الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله- صلى الله عليه وسلم وإلى الإِسلام لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، قال: فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة.
وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير من مكة يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام، تُنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عن الرُّكبان، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف ألَّا يُكَلَّمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبدًا (1).
19 - وفي شوال من هذه السنة: نقض يهود بني قينقاع العهد فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عن المدينه
.
الشرح:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهد أهل المدينة -كما تقدم- بعد وصوله إليها صلى الله عليه وسلم، وكانت اليهود ومنهم يهود بني قينقاع من أهل هذه المعاهدة، وكان من شروط هذه المعاهدة ألا يعتدي طرفٌ على الآخر، وألا يغدر طرف بالآخر.
ولكن اليهود كعادتهم منذ وُجِدوا على وجه هذه البسيطة لا عهد لهم ولا ميثاق ولا ذمة، قوم غُدُرٌ، قوم ملئوا الدنيا غدرًا وفسادًا، ووقيعة بين أهل الأرض.
فلما كان هذا هو طبع اليهود ودأبهم الذي لا يَنْفَكُّ عنهم، لم يحفظ يهود بني قينقاع ما عاهدوا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحترموه، فكان جزاؤهم أن أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة، ليرتاح ويريح مَنْ بالمدينة منهم.
أما عن تفاصيل ما فعلوه، وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بهم، فيرويه ابن إسحاق رحمه الله فيقول:
وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال: "يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا
(1)"سيرة ابن هشام" 2/ 171،170، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، به مرسلًا.
فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم" قالوا: يا محمد، إنك ترى أنَّا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنَّا والله لئن حاربنا لتعلمن أنَّا نحن الناس.
فما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} أي: أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقريش {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)} [آل عمران:12، 13].
فكان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأُحد فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على مكة، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول، حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عليه رسول الله، فقال: يا محمد أحسن في موالي، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرسلني"، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللاً (1)، ثم قال:((ويحك! أرسلني))، قال: لا، والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعُ مئة حاسر (2) وثلاثُ مئة دارع (3)، قد منعوني الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هم لك"، وأمر بهم أن يجلوا عن المدينة وتولى أمر إجلائهم عبادة بن الصامت، فلحقوا بأذرعات، وتولى قبض أموالهم محمد بن مسلمة، حيث تم تقسيمها بين الصحابة بعد إخراج الخمس للرسول صلى الله عليه وسلم.
حيث مشى عبادة بن الصامت رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف
(1) الظلل: جمع ظُلة، وهو في الأصل السحابهّ، فاستعارها هنا لتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
الحاسر: الذي لا درع له.
(3)
الدارع: لابس الدرع.