الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الأولى وهي المقدمة للسورة
وتمتد من الآية (1) إلى نهاية الآية (7) وهذه هي:
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة القلم (68): الآيات 1 الى 7]
بسم الله الرحمن الرحيم
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)
التفسير:
ن قال النسفي: الظاهر أن المراد به هذا الحرف من حروف المعجم، وقال ابن كثير: قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة، وأن قوله تعالى:
ن كقوله: ص، ق ونحو ذلك من الحروف المقطعة في أوائل السور، وتحرير القول في ذلك بما أغنى عن إعادته هنا. أقول: وفي ترجيح هذين الإمامين هذا القول، دليل على أنه لم يثبت شئ عن رسولنا عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن، ومن ثم فكل كلام غير هذا الكلام لا يصلح أن يلتفت إليه أو يعول عليه؛ ولذلك فإننا لا نذكره ولا نشير إليه وَالْقَلَمِ قال ابن كثير: الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به، فهو قسم منه تعالى، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم، وقال النسفي: أقسم به لما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف وَما يَسْطُرُونَ قال ابن كثير: يعني: وما يكتبون. وهل الضمير يعود على كل كاتب، أو على الملائكة، أو على الكاتبين الخير من البشر؟
وأرجح الأخير فصار المعنى: والقلم وكتابة الكاتبين به من أولئك الذين يحققون الحكمة من خلقه إذ يستعملونه في الخير،
وجواب القسم: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ أي:
ما أنت بإنعام الله عليك بالنبوة وغيرها بِمَجْنُونٍ قال ابن كثير: أي: لست ولله
الحمد بمجنون كما يقول الجهلة من قومك، المكذبين بما جئتهم به من الهدى والحق المبين، فنسبوك فيه إلى الجنون. قال النسفي: وهو جواب قولهم يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ أقول: إن اتهام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون هو المفر الذي يفر إليه كل مكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم نسمع في عصرنا اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالصرع وغيره كتعليل لما يحدث له عليه الصلاة والسلام عند الوحي- وحاشاه-، وفي عرض الله عز وجل هذه الشبهة بهذا الشكل رد لها فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنعم عليه بأعظم نعمة في الوجود، فكيف تجتمع هذه النعمة مع الجنون؟ إن مثل هذا الكلام لا يقوله إلا إنسان حرم نعمة التفكير،
ثم قال تعالى: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً أي: ثوابا غَيْرَ مَمْنُونٍ أي: غير منقطع. قال ابن كثير: أي: بل إن لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم. أقول: نفى الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم تهمة الجنون، وذكره بنعمته عليه بالنبوة، وبما أعده له في الآخرة؛ ردا عنه وتسلية له،
ثم أثنى الله عز وجل على رسوله الثناء الأعلى فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قال عطية: أي: لعلى أدب عظيم، وقال معمر عن قتادة: سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن، قال ابن كثير: ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له، وخلقا وتطبعه وترك طبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل. أقول: في الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الثناء الكريم رد على من اتهمه بالجنون، فمن رأى مضمون ما أنعم الله على رسوله من الوحي، ومن عرف كمالات أخلاقه لا يشك أنه ما عرف تاريخ البشرية إنسانا كمحمد صلى الله عليه وسلم، فهل يصح في العقول بعد ذلك أن يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون؟
ثم وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأوعد أعداءه فقال فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ* بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أي فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك من المفتون الضال منك ومنهم. والمفتون هو الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه، وفسر ابن عباس والنسفي المفتون بالمجنون لأنه فتن- أي: محن- بالجنون
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ قال ابن كثير: أي: هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي، ويعلم الحزب الضال عن الحق، وقال النسفي: أي هو أعلم بالمجانين على الحقيقة، وهم الذين ضلوا عن سبيله، وهو أعلم بالعقلاء وهم المهتدون. أقول: وقد شهد الله وهو الأعلم أن رسوله هو العاقل المهتدي