الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَوْس وَجُرِحَ حُضَيْر يَوْمئِذٍ فَماتَ فِيها، وَذَلِكَ قَبْل الْهِجْرَة بِخَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ: بِأَرْبَعٍ وَقِيلَ: بِأَكْثَر والْأَوَّل أَصَحّ، وَذَكَرَ- أبو الْفَرَج الْأَصبَهانِي أَنَّ سَبَب ذَلِكَ أَنَّهُ كانَ مِنْ قاعِدَتهمْ أَنَّ الْأَصِيل لا يُقْتَل بِالْحَلِيفِ، فَقَتَلَ رَجُل مِنْ الْأَوْس حَلِيفًا لِلْخَزْرَجِ، فَأَرادُوا أَنْ يُقِيدُوهُ فامْتَنَعُوا، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ الْحَرْب لِأَجْلِ ذَلِكَ، فَقُتِلَ فِيها مِنْ أَكابِرهمْ مَنْ كانَ لا يُؤْمِن، أَيْ يَتَكَبَّر وَيَأْنَف أَنْ يَدْخُل في الْإِسْلام حَتَّى لا يَكُون تَحت حُكْم غَيْره، وَقَدْ كانَ بَقِيَ مِنْهُمْ مِنْ هَذا النّحو عبد الله بن أبي بن سَلُول وَقِصَّته في ذَلِكَ مَشْهُورَة مَذْكُورَة في هَنا الْكِتاب وَغَيْره (1). اهـ.
16 - وفي السنه الثانيه عشرة من البعثه: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم -من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي، ثم عرج به إلي سدرة المنتهى ففرض الله عليه وعلى أمته الصلوات الخمس
.
الشرح:
ثم كافأ الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وسرّى عنه برحلة الإسراء والمعراج؛ فأراه من آياته الكبرى ما جعل قلبه صلى الله عليه وسلم يطيب ويطمئن ويثبت، وينكشف عنه ما ألمَّ به من همّ وحزن وأسى بعد وفاة عمه وزوجته رضي الله عنها، وما لاقاه من إعراض قومه عن دعوته صلى الله عليه وسلم.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحزنه الإيذاء الشخصي له صلى الله عليه وسلم إنما الذي كان يحزنه صلى الله عليه وسلم ويكاد يقتله؛ هو إعراضهم عن الدعوة ورفضهم لها؛ رحمة منه صلى الله عليه وسلم وشفقة عليهم، ولذلك يقول الله عز وجل له صلى الله عليه وسلم:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} [الكهف: 6]، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} [الشعراء: 3]
(1)"فتح الباري" 7/ 138، 139.
وحادثة الإسراء والمعراج صحيحة ثابتة بالقرآن والسنة:
أما ثبوتها بالقرآن ففي قول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1]، وقوله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم:1 - 18].
وقد فصل النبي صلى الله عليه وسلم أحداث هذه الرحلة المباركة تفصيلًا دقيقًا، بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أحاديث صحيحة.
يقول صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَما أَنا عِنْدَ الْبَيْتِ (1) في الحجر مضطجعًا (2) بَيْنَ النّائِمِ والْيَقْظانِ (3) إذا أتاني آتٍ فشق (4) من النحر إلى مراقّ البطن (5) فاستُخْرِجَ قَلْبِي (6) ثم غسله بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حِكْمَةً وَإِيمانًا
(1) البخاري (3207).
(2)
البخاري (3887).
(3)
البخاري (3207).
(4)
البخاري (3887).
(5)
البخاري (3207). أي إلي ما رقّ من الجلد وهو ما يكون أسفل البطن.
(6)
مسلم (164).
فأَفْرَغَهُ في صَدرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ (1) ثُمَّ أُتِيتُ بِدابَّةٍ أَبْيَضَ يُقالُ لَهُ: الْبُراقُ فَوْقَ الْحِمارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَي طَرْفِهِ (2) فاسْتَصعَبَ عَلَيهِ، فَقالَ لَهُ جبريلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذا؟ فَما رَكِبَكَ أحدٌ أكرَمُ عَلَى الله مِنْهُ قالَ فارْفَضَّ عَرَقًا (3) حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَزبِطُ بِهِ الْأَنْبِياءُ، قالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ (4) فَصَلَّيْتُ بالنبيين والمرسلين إمامًا (5) ثُمَّ خَرَجْتُ فَجاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام بِإناءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِناءٍ مِنْ لَبَنٍ فاخْترتُ اللَّبَنَ، فَقالَ جِبْرِيلُ-عليه السلام: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ (6) ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إلى السَّماءِ الدُّنْيا فَلَمّا جِئْتُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، قالَ جِبْرِيلُ لِخازِنِ السَّماءِ: افْتَح، قالَ: مَنْ هَذا؟ قالَ: جِبرِيلُ، قالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قالَ: نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قالَ: نعَمْ، فَلَمّا فَتَحَ علَوْنا السَّماءَ الدُّنْيا فَإِذا رَجُلٌ قاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَي يَسارِهِ أَسْودِةٌ، إِذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذا نَظَرَ قِبَلَ يَسارِهِ بَكَى، فَقالَ: مَرحَبًا بِالنَّبِي الصّالِحِ، والابْنِ الصّالِحِ، قُلْتُ لِجِبرِيلَ: مَنْ هَذا؟ قال: هذا آدم وَهَذهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينهِ وَشِمالِهِ نَسَمُ بنيهِ فأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، والْأَسْوِدةُ الَّتِي عَنْ شِمالِهِ أَهْلُ النّارِ فَإذا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذا نَظَرَ قِبَلَ شِمالِهِ بَكَي (7) ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّماءَ الثّانِيَةَ فاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ، قِيلَ: وَمَنْ
(1) البخاري (349).
