الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النفوس وأهواء القلوب، من الحرص والشح وحب الخير للذات، ومن الكبرياء الذاتية والالتواءات النفسية
…
وألوان غيرها كثير من ذوات الصدور!
وكان على الإسلام أن يعالج هذا كله في الجماعة التي يعدها لتحقيق منهج الله في الأرض في صورة عمليه واقعة. وكانت هذه الصورة حلقة في سلسلة هذا العلاج الطويل.
وكان بعض المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم في سبيل عقيدتهم، ما تزال نفوسهم مشدودة إلى بعض من خلفوا هنالك من ذرية وأزواج وذوي قربى.
وعلى الرغم من كل ما ذاقوا من العنت والأذى من قريش فقد ظلت بعض النفوس تود لو وقعت بينهم وبين أهل مكة المحاسنة والمودة؛ وأن لو انتهت هذه الخصومة القاسية التي تكلفهم قتال أهليهم وذوي قرابتهم، وتقطع ما بينهم وبينهم من صلات!
وكان الله يريد استصفاء هذه النفوس واستخلاصها من كل هذه الوشائج، وتجريدها لدينه وعقيدته ومنهجه. وهو- سبحانه- يعلم ثقل الضغط الواقع عليها من الميول الطبيعية ورواسب الجاهلية جميعا- وكان العرب بطبيعتهم أشد الناس احتفالا بعصبية القبيلة والعشيرة والبيت- فكان يأخذهم يوما بعد يوم بعلاجه الناجع البالغ، بالأحداث وبالتعقيب على الأحداث، ليكون العلاج على مسرح الحوادث وليكون الطرق والحديد ساخن!).
…
كلمة في سورة الممتحنة ومحورها:
تفصل سورة الممتحنة في محور سورة المائدة، ومن ثم فلها مثل بدايتها، فسورة المائدة مبدوءة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وكذلك سورة الممتحنة، ونجد في سورة المائدة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ونجد فيها قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وسورة الممتحنة مبدوءة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ
…
وقد رأينا من قبل أن سورة المجادلة فصلت في محور سورة المائدة نفسه، وكانت خاتمتها لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
…
وبعد الآيات الخمسة والعشرين الأولى من سورة البقرة والتي تتحدث عن التقوى، وطريقها، وأركانها، ومظاهرها التي فصلت فيها سورة الحشر، تأتي آيتان هما قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ هاتان الآيتان تتحدثان عن الأسباب التي يستحق بها الفاسقون الإضلال وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ .... وسورة الممتحنة تأتي لتحدد للمؤمنين ما ينبغي فعله، وما لا ينبغي فعله ليتحرروا من هذا كله، ومن ثم ستلاحظ أن الآية الأولى من سورة الممتحنة تنهى عن موالاة أعداء الله سرا وعلانية ثم تقول:
وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ
…
لاحظ الصلة بين قوله تعالى:
وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ وبين قوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ لتجد من خلال هذه الملاحظة صدق ما ذكرناه.
…
وتتحدث سورة الممتحنة عمن يجوز وصله، وعمن لا يجوز، كما تتحدث عن عقود واجبة البر كبيعة النساء، وعقود لا تصح أصلا، كما تتحدث عن مظاهر الإفساد في الأرض، ولذلك صلاته بمحورها.
…
وقد يتساءل متسائل، لماذا هذا التركيز كله على الآيات الأولى من سورة البقرة حتى ليكاد يكون قسم المفصل كله تفصيلا لذلك؟، والجواب: إن هذه المعاني التي ذكرتها الآيات الأولى من سورة البقرة عليها مدار الإسلام كله، فبقدر ما تتعمق معانيها في النفس البشرية وتتضح يكون الإسلام قائما والأمر مستقيما. ولنعرض سورة الممتحنة على أنها فقرات كل فقرة منها مبدوءة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا.
***