الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تستفيدون منه فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ قال ابن كثير: أي: نابع سائح جار على وجه الأرض، أي: لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه، وأجراها في سائر أقطار الأرض بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة والكثرة فلله الحمد والمنة.
كلمة في السياق:
1 -
رأينا صلة الآية الأخيرة بما قبلها مباشرة، وأما صلتها ببداية فقرتها- أي:
بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ- فمن حيث إن للماء المعين صلة كبيرة بتذليل الأرض، والأكل من أرزاقها.
وأما صلة الآية الأخيرة بمحور السورة- أي: بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً- فمن حيث إن مما خلقه الله عز وجل في هذه الأرض للإنسان هذه المياه التي لولاها لتعذرت الحياة.
2 -
واضح أن السورة آخذة آياتها برقاب بعضها، ومتعانقة ضمن سياق واضح المعالم، يبدأ بالتعريف على الله، ثم ينذر الكافرين، ثم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخاطب هؤلاء الكافرين الخطاب، تلو الخطاب حتى تنتهي السورة، وقد رأينا ذلك كله وصلته بالمحور، ولنا عودة على سياق السورة في الكلمة الأخيرة عنها.
…
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء، ثم دار بقاء» ورواه معمر عن قتادة).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ أقول: الذي أميل إليه أن المراد بالمصابيح الكواكب السيارة، والذي رجح ذلك عندي هو ما يلي:
أ- يلاحظ أن القرآن عبر عن الشمس بالسراج، ومن المعلوم أن النجوم في هذا
الكون كلها من نوع الشمس، والكواكب السيارة وحدها ليست من هذا القبيل، والله تعالى قال في سورة الصافات: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وهاهنا قال: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ.
ب- من المعلوم أن الأحاديث النبوية تشير إلى أن بعد السماء الدنيا عن الأرض خمسمائة سنة، ومن المعلوم أن النجوم تبعد عن الأرض كثيرا، حتى إن أقرب نجم يبعد عن الأرض أربع سنين ضوئية، وعلى هذا فليس بين الأرض والسماء إلا الكواكب السيارة فهي المصابيح.
(ج) من المستبعد أن تكون الشهب آتية من نجوم هذا الكون، فالأقرب أنها أجزاء من الكواكب السيارة، والله عز وجل حدثنا أن هذه الشهب من هذه المصابيح، وهذا يرجح أن المراد بالمصابيح الكواكب السيارة، وهذا موضوع شائك لا أجزم فيه، ولكني أذكر رأيا لعله يفيد الباحثين.
3 -
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ قال ابن كثير:
(كما ثبت في الصحيحين: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله» فذكر منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا قال صاحب الظلال: (فمما يقوله العلم في مدلول الأرض الذلول: إن هذا الوصف:
ذَلُولًا
…
الذي يطلق عادة على الدابة، مقصود في إطلاقه على الأرض! فالأرض هذه التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة، هي دابة متحركة
…
بل رامحة راكضة مهطعة!! وهي في الوقت ذاته ذلول لا تلقي براكبها عن ظهرها، ولا تتعثر خطاها، ولا تخضه وتهزه وترهقه كالدابة غير الذلول! ثم هي دابة حلوب مثلما هي ذلول!
إن هذه الدابة التي نركبها تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة، ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة حوالي خمسة وستين ألف ميل في الساعة، ثم تركض هي والشمس والمجموعة الشمسية كلها بمعدل عشرين ألف ميل في الساعة، مبتعدة نحو برج الجبار في السماء
…
ومع هذا الركض كله يبقى الإنسان على ظهرها آمنا مستريحا مطمئنا معافى لا تتمزق أوصاله، ولا تتناثر أشلاؤه، بل لا يرتج مخه، ولا يدوخ،
ولا يقع مرة عن ظهر هذه الدابة الذلول!
وهذه الحركات الثلاث لها حكمة. وقد عرفنا أثر اثنتين منها في حياة هذا الإنسان، بل في الحياة كلها على ظهر هذه الأرض. فدورة الأرض حول نفسها هي التي تنشأ عنها الليل والنهار، ولو كان الليل سرمدا لجمدت الحياة كلها من البرد، ولو كان النهار سرمدا لاحترقت الحياة كلها من الحر
…
ودورتها حول الشمس هي التي ينشأ عنها الفصول. ولو دام فصل واحد على الأرض ما قامت الحياة في شكلها هذا كما أرادها الله
…
أما الحركة الثالثة- فلم يكشف ستار الغيب عن حكمتها بعد.
ولا بد أن لها ارتباطا بالتناسق الكوني الكبير.
والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الأرض، وسهولة استقرارهم عليها، وسيرهم فيها، واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها وقواها وأرزاقها جميعا
…
ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها. والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة، ويبصرهم بها، في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول. والأرض الذلول كانت تعني في أذهان المخاطبين القدامى تلك الأرض المذللة للسير فيها، كما جعل لها ضغطا جويا يسمح بسهولة الحركة فوقها.
ولو كان الضغط الجوي أثقل من هذا لتعذر أو تعسر على الإنسان أن يسير وينتقل- حسب درجة ثقل الضغط- فإما أن يسحقه أو يعوقه. ولو كان أخف لاضطربت خطى الإنسان، أو لانفجرت تجاويفه لزيادة ضغطه الذاتي على ضغط الهواء حوله، كما يقع لمن يرتفعون في طبقات الجو العليا بدون تكييف لضغط الهواء!
والله جعل الأرض ذلولا ببسط سطحها وتكوين هذه التربة اللينة فوق السطح.
ولو كانت صخورا صلدة- كما يفترض العلم بعد برودها وتجمدها- لتعذر السير فيها، ولتعذر الإنبات. ولكن العوامل الجوية من هواء وأمطار وغيرها هي التي فتتت هذه الصخور الصلدة، وأنشأ الله بها هذه التربة الخصبة الصالحة للحياة. وأنشأ ما فيها من النبات والأرزاق التي يحلبها راكبو هذه الدابة الذلول!
والله جعل الأرض ذلولا بأن جعل الهواء المحيط بها محتويا على العناصر التي تحتاج الحياة إليها. بالنسب الدقيقة التي لو اختلت ما قامت الحياة، وما عاشت إن قدر لها أن تقوم من الأساس. فنسبة الأكسجين فيه هي 21% تقريبا، ونسبة الأزوت أو النتروجين هي 78% تقريبا، والبقية من ثاني أكسيد الكربون بنسبة ثلاثة أجزاء من
عشرة آلاف وعناصر أخرى. وهذه النسب هي اللازمة بالضبط لقيام الحياة على الأرض!
والله جعل الأرض ذلولا بآلاف من هذه الموافقات الضرورية لقيام الحياة
…
ومنها حجم الأرض وحجم الشمس والقمر، وبعد الأرض عن الشمس والقمر. ودرجة حرارة الشمس. وسمك قشرة الأرض. ودرجة سرعتها. وميل محورها. ونسبة توزيع الماء واليابس فيها. وكثافة الهواء المحيط بها
…
إلى آخره
…
إلى آخره. وهذه الموافقات مجتمعة هي التي جعلت الأرض ذلولا. وهي التي جعلت فيها رزقا وهي التي سمحت بوجود الحياة. وبحياة هذا الإنسان على وجه خاص.
والنص القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليعيها كل فرد وكل جيل بالقدر الذي يطيق، وبالقدر الذي يبلغ إليه علمه وملاحظته. ليشعر بيد الله- الذي بيده الملك- وهي تتولاه وتتولى كل شئ حوله، وتذلل له الأرض، وتحفظه وتحفظها. ولو تراخت لحظة واحدة عن الحفظ لاختل هذا الكون كله وتحطم بمن عليه وما عليه!).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال ابن كثير: (هذا مثلهم في الدنيا، وكذلك يكون في الآخرة، فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم مفض به إلى الجنة الفيحاء، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ الآيات أزواجهم أشباههم. روى الإمام أحمد رحمه الله عن نفيع قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم؟ فقال: «أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم» وهذا الحديث مخرج في الصحيحين).
6 -
بمناسبة قوله تعالى: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ قال صاحب الظلال: (والسمع والأبصار معجزتان كبيرتان عرف عنهما بعض خواصهما العجيبة. والأفئدة التي يعبر بها القرآن عن قوة الإدراك والمعرفة، معجزة أعجب وأغرب. ولم يعرف بعد عنها إلا القليل. وهي سر الله في هذا المخلوق الفريد.