الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: من أنفسهم، وسمى العرب أميين لأنهم لم ينزل عليهم كتاب سابق. قال ابن كثير:(وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر) يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ أي: يقرأ عليهم القرآن وَيُزَكِّيهِمْ أي: ويطهرهم من لوثات الشرك وخبائث الجاهلية وسيئات الأخلاق وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أي: القرآن والسنة، وهذا يفيد أن تلاوة الآيات شئ وتعليمها شئ آخر، وأن التزكية شئ زائد على مجرد التلاوة والتعلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يتلو ويعلم ويزكي، فالتلاوة قراءة وعرض، والتعليم معنى زائد يراد به تفهيم الكتاب والسنة، والتزكية معنى زائد على كليهما وَإِنْ كانُوا أي: وإن كان هؤلاء العرب مِنْ قَبْلُ أي: من قبل محمد صلى الله عليه وسلم لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي: في كفر وجهالة، قال النسفي:
أي: كانوا في ضلال لا ترى ضلالا أعظم منه
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ أي: بعثه في آخرين من الأميين لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال النسفي: أي: لم يلحقوا بهم بعد، وسيلحقون بهم، وهم الذين بعد الصحابة رضي الله عنهم، أو هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم الدين، والمعنى: أن الله بعثه في الأميين الذين على عهده، وفي الأميين الذين سيأتون من بعدهم، وهذا يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب إلى قيام الساعة، وكما قال ابن كثير: وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم، ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قال النسفي: أي: في تمكينه رجلا أميا من ذلك الأمر العظيم، وتأييده له، واختياره إياه من بين كافة البشر
ذلِكَ قال ابن كثير:
يعني: ما أعطاه الله محمدا صلى الله عليه وسلم من النبوة العظيمة، وما خص به أمته من بعثه عليه الصلاة والسلام إليهم، وقال النسفي:(أي: الفضل الذي أعطاه محمدا وهو أن يكون نبي أبناء عهده، ونبي أبناء العصور الغوابر) أقول: والعصور البواقي فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ إعطاءه وتقتضيه حكمته وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي عم فضله الجميع وفاضل بهذا الفضل من شاء بما شاء.
كلمة في السياق:
1 -
التقديم للسورة بذكر أسماء الله عز وجل الملك القدوس العزيز الحكيم وأن يعقب ذلك الحديث عن بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأميين يفيد أن اختصاص الله عز وجل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، واختصاص العرب بهذا الفضل هو أثر مالكيته، وأنه ليس في ذلك الاختيار نقص، لأن الله عز وجل منزه عن النقائص فهو القدوس، وأن ذلك أثر عزته
ومظهر حكمته، فمن اعترض على ذلك فإنه لا يعرف جلال الله. فلا يعترض على ذلك إلا جاهل.
2 -
يلاحظ أن سورة البقرة ذكرت في الآية (129) على لسان إبراهيم عليه السلام: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وأن سورة البقرة ذكرت في الآية (151) قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ وقد رأينا أثناء الكلام عن سورة الصف قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن عند ما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال:«دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام» هذا كله يفيد المنة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بعثه الله عز وجل به، ومن ذلك تلاوة القرآن، وتعليمه مع الحكمة، وتزكية الأنفس على ذلك، ولذلك صلته بمقدمة سورة البقرة: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
3 -
إن ما ذكرناه في النقطة السابقة فيه نموذج على ما ذكرناه من قبل من كون الفقرة السابقة تعرضت لموضوع في أعماق سورة البقرة، فعرضته في سورة تفصل في مقدمة سورة البقرة للإشارة إلى أن هذا الموضوع مشدود بسبب إلى تلك المقدمة.
4 -
وبعد أن ذكر الله عز وجل في الفقرة السابقة ما ذكر من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأميين ليعلمهم الكتاب والسنة ويزكيهم، تأتي فقرة تحدثنا عن تقصير بني إسرائيل في حملهم الكتاب الذي أنزل عليهم، وفي ذلك درس للعرب ألا يكونوا مثلهم، كما تتحدث عن دعاوى بني إسرائيل مع الله، وتفنيدها، وفي ذلك درس للمدعين من هذه الأمة الذين لا يحملون القرآن حق الحمل، ويزعمون أنهم من الله عز وجل في المقام الأعلى، فلنر الفقرة الثانية بعد أن عرضنا صلتها بما قبلها.
***