الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَمَضانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ:"أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ".
وفي رواية: أنه قِيلَ للنبى صلى الله عليه وسلم: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصرِ (1).
ولَمْ يَزَلْ النبي صلى الله عليه وسلم مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ (2).
وعن أنس: لَمَّا اسْتَوَى النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إلى النَّاسِ، فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا (3).
21 - وفي رمضان من هذه السنة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا منصورًا مؤيدًا
.
الشرح:
ثم جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشه استعدادًا لدخول مكة، فقسم الجيش وجعل خالد بن الوليد رضي الله عنه على المَجنِّبة اليمنى، والزبير بن العوام رضي الله عنه على المَجنِّبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على الرجالة الذين هم في آخر الجيش (4).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1114)، كتاب: الصيام، باب: جواز الفطر في شهر رمضان للمسافر في غيرمعصية.
كُراع الغميم: تبعد عن المدينة 301 كم وعن مكة 86 كم.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (4275)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح في رمضان.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (4277)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح في رمضان.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (1780)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة.
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أَبَا هُرَيْرَةَ أن يجمع له الْأَنْصَارَ، فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ (1)؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:"انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا"، ثم قال بيده -أي: أشار- وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ (2).
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أن يأخذ بطن الوادي أسفل مكة (3)، وقام بتوزيع الزبير بن العوام وأبا عبيدة رضي الله عنهما (4).
وسار النَّبِي صلى الله عليه وسلم ناحية كَدَاءٍ (5) الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ (6)، وواعدهم أن يوافوه عند جبل الصفا، وَقَالَ:"مَوْعِدُكُمْ الصَّفَا".
يقول أبو هريرة رضي الله عنه فَانْطَلَقْنَا، فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا (7).
ويُذكر أنَّ صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو جمعوا ناسًا بمكان يقال له: الخندمة؛ ليقاتلوا، وكان رجل اسمه حِماس بن قيس بن خالد يُعدُّ سلاحًا قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم ويصلح منهم، فقالت له: امرأته: لماذا تُعدُّ ما أرى؟ قال لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه
(1) أوباش قريش: أي جموع قريش.
(2)
صحيح: التخريج السابق.
(3)
صحيح: التخريج السابق.
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (3024)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في خبر مكة، وصححه الألباني.
(5)
كَداء: جبل بأعلى مكة.
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (4290)، كتاب: المغازي، باب: دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة.
(7)
صحيح: الحديث قبل السابق.
شيء، قال: والله إني لأرجوا أنْ أُخْدمَكِ بعضهم (1)، ثم أنشد يقول:
إنْ يُقبِلوا اليوم فما لي عِلَّهْ
…
هذا سلاحٌ كاملٌ وأَلَّهْ (2)
وذو غِرارين سريع السَّلَّة (3)
ثم شهد حِماس هذا الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل ومن معهم، فهزمهم المسلمون، وقتلوا منهم (4)، وفرَّ حماس هذا حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته: أغلقي علىَّ بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنكِ لوشهدتِ يومَ الخندمة
…
إذ فرَّ صفوانُ وفرَّ عِكرمهْ
وأبو يزيد قائمٌ كالمؤتمهْ (5)
…
واستقبلتهم بالسيوف المسلمة
يَقْطَعْنَ كلَّ ساعدٍ وَجُمْجُمهْ
…
ضربًا فلا يُسْمعُ إلا غَمغَمة (6)
لهم نَهيتٌ خَلْفَنا وهَمْهَمَهْ
…
لم تنطقي في اللَّوم أدنى كلمة (7)
(1) أي نتخذ بعضهم عبيدًا لنا.
(2)
الأَلَّة: الحربة لها سنان طويل.
(3)
ذو غِرارين: يعني به سيفًا، والغرار: الحدُّ.
(4)
ذكر ابن إسحاق أن عدد قتلى المشركين في هذه الوقعة كان قريبًا من اثني عشر رجلاً، وذكر موسى بن عقبة أنهم بلغوا أربعة وعشرين.
(5)
المؤتمة: هي التي قُتل زوجها فبقي لها أولاد أيتام.
(6)
الغمغمة: أصوات الرجال في الحرب.
(7)
"سيرة ابن هشام" 4/ 14، 15، من رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر مرسلاً.
