الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال الألوسي: (قال الجمهور: المراد به معنى عام مجازي شامل لما نطق به لسان المقال، كتسبيح الملائكة والمؤمنين من الثقلين، ولسان الحال، كتسبيح غيرهم، فإن كل فرد من أفراد الموجودات يدل بإمكانه وحدوثه على الصانع القديم الواجب الوجود، المتصف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، وذهب البعض إلى أن التسبيح على حقيقته المعروفة في الجميع وهو مبني على ثبوت النفوس الناطقة والإدراك لسائر الحيوانات والجمادات على ما يليق بكل).
وقال صاحب الظلال بمناسبة هذه الآية: (هكذا ينطلق النص القرآني الكريم في مفتتح السورة؛ فتتجاوب أرجاء الوجود كله بالتسبيح لله. ويهيم كل شئ في السماوات والأرض، فيسمعه كل قلب مفتوح غير محجوب بأحجبة الفناء. ولا حاجة لتأويل النص عن ظاهر مدلوله. فالله يقول. ونحن لا نعلم شيئا عن طبيعة هذا الوجود وخصائصه أصدق مما يقوله لنا الله عنه
…
ف سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تعني سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
…
ولا تأويل ولا تعديل! ولنا أن نأخذ من هذا أن كل ما في السماوات والأرض له روح، يتوجه بها إلى خالقه بالتسبيح. وإن هذا لهو أقرب تصور يصدقه ما وردت به الآثار الصحيحة، كما تصدقه تجارب بعض القلوب في لحظات صفائها وإشراقها، واتصالها بالحقيقة الكامنة في الأشياء وراء أشكالها ومظاهرها.
وقد جاء في القرآن الكريم: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ
…
فإذا الجبال كالطير تؤوب مع داود! وجاء في الأثر: أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت. إني لأعرفه الآن»
…
وروى الترمذي- بإسناده- عن علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول:«السلام عليك يا رسول الله»
…
وروى البخاري في صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك قال: «خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى لزق جذع. فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه حن الجذع حنين الناقة، فنزل الرسول فمسحه، فسكن» .
وآيات القرآن كثيرة وصريحة في تقرير هذه الحقيقة الكونية: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ
…
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ
…
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
…
ولا داعي لتأويل هذه النصوص الصريحة لتوافق مقررات سابقة لنا عن طبائع الأشياء غير مستمدة من هذا القرآن. فكل مقرراتنا عن الوجود وكل تصوراتنا عن الكون ينبغي أن تنبع أولا من مقررات خالق هذا الكون ومبدع هذا الوجود).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قال الألوسي: (أخرج مسلم، والترمذي، وابن أبي شيبة، والبيهقي عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تسأله خادما فقال لها: «قولي: اللهم رب السموات السبع ورب العرش الكريم العظيم، ربنا ورب كل شئ، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شئ أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شئ، وأنت الآخر فليس بعدك شئ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ، وأنت الباطن فليس دونك شئ، اقض عنا الدين، واغننا من الفقر» وقال الطيبي: المعنى بالظاهر في التفسير النبوي الغالب الذي يغلب ولا يغلب؛ فيتصرف في المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء، إذ ليس فوقه أحد يمنعه، وبالباطن من لا ملجأ ولا منجى دونه يلتجئ إليه ملتجئ، وبحث فيه بجواز أن يكون المراد أنت الظاهر فليس فوقك شئ في الظهور، أي: أنت أظهر من كل شئ، إذ ظهور كل شئ بك، وأنت الباطن فليس دونك في البطون شئ، أي: أنت أبطن من كل شئ إذ كل شئ يعلم حقيقته غيره، وأنت لا يعلم حقيقتك غيرك، أو لأن كل شئ يمكن معرفة حقيقته وأنت لا يمكن أصلا معرفة حقيقتك، وأيضا في دلالة
الباطن على ما قال خفاء جدا، على أنه لو كان الأمر كما ذكر ما عدل عنه أجلة العلماء فإن الخبر صحيح، وقد جاء نحوه من رواية الإمام أحمد، وأبي داود، وابن ماجه. وهذه الآية ينبغي لمن وجد في نفسه وسوسة فيما يتعلق بالله تعالى أن يقرأها، فقد أخرج أبو داود عن أبي زميل أن ابن عباس قال له- وقد أعلمه أن عنده وسوسة في ذلك-:«إذا وجدت في نفسك شيئا فقل هو الأول» الآية.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «لا يزال الناس يسألون عن كل شئ حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شئ فماذا كان قبل الله فإن قالوا لكم ذلك فقولوا: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم» ).
