الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي سورة التغابن:
قدم الألوسي لسورة التغابن بقوله: (مدنية في قول الأكثرين، وعن ابن عباس.
وعطاء بن يسار أنها مكية إلا آيات من آخرها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ الخ، وعدد آياتها تسع عشرة آية بلا خلاف، ومناسبتها لما قبلها أنه سبحانه ذكر هناك حال المنافقين وخاطب بعد المؤمنين، وذكر جل وعلا هنا تقسيم الناس إلى مؤمن. وكافر، وأيضا في آخر تلك لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ وفي هذه إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وهذه الجملة على ما قيل: كالتعليل لتلك، وأيضا في ذكر التغابن نوع حث على الإنفاق قبل الموت المأمور به فيما قبل، واستنبط بعضهم عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين من قوله تعالى في تلك السورة وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها فإنها رأس ثلاث وستين سورة).
كلمة في سورة التغابن ومحورها:
قلنا من قبل: إن وجود الفعل سبح يسبح بعد انتهاء مجموعة، علامة على بداية مجموعة جديدة تفصل في أول سورة البقرة، وهذه سورة التغابن جاءت بعد سورة
(المنافقون)، وهي مبدوءة بقوله تعالى: يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وهذا أول شئ نستأنس به على أن سورة التغابن تفصل في مقدمة سورة البقرة.
…
ويلاحظ أن سورة الحديد ركزت على موضوع الإيمان بالله والرسول، والخضوع للقرآن، والإنفاق، وفي سورة التغابن نجد قوله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ونجد إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ونلاحظ أن سورة الحديد ورد فيها مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وورد فيها قوله تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وأن سورة التغابن يرد فيها قوله تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وهذا ثاني شئ نستأنس به على أن سورة التغابن تفصل في مقدمة سورة البقرة.
…
ويلاحظ أن سورة آل عمران التي فصلت في مقدمة سورة البقرة قد ورد في أوائلها قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ وأن سورة التغابن قد ورد في أوائلها قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ويلاحظ أنه قد ورد في سورة آل عمران يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وأنه ورد في سورة التغابن قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقد اعتبر بعض العلماء أن هذه الآية مفسرة أو ناسخة لآية آل عمران، وبهذا كذلك نستأنس على أن سورة التغابن تفصل في محور آل عمران أي: في مقدمة سورة البقرة.
…
نلاحظ أن مقدمة سورة البقرة تحدثت عن المتقين والكافرين والمنافقين، وأن سورة التغابن تحدثت عن الكافرين والمؤمنين، ولا ننسى أن النفاق مظهر من مظاهر الكفر، وأن مما ختمت به آيات المتقين في سورة البقرة قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وأن سورة التغابن ورد فيها قوله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ مما يشير إلى أن الحديث في السورتين متحد المآل، وهذا كذلك مما نستأنس به على أن سورة التغابن تفصل في مقدمة سورة البقرة.
…
فإذا أضيف إلى هذا كله، أن سورة (المنافقون) نهاية مجموعة، وأن ما بعد سورة التغابن سورة الطلاق المبدوءة ب (يا أيها) والتي تدل على أنها تفصل فيما بعد مقدمة سورة البقرة، يتأكد لنا- نتيجة لهذا كله- أن سورة التغابن تفصل في مقدمة سورة البقرة، وسنرى أثناء عرض السورة أن المعاني نفسها تدلنا على ذلك.
…
تتألف سورة التغابن من فقرتين واضحتين: الأولى منهما تمتد حتى نهاية الآية (13)، والثانية منهما تمتد حتى نهاية السورة أي: إلى نهاية الآية (18) فلنبدأ عرض السورة.
***