الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال صاحب الظلال في تقديمه لسورة القمر]
قدم صاحب الظلال لسورة القمر بقوله: (هذه السورة من مطلعها إلى ختامها حملة رعيبة مفزعة عنيفة على قلوب المكذبين بالنذر، بقدر ما هي طمأنينة عميقة وثيقة للقلوب المؤمنة المصدقة. وهي مقسمة إلى حلقات متتابعة، كل حلقة منها مشهد من مشاهد التعذيب للمكذبين، يأخذ السياق في ختامها بالحس البشري فيضغطه ويهزه ويقول له: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ؟ *
…
ثم يرسله بعد الضغط والهز ويقول له: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟ *).
(فإذا انتهت الحلقة وبدءوا يستردون أنفاسهم اللاهثة المكروبة عاجلتهم حلقة جديدة أشد هولا ورعبا
…
وهكذا حتى تنتهي الحلقات السبعة في هذا الجو المفزع الخانق. فيطل المشهد الأخير في السورة. وإذا هو جو آخر، ذو ظلال أخرى. وإذا هو الأمن والطمأنينة والسكينة. إنه مشهد المتقين: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ. في وسط ذلك الهول الراجف، والفزع المزلزل، والعذاب المهين للمكذبين: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ.
فأين وأين؟ مشهد من مشهد؟ ومقام من مقام؟ وقوم من قوم؟ ومصير من مصير؟).
كلمة في سورة القمر ومحورها:
من تشابه بداية سورة القمر وسورة الأنبياء نستأنس أن محور السورتين واحد، فسورة الأنبياء ابتدأت بقوله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ وسورة القمر ابتدأت بقوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ومن دراسة مضمون سورة القمر نعرف أن محورها هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو نفسه محور سورة الأنبياء لاحظ بعض آيات سورة القمر:
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (آية: 2).
فَما تُغْنِ النُّذُرُ (آية: 5).
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (آية: 18).
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (آية: 23).
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (آية: 33).
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ* كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (الآيتان: 41، 42). ومن تأمل هذه الآيات وجد صلتها بقوله تعالى:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* واضحة، والحقيقة أن السورة كلها- تقريبا- حديث عن الإنذار، والتكذيب، وعدم استفادة الكافرين من الإنذار، وجزائهم في الدنيا والآخرة، وهذا كله يؤكد صلة السورة بالمحور الذي ذكرناه.
…
وقد رأينا أن آخر سورة النجم كان: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ
…
والملاحظ أن سورة القمر تبدأ بالكلام عن اقتراب الساعة، وتتحدث عن مجموعة من النذر الأولى، كما تتحدث عن القرآن فتتكرر بها اللازمة وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* وهكذا نجد أن سورة القمر ترتبط بالمعاني التي ذكرت في أواخر سورة النجم، وبذلك نرى أن هذا القرآن تتعانق سوره، وتتعانق زمره، وتتعانق معانيه بهذا الشكل المعجز العجيب، الذي لا يخطر على قلب بشر، فضلا عن أن يستطيعه بشر. ولنبدأ عرض سورة القمر، فإن وضوح صلتها بمحورها لا يستدعي منا وقوفا طويلا وسنعرض السورة على ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: وتمتد حتى نهاية الآية: (8).
المجموعة الثانية: وتمتد حتى نهاية الآية: (42).
المجموعة الثالثة: وتمتد حتى نهاية الآية: (55).
والمجموعات الثلاث تتعانق معانيها مع كونها تفصل في محور السورة من سورة البقرة.
…