الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
في اشتقاق هذه الأسماء ومعانيها
فأمَّا المحبَّة، فقيل: أصلُها الصفاء؛ لأنَّ العربَ تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها: حَبَب الأسنان، وقيل: مأْخوذة من الحَباب، وهو ما يَعلُو الماءَ عند المطر الشديد، فعلى هذا المحبة: غَليان القلب وثورانُه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب. وقيل: مشتقة من اللزوم والثبات، ومنه: أحبَّ البعيرُ: إذا بَركَ فلم يَقُم، قال الشاعر
(1)
:
حُلْتَ عليه بالفلاة ضَرْبا
…
ضَرْبَ بعيرِ السَّوْءِ إِذ أحبّا
فكَأنَّ المحبَّ قد لزم قلبُه محبوبَه فلم يَرُم عنه انتقالًا.
وقيل: بل هي مأخوذة من القَلَق والاضطراب، ومنه سُمِّي القُرْط حِبًّا؛ لِقَلَقِه في الأُذُن واضطرابه، قال الشاعر
(2)
:
تَبيتُ الحيَّةُ النَّضْنَاضُ منه
…
مكانَ الحِبِّ تستمعُ السِّرارَا
(1)
الشطران من أرجوزةٍ في «الأصمعيات» (ص 163) بلا نسبة. وهما في «لسان العرب» (حبب، قفل) لأبي محمد الفقعسي، وبلا نسبة في «جمهرة اللغة» (ص 65)، و «مقاييس اللغة» (2/ 27)، و «مجمل اللغة» (2/ 29)، و «الاشتقاق» (ص 39). وفيها برواية:«حُلتَ عليه بالقفيل» أي بالسوط. وفي ت، ش:«خِلت» تحريف.
(2)
البيت للراعي النميري في ديوانه (ص 149)، و «الاقتضاب» (ص 438) من قصيدة له. وهو في «اللسان» (حبب، نضض)، و «تهذيب اللغة» (4/ 100، 11/ 470)، و «جمهرة اللغة» (ص 64) وغيرها.
وقيل: بل هي مأْخوذة من الحَبِّ جمع حَبَّة، وهو لُبَاب الشيء وخالصُه وأصلُه
(1)
، فإنَّ الحَبَّ أصلُ النبات والشجر.
وقيل: بل هي مأخوذةٌ من الحُبّ الذي هو إنَاءٌ
(2)
واسعٌ يُوضع فيه الشيء فيمتلئ به بحيث لا يَسَع غيرَه، وكذلك قلبُ المحبِّ ليس فيه سَعَةٌ لغير محبوبه.
وقيل: مأخوذة
(3)
من الحُبّ، وهو الخشَبات الأربع التي يستقر عليها ما يوضع عليها من جَرَّةٍ أو غيرها، فسُمِّي الحبُّ بذلك؛ لأن المحبَّ يَتحمَّل لأجل محبوبِه الأثقالَ، كما تتحمل [8 أ] الخَشَباتُ ثِقَلَ ما يوضع عليها.
وقيل: بل هي مأخوذةٌ من حَبَّة القلب وهي سُوَيْدَاؤه، ويقال: ثمرته، فسميت المحبة بذلك؛ لوصولها إلى حَبّة القلب، وذلك قريبٌ من قولهم: ظَهَره: إذا أصاب ظَهْره، وَرَأسَه: إذا أصاب رأْسَه، ورآه: إذا أصاب رِئَته، وبَطَنه: إذا أصاب بَطْنَه، ولكن في هذه الأفعال وصل أثرُ الفاعل إلى المفعول، وأمَّا في المحبة فالأثر إنما وصل إلى المُحِبّ.
وبَعْدُ، ففيه لغتان: حَبَّ، وأحَبَّ، قال الشاعر
(4)
:
(1)
«وأصله» ساقطة من ش.
(2)
«إناء» ساقطة من ش.
(3)
ت: «مأخوذ» .
