الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن سَهْلِ بن الْحَنْظَلِيَّةِ أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَتْ عَشِيَّةً، فَحَضَرْتُ الصَّلَاةَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ فَارِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِي انْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ آبَائِهِمْ بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمْ اجْتَمَعُوا إلى حُنَيْنٍ، فَتَبَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:"تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ الله"، ثُمَّ قَالَ:"مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ "، قَالَ أَنَسُ بن أبي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَارْكَبْ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، وجَاءَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ في أَعْلَاهُ، وَلَا نُغَرَّنَّ مِنْ قِبَلِكَ اللَّيْلَةَ"، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:"هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله مَا أَحْسَسْنَاهُ، فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ، قَالَ:"أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ"، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إلى خِلَالِ الشَّجَرِ فِي الشِّعْبِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقَالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ في أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اطَّلَعْتُ الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هَلْ نَزَلْتَ اللَّيْلَةَ؟ "، قَالَ: لَا، إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قَاضِيًا حَاجَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قَدْ أَوْجَبْتَ، فَلَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَعْمَلَ بَعْدَهَا"(1).
بداية المعركة:
خرج مَالِك بن عَوْف بمن معه إِلَى حُنَيْنٍ، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، فَأَعَدُّوا وَتَهَيَّأُوا فِي مَضَايِق الْوَادِي وأجنابه، وَأَقْبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه حَتَّى
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (2501)، كتاب: الجهاد، باب: في فضل الحرس في سبيل الله عز وجل، وصححه الألباني.
اِنْحَطَّ بِهِمْ الْوَادِي فِي عِمَايَةِ الصُّبْح (1)، وقد أعجبت بعض المسلمين كثرتهم، فحمل المسلمون على المشركين في أول المعركة فهزموهم، وفرَّ المشركون من الميدان، فانكبَّ المسلمون على الغنائم يجمعونها، فاستقبلهم رماة المشركين بِالسِّهَامِ (2)، فَثَارَتْ في وُجُوه المسلمين الْخَيْل، فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَانْكَفَأَ النَّاس مُنْهَزِمِينَ، لا يُقْبِل أَحَد على أحد (3)، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَته البَيْضَاءَ، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعَبَّاس آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَته، يكُفُّهَا عن الجري، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ (4) "، قَالَ عَبَّاسٌ - وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا-: فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ، وَالدَّعْوَةُ في الْأَنْصَارِ، يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: ثُمَّ قُصِرَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى بني الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجِ، فَقَالُوا: يَا بني الْحَارِثِ بن الخَزْرَجِ، يَا بني الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجِ (5)، وكان الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لا يتعدون المائة (6)، منهم رهط من أهله، علىُّ بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأخوه ربيعة، والفضل بن العباس- وقيل: الفضيل بن أبي سفيان-، وأيمن بن أم
(1) إسناده حسن: أخرجه أحمد 3/ 376 بإسناد حسن.
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري (4317)، كتاب: المغازي، باب: قول الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ
…
} ومسلم (1776)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة حنين.
(3)
التخريج قبل السابق.
(4)
أصحاب السَّمُرَةِ: هم أصحاب البيعة تحت الشجرة، وكانت شجرة سمر.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1775)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة حنين.
(6)
صحيح الإسناد: أخرجه الترمذي (1689)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الثبات عند القتال، وصحح إسناده الألباني رحمه الله.
أيمن، وأسامة بن زيد، وقُثم بن العباس، ورهط من المهاجرين منهم: أبو بكر وعمر (1)، فلما دعاهم العباس، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم ويَقُولُ:"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عبد الْمُطَّلِبْ، اللهمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ"(2)، فاستجاب الله عز وجل لرسوله، واجتمع المسلمون مرة أخرى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْك تَشَأْ أَنْ لَا تُعبد بعد اليوم"(3)، ويقول: "أين أَيُّهَا النَّاسُ؟ هَلُمَّ إِلَيَّ، أَنَا رَسُولُ الله، أَنَا رَسُولُ الله، أَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله
…
" (4).
واستعاد المسلمون توازنهم، ونظموا صفوفهم، فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيهَا إلى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ"، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ:"انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ"، يقول العباس رضي الله عنه: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى، قَالَ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلاً، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا، قَالَ العباس: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ (5).
وقد أنزل الله عز وجل جندًا من السماء لإعانة المسلمين على عدوهم.
وعن سَلَمَةَ بن الأكوع رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تَقَدَّمْتُ فَأَعْلُو ثَنِيَّةً، فَاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ مِنْ الْعَدُوِّ، فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ فَتَوَارَى عَنِّي، فَمَا دَرَيْتُ مَا صَنَعَ،
(1) إسناده حسن: أخرجه أحمد 3/ 376 بإسناد حسن.
(2)
متفق عليه: سبق تخريجه.
(3)
صحيح: أخرجه أحمد 3/ 121.
(4)
إسناده حسن: أخرجه أحمد 3/ 374 بإسناد حسن.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1775)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة حنين.