النهيت: نوع من صياح الأسد، والهمهمة: صوت في الصدر.
وقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ، هما: حُبَيْشُ بن الْأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بن جابِرٍ الْفِهْرِيُّ (1).
ودَخَلَ النبي صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فاتحًا منتصرًا دون أدنى مقاومة تُذكر، وَكان على رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ (2)، وكانت رَايَةَ النبي صلى الله عليه وسلم حين دخوله سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ (3)، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ، وَهُوَ يَقْرَأ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ (4). وكان مُردِفًا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بن طَلْحَةَ مِنْ الْحَجَبَةِ (5)، حَتَّى أَنَاخَ النبي صلى الله عليه وسلم في الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ عثمان بن طلحة أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بن طلحة، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلاً، ثُمَّ خَرَجَ، فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل عمودين عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (4280)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (4286)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي الراية يوم الفتح.
المغفر: واقي الرأس، الذي يلبسه الفرسان في الحروب.
(3)
صحيح: أخرجه ابن ماجه (2818)، كتاب: الجهاد، باب: الرايات والألوية.
(4)
متفق عليه: أخرجه البخاري (4281)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، ومسلم (794)، كتاب: صلاة المسافرين، باب: ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة.
الترجيح: ترديد الحرف في الحلق.
(5)
الحجبة: الذين معهم مفتاح الكعبة.
(6)
متفق عليه: أخرجه البخاري (2988)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الردف على الحمار، ومسلم (1329)، كتاب: الحج، باب: استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها.
وعن عمر رضي الله عنه أنه صَلَّى ركْعَتَيْنِ (1).
وقام النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالدَعَاء في نَوَاحِيهِا كُلِّهَا (2).
ولم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت، ولم يُصل فيه إلا بعد أن طهره من كل مظاهر الشرك، من أوثان وصور وغير ذلك.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحطيم الأصنام، وتطهير البيت الحرام منها، وشارك هو بنفسه في ذلك.
وَكان حَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ صنم، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ في يَدِهِ، وَيَقُولُ:"جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيد"(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَفِي يَدِه قَوْسٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ (4)، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعُنُهُ في عَيْنِهِ، وَيَقُولُ:"جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ"(5).
وفي رواية: عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يطعنها وهو يقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (2026)، كتاب: المناسك، باب: الصلاة في الكعبة، وصححه الألباني.
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري (4288)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، ومسلم (1330)، كتاب: الحج، باب: استحباب دخول الكعبة.
(3)
متفق عليه أخرجه البخارى، (4287)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، ومسلم (1781)، كتاب: الجهاد والسير، باب: إزالة الأصنام من حول الكعبة.
(4)
سِيَة القوس: أي طرفه.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1780)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة.
{يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)} [سبأ: 49](1).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: دخلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا تُعبد من دون الله قال: فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكُبَّت كلها لوجوهها، ثم قال:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81]، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فصلى ركعتين، فرأى فيه تمثال إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وقد جعلوا في يد إبراهيم الأزلام يستقسم بها (2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قاتلهم الله، ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام" ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزعفران فلطخه بتلك التماثيل (3).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا دخل مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ في أَيْدِيهِمَا مِنْ الْأَزْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَاتَلَهُم الله لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ"(4).
وعن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج
(1) متفق عليه: التخريج قبل السابق.
(2)
الأزلام: مفردها زلم، بفتح الزاي أو ضمها، وهي الرماح، فكان أهل الجاهلية إذا كان الواحد منهم مقبلاً على أمر مهم جاء برماح ثلاثة مكتوب على أحدها:(افعل)، والآخر (لاتفعل)، والثالث ليس عليه شيء، أو مكتوب على أحدها:(أمرني ربي)، والآخر (نهاني ربى)، والثالث ليس عليه شيء، ثم وضعها في شيء، ثم يمدُّ يده فيخرج أحدها، فإذا خرج سهم الأمر، فعله، وإذا خرج سهم النهي، تركه، وإن طلع الفارغ، أعاد، والاستقسام: مأخوذ من طلب القَسْم من هذه الأزلام.
(3)
حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (18751)، وحسنه ابن حجر في "المطالب العالية"(4364)، وله شواهد مما تقدم، وانظر الحديث الآتي.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (4288)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح.