الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النسفي: والمعنى: فاضلات الأخلاق حسان الخلق
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ أي: مخدرات يقال، امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة ملازمة لبيتها، لا تطوف في الطرق، والنساء يمدحن بملازمتهن البيوت لدلالتها على صيانتهن، والخيام من اللؤلؤ المجوف كما صح في الأحاديث التي سنراها في
الفوائد
.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قد تقدم مثله سواء
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ قال النسفي:
(الرفرف: هو كل ثوب عريض وقيل الوسائد) خُضْرٍ لما للأخضر من ميزات في إراحة العيون والأنفس وَعَبْقَرِيٍّ أي: ديباج أو طنافس حِسانٍ أي:
جياد
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فتنصرفان عن طلب ذلك وبذل مهوره من عبادة وتقوى
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ أي: ذي العظمة وَالْإِكْرامِ أي:
لأوليائه بالإنعام، قال ابن كثير: (أي هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى
…
).
أقول: بدأت السورة بذكر اسم الله الرحمن وانتهت بهذه الآية؛ وذلك يشير إلى أن التعريف بالله الذي يستحق العبادة والتقوى، هو المصب الرئيسي للسورة، وبمعرفتنا لذلك نكون قد أدركنا معنى رئيسيا من المعاني التي تربط بين السورة ومحورها، إذ لا عبادة ولا تقوى ولا توحيد إلا بعد معرفة الله عز وجل حق المعرفة، ومن ثم أمرنا الله في المحور بعبادته كطريق يوصل إلى تقواه، وعرفنا على ذاته.
الفوائد:
1 -
بدأ الله عز وجل سورة الرحمن- وهي السورة التي تعدد آلاءه عز وجل بذكر اسمه الرحمن وفي ذلك إشارة إلى أن كل ما ذكر فيها هو أثر عن رحمته، سواء في ذلك إنعامه على عباده في الدنيا، أو معاملته الكافرين بالعدل في الآخرة، أو إعطاؤه المؤمنين الجنات في الآخرة، كل ذلك من آثار رحمته عز وجل، ولو سأل سائل: وهل تعذيب الكفار رحمة؟ نقول: نعم، فمن عرف تعذيب الكافرين لأهل الإيمان في الدنيا يدرك أن من رحمة الله بعباده المؤمنين أن يعامل الكافرين بعدله يوم القيامة، وهذه السورة وما ورد فيها تعتبر ردا كاملا على ما يزعمه بعض المستشرقين من أن الله عز وجل في الإسلام جبار منتقم قهار ذو صفات قهرية فقط، إن مثل هذا الكلام ظاهر المغالطة، وهو إن دل على شئ فإنما يدل على جهل صاحبه، فأدنى قراءة لأسماء الله
الحسنى- كما جاءت في القرآن والسنة- تدل على أن الله- عز وجل في الإسلام متصف بصفات الجلال والجمال وهو الحق، ولكنهم يغالطون مستغلين جهل الناس بالإسلام، فيزعمون أن الله في الإسلام ليس له إلا صفات القهر، بينما الله في النصرانية- على زعمهم- متصف بصفات الرحمة. إن مثل هذا الكلام يرده من عرف فاتحة القرآن فقط، ثم إن الله عز وجل في القرآن متصف ومسمى بالأسماء التي تدلنا عليها ظواهر الكون نفسها- كما أثبتنا ذلك في كتابنا (الله جل جلاله - فليس في العالم كله تصور أصفى وأكمل وأعلى من معرفة المسلم لله عز وجل، ثم إن الكتب السماوية كلها قبل تحريفها وتبديلها إنما تعرف على الله بما عرف عليه القرآن.
2 -
بمناسبة قوله تعالى: الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ قال صاحب الظلال: (فلننظر كيف يكون البيان؟: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ.
إن تكوين جهاز النطق وحده عجيبة لا ينقضي منها العجب
…
اللسان والشفتان والفك والأسنان. والحنجرة والقصبة الهوائية والشعب والرئتان
…
إنها كلها تشترك في عملية التصويت الآلية وهي حلقة في سلسلة البيان. وهي على ضخامتها لا تمثل إلا الجانب الميكانيكي الآلي في هذه العملية المعقدة، المتعلقة بعد ذلك بالسمع والمخ والأعصاب. ثم بالعقل الذي لا نعرف عنه إلا اسمه. ولا ندري شيئا عن ماهيته وحقيقته. بل لا نكاد ندري شيئا عن عمله وطريقته!
