الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ- بدأت السورة بعتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه حرم ما أحل الله ابتغاء مرضاة أزواجه، وقد رأينا أن سياق السورة انصب على تأديب الأزواج، ولما كان إرضاء
الأزواج قد يترتب عليه ترك الجهاد لأنه كثيرا ما تجاول المرأة أن تصرف زوجها عن شئون الجهاد، ليلتفت إلى شئون العيال، فجاءت الآية تأمر بالجهاد في سياق السورة.
ب- مما يراه كل عامل في الدعوة إلى الله تأثير الزوجة على زوجها، حتى ليبلغ الأمر ببعضهم أن يكون الزواج في حقه هو نقطة الانعطاف من الإيمان إلى الكفر، وكل ذلك مرده إرضاء الزوجة، فإن تأتي سورة في القرآن تحذر من هذا المنعطف نحو الفسوق، وتحمل على بذل الجهد للتقويم من خلال مخاطبة أعظم الخلق شأنا في عتابه صلى الله عليه وسلم على حادثة جزئية، وإعطائها هذا الحجم الكبير، فذلك مظهر من مظاهر حكمة هذا القرآن، ومظهر من مظاهر إحاطة الله علما بكل شئ، ولعله بهذا الذي ذكرناه، قد اتضح صلة الأمر بالجهاد في سياق هذه السورة، ولعله بذلك قد اكتملت لنا معرفة السياق الخاص للسورة، وصلتها بمحورها.
الفوائد:
1 -
تذكر بعض الروايات أن سبب نزول صدر سورة التحريم هو حادثة تحريمه عليه الصلاة والسلام على نفسه مارية القبطية، وهناك روايات تذكر أن سبب النزول هو تحريمه صلى الله عليه وسلم شرب العسل على نفسه عند زينب، وهناك روايات أخرى ولا يبعد أن يكون ذلك كله قد كان في زمن واحد، وقد كنا ذكرنا في ابتداء تفسير السورة بعض الروايات التي تذكر أن سبب النزول هو تحريمه مارية رضي الله عنها، وهاهنا نذكر إحدى الروايات التي تذكر أن سبب النزول هو تحريمه شرب العسل على نفسه عند زوجته زينب رضي الله عنها. (روى البخاري عند هذه الآية
…
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير. قال:«لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا» )، ومن أجل التوفيق بين هذه الرواية والرواية الأخرى قال الألوسي: (يحتمل أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد شرب عسلا عند زينب كما هو عادته، وجاء إلى حفصة فقالت له ما قالت
فحرم العسل، واتفق له عليه الصلاة والسلام قبيل ذلك أو بعيده أن وطئ جاريته مارية في بيتها في يومها على فراشها فوجدت، فحرم صلى الله تعالى عليه وسلم مارية، وقال لحفصة ما قال تطييبا لخاطرها واستكتمها ذلك، فكان منها ما كان، ونزلت الآية بعد القصتين فاقتصر بعض الرواة على إحداهما. والبعض الآخر على نقل الأخرى، وقال كل: فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ الخ، وهو كلام صادق، إذ ليس فيه دعوى كل حصر علة النزول فيما نقله، فإن صح هذا هان أمر الاختلاف).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ
…
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ قال ابن كثير: (وروى الطبراني
…
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريته، ومن هاهنا ذهب من ذهب من الفقهاء ممن قال بوجوب الكفارة على من حرم جاريته، أو زوجته، أو طعاما، أو شرابا، أو ملبسا، أو شيئا من المباحات وهو مذهب الإمام أحمد وطائفة، وذهب الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حرم عينيهما، أو أطلق التحريم فيهما في قول، فأما إذا نوى بالتحريم طلاق الزوجة أو عتق الأمة نفذ فيهما).
3 -
بمناسبة قوله تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ قال ابن كثير: (وروى البخاري عن أنس قال: قال عمر: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ فنزلت هذه الآية، وقد تقدم أنه وافق القرآن في أماكن منها في نزول الحجاب، ومنها في أسارى بدر، ومنها قوله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، وروى ابن أبي حاتم عن أنس قال:
قال عمر بن الخطاب: بلغني شئ كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي صلى الله عليه وسلم فاستقريتهن أقول: لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن، حتى أتيت على آخر أمهات المؤمنين فقالت: يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن؟.
