الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي سورة المنافقون:
قدم الألوسي لسورة (المنافقون) بقوله: (مدنية وعدد آياتها إحدى عشرة آية بلا خلاف، ووجه اتصالها أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون، وهذه ذكر فيها أضدادهم وهم المنافقون، ولهذا أخرج سعيد بن منصور، والطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها المؤمنين. وفي الثانية بسورة المنافقون فيقرع بها المنافقين، وقال أبو حيان في ذلك: إنه لما كان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة ربما كان حاصلا عن المنافقين واتبعهم ناس كثير من المؤمنين في ذلك لسرورهم بالعير التي قدمت بالميرة، إذ كان الوقت وقت مجاعة جاء ذكر المنافقين وما هم عليه من كراهة أهل الإيمان، وأتبع بقبائح أفعالهم وأقوالهم، والأول أولى).
ومن تقديم صاحب الظلال لهذه السورة: (وهي تتضمن حملة عنيفة على أخلاق المنافقين وأكاذيبهم ودسائسهم ومناوراتهم، وما في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين، ومن اللؤم والجبن وانطماس البصائر والقلوب.
وليس في السورة عدا هذا إلا لفتة في نهايتها إلى الذين آمنوا لتحذيرهم من كل ما يلصق بهم صفة من صفات المنافقين، ولو من بعيد. وأدنى درجات النفاق عدم التجرد لله، والغفلة عن ذكره اشتغالا بالأموال والأولاد، والتقاعس عن البذل في سبيل الله حتى يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه البذل والصدقات).
وفي سبب نزول هذه السورة نذكر هذه الروايات نقلا عن ابن كثير: (وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن حبان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة في قصة بني المصطلق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري وكان أجيرا لعمر بن الخطاب، وسنان بن يزيد قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: ازدحما على الماء فاقتتلا فقال سنان: يا معشر الأنصار، وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين، وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبي فلما سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا، والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من عنده من قومه وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا
عنكم من بلادكم إلى غيرها، فسمعها زيد بن أرقم رضي الله عنه فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غليم عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره الخبر، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمدا يقتل أصحابه! لا، ولكن ناد يا عمر الرحيل» فلما بلغ عبد الله بن أبي أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر إليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم، وكان عند قومه بمكان، فقالوا:
يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أو هم ولم يثبت ما قال الرجل، وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها، فلقيه أسيد بن الحضير رضي الله عنه فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل» قال: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل، ثم قال: ارفق به يا رسول الله فو الله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه، فإنه ليرى أن قد سلبته ملكا، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حتى أمسوا وليلته حتى أصبحوا، وصدر يومه حتى اشتد الضحى، ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث، فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ونزلت سورة المنافقون.
وقد روى ابن أبي حاتم رحمه الله عن محمد بن مسلم أن عروة بن الزبير وعمرو ابن ثابت الأنصاري أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المريسيع، وهي التي هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل وبين البحر، فبعث رسول الله خالد بن الوليد فكسر مناة، فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، أحدهما من المهاجرين والآخر من بهز، وهم حلفاء الأنصار، فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على البهزي، فقال البهزي: يا معشر الأنصار، فنصره رجال من الأنصار وقال المهاجري: يا معشر المهاجرين، فنصره رجال من المهاجرين، حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شئ من القتال، ثم حجز بينهم فانكفأ كل منافق أو رجل في قلبه مرض إلى عبد الله بن أبي بن سلول فقالوا: قد كنت ترجى وتدفع فأصبحت لا تضر ولا تنفع، قد تناصرت علينا الجلابيب- وكانوا يدعون كل حديث الهجرة الجلابيب- فقال عبد الله بن أبي عدو الله: والله لئن رجعنا
إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال مالك بن الدخشن- وكان من المنافقين-:
ألم أقل لكم لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا؟ فسمع بذلك عمر بن الخطاب، فأقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضرب عنقه- يريد عمر عبد الله بن أبي-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:«أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟» فقال عمر: نعم والله لئن أمرتني بقتله لأضربن عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اجلس» فأقبل أسيد بن حضير وهو أحد الأنصار، ثم أحد بني عبد الأشهل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟» قال: نعم والله لئن أمرتني بقتله لأضربن بالسيف تحت قرط أذنيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اجلس» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آذنوا بالرحيل» فهجر الناس فسار يومه وليلته والغد حتى منع النهار، ثم نزل ثم هجر بالناس مثلها حتى صبح بالمدينة في ثلاث سارها من قفا المشلل، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أرسل إلى عمر فدعاه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أي عمر أكنت قاتله لو أمرتك بقتله؟» فقال عمر: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لو قتلته يومئذ لأرغمت أنوف رجال لو أمرتهم اليوم بقتله لقتلوه، فيتحدث الناس أني قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبرا» وأنزل الله عز وجل هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا إلى قوله تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ الآية وهذا سياق غريب وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه، وروى محمد بن إسحاق بن يسار أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي انظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا» وذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله هذا على باب المدينة واستل سيفه، فجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبي قال له ابنه: وراءك فقال له: ما لك ويلك؟ فقال: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إنما يسير ساقة- فشكا إليه عبد الله بن أبي ابنه فقال ابنه