الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي سورة الرحمن:
قال الألوسي في تقديمه لسورة الرحمن: (وسميت في حديث أخرجه البيهقي عن علي كرم الله وجهه مرفوعا «عروس القرآن» ورواه موسى بن جعفر رضي الله تعالى عنهما عن آبائه الأطهار كذلك (وهي مكية) في قول الجمهور، وأخرج ذلك ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير. وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وابن النحاس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أنها نزلت بالمدينة، وحكي ذلك عن مقاتل، وحكاه في البحر عن ابن مسعود أيضا، وحكى أيضا قولا آخر عن ابن عباس وهو أنها مدنية سوى قوله تعالى:
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وحكي الاستثناء المذكور في جمال القراء عن بعضهم ولم يعينه، وعدد آياتها ثمان وسبعون آية في الكوفي والشامي، وسبع وسبعون في الحجازي، وست وسبعون في البصري.
ووجه مناسبتها لما قبلها على ما قال الجلال السيوطي: أنه لما قال سبحانه في آخر ما قيل بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ثم وصف عز وجل حال المجرمين فِي سَقَرَ؛ وحال المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة، والإشارة إلى شدتها، ثم وصف النار وأهلها، ولذا قال سبحانه: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ولم يقل الكافرون، أو نحوه لاتصاله معنى بقوله تعالى هناك: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ، ثم وصف الجنة وأهلها، ولذا قال تعالى فيهم: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ وذلك هو عين التقوى ولم يقل ولمن آمن، أو أطاع، أو نحوه لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل؛ ويعرف بما ذكر أن هذه السورة كالشرح لآخر السورة قبلها؛ وقال أبو حيان في ذلك: أنه تعالى لما ذكر هناك مقر المجرمين في سقر، ومقر المتقين في جنات ونهر عند مليك مقتدر ذكر سبحانه هنا شيئا من آيات الملك وآثار القدرة، ثم ذكر جل وعلا مقر الفريقين على جهة الإسهاب، إذ كان ذكره هناك على جهة الاختصار، ولما أبرز قوله سبحانه: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ بصورة التنكير فكأن سائلا يسأل ويقول من المتصف بهاتين الصفتين الجليلتين؟ فقيل: الرَّحْمنُ الخ،
والأولى عندي أن يعتبر في وجه المناسبة، أيضا ما في الإرشاد وهو أنه تعالى لما عدد في السورة السابقة ما نزل بالأمم السالفة من ضروب نقم الله عز وجل، وبين عقيب كل ضرب منها أن القرآن قد يسر لتذكر الناس واتعاظهم، ونعى عليهم إعراضهم عن ذلك، عدد في هذه السورة الكريمة ما أفاض على كافة الأنام من فنون نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية والآفاقية، وأنكر عليهم إثر كل فن منها إخلالهم بمواجب شكرها، وهذا التكرار أحلى من السكر إذا تكرر، وفي الدرر والغرر لعلم الهدى
السيد المرتضى:
التكرار في سورة (الرحمن) إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها وبخ على التكذيب بها، كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا؟ فيحسن فيه التكرير لاختلاف ما يقرر به وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم كقول مهلهل يرثي كليبا:
على أن ليس عدلا من كليب
…
إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب
…
إذا رجف العضاه من الدبور
على أن ليس عدلا من كليب
…
إذا خرجت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب
…
إذا ما أعلنت نجوى الأمور
على أن ليس عدلا من كليب
…
إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلا من كليب
…
غداة تأثل الأمر الكبير
على أن ليس عدلا من كليب
…
إذا ما خار جاش المستجير
ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط ولولا خوف الملل لأوردتها، ولا يرد على ما ذكره أن هذه الآية قد ذكرت بعد ما ليس نعمة لما ستعلمه إن شاء الله تعالى في محله، وقسم في الإتقان التكرار إلى أقسام، وذكر أن منه ما هو لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول؛ ثم قال: وهذا القسم يسمى بالترديد وجعل منه قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* فإنها وإن تكررت إحدى وثلاثين مرة فكل واحدة تتعلق بما قبلها) ومما ذكره الألوسي من وجوه المناسبة بين سورة الرحمن وسورة القمر: أن كلا منهما قد افتتحت بذكر معجزة، فسورة القمر افتتحت بذكر معجزة انشقاق القمر، وسورة الرحمن افتتحت بذكر معجزة القرآن.
وقدم ابن كثير بين يدي تفسير سورة الرحمن هذه النصوص: (روى الإمام أحمد عن عاصم عن زر أن رجلا قال: كيف تعرف هذا الحرف من ماء غير آسن أو أسن؟
فقال: كل القرآن قد قرأت؟ قال: إني لأقرأ المفصل في ركعة واحدة فقال: أهذا كهذ الشعر لا أبا لك؟ قد علمت قرائن النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يقرن قرينتين من أول المفصل، وكان أول مفصل ابن مسعود الرَّحْمنُ، وروى أبو عيسى الترمذي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال: «لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد» ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد ابن مسلم ورواه الحافظ أبو بكر البزار. وروى أبو جعفر بن جرير عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن أو قرئت عنده فقال: «ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم؟» قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ما أتيت على قول الله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟ * إلا قالت الجن: لا بشيء من نعم ربنا نكذب» ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك به ثم قال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد).
وقال صاحب الظلال في تقديمه لسورة الرحمن: (هذه السورة المكية ذات نسق خاص ملحوظ. إنها إعلان عام في ساحة الوجود الكبير، وإعلام بآلاء الله الباهرة الظاهرة. في جميل صنعه، وإبداع خلقه؛ وفي فيض نعمائه؛ وفي تدبيره للوجود وما فيه؛ وتوجه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم
…
وهي إشهاد عام للوجود كله على الثقلين: الإنس والجن المخاطبين بالسورة على السواء، في ساحة الوجود، على مشهد من كل موجود، مع تحديهما- إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله- تحديا يتكرر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يعددها ويفصلها ويجعل الكون كله معرضا لها، وساحة الآخرة كذلك.
ورنة الإعلان تتجلى في بناء السورة كله، وفي إيقاع فواصلها
…
تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى، وامتداد التصويت إلى بعيد؛ كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير التوقف والانتظار لما يأتي بعد المطلع من أخبار
…
الرحمن
…
كلمة واحدة. مبتدأ مفردا
…
الرحمن كلمة واحدة في معناها الرحمة، وفي رنتها الإعلان، والسورة بعد ذلك بيان للمسات الرحمة ومعرض لآلاء الرحمن).