الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمه فاطمة ابنة الحسين بن علي - عليهم رضوان الله-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين، ومعه ضُمرة مولى علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - وأخ له، قالت: فأصاب سبيًا من أهل ميناء، وهي السواحل وفيها جُمَّاع من الناس، فبيعوا ففرق بينهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، فقال:"ما لهم؟ "، فقيل يا رسول الله، فُرّق بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تبيعوهم إلا جميعًا".
قال ابن هشام:
أراد الأمهات والأولاد (1).
7 - وفي جمادى الأولي من هذه السنة: كانت سرية مؤته فَقُتِل الأُمراءُ الثلاثة، ثم فتح الله على يد خالد بن الوليد
.
الشرح:
لم يأت خبر صحيح يذكر السبب المباشر لهذه الغزوة.
قال الدكتور أكرم العُمَري رحمه الله
-:
والحق أنَّ البحث عن الأسباب المباشرة لغزو القبائل العربية في أطراف الشام لا يؤثر على تفسير الأحداث كثيرًا؛ لأن تشريع الجهاد يقتضي الاستمرار في إخضاع القبائل العربية، وتوسيع رقعة الدولة الإِسلامية بصرف النظر عن الأسباب المباشرة. اهـ (2).
أما عن أحداث تلك السرية (3)، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد عمرة
(1)"سيرة ابن هشام" 4/ 166.
(2)
"السيرة النبوية الصحيحة" 2/ 467.
(3)
اصطلح أهل التاريخ والسير على إطلاق اسم (الغزوة) على كل وقعة يقودها =
القضاء بقية شهر ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع الأول، والثاني، وبعث في جمادى الأولى جيشًا إلى الشام، قوامه ثلاثة آلاف مقاتل (1).
وكانت هذه القبائل من بلاد الشام موالية للإمبراطورية الرومية البيزنطية وخاضعة تحت سيطرتها وكان هذا هو أول احتكاك للمسلمين بهذه الإمبراطورية العظيمة أو لقبائل موالية لها.
وعين زَيْدَ بن حَارِثَةَ رضي الله عنه قائدًا للجيش وقَالَ: إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ بن أبي طالب، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعبد الله بن رَوَاحَةَ (2).
ومضى الجيش حتى نزل مَعان من أرض الشام، فبلغ الناس أنَّ هرقل قد نزل مآب، من أرض البلقاء، في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجزام والقَيْن وبهراء وبليٍّ مائة ألف أخرى، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره، فنمض له، فشجع الناس عبد الله بن رواحة، وقال؛ يا قوم والله إن التي تكرهون لَلَّتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة، فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة، فمضى الناس، حتى إذا كانوا
= النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، أما ما لم يشترك فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيُسمُّونها (سرية)، وهذه السرية برغم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترك فيها بنفسه إلا أنك ترى جمهور أهل السير والمغازي يسمونها (غزوة)، وإنما ذلك لكبرها وكثرة عدد الجيش فيها وتأثيرها واشتهارها الكبير بين الناس.
(1)
"سيرة ابن هشام" 3/ 221.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (4261)، كتاب: المغازي، باب: غزوة مؤتة.
بتَخوم البلقاء (1) لقيتهم جموع هرقل، من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء يقال لها: مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عُذْرة، يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له: عَبَاية بن مالك، ثم التقى الناس واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط (2) في رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم أخذ يقاتل وهو يقول:
يا حَبَّذا الجنةُ واقْترابُها
…
طيِّبةً وباردًا شرابُها
والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها .. كافرةٌ بعيدةٌ أنسابُها
عليَّ إذ لاقيتُها ضِرابُها
ثم قاتل رضي الله عنه حتى قُتل، ويقال أنه أخذ الراية بيمينه، فقُطِعت يمينه، فأخذها بشماله فقُطِعت، فاحتضنها بعضديه حتى قُتِل رضي الله عنه ، فأثابه الله جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء.
ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، وتقدَّم بها وهو على فرسه، فجعل يتردَّد بعض الشيء ثم قال:
أقْسَمتُ يا نفسُ لتنزلنَّهْ
…
لتَنْزلنْ أوْ لَتُكرهَنَّهْ
إنْ أجْلَبَ الناسُ وشدُّوا الرنَّهْ (3)
…
ماليْ أَراكِ تكرهين الجنه
(1) التخوم: حدود الأرضَيْن التي تقع بين أرض وأرض، ويقال بفتح التاء أو ضمها.
(2)
شاط: أي هلك تقول شاط الرجل، إذا سال دمه فهلك.
(3)
أجلب الناس: صاحوا واجتمعوا، والرنة: صوت فيه ترجيع يُشبه البكاء.
قد طالما قد كنتِ مُطْمئنه
…
هل أنتِ إلا نطفة في شَنَّه (1)
وقال أيضًا:
يا نفسُ إلا تُقْتلي تموتي
…
هذا حِمامُ الموتِ قد صليتِ
وما تمنَّيت فقد أعْطيتِ
…
إن تفعلي فعلهما هديتِ
يريد صاحبيه: زيدًا وجعفرًا، ثم نزل، فلما نزل أتاه ابن عم له بعَرْق (2) من لحم فقال: شُدَّ بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذا ما لقيت، فأخذه من يده ثم انتهش (3) منه نهشة، ثم سمع الحَطْمَة (4) في ناحية الناس، فقال: وأنت في الدنيا، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ بسيفه فتقدم، فقاتل حتى قُتِل.
فلما قُتل القوَّاد الثلاثة رضي الله عنهم أخذ الراية ثابت بن أرقم رضي الله عنه ، ثم قال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، وعند الطبراني أن ثابت أعطى الراية خالد وقال: أنت أعلم بالقتال مني.
فلما أخذ الراية دافع وانحاز بالمسلمين حتى انصرف وكان انسحابًا منظمًا لم يُلحق بالمسلمين خسائر كثيرة، بل لم يستشهد من المسلمين في المعركة كلها سوى ثلاثة عشر صحابيًا فقط - كما ذكر أهل المغازي - واستحق خالد رضي الله عنه لقب: سيف الله، الذي منحه إياه الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم (5).
(1) النطفة: الماء القليل الصافي، والشَّنة: القربة القديمة.
(2)
العَرْق: العظم الذي عليه بعض اللحم.
(3)
انتهش: أخذ منه بفمه يسيرًا.
(4)
الحطمة: الكسرة.
(5)
ذكر هذه الأحداث ابن إسحاق "سيرة ابن هشام"(222 - 224)، قصة عقر جعفر لفرسه وإنشاده، وخبر تردد ابن رواحة حتى قتل بسند حسن.