(4)
هو غيلان بن شجاع النهشلي، كما في «اللسان» (حبب)، و «شرح أبيات مغني اللبيب» (6/ 118) و «التنبيه والإيضاح» لابن بري (1/ 75). والبيتان بلا نسبة في «أمالي اليزيدي» (ص 65)، و «المخصص» (12/ 242)، والثاني بلا نسبة في «الاقتضاب» (ص 283)، و «الخصائص» (2/ 220)، و «شرح شواهد المغني» (2/ 780)، و «شرح المفصل» (7/ 138)، و «شروح التلخيص» (3/ 68)، و «مجمع الأمثال» (1/ 362) وغيرها.
أُحِبُّ أَبا مروانَ من أجلِ تَمْرِهِ
…
وأعلمُ أنَّ الرِّفْقَ بالمرءِ أرْفَقُ
وواللهِ لولا تَمْرُهُ ما حَبَبْتُهُ
…
ولا كانَ أدنى مِن عُبَيْدٍ وَمُشْرِق
كذلك أنشدَه الجوهريّ
(1)
بالإقواء
(2)
، فجمع بين اللغتين. ولكن في جانب الفعل واسم الفاعل غلَّبوا الرباعي، فقالوا: أحبّه، يُحِبّه، فهو مُحِبٌّ، وفي المفعول غلَّبوا فَعَل، فقالوا في الأكثر محبوبٌ، ولم يقولوا مُحَبٌّ إلا نادرًا، قال الشاعر
(3)
:
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فلا تَظُنِّي غيرَه
…
منِّي بمنزلةِ المُحَبِّ المُكْرَم
فهذا من أفعلَ. وأما حبيب فأكثر استعمالهم له بمعنى المحبوب، قال
(4)
:
(1)
في «الصحاح» (1/ 105).
(2)
ورواه المبرد في «الكامل» (1/ 293):
وأقسم لولا تمره ما حببتُه
…
وكان عياضٌ منه أدنى ومُشرِقُ
ولا إقواء فيه.
(3)
هو عنترة بن شداد العبسي، والبيت من معلقته. انظر:«ديوانه» (ص 187).
(4)
البيت للفرزدق في «ديوانه» (1/ 84)، و «كتاب» سيبويه (3/ 29)، و «سمط اللآلي» (ص 572) و «لسان العرب» (حنطب)، و «المقاصد النحوية» للعيني (2/ 556)، و «شرح شواهد المغني» (2/ 885)، و «شرح أبيات مغني اللبيب» (7/ 136).
وما زُرْتُ ليلى أنْ تكونَ حبيبةً
…
إليَّ ولا دَينٌ لها أنَا طالِبُه
وقد استعملوه بمعنى المُحِبِّ، قال الشاعر
(1)
:
وما هجَرَتْكِ النَّفْسُ أنَّكِ عندَها
…
قليلٌ ولا أَنْ قلَّ مِنْكِ نصيبُها
ولكنَّهم يا أحسنَ النَّاسِ أُولِعُوا
…
بقولٍ إذا ما جئتُ: هذا حبيبُها
فهذا يحتملُ أن يكونَ بمعنى المحبوب، وأن يكونَ بمعنى المُحِبّ. وأما الحِبُّ بكسر الحاء فلغة في الحُبّ، وغالب استعماله بمعنى المحبوب
(2)
. قال في الصحاح
(3)
: الحُبّ: المحبة، وكذلك الحِبُّ بالكسر. والحِبّ أيضًا الحبيب مثل خِدْنٍ وخَدِين.
قلت: وهذا نظير ذِبْحٍ بمعنى مذبوح، ونِهْبٍ بمعنى منهوب، ورِشْقٍ بمعنى مرشوق، ومنه السِّبُّ، [8 ب] ويشترك فيه الفاعل والمفعول. قال أبو عُبيد: السِّبُّ بالكسر: الكثير السِّباب. قال الجوهري
(4)
: وسِبُّك:
(1)
«الشاعر» ساقطة من ت. والبيتان للمجنون في «ديوانه» (ص 68، 70، 71). ونُسِبا لنُصيب في «شعر نصيب» (ص 68)، وللأحوص أو نصيب في «المحب والمحبوب» (2/ 93، 94). وانظر التخريج واختلاف الروايات في هذه المصادر.
(2)
«وأن يكون
…
المحبوب» ساقطة من ش.
(3)
(1/ 105).
(4)
«الصحاح» (1/ 145). ونقل أيضًا قول أبي عبيد.
الذي يُسَابُّك، قال حسان
(1)
:
لا تَسُبَّنَّنِي فلستَ بِسِبِّيْ
…
إنَّ سِبِّي من الرجالِ الكريمُ
والصَّوابُ أنَّه عبد الرحمن بن حسَّان. وقد يشتركُ فيه المصدر والمفعول نحو: رِزْق. وفي إعطائهم ضمَّة الحاء للمصدر وكسرتها للمفعول سرٌّ لطيف، فإنَّ الكسرةَ أخفُّ من الضمة، والمحبوبُ أخفُّ على قلوبهم من نفس الحُبّ، فأعطَوُا الحركَةَ الخفيفة للأخفِّ، والثقيلَةَ للأثقل. ويُقال: أحَبَّهُ حُبًّا ومحبّةً، والمحبَّة أُمُّ هذه
(2)
الأسماء.
فصل
وأما كلامُ النَّاس في حدِّها فكثير. فقيل: هي الميل الدائم بالقلب الهائم. وقيل: إيثار المحبوب على جميع المصحوب. وقيل: موافقة الحبيب في المَشهد والمَغيب. وقيل: اتِّحاد مُراد المحبِّ ومراد المحبوب. وقيل: إيثار مُراد المحبوب على مُراد المحبِّ. وقيل: إقامة الخدمة مع القيام بالحُرْمة. وقيل: استقلالُ الكثير منك لمحبوبك، واستكثارُ القليل منه إليك. وقيل: استيلاء ذكر المحبوب على قلب المحبِّ. وقيل: حقيقتها أن تَهَبَ كلَّكَ لمن أحببتَه، فلا يبقى لك منك
(1)
في «الصحاح» : «قال الشاعر» . والبيت ليس لحسان، بل لابنه عبد الرحمن كما صوَّبه المؤلف، انظر:«لسان العرب» (سبب)، و «تهذيب اللغة» (12/ 312). وهو بلا نسبة في «مقاييس اللغة» (3/ 63)، و «مجمل اللغة» (3/ 57)، و «المخصص» (12/ 175).
(2)
ت: «أم باب هذه» .
شيء. وقيل: هي أن تمحوَ من قلبك ما سوى المحبوب. وقيل: هي الغَيرة للمحبوب أن تُنْتَقَصَ حُرْمتُه، والغيرة على القلب أن يكون فيه سواه. وقيل: هي الإرادة التي لا تنقُصُ
(1)
بالجفاء، ولا تزيد بالبِرّ. وقيل: هي حفظ الحدود، فليس بصادقٍ من ادَّعى محبة مَنْ لم يحفظ حدودَه. وقيل: هي قيامُك لمحبوبك بكلِّ ما يُحِبُّه منك. وقيل: هي
(2)
مُجَانَبَةُ السُّلُوِّ عَلَى كلِّ حال، كما قيل
(3)
:
ومن كانَ مِنْ طُول الهَوى ذاقَ سَلْوَةً
…
فإنِّيَ مِنْ ليلى لها غيرُ ذَائق
[9 أ] وأكبر شيءٍ نِلْتُهُ من وِصَالها
…
أمانيُّ لم تَصْدُق كَلَمْعَةِ بَارِق
وقيل: نارٌ تحرِقُ من القلب ما سوى مُراد المحبوب. وقيل: ذكر المحبوب على عدد الأنفاس، كما قيل
(4)
:
يُرَادُ مِن القلبِ نسيانُكم
(5)
…
وَتأْبى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِل
(1)
ش: «لا تنقض» .
(2)
«هي» ساقطة من ت.
(3)
البيتان لأبي بكر الشبلي في «طبقات الصوفية» (ص 347)، و «البداية والنهاية» (15/ 178، 179). والثاني مع أبيات أخرى للمجنون في «ديوانه» (ص 212).
(4)
ت: «قال» . والبيت للمتنبي في «ديوانه» (3/ 153) بشرح البرقوقي.
(5)
في هامش ت: «سلوانكم» .
وقيل: عَمَى القلب عن رؤية غير المحبوب، وصَمَمُهُ عن سَمَاع العَذْل فيه، وفي الحديث: «حُبُّكَ الشيءَ
(1)
يُعْمِي وَيُصِمّ» رواه الإمام أحمد
(2)
.
