الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن إسحاق رحمه الله:
فلقي- بذات الرقاع- جمعًا عظيمًا من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضًا (1)، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف، ثم انصرف بالناس. اهـ (2).
قال بعض أهل السير:
إن غزوة ذات الرقاع كانت سنة أربع، ومنهم ابن إسحاق رحمه الله (3).
والراجح أنها كانت سنة سبع بعد خيبر وممن رجح ذلك: البخاري (4)، وابن القيم (5)، وابن كثير (6).
وهذه قصة عجيبة حدثت بذات الرقاع، يرويها جابر بن عبد الله رضي الله عنه، يقول جابر: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ من نخل، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قافلًا أتى زوجها وكان غائبًا، فلما أخبر الخبر حَلَفَ لا ينتهي في أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْزِلاً، فَقَالَ:"مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا ليلتنا هذه؟ "، قال: فَانْتَدَبَ رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فقالا: نحن يا
(1) قوله: وقد خاف الناس بعضهم بعضًا: ليس معناه أن المسلمين خافوا من المشركين فرجعوا، وإنما هذه الكلمة تقال كناية عن شدة قرب الفريقين من بعضهما، وعندها تُزلزل قلوب الرجال.
(2)
"سيرة ابن هشام" 3/ 107.
(3)
"سيرة ابن هشام" 3/ 107.
(4)
"صحيح البخاري" 2/ 309.
(5)
"زاد المعاد" 3/ 225.
(6)
"البداية والنهاية" 4/ 215.
رسول الله، قَالَ:"فكُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ"، قَالَ: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إلى فَمِ الشِّعْبِ، قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل تُحبُّ أن أكفيكه أوله أم آخره؟ قال: بل أكفني أوله، قال: فاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، فنام، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّ، قال: وأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَ الرجل عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَة لِلْقَوْمِ (1)، قال: فَرَمَي بِسَهْمٍ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، قال: فَنَزَعَهُ ووضعه، فثبت قائمًا، قال: ثم رماه سهمًا آخر، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه، وثبت قائمًا، ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهبَّ صاحبه (2)، فقال: اجلس فقد أُثْبِتُّ (3)، قال: فوثب، فَلَمَّا رآهما الرجل عَرِفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ (4)، فهَرَبَ، قال: وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنْ الدَّمِاء، قَالَ: سُبْحَانَ الله! أَفلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَاك؟ قَالَ: كُنْتَ في سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حتى أُنْفذها، فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فأذنتك، وأيم الله لولا أن أضيعّ ثَغْرًا أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أُنفذها (5).
وقد سمى ابن هشام رحمه الله هذين الرجلين، فقال هما: عمار بن ياسر، وعباد بن بشر (6).
(1) الربيئة: الطليعة الذي يحرس للقوم، تقول: ربا القوم، إذا حرسهم.
(2)
أهبَّ صاحبه: أي أيقظه من نومه.
(3)
أُثْبِتُّ: أي جُرِحْتُ جُرحًا بليغًا لا أستطيع معه الحركه.
(4)
نذرا به: أي عَلِما بوجوده ومكانه.
(5)
حسن: أخرجه ابن هشام في "السيرة" عن ابن إسحاق بسند حسن، وأبو داود (198)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من الدم، مختصرًا، وحسنه الألباني في "صحيح السنن".
(6)
السابق.