3 -
بمناسبة قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قال ابن كثير: (أي: رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم من بر أو بحر، في ليل أو نهار، في البيوت أو في القفار، الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم، ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم كما قال تعالى:
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وقال تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ فلا إله غيره ولا رب سواه.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل لما سأله عن الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» . وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي
…
عن عبد الرحمن بن عامر قال: قال عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زودني حكمة أعيش بها. فقال: «استح الله كما تستحي رجلا من صالحي عشيرتك لا يفارقك» هذا حديث غريب. وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن علوية العامري مرفوعا:
«ثلاث من فعلهن فقد طعم الإيمان: إن عبد الله وحده، وأعطى زكاة ماله طيبة به نفسه في كل عام، ولم يعط الهرمة ولا الرذية ولا الشرطة اللئيمة ولا المريضة، ولكن من أوسط أموالكم وزكى نفسه» وقال رجل: يا رسول الله ما تزكية المرء نفسه؟
فقال: «يعلم أن الله معه حيث كان» . وروى نعيم بن حماد رحمه الله
…
عن عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت» غريب. وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى ينشد هذين البيتين:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل
…
خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
…
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
4 -
بمناسبة قوله تعالى: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ قال ابن كثير: (وقد روينا في الحديث من طرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: «أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا؟» قالوا: الملائكة، قال:
«وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟» قالوا: فالأنبياء، قال:«وما لهم لا يؤمنون والوحي عليهم؟» قالوا: فنحن، قال: «وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟
ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها»).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا قال ابن كثير: (والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا صلح الحديبية، وقد يستدل لهذا القول بما رواه الإمام أحمد
…
عن أنس قال: كان بين خالد ابن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها! فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «دعوا لي أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم» ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم، فخالفه عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهما، فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك، والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ).
6 -
بمناسبة قوله تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى قال ابن كثير: (يعنى المنفقين قبل الفتح وبعده كلهم لهم ثواب على ما عملوا وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى * وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً وهكذا الحديث الذي في الصحيح: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر؛ فيتوهم عندهم ذمه، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول
وإخلاصه التام وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق، وفي الحديث:«سبق درهم مائة ألف» ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه له الحظ الأوفر من هذه الآية فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عز وجل ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها).
7 -
بمناسبة قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم
…
عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ
قال أبو الدحداح الأنصاري:
يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: «نعم يا أبا الدحداح» قال: أرني يدك يا رسول الله قال: فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وله حائط فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها قال: فجاء أبو الدحداح فناداها يا أم الدحداح قالت:
لبيك قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل، وفي رواية أنها قالت له: ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح» وفي لفظ: «رب نخلة مدلاة، عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة» ).
8 -
بمناسبة قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ قال ابن كثير: (كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة، ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال قتادة:
ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من المؤمنين من يضئ نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك حتى إن من المؤمنين من يضئ نوره موضع قدميه» . وقال سفيان الثوري عن حصين عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية قال: إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم وحلاكم ونجواكم ومجالسكم، فإذا كان يوم القيامة قيل يا فلان هذا نورك، يا فلان لا نور لك وقرأ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وقال الضحاك: ليس أحد لا يعطى نورا يوم القيامة، فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفئ نور المنافقين فقالوا رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وقال الحسن: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني على الصراط، وقد روى
ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى
…
عن سعيد بن مسعود أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود، وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم» فقال له رجل: يا نبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك؟ فقال: «أعرفهم محجلون من أثر الوضوء، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم» ).
9 -
بمناسبة قوله تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قال ابن كثير: (وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة، والزلازل العظيمة، والأمور الفظيعة، وأنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله، وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر. روى ابن أبي حاتم بسنده عن سليم بن عامر قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة: أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا- يشير إلى القبر- بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله، ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا، ويترك الكافر والمنافق، فلا يعطيان شيئا، وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال:
أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ فلا يستضئ الكافر والمنافق بنور المؤمن، كما لا يستضئ الأعمى ببصر البصير، ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين حيث قال:
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ الآية إلا أنه يقول سليم بن عامر: فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن، ثم روى ابن أبي حاتم أيضا- بسنده- عن أبي أمامة
قال يبعث الله ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم، فيتبعهم المنافقون فيقولون: انظرونا نقتبس من نوركم، وقال العوفي والضحاك وغيرهما عن ابن عباس: بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلا من الله إلى الجنة، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فإنا كنا معكم في الدنيا، قال المؤمنون ارْجِعُوا وَراءَكُمْ من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور، وروى أبو القاسم الطبراني
…
عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده، وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نورا، وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وقال المؤمنون: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا).