فأمسكت، فأنزل الله عز وجل عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً وهذه المرأة التي ردته عما كان فيه من وعظ النساء هي أم سلمة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً قال ابن كثير:
(وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها» هذا لفظ أبي داود وقال الترمذي هذا حديث حسن، وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. قال الفقهاء: وهكذا في الصوم ليكون ذلك تمرينا له على العبادة، لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة، ومجانبة المعاصي وترك المنكر، والله الموفق).
وقال الألوسي بمناسبة هذه الآية: (وروي أن عمر قال حين نزلت: يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «تنهوهن عما نهاكم الله عنه، وتأمروهن بما أمركم الله به، فيكون ذلك وقاية بينهن وبين النار» ، وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، وجماعة عن علي كرم الله وجهه أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم، والمراد بالأهل على ما قيل: ما يشمل الزوجة والولد والعبد والأمة. واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس، لأن الولد بعض من أبيه، وفي الحديث:
«رحم الله رجلا قال: يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معه في الجنة» ، وقيل: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله).
وقال صاحب الظلال بمناسبة هذه الآية: (هذا أمر ينبغي أن يعيه الدعاة إلى الإسلام وأن يدركوه جيدا. إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت. إلى الزوجة. إلى الأم. ثم إلى الأولاد؛ وإلى الأهل بعامة. ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم. وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولا عن الزوجة المسلمة.
وإلا فسيتأخر طويلا بناء الجماعة الإسلامية. وسيظل البنيان متخاذلا كثير الثغرات).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً قال ابن كثير:
(روى ابن جرير عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يخطب سمعت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه، وروى الثوري
…
عن عمر رضي الله عنه قال:
التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه، أو لا يريد أن يعود فيه، وقال
أبو الأحوص وغيره
…
عن النعمان سئل عمر عن التوبة النصوح فقال: أن يتوب الرجل من العمل السيئ ثم لا يعود إليه أبدا. وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله تَوْبَةً نَصُوحاً قال: يتوب ثم لا يعود.
وقد روي هذا مرفوعا فروى الإمام أحمد عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التوبة من الذنب: يتوب منه ثم لا يعود فيه» تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف والموقوف أصح والله أعلم، ولهذا قال العلماء: التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه. وروى ابن أبي حاتم
…
عن الحسن يقول: التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته، وتستغفر منه إذا ذكرته، فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات، كما ثبت في الصحيح:«الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها» وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات- كما تقدم في الحديث وفي الأثر- ثم لا يعود فيه أبدا. أو يكفي العزم على أن لا يعود في تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك، لا يكون ذلك ضارا في تكفير ما تقدم لعموم قوله عليه السلام:«التوبة تجب ما قبلها» ؟ وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضا «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة فالتوبة بطريق الأولى والله أعلم).
6 -
بمناسبة قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قال ابن كثير: (وروى الإمام أحمد عن رجل من بني كنانة قال:
صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول: «اللهم لا تخزني يوم القيامة» ، وقال محمد بن نصر المروزي: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة، وأول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظر بين يدي فأعرف أمتى من بين الأمم، وانظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم، وانظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم» فقال رجل يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم؟ قال: «غر محجلون من آثار الطهور، ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم، وأعرفهم يؤتون كتبهم
بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم»).
7 -
بمناسبة قوله تعالى عن زوجتي نوح ولوط: فَخانَتاهُما قال ابن كثير: (وليس المراد بقوله: فَخانَتاهُما في فاحشة؛ بل الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور، قال سفيان الثوري
…
سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول في هذه الآية فَخانَتاهُما قال: ما زنتا، أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه، وقال العوفي عن ابن عباس قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء. وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين).
8 -
بمناسبة الكلام عن زوجة فرعون ومريم عليهما الرضوان في السورة، قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط وقال: «أتدرون ما هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة
…
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ).
وقال صاحب الظلال: (ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صوره. فقد كانت امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ. في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي
…
ولكنها استعلت على هذا بالإيمان.
ولم تعرض عن هذا العرض فحسب، بل اعتبرته شرا ودنسا وبلاء تستعيذ بالله منه، وتتفلت من عقابيله، وتطلب النجاة منه!
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية
…
وهذا فضل آخر عظيم. فالمرأة