الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجالا للتلاعب والالتواء مع ما كان مستقرا في النفوس من تصورات متخلفة عن علاقات الجنسين، ومن تفكك وفوضى في الحياة العائلية.
ولم يكن الحال هكذا في شبه الجزيرة وجدها، إنما كان شائعا في العالم كله يومذاك. فكان وضع المرأة هو وضع الرقيق أو ما هو أسوأ من الرقيق في جنبات الأرض جميعا. فوق ما كان ينظر إلى العلاقات الجنسية نظرة استقذار، وإلى المرأة كأنها شيطان يغري بهذه القذارة.
ومن هذه الوهدة العالمية ارتفع الإسلام بالمرأة وبالعلاقات الزوجية إلى ذلك المستوى الرفيع الطاهر الكريم الذي سبقت الإشارة إليه. وأنشأ للمرأة ما أنشأ من القيمة والاعتبار والحقوق والضمانات
…
وليدة لا توأد ولا تهان. ومخطوبة لا تنكح إلا بإذنها ثيبا أو بكرا. وزوجة لها حقوق الرعاية فوق ضمانات الشريعة. ومطلقة لها هذه الحقوق المفصلة في هذه السورة وفي سورة البقرة وغيرها.
شرع الإسلام هذا كله. لا لأن النساء في شبه الجزيرة أو في أي مكان في العالم حينذاك شعرن بأن مكانهن غير مرض! ولا لأن شعور الرجال كذلك قد تأذى بوضع النساء! ولا لأنه كان هناك اتحاد نسائي عربي أو عالمي! ولا لأن المرأة دخلت دار الندوة أو مجلس الشورى! ولا لأن هاتفا واحدا في الأرض هتف بتغيير الأحوال
…
إنما كانت هي شريعة السماء للأرض. وعدالة السماء للأرض. وإرادة السماء للأرض
…
أن ترتفع الحياة البشرية من تلك الوهدة، وأن تتطهر العلاقات الزوجية من تلك الوصمة، وأن يكون للزوجين من نفس واحدة حقوق الإنسان وكرامة الإنسان.
هذا دين رفيع
…
لا يعرض عنه إلا مطموس. ولا يعيبه إلا منكوص.
ولا يحاربه إلا موكوس. فإنه لا يدع شريعة الله إلى شريعة الناس إلا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه). أ. هـ.
…
كلمة في سورة الطلاق ومحورها:
تبدأ سورة الطلاق بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية خطاب لأمته بدليل قوله تعالى بعد ذلك: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مما يدل على أن الخطاب للأمة
كلها، قال النسفي: خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعم بالخطاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم يا فلان افعلوا كذا إظهارا لتقدمه واعتبارا لترؤسه، وأنه قدوة قومه، فكان هو وحده في حكم كلهم وسادا مسد جميعهم.
…
إن محور سورة الطلاق هو محور سورة النساء أي: الآيات التي جاءت بعد مقدمة سورة البقرة والتي هي: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ.
…
نلاحظ أن سورة النساء بدأت بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ والآية الأولى من سورة الطلاق فيها وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ونلاحظ في سورة الطلاق تركيزا عظيما على التقوى ففيها وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وفيها وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً وفيها وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً وفيها فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا
…
وهكذا فالسورة تركز على التقوى، وصلة ذلك بقوله تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
…
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ واضحة.
…
وهذه السورة ركزت على التقوى من خلال عرض قضية عدة المطلقات، ومن خلال عرض أحكام تصفية آثار العلاقة الزوجية، مما يشير إلى أن العبادة لله عز وجل يدخل فيها الالتزام بأحكام الله عز وجل عامة، وتنفيذها وتطبيقها، وصلة ذلك بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
…
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ واضحة المعنى،
وكما تعرضت آيات المحور لخلق الله عز وجل السماء والأرض، فكذلك تعرضت سورة الطلاق، وكما تعرضت آيات المحور لإنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذلك تعرضت سورة الطلاق لذلك كما سنرى.
…
وموضوع الطلاق تعرضت له سورة البقرة في أواخر أواسطها، وتوسعت فيه، وهاهنا تأتي سورة الطلاق لتتحدث عن جانب من جوانبه مشدودا إلى قوله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ مما يشير إلى صلة هذا الموضوع بقضية العبادة والتقوى.
…
وكون سورة الطلاق آتية بعد سورة التغابن التي فصلت في مقدمة سورة البقرة، وقبل سورة التحريم المفصلة في محور سورة المائدة، أي: في الآيتين بعد الآيات التي ذكرناها كمحور لسورة الطلاق، فهذا يؤكد أن سورة الطلاق تفصل في هذا المحور المذكور. ولنبدأ عرض السورة ولنعرضها على فقرات.
***