الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتمة تفسير المجموعة الثالثة:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ قال النسفي: خصا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهم السلام وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا أي: في أولادهما النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ أي:
الوحي فَمِنْهُمْ أي: فمن الذرية أو المرسل إليهم بدليل ذكر الإرسال والمرسلين مُهْتَدٍ أي: فمنهم من اهتدى باتباع الرسل وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ أي:
خارجون عن الطاعة
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ أي: على آثار نوح وإبراهيم ومن مضى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بِرُسُلِنا اللاحقين لهم وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أي: وأتبعنا بعيسى ابن مريم وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهم الحواريون ومن على سنتهم رَأْفَةً أي: رقة وهي الخشية وَرَحْمَةً أي: بالخلق أو مودة ولينا وتعطفا بإخوانهم وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها أي: ابتدعتها أمة النصارى، قال النسفي: هي ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين، مخلصين أنفسهم للعبادة
…
وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها أي: أخرجوها من عند أنفسهم ونذروها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ أي: لم نفرضها نحن عليهم إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ قال النسفي: أي: ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، وذكر ابن كثير قولا آخر في معناها: ما كتبنا عليهم ذلك (أي: الرهبانية) إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها قال النسفي: كما يجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه، قال ابن كثير: (أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام وهذا ذم لهم من وجهين: أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.
والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ أي: أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام، أو الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ أي: خارجون عن أمر الله عز وجل.
…
كلمة في السياق:
يلاحظ أن الآية الأولى في هذه الفقرة وهي آية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
…
قد
انتهت بقوله تعالى: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ وأن الآيتين الأخيرتين كل منهما انتهت بقوله تعالى: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ مما يشير إلى أن الله عز وجل أعطانا نموذجين على انحراف في الناس، الأول بعد نوح وإبراهيم عليهما السلام، والثاني في أتباع عيسى، وكل ذلك لنجتنب مثل هذا الانحراف، ومن الانحراف الذي رأيناه في أتباع عيسى ابتداعهم الرهبانية، وعدم قيامهم بما ألزموا أنفسهم به، وفسوقهم عن أمر الله، وكل ذلك مما ينبغي اجتنابه. وبهذا ينتهي الكلام عن المقطع، وقد رأينا أثناء عرضه سياقه الخاص، ومحل كل آية وفقرة في سياق السورة العام، وصلة ذلك بالمحور، ولم يبق عندنا في السورة إلا آيتان هما خاتمة السورة.
***