(2)
مسلم (164).
(3)
أحمد 3/ 164، الترمذي (3131)، وقال: حسن غريب، وصحح إسناده الألباني في "صحيح الترمذي".
(4)
مسلم (162).
(5)
انظر: "الإسراء والمعراج" للألباني (14).
(6)
مسلم (162).
(7)
البخاري (349).
مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصتُ إِذا يَحيىَ وَعِيسَى وَهُما ابْنا الْخالَةِ قالَ: هَذا يَحيىَ وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِما فَسَلَّمْتُ فَردا ثُمَّ قالا مرحبًا بِالْأَخِ الصّالِحِ والنَّبِي الصّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي إلى السَّماءِ الثّالِثَةِ فاستَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذا؟ قالَ: جبريلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَد أُرْسِلَ إِلَيهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ، فَفُتِحَ فَلَمّا خَلَصتُ إِذا يُوسُفُ قالَ: هَذا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ فَرَدَّ ثُمَّ قالَ: مَرحَبًا بِالْأَخِ الصّالِحِ والنَّبِي الصّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّماءَ الرّابِعَةَ فاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذا؟ قالَ: جِبرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيهِ؟ قالَ: نَعَم، قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ، فَفُتِحَ فَلَمّا خَلَصتُ إِلي إِدرِيسَ قالَ: هَذا إدرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قالَ: مَرحَبًا بِالْأَخِ الصّالِحِ والنَّبِي الصّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بي حَتَّى أَتَى السَّماءَ الْخامِسَةَ فاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذا؟ قالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَد أُرْسِلَ إِلَيهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ ففتح فَلَمّا خَلَصتُ فإذا هارُونُ قالَ: هَذا هارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصّالِحِ والنَّبِي الصّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّماءَ السّادِسَةَ فاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَد أُرْسِلَ إِلَيهِ؟ قالَ: نَعم، قالَ: مَرحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ، فَلَمّا خَلَصتُ فَإذا مُوسَى قالَ: هَذا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قالَ: مَرحَبًا بِالْأَخِ الصّالِحِ والنَّبِيِ الصّالِحِ فَلَمّا تَجاوَزْتُ بَكَي قِيلَ لَهُ: ما يبْكِيكَ؟ قالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي، يدخلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أكثَرُ مِمَّنْ يَدخُلُها مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ صَعِدَ بِي إلى السَّماءِ السّابِعَةِ فاسْتَفْتَحَ جِبرِيلُ قِيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: مَرحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ فَلَمّا خَلَصتُ فَإذا إِبْراهِيمُ قالَ: هَذا أَبُوكَ فَسَلِّم عَلَيْهِ قالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ
السَّلامَ قالَ: مَرحَبًا بِالِابْنِ الصّالِحِ والنَّبِي الصّالِحِ ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَ سِدرَةُ الْمُنْتَهَى فَإذا نَبْقُها مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ وَإِذا وَرَقُها مِثْلُ آذانِ الْفِيَلَةِ قالَ: هَذهِ سِدرَةُ الْمُنْتَهَى وإِذا أَرْبَعَةُ أَنْهارٍ نَهْرانِ باطِنانِ وَنَهْرانِ ظاهِرانِ فَقُلْتُ: ما هَذانِ يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: أَمّا الْباطِنانِ فَنَهْرانِ في الْجَنة، وَأَمّا الظّاهِرانِ فالنِّيلُ والْفُراتُ ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ثمَّ أُتِيتُ بِإناءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِناءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِناءٍ مِنْ عَسَلٍ، فأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْها وَأُمَّتُكَ ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَواتُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقالَ: بِما أُمِرْتَ؟ قالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةً كُل يَوْمٍ، قالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي واللهِ قَدْ جَرَّبْتُ النّاسَ قَبْلَكَ وَعالَجْتُ بني إِسْرائِيلَ أَشَدَّ الْمُعالَجَةِ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقالَ: مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى فَقالَ: مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى فَقالَ: مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فأُمِرتُ بِعَشْرِ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقالَ: مِثْلَه فَرَجَعْتُ فأُمِرتُ بِخَمْسِ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى فَقالَ: بِمَ أُمرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْمٍ قالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النّاسَ قَبْلَكَ وَعالَجْتُ بني إِسْرائِيلَ أَشَدَّ الْمُعالَجَةِ فارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْألْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قالَ سأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحيَيْتُ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ قالَ فَلَمّا جاوَزْتُ نادَى مُنادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبادِي" (1).
فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وَأَصبَحت بِمَكَّةَ، يقول صلى الله عليه وسلم:"فَظِعْتُ بِأَمْرِي (2) وَعَرَفْتُ أَنَّ النّاسَ مكَذِّبِيّ"، فَقَعَدَ- بأبي هو وأمي ونفسي صلى الله عليه وسلم مُعْتَزِلًا حَزِينًا، فَمَرَّ
(1) صحيح: أخرجه البخاري (3887)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: المعراج.
(2)
أي اشتد عليَّ وهبْتُه. (نهاية).
عَدُوُّ الله أبو جَهْلٍ، فَجاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقالَ لَهُ كالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كانَ مِنْ شَيءٍ؟! فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نعَمْ"، قالَ: ما هُوَ؟ قالَ: "إِنهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ"، قالَ: إلى أَيْنَ؟ قالَ: "إلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
قالَ: ثُمَّ أَصبَحتَ بَيْنَ ظَهْرانَيْنا؟! قالَ: "نَعَمْ".
قالَ: فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ، مَخافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِذا دَعا قَوْمَهُ إِلَيْه، قالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُم ما حَدَّثْتَنِي؟! فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نَعَم".
فَقالَ: هَيّا مَعْشَرَ بني كَعْبِ بن لُؤَيٍّ!
حتى قالَ: فانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجالِسُ، وَجاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِما.
قالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِما حَدَّثْتَنِي.
فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّي أُسْرِيَ بِي اللَّيلَةَ".
قالُوا: إلى أَيْنَ؟ قال: "إِلَي بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
قالُوا: ثُمَّ أَصبَحتَ بَيْنَ ظَهْرانَيْنا؟ قالَ: "نَعَمْ".
قالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ واضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ متَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ؛ زَعَمَ!
قالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سافَرَ إلى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ.
فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَذَهبتُ أَنْعَتُ، فَما زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قالَ: فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنا أَنْظُرُ؛ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دارِ عِقالٍ - أَوْ عُقَيْلٍ- فَنَعَتُّهُ وَأَنا أَنْظُرُ إِلَيهِ".
قالَ: "وَكانَ مَعَ هَذا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْه".
قالَ: فَقالَ الْقَوْمُ: أَمّا النَّعْتُ؛ فَواللهِ لَقَد أَصابَ (1).
(1) صحيح الإسناد: أخرجه أحمد 1/ 309، الطبراني (12782)، وحسنه الحافظ في "الفتح" 7/ 199، وقال الألباني في "الإسراء والمعراج" (82): سنده صحيح.
وقد اختلف علماء أهل السنة والجماعة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في هذه الليلة ليلة الإسراء والمعراج.
فنسب بعض العلماء لابن عباس أنه يقول بالرؤية وتبعوه في ذلك.
يقول ابن عباس: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم. أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة"(577)، النسائي في "الكبرى"(11539)، والحاكم 1/ 15 بسند صحيح.
وقال أيضًا في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)} [النجم: 13، 14].
قال: رأى ربه فتدلي فكان قاب قوسين أو أدنى.
حسن صحيح: أخرجه الترمذي (3280)، وقال: حديث حسن، وابن حبّان (57)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(933)، وقال الألباني في "صحيح الترمذي": حسن صحيح.
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه ومن تبعها: لم يره.
عَنْ مَسْرُوقٍ قالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عائِشَةَ فَقالَتْ: يا أَبا عائِشَةَ: ثَلاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِواحِدَةٍ مِنْهنَّ فَقَد أَعْظَمَ عَلَى الله الفِريَة، قُلْتُ: ما هُنَّ؟ قالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَد أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِريَة، قالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِيني وَلا تَعْجَلِينِي، أَلَمْ يَقُلْ الله عز وجل: ف {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} ، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} ، فَقالَتْ أَنا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقالَ:"إنَّما هُوَ جِبرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ التِي خُلِقَ عَلَيها غَيْرَ هاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السماءِ سادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بَينَ السماءِ إلى الْأَرْضِ" فَقالَتْ: أَوَ لَم تَسْمَعْ أَن الله يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} أَوَ لَم تَسْمَعْ أَنَّ الله يَقُولُ: {*وَمَا =