كيف ينطق الناطق باللفظ الواحد؟ إنها عملية معقدة كثيرة المراحل والخطوات والأجهزة. مجهولة في بعض المراحل خافية حتى الآن.
إنها تبدأ شعورا بالحاجة إلى النطق بهذا اللفظ لأداء غرض معين. هذا الشعور ينتقل- لا ندري كيف- من الإدراك أو العقل أو الروح إلى أداة العمل الحسية
…
المخ
…
ويقال: إن المخ يصدر أمره عن طريق الأعصاب بالنطق بهذا اللفظ المطلوب. واللفظ ذاته مما علمه الله للإنسان وعرفه معناه. وهنا تطرد الرئة قدرا من الهواء المختزن فيها، ليمر من الشعب إلى القصبة الهوائية إلى الحنجرة وحبالها الصوتية العجيبة التي لا تقاس إليها أو تار أية آلة صوتية صنعها الإنسان. ولا جميع الآلات الصوتية المختلفة الأنغام! فيصوت الهواء في الحنجرة صوتا تشكله حسبما يريد العقل
…
عاليا أو خافتا. سريعا أو بطيئا. خشنا أو ناعما. ضخما أو رفيعا
…
إلى آخر أشكال الصوت وصفاته.
ومع الحنجرة اللسان والشفتان والفك والأسنان، يمر بها هذا الصوت فيتشكل بضغوط خاصة في مخارج الحروف المختلفة. وفي اللسان خاصة يمر كل حرف بمنطقة منه ذات إيقاع معين، يتم فيه الضغط المعين، ليصوت الحرف بجرس معين.
وذلك كله لفظ واحد
…
ووراءه العبارة. والموضوع. والفكرة. والمشاعر السابقة واللاحقة. وكل منها عالم عجيب غريب، ينشأ في هذا الكيان الإنساني العجيب الغريب. بصنعة الرحمن، وفضل الرحمن).
3 -
وبمناسبة قوله تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال صاحب الظلال:
(ونتناول طرفا من الحساب الدقيق في علاقتهما بكوكبنا الأرضي وما عليه من حياة وأحياء. إن الشمس تبعد عن الأرض باثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال.
ولو كانت أقرب إلينا من هذا لاحترقت الأرض أو انصهرت أو استحالت بخارا يتصاعد في الفضاء! ولو كانت أبعد منا لأصاب التجمد والموت ما على الأرض من حياة! والذي يصل إلينا من حرارة الشمس لا يتجاوز جزءا من مليوني جزء من حرارتها.
وهذا القدر الضئيل هو الذي يلائم حياتنا. ولو كانت الشعرى بضخامتها وإشعاعها هي التي في مكان الشمس منا لتبخرت الكرة الأرضية، وذهبت بددا!
وكذلك القمر في حجمه وبعده عن الأرض. فلو كان أكبر من هذا لكان المد الذي يحدثه في بحار الأرض كافيا لغمرها بطوفان يعم كل ما عليها. وكذلك لو كان أقرب مما وضعه الله بحسابه الذي لا يخطئ مقدار شعرة!
وجاذبية الشمس وجاذبية القمر للأرض لهما حسابهما في وزن وضعها، وضبط خطاها في هذا الفضاء الشاسع الرهيب، الذي تجري فيه مجموعتنا الشمسية كلها بسرعة
عشرين ألف ميل في الساعة في اتجاه واحد نحو برج الجبار. ومع هذا لا تلتقي بأي نجم في طريقها على ملايين السنين!
وفي هذا الفضاء الشاسع الرهيب لا يختل مدار نجم بمقدار شعرة، ولا يختل حساب التوازن والتناسق في حجم ولا حركة.
وصدق الله العظيم
…
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ).
