الله عنه:
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ قال الزهري: قال عمر رضي الله عنه: هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرى عرينة وكذا وكذا، مما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وللفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، والذين جاءوا من بعدهم فاستوعبت هذه الآية الناس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق. قال أيوب أو قال حظ إلا بعض من تملكون من أرقائكم، وكذا رواه أبو داود وفيه انقطاع. وروى ابن جرير عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قرأ عمر بن الخطاب إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ حتى بلغ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ثم قال: هذه لهؤلاء ثم قرأ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى الآية ثم قال: هذه لهؤلاء ثم قرأ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى
رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
حتى بلغ لِلْفُقَراءِ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
…
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ثم قال:
استوعبت هذه المسلمين عامة، فليس أحد إلا وله فيها حق ثم قال. لئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرد حمير نصيبه فيها لم يعرق فيها جبينه.).
9 -
بمناسبة قوله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ قال ابن كثير: (وقد ذكر بعضهم هاهنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل، لا أنها المرادة وحدها بالمثل، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها، روى ابن جرير عن أبي إسحاق سمعت عبد الله بن نهيك قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول: إن راهبا تعبد ستين سنة، وإن الشيطان أراده فأعياه، فعمد إلى امرأة فأجنها ولها إخوة فقال لإخوتها: عليكم بهذا القس فيداويها، قال:
فجاءوا بها إليه فداواها وكانت عنده، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها فقال الشيطان للراهب أنا صاحبك إنك أعييتني،
أنا صنعت هذا بك، فأطعني أنجك مما صنعت بك، فاسجد لي سجدة، فسجد له فلما سجد قال: إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين، فذلك قوله كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ).
10 -
بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن المنذر بن جرير عن أبيه قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام الصلاة، فصلى ثم خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلى آخر الآية وقرأ الآية التي في الحشر وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره- حتى قال- ولو بشق تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شئ» انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة بإسناده مثله).
11 -
بمناسبة قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ قال ابن كثير: (روى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن نعيم بن نمحة قال:
كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله عز وجل فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله عز وجل، إن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم الله عز وجل أن تكونوا أمثالهم وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم، وخلوا بالشقوة والسعادة، وأين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستضيئوا
بسنانه وبيانه، إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ لا خير في قول لا يراد به وجه الله، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير فيمن يغلب جهله علمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم. هذا إسناد جيد ورجاله كلهم ثقات، وشيخ جرير بن عثمان وهو نعيم بن نمحة لا أعرفه بنفي ولا إثبات، غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن شيوخ جرير كلهم ثقات وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر والله أعلم).
12 -
بمناسبة قوله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ قال ابن كثير: (وقد ثبت في الحديث المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمل له المنبر وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد، فلما وضع المنبر أول ما وضع جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر، فعند ذلك حن الجذع وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يسكت لما كان يسمع من الذكر والوحي عنده، ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع، وهكذا هذه الآية الكريمة إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته، فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى الآية وقد تقدم أن معنى ذلك أي لكان هذا القرآن، وقد قال تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
13 -
بمناسبة قوله تعالى: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى قال ابن كثير: (ونذكر الحديث المروي في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«إن الله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر» وتقدم سياق الترمذي وابن ماجه له عن أبي هريرة أيضا وزاد بعد قوله: وهو وتر يحب الوتر. واللفظ للترمذي: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل،