الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ قال النسفي: عن الحق في الدنيا وَسُعُرٍ أي ونيران في الآخرة، أو في هلاك ونيران في الآخرة، وابن كثير يرى أن الضلال والسعر للكافرين في الدنيا، قال: يخبرنا تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق، وسعر مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع من سائر الفرق
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ أي: يجرون فيها على وجوههم. قال ابن كثير: أي لما كانوا في سعر وشك وتردد، أورثهم ذلك النار، ولما كانوا ضلالا يسحبون فيها على وجوههم لا يدرون أين يذهبون، ويقال لهم تقريعا وتوبيخا ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي: ذوقوا مس سقر لكم، أي: ذوقوا عذابها، وسقر: علم لجهنم
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أي: إنا خلقنا كل شئ بقدر، أي بتقدير سابق، أو خلقنا كل شئ مقدرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ، معلوما قبل كونه، قد علمنا حاله وزمانه، فإذا كانت الكلمة مشتقة من التقدير، فالمراد بذلك إقامة الحجة على الكافرين بمجيء يوم القيامة، وإذا كانت مشتقة من القدر فالآية تنذر الكافرين أن يخافوا الله،
ثم قال تعالى: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ أي: وما أمرنا إلا كلمة واحدة، أي:
وما أمرنا لشئ نريد تكوينه إلا أن نقول له: كن فيكون كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أي:
على قدر ما يلمح أحدكم ببصره، والتشبيه للتقريب، وقيل المراد بأمرنا القيامة، فإذا كان المراد أمر الله في الدنيا فإن السياق يفيد أن قدرة الله عز وجل التي خلقت الأشياء كلها، والتي هذا شأنها تصل إليكم إذا أرادت تعذيبكم، وإذا كان المراد أمر الآخرة فإن الآيات تدلل على أن الساعة آتية لا ريب فيها من خلال عرض مظاهر قدرة الله،
وذكر الآية اللاحقة يرجح الأول قال تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ أي:
أشباهكم في الكفر من الأمم فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أي: متعظ.
كلمة في السياق:
1 -
يلاحظ أن الآيات الأخيرة استقرت على قوله تعالى: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وهي الكلمة التي جاءت وراء القصص الأربع من المجموعة الثانية وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فكأن ما مر معنا في الآيات الأخيرة نموذج آخر على كون القرآن ذكرا بما عرضه فيها، ومن ثم طالبت الآية الأخيرة بالادكار، فإذا تأملنا ما بين آخر مرة ذكرت فيها فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وما بين ورودها الأخير هذا فإننا نجد أنه قد جاء ذكر أخذ فرعون وآله، ومخاطبة كفار هذه الأمة بما يستحقون في الدنيا والآخرة،
وذكر حال أهل الكفر وعذابهم في الدنيا والآخرة، وذكر قدرة الله على الخلق وفعله في إهلاك السابقين، وأعقب ذلك المطالبة بالادكار، مما يدل على أن هذه كلها مذكرات.
2 -
لاحظنا أن قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ* وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ جاء في سياق يمكن أن يستدل به على مجئ اليوم الآخر، كما يمكن أن يستدل به على الله، وأنه قادر على أن يعذب المجرمين؛ ومن ثم جاء بعدها وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وبعد أن استقر هذا بين الله عز وجل أن أعمالهم كلها محصية عليهم، وفي ذلك تتمة الإنذار والتذكير:
…
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ أي: في دواوين الحفظة. قال ابن كثير: أي مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة عليهم السلام
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أي: من الأعمال ومن كل ما هو كائن مُسْتَطَرٌ أي مسطور في اللوح المحفوظ، هذا تفسير النسفي للآية، وأما ابن كثير: فيراها في الكلام عن صحف الملائكة، قال:
(أي مجموع عليهم ومسطر في صحائفهم، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) وبذلك استكمل الإنذار.
…
وبعد هذا الإنذار المتواصل في السورة تختتم السورة بآيتين فيهما تبشير للمتقين؛ تحقيقا لسنة القرآن في الإنذار والتبشير، وفي ختم السورة بهاتين الآيتين دعوة للناس جميعا أن يكونوا من أهل التقوى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ أي: وأنهار. قال ابن كثير: أي بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال، والسعر والسحب في النار على وجوههم، مع التوبيخ والتقريع والتهديد
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي: في مكان مرضي.
قال ابن كثير: (أي في دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه وجوده وإحسانه عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ أي: عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون) وفائدة التنكير في اسمي الجلالة أن يعلم أن لا شئ إلا وهو تحت ملكه وقدرته، وهو على كل شئ قدير.
…
قال صاحب الظلال: (وعند هذا الإيقاع الهادئ، في هذا الظل الآمن. تنتهي