الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسراركم وجهركم في علم الله بهما ثم علل ذلك بقوله: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ قال النسفي: (أي: بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها، فكيف لا يعلم ما تكلمتم به). وقال ابن كثير: أي: بما يخطر في القلوب
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ أي:
ألا يعلم الخالق للقول القول وَهُوَ اللَّطِيفُ أي: العالم بدقائق الأشياء الْخَبِيرُ أي: العالم بحقائق الأشياء. قال النسفي: وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلا على خلق أفعال العباد.
كلمة في السياق:
1 -
قلنا إن محور السورة هو محور سورة الأنعام كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلنر كيف فصلت الفقرة الأولى من سورة الملك في هذا المحور:
أما قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فقد فصل فيه قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا إذ علل لحكمة خلق الموت والحياة.
وأما قوله تعالى: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فنلاحظ أن قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ تفصيل له، إذ لفت النظر إلى كيفية الاستدلال به على وجود الله والإيمان به.
وأقامت الفقرة الحجة على الكافرين بدقة هذا الكون وتحدثت عن ما أعد الله للكافرين من عذاب، وكيف أن الكافرين يوم القيامة يندمون على كفرهم وَقالُوا لَوْ كُنَّا
نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ
فالفقرة أقامت الحجة على الكافرين بظاهرة الخلق وظاهرة العناية، وتحدثت عما يقع للكافرين يوم القيامة، وتحدثت الفقرة عن مقتضى من مقتضيات الإيمان الحقيقي بالله وهو الخشية من الله إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ
…
فمن تأمل الفقرة التي مرت معنا وجد أنها كلها تصب في تفصيل آيتي المحور ومعانيها، وما ذكرناه كاف للتدليل على ذلك.
2 -
بدأت السورة بالكلام عن الله عز وجل، ومالكيته، وقدرته، وخلقه
الموت والحياة، وحكمة ذلك، ثم تحدثت عن خلقه السموات ودقة الخلق، وأمرت بتكرار النظر للوصول من خلاله إلى اليقين الكامل، ثم تحدثت عن تزيين السماء الدنيا بالكواكب، ورجم الشياطين بها؛ ليصل النص إلى الكلام عن عذاب الشياطين والكافرين يوم القيامة، ودخولهم النار، وتوبيخ الملائكة لهم، واعتراف الكافرين بمواقفهم التي استحقوا بها العقاب، واعترافهم أنهم كانوا بلا سمع ولا عقل، وفي هذا السياق يحدثنا الله عز وجل عن الذين يستحقون مغفرته وجنته، وهم الذين يخشون ربهم بالغيب، ومجئ هذا المعنى في سياق إقامة الحجة على الكافرين يوحي بأن المظهر الحقيقي للإيمان بالله هو خشية الله عز وجل، وهاهنا يذكرنا الله عز وجل بما يستثير في قلوبنا الخشية منه، وهو علمه بسرنا وجهرنا، ويذكر لنا الدليل على ذلك أنه هو الذي خلق هذا السر والجهر، ومن تأمل هذه المعاني وجدها على صلة كاملة بقوله تعالى في المحور: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
3 -
يلاحظ أن الفقرة الثانية من سورة الملك تبدأ بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وهي كما ترى شديدة الصلة بالآية الثانية من المحور هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وكذلك بقية الفقرة، فكأن الفقرة الأولى أشد لصوقا بمعاني الآية الأولى من المحور، والفقرة الثانية أشد لصوقا بمعاني الآية الثانية.
***