الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد سبق المقطع الأخير في السورة بفقرة تتحدث عن الولاء مما يشير إلى صلة المودة بالولاء، وجاء ذلك في سياق السورة التي تحرر من أخلاق الفاسقين، وتوضح أخلاق المؤمنين، وهذا المقطع الأخير بين لنا كيف ينبغي أن يكون الموقف من الفاسقين جميعا، ولذلك صلاته بمحور السورة.
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وفي سبب نزولها قال ابن كثير: «روى الإمام أحمد عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها إلى آخر الآية، وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقا، وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من غير وجه عن الأعمش به. وفي رواية لابن أبي حاتم عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شئ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أكل مالي وأفنى شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني! اللهم إني أشكو إليك قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها قالت: وزوجها أوس بن الصامت).
2 -
بمناسبة الكلام عن الظهار قال النسفي: (والظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وإذا وضع موضع أنت عضوا منها يعبر به عن الجملة، أو مكان الظهر عضوا آخر يحرم النظر إليه من الأم كالبطن والفخذ، أو مكان الأم ذات رحم محرم منه بنسب، أو رضاع، أو صهر، أو جماع، نحو أن يقول: أنت علي كظهر أختي من الرضاع، أو عمتي من النسب، أو امرأة ابني أو أبي، أو أم امرأتي أو ابنتها فهو مظاهر، وإذا امتنع المظاهر من الكفارة، للمرأة أن ترافعه، وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر، وأن يحبسه ولا شئ من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار، لأنه يضر بها في ترك التكفير والامتناع من الاستمتاع، فإن مس قبل أن يكفر استغفر الله ولا يعود حتى يكفر، وإن أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
3 -
بمناسبة قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا قال ابن كثير: (وقد روى أهل السنن من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال: «ما حملك على ذلك يرحمك الله؟» قال رأيت خلخالها في ضوء القمر قال: «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله عز وجل» وقال الترمذي: حسن غريب صحيح ورواه أبو داود والنسائي من حديث عكرمة مرسلا قال النسائي: وهو أولى بالصواب).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ قال الألوسي: (وقال ناصر الدين البيضاوي: أو يضعون أو يختارون حدودا غير حدود الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ومناسبته لما قبله في غاية الظهور.
قال المولى شيخ الإسلام سعد الله جلبي: وعلى هذا ففيه وعيد عظيم للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا أمورا خلاف ما حده الشرع وسموها اليسا والقانون، والله تعالى المستعان على ما يصفون. أ. هـ، وقال شهاب الدين الخفاجي بعد نقله: وقد صنف العارف بالله الشيخ بهاء الدين رحمه الله تعالى رسالة في كفر من يقول: يعمل بالقانون والشرع إذا قابل بينهما، وقد قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وقد وصل الدين إلى مرتبة من الكمال لا يقبل التكميل).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا قال النسفي: (وتخصيص الثلاثة والخمسة لأنها نزلت في المنافقين وكانوا يتحلقون للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين، وقيل ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة ولا أدنى من عدديهم ولا أكثر إلا والله معهم يسمع ما يقولون، ولأن أهل التناجي في العادة طائفة من أهل الرأي والتجارب وأول عددهم الاثنان فصاعدا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال، فذكر- عز وجل الثلاثة والخمسة وقال: ولا أدنى من ذلك فدل على الاثنين والأربعة وقال ولا أكثر فدل على ما يقارب هذا العدد).
6 -
في سبب نزول قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ قال ابن كثير: (قال ابن أبي نجيح عن مجاهد أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ قال: اليهود، وكذا قال مقاتل ابن حيان وزاد كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة وكانوا إذا مر بهم الرجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره المؤمن، فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى فأنزل الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ).
7 -
بمناسبة قوله تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة: وعليكم السام قالت:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش» قلت:
ألا تسمعهم يقولون السام عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو ما سمعت أقول وعليكم؟» فأنزل الله تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم: عليكم السام والذام واللعنة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا» ).
8 -
بمناسبة قوله تعالى حكاية عن قول المنافقين: لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ قال ابن كثير: (وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سام عليكم ثم يقولون في أنفسهم:
لولا يعذبنا الله بما نقول؟ فنزلت هذه الآية وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ إسناد حسن ولم يخرجوه).
9 -
بمناسبة قوله تعالى: وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ قال ابن كثير: (وروى الإمام أحمد عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذا بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين» أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة).
10 -
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ قال ابن كثير: (وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن، كما روى الإمام أحمد عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه» أخرجاه من حديث الأعمش.
وروى عبد الرزاق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه» انفرد بإخراجه مسلم). قال الألوسي: (مثل التناجي في ذلك أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث إن كان ذلك يحزنه).
11 -
بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ قال ابن كثير: (يقول تعالى مؤذنا عباده المؤمنين وآمرا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ وقرئ «في المجلس» فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وذلك أن الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث الصحيح: «من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة» وفي الحديث الآخر: «من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ولهذا أشباه كثيرة).
12 -
بمناسبة قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا قال الألوسي:
(وعمم الحكم فقيل: إذا قال صاحب مجلس لمن في مجلسه: قوموا ينبغي أن يجاب، وفعل ذلك لحاجة إذا لم يترتب عليه مفسدة أعظم منها مما لا نزاع في جوازه، نعم لا ينبغي لقادم أن يقيم أحدا ليجلس في مجلسه، فقد أخرج مالك، والبخاري، ومسلم، والترمذي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ولكن تفسحوا وتوسعوا»).
13 -
وبمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ قال ابن كثير:
(روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر ابن الخطاب بعسفان- وكان عمر استعمله على مكة- فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى رجل من موالينا، فقال عمر:
استخلفت عليهم مولى؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض،
قاص، فقال عمر رضي الله عنه: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب قوما ويضع به آخرين» وهكذا رواه مسلم من غير وجه عن الزهري به، وروي من غير وجه عن عمر بنحوه).
وقال النسفي: (عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال: يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». وعنه صلى الله عليه وسلم: «عبادة العالم يوما واحدا تعدل عبادة العابد أربعين سنة». وعنه صلى الله عليه وسلم: «يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء». فأعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه، وقال صلى الله عليه وسلم: «أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم». وعن بعض الحكماء: ليت شعري أي شئ أدرك من فاته العلم، وأي شئ فات من أدرك العلم. وعن الزبيري: العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال، والعلوم أنواع فأشرفها أشرفها معلوما).
وقال الألوسي: (واستدل غير واحد بالآية على تقديم العالم ولو باهليا شابا، على الجاهل ولو هاشميا شيخا، وهو بناء على ما تقدم من معناها لدلالتها على فضل العالم على غيره من المؤمنين، وأن الله تعالى يرفعه يوم القيامة عليه، ويجعل منزلته فوق منزلته، فينبغي أن يكون محله في مجالس الدنيا فوق محل الجاهل.
وقال الجلال السيوطي في كتاب الأحكام قال قوم: معنى الآية: يرفع الله تعالى المؤمنين العلماء منكم درجات على غيرهم، فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم، ففيه دليل على رفع العلماء في المجالس، والتفسح لهم عن المجالس الرفيعة انتهى).
14 -
بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال ابن كثير: (وقد قيل إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب قدم دينارا صدقة تصدق به ثم ناجى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عشر خصال، ثم أنزلت الرخصة، وقال ليث ابن أبي سليم عن مجاهد قال علي رضي الله عنه: آية في كتاب الله عز وجل لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي؛ كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا
ناجيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم، فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، ثم تلا هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً الآية. وروى ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ترى، دينار؟» قال: لا يطيقون قال: «فنصف دينار» قال:
لا يطيقون قال: «ما ترى؟» قال: شعيرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لزهيد» قال فنزلت أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ قال علي: خفف الله عن هذه الأمة، ورواه الترمذي
…
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً إلى آخرها قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ترى، دينار؟» قال: لا تطيقونه وذكره بتمامه مثله، ثم قال: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ثم قال: ومعنى قوله شعيرة يعني وزن شعيرة من ذهب ورواه أبو يعلى).
15 -
بمناسبة قوله تعالى في المنافقين: فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كاد تقلص عنهم الظل قال: «إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه» فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلمه فقال: «علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟» - نفر دعاهم بأسمائهم- قال: فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه قال: فأنزل الله عز وجل فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ.
وهكذا رواه الإمام أحمد من طريقين عن سماك به ورواه ابن جرير، وأخرجه أيضا من حديث سفيان الثوري عن سماك بنحوه إسناد جيد ولم يخرجوه وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ* انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
16 -
بمناسبة قوله تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ قال النسفي: (قال شاه الكرماني: علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من
المآكل والمشارب والملابس، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمائه والقيام بشكرها، ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان، ويشغل
لبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها).
17 -
بمناسبة قوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ قال الألوسي: (أي: بالحجة والسيف وما يجري مجراه أو بأحدهما، ويكفي في الغلبة بما عدا الحجة تحققها للرسل عليهم السلام في أزمنتهم غالبا، فقد أهلك سبحانه الكثير من أعدائهم بأنواع العذاب كقوم نوح. وقوم صالح. وقوم لوط. وغيرهم، والحرب بين نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين وإن كانت سجالا إلا أن العاقبة كانت له عليه الصلاة والسلام، وكذا لأتباع الرسل بعدهم، لكن إذا كان جهادهم لأعداء الدين على نحو جهاد الرسل لهم بأن يكون خالصا لله- عز وجل لا لطلب ملك، وسلطنة، وأغراض دنيوية، فلا تكاد تجد مجاهدا كذلك إلا منصورا غالبا، وخص بعضهم الغلبة بالحجة لاطرادها وهو خلاف الظاهر، ويبعده سبب النزول، فعن مقاتل: لما فتح الله تعالى مكة للمؤمنين، والطائف، وخيبر وما حولها قالوا: نرجو أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال عبد الله بن أبي: أتظنون الروم، وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزلت كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على نصر رسله عَزِيزٌ لا يغلب على مراده عز وجل.
18 -
عند قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
…
قال ابن كثير: (وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره أنزلت هذه الآية لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى آخرها في أبي عبيدة عامر ابن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة رضي الله عنهم: ولو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، وقيل في قوله تعالى: وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر أَوْ أَبْناءَهُمْ في الصديق هم يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن أَوْ إِخْوانَهُمْ في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا، وفي حمزة وعلي وعبيدة ابن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ فالله أعلم).
قال ابن كثير: (ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو
العم والعشيرة، ولعل الله تعالى أن يهديهم، وقال عمر: لا أرى ما رأى يا رسول الله، هل تمكنني من فلان- قريب لعمر- فأقتله، وتمكن عليا من عقيل، وتمكن فلانا من فلان، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين القصة بكمالها).
19 -
وبمناسبة الآية الأخيرة في السورة قال ابن كثير: (وقد روى ابن أبي حاتم أنه كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: اعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله تعالى على أيدي أوليائه لأوليائه، وأنهم الخامل ذكرهم، الخفية شخوصهم، ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
20 -
وبمناسبة الآية الأخيرة في السورة قال ابن كثير: (وقد روى ابن أبي حاتم عنه عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة» فهؤلاء أولياء الله تعالى الذين قال الله: أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وروى نعيم بن حماد
…
عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدا ولا نعمة فإني وجدت فيما أو حيته إلي لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» قال سفيان: يرون أنها نزلت فيمن يخالط السلطان. رواه أبو أحمد العسكري).
وقال النسفي: (وعن الثوري أنه قال: كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان. وعن عبد العزيز بن أبي رواد أنه لقيه المنصور فلما عرفه هرب منه وتلاها، وقال سهل: من صحح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس بمبتدع ولا يجالسه، ويظهر له من نفسه العداوة، ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن، ومن أجاب مبتدعا لطلب عز الدنيا أو غناها أذله الله بذلك العز وأفقره بذلك الغنى، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب).
وقال الألوسي: (وأخرج أحمد، وغيره عن البراء بن عازب مرفوعا:«أو ثق الإيمان الحب في الله والبغض في الله» . وأخرج الديلمي من طريق الحسن عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «اللهم لا تجعل لفاجر- وفي رواية- ولا لفاسق علي يدا ولا نعمة فيوده قلبي، فإني وجدت فيما أوحيت إلي لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وحكى الكواشي عن سهل أنه قال: من صحح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس إلى مبتدع