4 -
وبمناسبة قوله تعالى: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال صاحب الظلال: (والإشارة إلى السماء
…
توجه النظر إلى أعلى إلى هذا الفضاء الهائل السامق
الذى لا تبدو له حدود معروفة؛ والذي تسبح فيه ملايين الملايين من الأجرام الضخمة، فلا يلتقي منهما اثنان، ولا تصطدم مجموعة منها بمجموعة. ويبلغ عدد المجموعة أحيانا ألف مليون نجم، كمجموعة المجرة التي ينتسب إليها عالمنا الشمسي، وفيها ما هو أصغر من شمسنا وما هو أكبر آلاف المرات. شمسنا التي يبلغ قطرها مليونا وثلث مليون كيلومتر!!! وكل هذه النجوم، وكل هذه المجموعات تجري في الكون بسرعات مخيفة، ولكنها في هذا الفضاء الهائل ذرات سابحة متباعدة، لا تلتقي، ولا تتصادم!).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال ابن كثير:
(وروى الإمام أحمد عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» ورواه مسلم بسنده).
6 -
وبمناسبة قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قال صاحب الظلال: (واللؤلؤ- في أصله- حيوان. ولعل اللؤلؤ أعجب ما في البحار، فهو يهبط إلى الأعماق وهو داخل صدفة من المواد الجيرية لتقيه من الأخطار، ويختلف هذا الحيوان عن الكائنات الحية في تركيبه وطريقة معيشته، فله شبكة دقيقة كشبكة الصياد، عجيبة النسج، تكون كمصفاة تسمح بدخول الماء والهواء والغذاء إلى جوفه، وتحول بين الرمال والحصى وغيرها. وتحت الشبكة أفواه الحيوان، ولكل فم أربع شفاه. فإذا دخلت ذرة رمل، أو قطعة حصى، أو حيوان ضار عنوة إلى الصدفة، سارع الحيوان إلى إفراز مادة لزجة يغطيها بها، ثم تتجمد مكونة لؤلؤة! وعلى حسب حجم الذرة التي وصلت يختلف حجم اللؤلؤة!».
«ويتكاثر هذا الحيوان بخروج خلايا تناسلية منه، يتم بها إخصاب البويضات،
حيث يتكون الجنين الذي يلجأ إلى صخرة أو عشب يلتصق به، ويكون حياة منفردة، شأنه في ذلك شأن الحيوان الأصلي».
«ومن دلائل قدرة الخالق، أن حيوان المرجان يتكاثر بطريقة أخرى هي التزرر.
وتبقى الأزرار الناتجة متحدة مع الأفراد التي تزررت منها، وهكذا تتكون شجرة المرجان التي تكون ذات ساق سميكة. تأخذ في الدقة نحو الفروع التي تبلغ غاية في الدقة في نهايتها. ويبلغ طول الشجرة المرجانية ثلاثين سنتيمترا. والجزر المرجانية الحية ذات ألوان مختلفة، نراها في البحار صفراء برتقالية، أو حمراء قرنفلية، أو زرقاء زمردية، أو غبراء باهتة».
7 -
في قوله تعالى: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ معجزتان قرآنيتان: الأولى: تظهر من خلال وصف السفن بالجبال، ولا يظهر التشبيه على كماله وتمامه إلا من خلال رؤية السفن في العصور المتأخرة، وإلا فإن السفن القديمة- وخاصة المعروفة عند العرب- لم تكن مثل هذا الحجم الذي تشبه به الجبال، والمعجزة الثانية: أنه في عصرنا عرف أن للجبال جذرا وتديا يعدل ضعفي ما يظهر من الجبال فوق سطح الأرض، ومن المعروف أن غاطس السفن يعدل ضعفي ما يظهر على سطح البحر من مجموع جسمها، فتشبيه السفن بالأعلام ما كان ليكون بمثل هذه الدقة لولا أن هذا القرآن من عند الله.
8 -
بمناسبة قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ قال ابن كثير: (وفي الدعاء المأثور: يا حي يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك). وقال النسفي: (وفي الحديث: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» وروي أنه عليه السلام مر برجل وهو يصلي
ويقول: يا ذا الجلال والإكرام فقال: «قد استجيب لك» ).
9 -
بمناسبة قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال النسفي: (أي كل وقت وحين يحدث أمورا ويجدد أحوالا، كما روي أنه عليه السلام تلاها فقيل له:
وما ذلك الشأن؟ فقال: «من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين» وعن ابن عيينة: الدهر عند الله يومان: أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي، والإحياء والإماتة، والإعطاء والمنع، والآخر يوم القيامة فشأنه فيه الجزاء والحساب. وقيل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شأنا. وسأل بعض الملوك وزيره عن الآية فاستمهله إلى الغد وذهب كئيبا يفكر فيها فقال غلام له أسود: يا مولاي أخبرني ما أصابك لعل الله يسهل لك على يدي، فأخبره فقال: أنا أفسرها للملك فأعلمه فقال: أيها الملك شأن الله أنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويشفي سقيما، ويسقم سليما، ويبتلي معافى، ويعافي مبتلى، ويعز ذليلا، ويذل عزيزا، ويفقر غنيا، ويغني فقيرا. فقال الأمير: أحسنت وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة.
فقال: يا مولاي هذا من شأن الله. وقيل: سوق المقادير إلى المواقيت، وقيل: إن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وقال له: أشكلت علي ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي: قوله تعالى: فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ وقد صح أن الندم توبة، وقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى فما بال الأضعاف. فقال الحسين: يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة، وقيل أن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، ولكن على حمله، وكذا قيل، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى مخصوص بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام، وأما قوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فإنها شئون يبديها لا شئون يبتديها، فقام عبد الله وقبل رأسه
…
). وقال ابن كثير:
(قال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال: من شأنه أن يجيب داعيا، أو يعطي سائلا، أو يفك عانيا، أو يشفي سقيما. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا، وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السموات والأرض، يحيي حيا، ويميت ميتا، ويربي صغيرا، ويفك أسيرا، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم، ومنتهى شكواهم. وروى ابن أبي حاتم عن سويد بن حبلة هو الفزاري قال: إن ربكم كل يوم
هو في شأن فيعتق رقابا، ويعطي رغابا، ويقحم عقابا.
وروى ابن جرير
…
عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي عن أبيه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فقلنا: يا رسول الله وما ذاك الشأن؟ قال: «أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا. ويرفع قوما ويضع آخرين» . وروى ابن أبي حاتم عن أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين» . وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة. (قلت): وقد روي موقوفا كما علقه البخاري بصيغة الجزم فجعله من كلام أبي الدرداء فالله أعلم. وروى البزار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال: «يغفر ذنبا، ويكشف كربا» ).
10 -
بمناسبة قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ قال ابن كثير:
(الثقلان: الإنس والجن، كما جاء في الصحيح: «يسمعه كل شئ إلا الثقلين» وفي رواية: «إلا الإنس والجن» وفي حديث الصور: «الثقلان: الإنس والجن»).
11 -
بمناسبة قوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ*
…
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ قال ابن كثير: (وهذه كقوله تعالى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ فهذا حال وثم حال يسأل الخلائق عن جميع أعمالهم، قال الله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ولهذا قال قتادة فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قال: قد كانت مسألة ثم ختم على أفواه القوم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا، فهذا قول ثان. وقال مجاهد في هذه الآية: لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يعرفون بسيماهم، وهذا قول ثالث. وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار، فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم بل يقادون إليها، ويلقون فيها كما قال تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ أي: بعلامات تظهر عليهم، وقال الحسن وقتادة: يعرفون باسوداد الوجوه وزرقة العيون. (قلت): وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء).
12 -
بمناسبة قوله تعالى في وصف الجنتين الأوليين: ذَواتا أَفْنانٍ ذكر
ابن كثير أكثر من قول ونقل مجموعة أحاديث قال: (أي أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟ هكذا قال عطاء الخراساني وجماعة: أن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضا، وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن النعمان قال: سمعت عكرمة يقول ذَواتا أَفْنانٍ يقول: ظل الأغصان على الحيطان، ألم تسمع قول الشاعر:
ما هاج شوقك من هديل حمامة
…
تدعو على فنن الغصون حماما
تدعو أبا فرخين صادف طاويا
…
ذا مخلبين من القصور قطاما
وحكى البغوي عن مجاهد وعكرمة والضحاك والكلبي أنه الغصن المستقيم، وروى أبو سعيد الأشج عن ابن عباس ذواتا أفنان: ذواتا ألوان، قال: وروي عن سعيد ابن جبير والحسن والسدي وخصيف والنضر بن عربي وابن سنان مثل ذلك، ومعنى هذا القول أن فيهما فنونا من الملاذ واختاره ابن جرير، وقال عطاء: كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة، وقال الربيع بن أنس ذَواتا أَفْنانٍ واسعتا الفناء، وكل هذه الأقوال صحيحة ولا منافاة بينها والله أعلم، وقال قتادة: ذواتا أفنان يعني بسعتها وفضلها
ومزيتها على ما سواها. وروى محمد بن إسحاق عن أسماء بنت أبي بكر قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى فقال: «يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة- أو قال: يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب- فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال» ورواه الترمذي من حديث يونس.
13 -
بمناسبة قوله تعالى عن نساء الجنتين الأوليين: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من حرير حتى يرى مخها» وذلك قول الله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه، وهكذا رواه الترمذي موقوفا ثم قال: وهو أصح. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب» تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه. وقد روى مسلم حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا، الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أو لم يقل أبو القاسم
صلى الله عليه وسلم: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على ضوء كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم وما في الجنة أغرب» وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث همام بن منبه وأبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه. وروى الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قده- يعني: سوطه- من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ولطاب ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» ورواه البخاري).
14 -
بمناسبة قوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ قال ابن كثير: (أي لا لمن أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الآخرة، كما قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وروى البغوي عن أنس بن مالك قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ وقال: هل تدرون ما قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:«يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة» ). دل هذا الحديث على أنه لا إحسان بلا توحيد، فإذا تذكرنا محور السورة من سورة البقرة اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً أدركنا من مثل هذا صلة السورة بالمحور.
15 -
قال ابن كثير: (ومما يتعلق بقوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ما رواه الترمذي والبغوي من حديث أبي النضر بن هاشم بن القاسم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر، وروى البغوي من حديث علي بن حجر عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ قلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟
فقال: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فقلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال: «وإن، رغم أنف أبي الدرداء» ).
16 -
عند قوله تعالى: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ تحدث كل من النسفي
وابن كثير عن وجه تفضيل الجنتين الأوليين على الأخريين، قال النسفي:
(إنما تقاصرت صفات هاتين الجنتين عن الأوليين حتى قيل: وَمِنْ دُونِهِما لأن مُدْهامَّتانِ دون (ذواتا أفنان) و (نضاختان) دون (تجريان)(وفاكهة) دون (كل فاكهة) وكذلك صفة الحور والمتكأ).
وقال ابن كثير: (هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن، قال الله تعالى: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ وقد تقدم في الحديث: جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، فالأوليان للمقربين والأخريان لأصحاب اليمين، وقال أبو موسى: جنتان من ذهب للمقربين، وجنتان من فضة لأصحاب اليمين، وقال ابن عباس: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ من دونهما في الدرج، وقال ابن زيد من دونهما في الفضل. والدليل على شرف الأوليين على الأخريين وجوه: (أحدها): أنه نعت الأوليين قبل هاتين، والتقديم يدل على الاعتناء ثم قال:
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ وهذا ظاهر في شرف التقدم وعلوه على الثاني، وقال هناك:
ذَواتا أَفْنانٍ وهي الأغصان أو الفنون في الملاذ، وقال هاهنا: مُدْهامَّتانِ أي: سوداوان من شدة الري من الماء، قال ابن عباس في قوله: مُدْهامَّتانِ: قد اسودتا من الخضرة من شدة الري من الماء، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مُدْهامَّتانِ قال: خضراوان، وروي عن أبي أيوب الأنصاري، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أبي أوفى، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد في إحدى الروايات، وعطاء، وعطية العوفي والحسن البصري، ويحيى بن رافع، وسفيان الثوري نحو ذلك، وقال محمد بن كعب: مُدْهامَّتانِ ممتلئتان من الخضرة، وقال قتادة: خضراوان من الري ناعمتان، ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجار المشتبكة بعضها في بعض وقال هناك: فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ وقال هاهنا:
نَضَّاخَتانِ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي فياضتان، والجري أقوى من النضخ، وقال الضحاك: نَضَّاخَتانِ أي: ممتلئتان ولا تنقطعان وقال هناك:
فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ وقال هاهنا: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة وهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم ولهذا ليس قوله: وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ من باب عطف الخاص على العام، كما قرره البخاري وغيره، وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما، وروى عبد بن حميد عن عمر بن الخطاب قال: جاء أناس من اليهود إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أفي الجنة فاكهة؟ قال: «نعم فيها فاكهة ونخل ورمان» قالوا:
أفيأكلون كما يأكلون في الدنيا؟ قال: «نعم وأضعاف» قالوا: فيقضون الحوائج؟
قال: «لا ولكنهم يعرقون ويرشحون فيذهب الله ما في بطونهم من أذى» وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نخل الجنة سعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم ومنها حللهم، وورقها ذهب أحمر، وجذوعها زمرد أخضر، وثمرها أحلى من العسل وألين من الزبد وليس له عجم، وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«نظرت إلى الجنة فإذا رمانة من رمانها كالبعير المقتب» ثم قال: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ قيل: المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة، قاله قتادة. وقيل: خيرات حسان جمع خيرة وهي المرأة الصالحة، الحسنة الخلق، الحسنة الوجه قاله الجمهور، وروي مرفوعا عن أم سلمة، وفي الحديث الآخر الذي سنورده في سورة الواقعة إن شاء الله تعالى أن الحور العين يغنين: نحن الخيرات الحسان خلقنا لأزواج كرام، ولهذا قرأ بعضهم: فِيهِنَّ خَيْراتٌ بالتشديد حِسانٌ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ثم قال: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ وهناك قال: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ ولا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت، وإن كان الجميع مخدرات، روى ابن أبي حاتم عن عبد الله ابن مسعود قال: إن لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهداية لم تكن قبل ذلك لا مرحات، ولا طمحات، ولا بخرات، ولا ذفرات، حور عين كأنهن بيض مكنون، وقوله تعالى: فِي الْخِيامِ روى البخاري عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا للمؤمن في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون» ورواه أيضا من حديث أبي عمران به وقال ثلاثون ميلا وأخرجه مسلم من حديث أبي عمران به ولفظه: «إن للمؤمنين في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهل، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» وروى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: الخيمة لؤلؤة واحدة فيها سبعون بابا من در، وروى أبي عن ابن عباس في قوله تعالى: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ قال: في خيام اللؤلؤ وفي الجنة خيمة واحدة من لؤلؤة واحدة أربع فراسخ عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب، وروى عبد الله بن وهب عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان
وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء» ورواه الترمذي من حديث عمرو بن الحارث به. وقوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ قد تقدم مثله سواء إلا أنه زاد في وصف الأوائل بقوله: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. وقوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفرف المحابس، وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم: هي المحابس، وقال العلاء بن زيد: الرفرف على السرير كهيئة المحابس المتدلي، وقال عاصم الجحدري مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ يعني: الوسائد، وهو قول الحسن البصري في رواية عنه، وروى أبو داود الطيالسي عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف: رياض الجنة، وقوله تعالى: وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ قال ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي: العبقري: الزرابي، وقال سعيد بن جبير:
هي عتاق الزرابي يعني: جيادها، وقال مجاهد: العبقري: الديباج، وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى: وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ فقال: هي بسط أهل الجنة لا أبا لكم فاطلبوها، وعن الحسن رواية أنها المرافق، وقال زيد بن أسلم: العبقري أحمر وأصفر وأخضر، وسئل العلاء بن زيد عن العبقري فقال: العبقري: الطنافس المخملة إلى الرقة ما هي. وقال القيسي: كل ثوب موشى عند العرب عبقري، وقال أبو عبيدة: هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي، وقال الخليل بن أحمد: كل شئ نفيس من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقريا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر:«فلم أر عبقريا يفري فريه» وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة فإنه قد قال هناك: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها اكتفاء بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى، وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى المراتب والنهايات، كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخيرتين ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين).
17 -
عند قوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ قال ابن كثير: (وقال الإمام أحمد
…
عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجلوا الله يغفر لكم» وفي الحديث الآخر: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم،