الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
تَبارَكَ أي: تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ قال النسفي: أي: بتصرفه في الملك والاستيلاء على كل موجود، وهو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، قال ابن كثير: يمجد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه بيده الملك أي: هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل؛ لقهره وحكمته وعدله وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من المقدورات أو من الإنعام والانتقام قَدِيرٌ أي: قادر على الكمال والتمام
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قال النسفي: والمعنى: خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون ليمتحنكم بأمره ونهيه فيما بين الموت الذي يعم الأمير والأسير، فيظهر منكم ما علم أنه يكون منكم؛ فيجازيكم على عملكم لا على علمه بكم أَحْسَنُ عَمَلًا أي: أخلصه وأصوبه، فالخالص أن يكون لوجه الله، والصواب أن يكون على السنة، والمراد أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها على العمل، وسلط عليكم الموت الذي هو داعيكم إلى اختيار العمل الحسن على القبيح، فما وراءه إلا البعث والجزاء الذي لا بد منه، وقدم الموت على الحياة، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه، فقدم لأنه فيما يرجع إلى ما سيقت له الآية أهم. ولما قدم الموت الذي هو أثر صفة القهر على الحياة التي هي أثر اللطف قدم صفة القهر على صفة اللطف بقوله:
وَهُوَ الْعَزِيزُ أي: الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل الْغَفُورُ أي:
الذي يمحو ذنوب أهل الإساءة والزلل إذا تابوا
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً أي: طبقة بعد طبقة، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ أي: من اختلاف واضطراب، وعن السدي: من عيب، وحقيقة التفاوت عدم التناسب، كأن بعض الشئ يفوت بعضا ولا يلائمه، وفي ذكر اسم الرحمن في قوله تعالى: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ تعظيم لخلقهن، وتنبيه على سبب سلامتهن من التفاوت وهو أنه خلق الرحمن، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب. قال ابن كثير: أي: بل هو (أي: الخلق) مصطحب مستو ليس فيه اختلاف، ولا تنافر، ولا مخالفة، ولا نقص، ولا عيب، ولا خلل فَارْجِعِ الْبَصَرَ أي: رده إلى السماء حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة فلا تبقى معك شبهة فيه. قال ابن كثير: أي: انظر إلى السماء فتأملها هل ترى فيها عيبا أو نقصا أو خللا أو فطورا هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ قال قتادة: أي: هل ترى خللا يا ابن آدم. أقول:
والفطور جمع فطر وهو في الأصل: بمعنى الشق والصدع واستعمل هنا بمعنى الخلل
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ أي: كرر النظر كَرَّتَيْنِ أي: مرتين، أي: مرة مع الأولى، وقيل سوى الأولى فتكون ثلاث مرات، وقيل لم يرد الاقتصار على مرتين، بل أراد به التكرير بكثرة، أي: كرر نظرك ودققه هل ترى خللا أو عيبا، وجواب الأمر: يَنْقَلِبْ أي: يرجع إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً أي: ذليلا صاغرا، أو بعيدا عن أن يرى عيبا وَهُوَ حَسِيرٌ أي: كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصا.
قال ابن كثير: ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ قال النسفي: أي: بكواكب مضيئة كإضاءة الصبح، والمصابيح: السرج فسميت بها الكواكب. أقول: ولعل المراد بهذه المصابيح الكواكب السيارة وحدها كما سنرى في الفوائد وَجَعَلْناها رُجُوماً قال النسفي: والرجوم جمع رجم أو هو مصدر سمي به ما يرجم به لِلشَّياطِينِ قال النسفي: ومعنى كونها رجوما للشياطين أي: ينفصل عنها شهاب قبس يؤخذ من نار فيقتل الجني أو يخبله. قال ابن كثير: عاد
الضمير في قوله:
وجعلناها على جنس المصابيح لا على عينها، لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها. أقول: وليس شرطا أن يكون الانفصال آنيا بل قد يكون الانفصال قد تم من قبل، ومن المعلوم أنه في هذا الفضاء تسبح أشياء كثيرة سوى النجوم والكواكب، كما أنه من المعلوم أن كوكبا سيارا سوى التسعة قد انفجر منذ زمن بعيد، وخلف وراءه كويكبات، وعلى كل فالنيازك التي تدخل جو الأرض ويصل بعضها إلى الأرض أحيانا هي من مادة الأرض والكواكب؛ لأن المادة واحدة، ولنا عودة على هذا الموضوع وَأَعْتَدْنا لَهُمْ أي: للشياطين عَذابَ السَّعِيرِ أي: في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا. قال ابن كثير: أي:
جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا أي: وأعتدنا للذين كفروا بِرَبِّهِمْ من الشياطين ومن الإنس عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي: المآل والمنقلب
إِذا أُلْقُوا فِيها أي: إذا طرحوا في جهنم كما يطرح الحطب في النار العظيمة سَمِعُوا لَها أي: لجهنم شَهِيقاً قال ابن جرير يعني: الصياح. وقال النسفي: أي: صوتا منكرا، شبه حسيسها المنكر الفظيع بالشهيق وَهِيَ تَفُورُ أي: تغلي بهم غليان المرجل بما فيه
تَكادُ تَمَيَّزُ أي: تتميز يعني: تتقطع وتتفرق مِنَ الْغَيْظِ على الكفار. قال النسفي: فجعلت
كالمغتاظة عليهم استعارة لشدة غليانها بهم، وقال ابن كثير: أي: تكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها وحنقها بهم كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ أي: جماعة من الكفار سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أي: مالك وأعوانه من الزبانية توبيخا لهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي: رسول يخوفكم من هذا العذاب
قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ هذا اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه فَكَذَّبْنا أي: فكذبناهم وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ أي: مما تقولون أيها الرسل من وعد ووعيد وغير ذلك إِنْ أي: ما أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ هل هذا من كلام الكفار لرسلهم، أو من كلام الخزنة للكفار؟ قولان للمفسرين.
قال النسفي: (قال الكفار للمنذرين: ما أنتم إلا في خطأ عظيم، فالنذير بمعنى الإنذار، ثم وصف به منذروهم لغلوهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذارا، وجاز أن يكون هذا كلام الخزنة للكفار على إرادة القول، ومرادهم بالضلال: الهلاك، أو سموا جزاء الضلال باسمه كما سمى جزاء السيئة والاعتداء سيئة واعتداء، ويسمى المشاكلة في علم البيان، أو كلام الرسل لهم حكوه للخزنة، أي: قالوا لنا هذا فلم نقبله). ذكر تعالى في الآية عدله في خلقه، وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه
وَقالُوا أي: الكفار لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ الإنذار سماع طالب الحق أَوْ نَعْقِلُ أي: نعقله عقل تأمل ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ أي: في جملة أهل النار. قال النسفي: وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل، وأنهما حجتان ملزمتان. قال ابن كثير:(أي: لو كانت لنا عقول ننتفع بها، أو نسمع ما أنزل الله من الحق لما كنا على ما كنا عليه من الكفر بالله والاغترار به، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ أي: بكفرهم في تكذيبهم الرسل فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ أي: فبعدا لهم عن رضى الله وكرامته، اعترفوا أو جحدوا، فإن ذلك لا ينفعهم
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ قال النسفي: أي: قبل معاينة العذاب لَهُمْ مَغْفِرَةٌ للذنوب وَأَجْرٌ كَبِيرٌ أي: الجنة. قال ابن كثير في الآية: (يقول تعالى مخبرا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه، إذا كان غائبا عن الناس فينكف عن المعاصي، ويقوم بالطاعات حيث لا يراه أحد إلا الله تعالى، بأنه له مغفرة وأجر كبير، أي: تكفر عنه ذنوبه ويجازى بالثواب الجزيل)
ثم قال تعالى منبها على أنه مطلع على الضمائر والسرائر وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ أي: ليستو عندكم