الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجموعة الخامسة من الفقرة الثانية
[سورة الذاريات (51): آية 46]
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46)
المجموعة السادسة من الفقرة الثانية
[سورة الذاريات (51): الآيات 47 الى 55]
وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
ملاحظة في السياق:
نلاحظ أن قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام وهي القصة الأولى في السياق- منتهية بقوله تعالى: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ مما يشير إلى أن السياق يتحدث عن آيات أخرى للموقنين غير الآيات التي تحدثت عنها نهاية الفقرة الأولى، وسنرى أن القصص اللاحقة كلها من هذا النوع، وعلى هذا النسق.
تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية:
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ أي: ضيوف إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ قال ابن كثير:
(أي الذين أرصد لهم الكرامة، وقد ذهب الإمام أحمد وطائفة من العلماء إلى وجوب
الضيافة للنزيل) وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل، وقال النسفي: الضيف للواحد والجماعة .. وجعلهم ضيفا؛ لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم عليه السلام، أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك. وعند النسفي أن تسميتهم بالمكرمين لأنهم عند الله كذلك، أو لأن إبراهيم عليه السلام خدمهم بنفسه، وأخدمهم امرأته، وعجل لهم بالقرى. وابتداء الآية بخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفخيم للحديث، وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عرفه بالوحي، ذكره النسفي. وذكر النسفي صلة قصة إبراهيم عليه السلام بما قبلها فقال: (وانتظامها بما قبلها باعتبار أنه عز وجل قال:
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ وقال في آخر هذه القصة: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً). اهـ.
ثم حدثنا الله عز وجل عما جرى بين إبراهيم عليه السلام وضيوفه فقال: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ أي: على إبراهيم عليه السلام فَقالُوا سَلاماً أي: نسلم عليك سلاما قالَ سَلامٌ أي: عليكم سلام، وفي هذا المقام يذكر المفسرون قضية مرتبطة بالنحو حول أيهما أقوى، سلام الملائكة أو سلام إبراهيم؟ فيقولون: إن رد إبراهيم عليه السلام كان بصيغة الرفع، بينما سلامهم كان بصيغة النصب، فرد إبراهيم أبلغ في التحية. قال النسفي: والعدول إلى الرفع للدلالة على إثبات السلام، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به، أخذا بأدب الله، وهذا أيضا من إكرامه لهم، وقال ابن كثير: الرفع أقوى وأثبت من النصب، فرده أفضل من التسليم
…
فالخليل اختار الأفضل. قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قال النسفي: أي: أنتم قوم منكرون فعرفوني من أنتم
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ أي: انسل خفية في سرعة، قال النسفي: فذهب إليهم (أي: إلى أهله) في خفية من ضيوفه، ومن أدب المضيف أن يخفي أمره، وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذرا من أن يكفه
…
فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ أي: من خيار ماله
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ليأكلوا فلم يأكلوا قالَ أَلا تَأْكُلُونَ أنكر عليهم ترك الأكل، أو حثهم عليه، قال ابن كثير: تلطف في العبارة وعرض حسن، وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة بل جاء به بسرعة وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل فتي سمين مشوي فقربه إليهم لم يضعه وقال اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم ولم يأمرهم أمرا يشق على مسامعهم بصيغة الجزم بل قال أَلا تَأْكُلُونَ؟ على سبيل العرض والتلطف، كما يقول القائل: اليوم إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل.
فلما رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام خاف قال تعالى: فَأَوْجَسَ أي: أضمر مِنْهُمْ خِيفَةً قال
النسفي: (أي: خوفا؛ لأن من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك) قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ بعد أن أعلموه أنهم رسل الله، والمبشر به إسحاق عليه السلام، والبشارة تضمنت شيئين أن المبشر به سيكبر ويعطى العلم
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ أي: في صيحة فَصَكَّتْ وَجْهَها أي: فلطمت ببسط يديها وجهها، وقيل فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجب وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ أي: أنا عجوز عقيم، فكيف ألد؟
قالُوا أي: الملائكة كَذلِكَ أي: مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به قالَ رَبُّكِ أي: إنما نخبرك عن الله تعالى، والله قادر على ما تستبعدين إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ في فعله الْعَلِيمُ فلا يخفى عليه شئ، قال ابن كثير: أي: عليم بما تستحقون من الكرامة حكيم في أقواله وأفعاله
قالَ إبراهيم فَما خَطْبُكُمْ أي: فما شأنكم وما طلبتكم وفيم أرسلتم أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ وإنما سألهم لعلمه أنهم لا ينزلون إلا بأمر الله رسلا في بعض الأمور، فأحب أن يعلم هل أرسلوا بالبشارة خاصة أو لأمر آخر أولهما
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ أي: قوم لوط
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ أي: حجارة السجيل، والسجيل في الأصل: طين طبخ كما يطبخ الآجر حتى صار في صلابة الحجارة
مُسَوَّمَةً أي: معلمة عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ قال ابن كثير: أي:
مكتبة عنده بأسمائهم كل حجر عليه اسم صاحبه. قال النسفي: سماهم مسرفين كما سماهم عادين لإسرافهم وعدوانهم في عملهم، حيث لم يقتنعوا بما أبيح لهم
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها أي: في القرية مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني: لوطا عليه السلام ومن آمن به
فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي: غير أهل بيت وهم أهل بيت لوط سوى امرأته، قال النسفي:(وفيه دليل على أن الإيمان والإسلام واحد، لأن الملائكة سموهم مؤمنين ومسلمين هنا) ولنا عودة على هذا الموضوع في الفوائد
وَتَرَكْنا فِيها قال النسفي: (أي: في قراهم) آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ أي: علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم قال ابن كثير: (أي:
جعلناها عبرة بما أنزلنا بهم من العذاب والنكال، وحجارة السجيل، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين الذين يخافون العذاب الأليم) أقول: يفهم من كلام ابن كثير أن البحر الميت تشكل على أثر ما حل بقرى لوط، قد يكون الأمر كذلك، وقد يكون البحر موجودا من قبل، وعلى أثر الخسف الذي حصل لقرى لوط، امتد رواقه حتى غمرها، والأمر يحتاج إلى تحقيقات متعددة لترجيح أحد هذين