10 -
بمناسبة قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ قال ابن كثير: (عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ الآية إلا أربع سنين. كذا رواه مسلم في آخر الكتاب، وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الآية. وقد رواه ابن ماجه بسنده عن أبي حازم عن عامر بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه مثله فجعله من مسند ابن الزبير لكن رواه البزار في مسنده
…
عن ابن مسعود فذكره وقال
سفيان الثوري عن المسعودي عن القاسم قال: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ قال: ثم ملوا فقالوا: حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وقال قتادة: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول ما يرفع من الناس الخشوع» ).
11 -
بمناسبة قوله تعالى: وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ قال ابن كثير: (وروى أبو جعفر الطبري عن إبراهيم
قال: جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود فقال: يا أبا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فقال عبد الله: هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا، إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم، وقالوا نعرض على بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه قال: فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل له أتؤمن بهذا؟ قال آمنت به ويومئ إلى القرن بين ثندوتيه، وما لي لا أومن بهذا الكتاب؟ فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن). أقول: لعل الكتاب الذي ذكره ابن مسعود هو التلمود وفيه الطامات الفظيعة، وهذا إذا كان المراد ببني إسرائيل اليهود، أما إذا كان المراد النصارى لأن الحواريين من بني إسرائيل وعامة من آمن بعيسى في حياته منهم، فقد يكون المراد بالكتاب ما استقرت عليه الكنيسة من باطل في زمن قسطنطين.
12 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال الألوسي: (أي أولئك هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله تعالى وأخبار رسله عليهم الصلاة والسلام والقائمون بالشهادة لله سبحانه بالوحدانية، وسائر صفات الكمال، ولهم بما يليق بهم من ذلك، لهم الأجر والنور الموعودان لهم، وقال بعضهم: وصفهم بالشهادة لكونهم شهداء على الناس كما نطق به قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فعند ربهم متعلق بالشهداء، والمراد الشهداء على الناس يوم القيامة، وجوز تعلقه بالشهداء أيضا على الوجه الأول على معنى الذين شهدوا مزيد الكرامة بالقتل في سبيل الله تعالى يوم القيامة، أو في حظيرة رحمته عز وجل أو نحو ذلك، ويشهد لكون الشهداء معطوفا على الصديقين آثار كثيرة.
أخرج ابن جرير عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مؤمني أمتي شهداء، ثم تلا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ» ، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه قال يوما لقوم عنده: كلكم صديق وشهيد قيل له: ما تقول يا أبا هريرة؟ قال: اقرءوا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ الآية، وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن مجاهد قال: كل مؤمن صديق وشهيد ثم تلا الآية،
وأخرج عبد بن حميد نحوه عن عمرو بن ميمون، وأخرج ابن حبان عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته فممن أنا؟ قال:«من الصديقين والشهداء» . وينبغي أن يحمل الذين آمنوا على من لهم كمال في ذلك يعتد به، ولا يتحقق إلا بفعل طاعات يعتد بها، وإلا فيبعد أن يكون المؤمن المنهمك في الشهوات الغافل عن الطاعات صديقا شهيدا، ويستأنس لذلك بما جاء من حديث عمر رضي الله تعالى عنه: ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعيبوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه قال: ذلك أحرى أن لا تكونوا شهداء، قال ابن الأثير: أي إذا لم تفعلوا ذلك لم تكونوا في جملة الشهداء الذين يستشهدون يوم القيامة على الأمم التي كذبت أنبياءها، وكذا بقوله عليه الصلاة والسلام: اللعانون لا يكونون شهداء بناء على أحد قولين فيه. وفي بعض الأخبار ما ظاهره إرادة طائفة خواص المؤمنين. أخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «من فر بدينه من أرض إلى أرض مخافة الفتنة على نفسه ودينه، كتب عند الله صديقا، فإذا مات قبضه الله شهيدا، وتلا هذه الآية وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ- ثم قال- هذه فيهم، ثم قال: والفرارون بدينهم من أرض إلى أرض يوم القيامة مع عيسى ابن مريم في درجته في الجنة» ويجوز أن يراد من قوله: «هذه فيهم» أنها صادقة عليهم وهم داخلون فيها دخولا أوليا، ويقال: في قوله عليه الصلاة والسلام: «مع عيسى في درجته» المراد معه في مثل درجته وتوجه المماثلة بما مر، والخبر إذا صح يؤيد الوجه الأول في الآية.
وروي عن الضحاك أنها نزلت في ثمانية نفر سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام، وهم أبو بكر. وعمر. وعثمان. وعلي. وحمزة. وطلحة. والزبير.
وسعد. وزيد رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهذا لا يضر في العموم كما لا يخفى).
13 -
بمناسبة قوله تعالى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ قال ابن كثير: (وروى ابن جرير
…
عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، اقرءوا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ» وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة والله أعلم. وروى الإمام أحمد
…
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك» انفرد بإخراجه البخاري في الرقائق من حديث الثوري عن الأعمش به. ففي الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان).
14 -
بمناسبة قوله تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أقول: دأب الباطنيون على السؤال عن هذه الآية وعن أختها في سورة آل عمران يتساءلون إذا كان هذا سعة الجنة فأين النار؟ يطرحون هذا السؤال طرح تعجيز، يتصورون أنه لا يستطيع أحد الجواب على هذا السؤال، للوصول إلى التأويل
الباطني الذي يزعمون أن أئمتهم مختصون به، مع أن الجواب في غاية البساطة، فالجنة فوق السماء السابعة على القول الصحيح فإذا اعتبرنا عرض السماء والأرض هو قطر السماء والأرض فلا شك أن محيط الدائرة أكبر من قطرها، وإذا كانت الجنة فوق السماء السابعة فهل معنى هذا أنه لم يبق فراغ توجد فيه النار!.
15 -
بمناسبة قوله تعالى عن الجنة: أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قال ابن كثير: (أي: هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم، وإحسانه إليهم، كما قدمنا في الصحيح أن فقراء المهاجرين قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور بالدرجات العلى والنعيم المقيم قال: «وما ذاك؟» قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، قال: «أفلا أدلكم على شئ إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم. تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين» قال فرجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ففعلوا مثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا فضل الله يؤتيه من يشاء»).
16 -
بمناسبة قوله تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ قال ابن كثير: (وهذه الآية الكريمة العظيمة أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق- قبحهم الله- وروى الإمام أحمد عن أبي هانئ الخولاني أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» ورواه مسلم في صحيحه، وزاد ابن وهب- وهو من رجال سنده-: «وكان عرشه على الماء» ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
17 -
بمناسبة قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ قال ابن كثير:
(أي: وجعلنا الحديد رادعا لمن أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على من خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده. وقد روى الإمام أحمد وأبو داود
…
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم» ).
18 -
بمناسبة قوله تعالى: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ قال ابن كثير: (وقد روى ابن أبي حاتم
…
عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن مسعود» قلت لبيك يا رسول الله قال: «هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق، فرقة قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم عليه السلام فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقاتلت الجبابرة، فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ» .
وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي
…
عن سهل بن أبي أمامة دخل هو وأبوه على أنس ابن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها، فلما سلم قال: يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شئ تنفلته؟ قال: إنها المكتوبة وإنها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم؛ فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم» ثم غدوا من الغد فقالوا نركب فننظر ونعتبر قال: نعم فركبوا جميعا فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا خاوية
على عروشها فقالوا: أتعرف هذه الديار؟ قال: ما أعرفني بها وبأهلها، هؤلاء أهل الديار أهلكهم البغي والحسد، إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه والعين تزني، والكف والقدم والجسد واللسان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. وروى الإمام أحمد
…
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لكل نبي رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل» ورواه الحافظ أبو يعلى
…
ولفظه: «لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» . وروى الإمام أحمد
…
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا جاءه فقال: أوصني، فقال: سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شئ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض. تفرد به أحمد والله تعالى أعلم.
19 -
عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ
…
قال ابن كثير: (وقال سعيد بن جبير لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى عليه هذه الآية في حق هذه الأمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أي ضعفين مِنْ رَحْمَتِهِ وزادهم وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يعني هدى يتبصر به من العمى والجهالة ويغفر لكم، ففضلهم بالنور، والمغفرة، ورواه ابن جرير عنه. وروى البخاري
…
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استعمل قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملا، فأبوا وتركوا، واستأجر آخرين بعدهم فقال: أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا: ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال:
أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار يسير فأبوا، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم؛ فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس فاستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك
مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور» انفرد به البخاري.