الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشير بن سعد، فعقد له لواءً، وبعث معه ثلاثمائة رجل، فساروا الليل وكمنوا النهار، حتى أتوا إلى يمن وجَبَار وهي نحو الجِناب - والجناب مَعارض سِلاح (1) وخيبر وادي القرى - فنزلوا بسِلاح، ثم دنوا من القوم، فأصابوا لهم نعمًا كثيرًا، وتفرَّق الرعاء، فحذَّروا الجمع، فتفرَّقوا ولحقوا بِعُليا بلادهم، وخرج بشير بن سعد في أصحابه حتى أتى مَحالِّهم، فوجدها وليس فيها أحد، فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين فأسرهما وقدم بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما، فأرسلهما (2).
26 - وفي ذي القعدة من هذه السنة: كانت عُمْرة القضاء
.
الشرح:
وتُسمى أيضًا:
1 -
عمرة القضيَّة (3).
2 -
عُمْرة الصلح (4).
3 -
عُمْرة القصاص (5).
أما عن أحداث هذه الرحلة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة معتمرًا كما
(1) معارض: أي جبال، وسلاح: اسم موضع قريب من خيبر.
(2)
"الطبقات الكبرى" 2/ 120.
(3)
سميت عمرة القضاء أو عمرة القضيَّة؛ لأنها كانت قضاءً عن عمرة الحديبية، أو لأنها وقعت حسب المقاضات - أي: المصالحة التي وقعت في الحديبية.
(4)
لأنه اتُفِق عليها في صلح الحديبية.
(5)
قال السهيلي: تسميتها عمرة القصاص أولى؛ لأن هذه الآية نزلت فيها: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194]. "فتح الباري" 7/ 571، 572.
اتفق مع مشركي مكة يوم الحديبية أن يرجع إلى المدينة عامه هذا على أن يُخلُّوا بينه وبين البيت عام قابل (1).
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة سبع (2) حيث اتفقوا أن لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلَاحَ إِلَّا السَّيْفَ في الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا (3)، وأن لا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام (4).
فسار النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حتى دَخَلَ مَكَّةَ وَعبد الله بن رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بني الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
…
الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
…
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَفِي حَرَمِ الله تَقُولُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ"(5).
(1) انظر ذلك الشرط في صلح الحديبية.
(2)
قال ابن حجر رحمه الله: وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال: كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع. اهـ "فتح الباري" 7/ 572، وهو قول بن إسحاق، وموسى بن عقبة.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (4251)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء.
(4)
انظر ذلك الشرط في صلح الحديبية.
(5)
صحيح: أخرجه الترمذي (2847)، كتاب: الأدب باب: ما جاء في إنشاد الشعر، النسائي (2873)، كتاب: الحج، باب: إنشاد الشعر في الحرم، والمشي بين يدي الإمام، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل"(210).
وطاف المسلمون بالكعبة، وصعد المشركون على جبل قُعَيْقِعان المواجه لما بين الركنين من الكعبة، حيث أشاعوا أن المسلمين ضعفاء ولن يستطيعوا الطواف بالبيت وتأدية المناسك (1).
وكان المشركون قد قالوا: إنه يقدم عليكم وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فأَمَرَهُمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا (2) الأَشْوَاط الثَلَاثَةَ وَأن يَمْشُوا مَا بَينَ الرُّكْنَينِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا (3).
وكذلك أمر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا بَينَ الصَّفَا وَالْمرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ (4).
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يسترون رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ خشية أَنْ يُؤْذُوه (5).
فَلَمَّا مَضَى الْأَجَلُ أَتَى المشركون عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصاحِبكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (6).
وتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ رضي الله عنه تُنَادِي: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عليها السلام: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، فحَمَلَتْهَا، فَاخْتَصمَ فِيهَا عَلِيٌّ
(1) صحيح: أخرجه البخاري (4256)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء.
(2)
الرمل: الإسراع في السير مع تقارب الخُطى.
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري (4256)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء، ومسلم (1266)، كتاب: الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف.
(4)
متفق عليه: أخرجه البخاري (4257)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء، ومسلم (1264)، كتاب: الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (4255)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء.
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (4251)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء.