الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حاطب ما هذا؟» قال:
لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنه صدقكم» فقال عمر:
دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه من غير وجه عن سفيان بن عيينة به، وزاد البخاري في كتاب المغازي فأنزل الله السورة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ.
التفسير:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ قال ابن كثير:
(يعني: المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين، الذين شرع عداوتهم ومصادمتهم، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء). أقول: وللتولي مظاهر متعددة حاولنا أن نحصيها في كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا) ومن مظاهرها التي يدل عليها سبب نزول هذه الآيات أن ينقل المسلم للكافرين أسرار المسلمين، وأن يطلعهم على مخططاتهم تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي: لا تتخذوا الكافرين أولياء ملقين إليهم بالمودة، دل ذلك على أن إلقاء المودة للكافرين من مظاهر الولاء قال النسفي: والإلقاء عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ أي:
لا تتخذوهم أولياء ملقين إليهم بالمودة، وهذه حالهم أنهم قد كفروا بما جاءكم من الحق الذي هو دين الإسلام والقرآن، ثم ذكر بمظاهر كفرهم وعتوهم فقال: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ من مكة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ أي: يخرجونكم من مكة لإيمانكم بالله ربكم، أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين. قال ابن كثير: (هذا
مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده) إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي أي: إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي ومبتغين مرضاتي فلا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي. قال
ابن كثير: (أي: إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم، فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم وسخطا لدينكم) تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ قال ابن كثير: أي: تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر. قال النسفي: (أي: تفضون إليهم بمودتكم سرا، أو تسرون إليهم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة) وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم والمعنى: أي طائل لكم في إسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي وأنا مطلع رسولي على ما تسرون وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي: ومن يفعل منكم هذا الإسرار فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أي: فقد أخطأ طريق الحق والصواب
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً أي: إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم يكونوا لكم خالصي العداوة، ولا يكونوا أولياء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ أي: بالقتل والشتم.
قال ابن كثير: (أي: لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال) وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ أي: وتمنوا لو ترتدون عن دينكم وما دام الأمر كذلك فموادة أمثالهم خطأ عظيم. قال ابن كثير: (أي: ويحرصون على ألا تنالوا خيرا، فهم عداوتهم لكم كامنة وظاهرة، فكيف توالون مثل هؤلاء؟) وهذا تهييج على عداوتهم أيضا. وقال النسفي شارحا الآية: (يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين، من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض، وردكم كفارا أسبق المضار عندهم وأولها لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم، لأنكم بذالون لها دونه، والعدو أهم شئ عنده أن يقصد أهم شئ عند صاحبه).
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ أي: قراباتكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين توالون الكفار من أجلهم، وتتقربون إليهم محاماة عليهم ثم قال: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ أي: وبين أقاربكم وأولادكم، فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لحق من يفر منه غدا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم على أعمالكم. قال ابن كثير:(أي: قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد بكم سوءا، ونفعهم لا يصل إليكم، إذا أرضيتموهم بما يسخط الله، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله، ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد، ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء).
