الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في العودة ومداهمة المدينة، فأرسل مناديًا ينادي في الناس بطلب العدو وأن لا يخرجن أحدٌ إلا أَحَد حضر أُحُد، وكان ذلك في اليوم التالي لغزوة أُحُد فخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم كل من شهد أحدًا، سوى جابر بن عبد الله خرج وهو لم يشهد أُحدًا، حيث تخلف عن أحُد لأن أباه خلفه على أخواته.
فسار جيش المسلمين حتى بلغ حمراء الأسد وهي على بعد حوالي عشرين كيلو جنوب المدينة المنورة، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، فلم يلق أحدًا من المشركين، ووجدهم قد رجعوا إلى مكة، فأقام بها الاثنين، والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة (1).
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)} [آل عمران: 172] قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ، وَأبو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَصابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ:"مَنْ يَذْهَبُ في إِثْرِهِمْ؟ " فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أبو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ (2).
11 - وفي هذه السنة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها بأمر الله تبارك وتعالى
.
الشرح:
هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يَعْمَر بن صبرة بن مُرَّة بن كبير بن
(1) انظر تلك الغزوة في "سيرة ابن هشام" 3/ 29، 30.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (4077)، كتاب: المغازي، باب {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} .
هكذا جاء في حديث عائشة أن الذين خرجوا في هذه الغزوة سبعون صحابيًا فقط، والمشهور عند أهل السير أنه خرج كل من شارك بأُحُد فالله أعلم. وقد يكون هؤلاء السبعون أول من خرجوا ثم تبعهم الباقون، كما وجه ذلك بعض العلماء والله أعلم.
غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، الأسدية، أم المؤمنين.
وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وكانت عند زيد بن حارثة رضي الله عنه قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
وزيد بن حارثة بن شراحيل رضي الله عنه كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم أهدته إليه خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها.
وكان يدعى زَيْدَ بن مُحَمَّدٍ، حيث كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينسب إليه، حَتَّى نَزَلَت:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5](2).
فبنزول هذه الآية تم تحريم التبني، وأصبح كلٌ يُنسبُ إلى أبيه الذي هو من صلبه، فأصبح يقال زيد بن حارثة.
ولكن قاعدة التبني كانت متأصلة في نفوس العرب، ليس من السهل محوها، فكأن الله عز وجل أراد حدوث شيء عملي يمحو هذا تمامًا من نفوسهم، فكان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش التي كانت زوجة لرعيِّه زيد بن حارتْة رضي الله عنه.
وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه العزيز فقال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
(1)"البداية والنهاية" 4/ 163.
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري (4782)، كتاب: التفسير، باب:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} مسلم (2425)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد.
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإِسلام، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنعم النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالعتق من الرق.
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} زينب رضي الله عنها، حيث جَاءَ زَيْدُ بن حَارِثَةَ يَشْكُو للنَّبِيِ صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"اتَّقِ الله وَأَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ"(1).
وكان الله عز وجل قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أنها ستكون زوجته، ولذلك قال الله تعالى له:{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} أي: لا تخفي ما أطلعك الله عليه من أنها ستكون زوجتك، {وَتَخْشَى النَّاسَ} من أن يقولوا: طلق محمد زوجة ابنه ليتزوجها، {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} .
ثم يقول الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الوطر: الحاجة، أي: فلما فرغ زيدٌ منها وفارقها {زَوَّجْنَاكَهَا} فكان زواجها رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من الله عز وجل، ولذلك كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى زوجات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتَقُولُ لهن: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي الله تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ (2).
عَنِ أَنَس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِزَيْدٍ: "اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ"، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهَا قَالَ وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قال: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ في صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيهَا؛ أَنَّ رَسُولَ الله ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنكَصْتُ عَلَى عَقِبَيَّ فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ أَرْسَلَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُكِ، قَالَت: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى
(1) صحيح: أخرجه البخاري (7420)، كتاب: التوحيد، باب:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]، {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129].
(2)
صحيح: انظر التخريج السابق.