ثم قال تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ أي: وأتباعه الذين آمنوا معه، أي: قد كانت لكم قدوة حسنة في
إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ أي:
تبرأنا منكم وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: تبرأنا منكم ومن آلهتكم كَفَرْنا بِكُمْ أي: بدينكم وبطريقتكم وبأشخاصكم التي تمثل بها هذا الدين والطريقة وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ بالأفعال وَالْبَغْضاءُ بالقلوب أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ فحينئذ نترك عداوتكم وبغضكم. قال ابن كثير: (يعني: وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم
…
) إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعون ما تعبدون معه من الأنداد إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ قال النسفي: أي: اقتدوا به (أي: في إبراهيم) في أقواله ولا تأتسوا به في الاستغفار لأبيه الكافر، وقال ابن كثير: أي: لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها، إلا في استغفار إبراهيم لأبيه فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ثم أتم الله عز وجل قول إبراهيم لأبيه وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي: من هداية ومغفرة وتوفيق فكأنه قال له: سأستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار، ثم قال تعالى مخبرا عن قول إبراهيم عليه السلام والذين معه حين فارقوا قومهم، وتبرءوا منهم فلجأوا إلى الله عز وجل، وتضرعوا إليه فقالوا: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا لا على أحد سواك وَإِلَيْكَ أَنَبْنا أي: أقبلنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ أي: المرجع. قال ابن كثير: أي:
توكلنا عليك في جميع الأمور، وسلمنا أمورنا إليك، وفوضناها إليك، وإليك المصير أي: المعاد في الدار الآخرة،
وقالوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال النسفي: أي: لا تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب. وقال ابن كثير: (قال مجاهد:
معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا، وكذا قال الضحاك، وقال قتادة: لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه واختاره ابن جرير، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تسلطهم علينا فيفتنونا) وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا أي: واستر ذنوبنا عن غيرنا، واعف عنها فيما بيننا وبينك إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ أي: الذي لا يضام من لاذ بجنابك الْحَكِيمُ في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك،
ثم كرر الله عز وجل الحث على الاقتداء بإبراهيم عليه السلام فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ هذا تهييج للتأسي بإبراهيم ومن معه لكل مؤمن بالله والمعاد وَمَنْ يَتَوَلَّ عما أمر الله به من الاقتداء بإبراهيم ومن معه فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن الخلق
الْحَمِيدُ المستحق للحمد،
وبعد أن أمر الله عز وجل بمعاداة الكافرين والبراءة منهم قال: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً أي: محبة بعد البغضة، ومودة بعد النفرة، وألفة بعد الفرقة بأن يوفقهم للإيمان، وقد كان ذلك للمهاجرين يوم فتح الله مكة فأسلم قومهم وتم بينهم التحاب وَاللَّهُ قَدِيرٌ على تقليب القلوب، وتحويل الأحوال، وتسهيل أسباب المودة وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن أسلم من المشركين. قال ابن كثير: أي: يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان،
وبعد أن قرر الله عز وجل أن الأصل بين المسلم والكافر العداء، وأنه لا ولاء بينهما ذكر من يجوز بره من الكافرين، وينبغي القسط فيه، وحدد الذين لا تجوز موالاتهم بحال فقال: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ قال النسفي: (أي: تكرموهم وتحسنوا إليهم قولا وفعلا) وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ قال النسفي: أي: وتقضوا إليهم بالقسط ولا تظلموهم، وإذا نهى عن الظلم في حق المشرك فكيف في حق المسلم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي: العادلين والمعنى: لا ينهاكم الله عن بر الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، ولا عن القسط فيهم، لأن الله عز وجل يحب من اتصف بصفة العدل
ثم قال تعالى محددا من تجب معاداته، ولا تجوز موالاته إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أي: أيدوا هذا الإخراج وعاونوا عليه أَنْ تَوَلَّوْهُمْ أي: أن تعطوهم أي مظهر من مظاهر الولاء وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ منكم فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ حيث وضعوا التولي في غير موضعه، ومعنى الآيتين: لا ينهاكم الله عن مبرة أولئك، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء، وإنما ذكر جواز المبرة والقسط مع الأولين، ولم يذكر الولاء، وذكر تحريم الولاء مع الآخرين؛ لأن الولاء لا يجوز أن يعطى أبدا إلا لأهل الإيمان. قال ابن كثير:(أي: إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة، فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم) فمواطنونا من غير المسلمين إذا لم يدخلوا في صراع معنا أو قتال، وإذا لم يبذلوا جهدا من أجل إخراجنا من بلادنا فهؤلاء يجوز البر لهم، والعدل فيهم، أما الولاء لهم فلا، وأعظم مظاهر الولاء في عصرنا الدخول معهم في حزب واحد، يعطيهم المسلم من خلاله الولاء، ويحجبه عن المسلمين، وأما الذين يريدون استئصال ديننا وفتنتنا عنه فهؤلاء لا ولاء لهم بل عداء،