وقيل: ميلُكَ إلى المحبوب بكلِّيَّتِك، ثم إيثاركَ له عَلَى نفسِك وروحِك ومالك، ثم موافقتُك له سرًّا وجهرًا، ثم علمُك بتقصيرك في حُبِّه. وقيل: هي بَذلُكَ
(3)
المجهود فيما يُرضي الحبيبَ.
وقيل: هي سكونٌ بلا اضطراب، واضطرابٌ بلا سكون، فيضطرب القلبُ، فلا يسكن إلا إلى محبوبه، ويضطرب شوقًا إليه، ويسكن عنده.
وهذا معنى قول بعضهم: هي حركةُ القلب عَلى الدوام إلى المحبوب وسكونُهُ عنده.
وقيل: هي مصاحبة المحبوب عَلى الدوام، كما قيل
(4)
:
(1)
ش: «للشيئ» .
(2)
في «مسنده» (5/ 194، 6/ 450)، وأبو داود (5130) من حديث أبي الدرداء مرفوعًا. وفي إسناده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ضعيف. وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (412) عن أبي الدرداء موقوفًا، وإسناده صحيح.
(3)
ت: «بذل» .
(4)
البيتان بلا نسبة في «محاضرة الأبرار» (1/ 388)، و «الحماسة المغربية» (2/ 1068)، و «ديوان الصبابة» (ص 38)، و «نفح الطيب» (6/ 269)، و «تزيين الأسواق» (1/ 56). وهما للقاضي الفاضل في ديوانه (ص 492).
ومن عَجَبٍ أنِّي أحِنُّ إليهمُ
…
وأسألُ عنهمْ مَن لَقِيتُ وهمْ معي
وتَطلُبهُم عَيني وهم في سَوَادِهَا
…
ويشتاقُهم قلبي وهمْ بينَ أضلُعي
وقيل: هي أن يكون المحبوب أقربَ إلى المحب من رُوحه، كما قيل
(1)
:
يا مُقيمًا في خاطِري وجَنانِي
…
وبعيدًا عن ناظِري وعِيانِي
أنتَ رُوحي إن كُنتُ لستُ أراها
…
فهْي أَدْنى إليَّ مِن كلّ دان
وقيل: هي حضور المحبوب عند المحبِّ دائمًا، كما قيل
(2)
:
خيالُكَ في عيني وذِكركَ في فمي
…
ومَثْواكَ في قلبي فأين تَغِيبُ
وقيل: هي أن يستوي قربُ دار المحبوب
(3)
وبعدُها عند المحبِّ، كما قيل
(4)
:
(1)
البيتان بلا نسبة في «بدائع الفوائد» (2/ 690).
(2)
البيت بلا نسبة في «ديوان الصبابة» (ص 38)، و «المستطرف» (1/ 114)، و «تزيين الأسواق» (1/ 56). وهو لأبي الحكم ابن غلندو الإشبيلي في معجم الأدباء (3/ 1194).
(3)
ت: «الحبيب» .
(4)
الأبيات من قصيدةٍ للصرصري في «فوات الوفيات» (4/ 301). وأوردها المؤلف في «الرسالة التبوكية» (ص 93).
[9 ب] يا ثاوِيًا بينَ الجَوانِحِ والحَشَا
…
مني وإنْ بَعُدَتْ عَليَّ دِيَارُهُ
عطفًا على صَبٍّ بحبِّكَ هائمٍ
…
إنْ لَم تَصِلْهُ تَصَدَّعَتْ أَعْشَارُهُ
لا يستفيقُ مِن الغَرَام وكلَّما
…
حَجَبُوكَ عنه تهتَّكَتْ أسْتارُه
وقيل: هي ثبات القلب على أحكام الغَرام، واستلذاذُ العَذْل فيه والملام، كما قيل
(1)
:
وقفَ الهوى بي حيثُ أنتِ فليس لي
…
مُتَأخَّرٌ عنه ولا مُتَقَدَّمُ
وأهنتنِي فأهنتُ نفسِي جاهِدًا
…
ما مَنْ يَهُونُ عليكِ ممن يُكْرَمُ
(2)
أشبهتِ أَعْدائِي فصِرتُ أُحبُّهم
…
إذ كان حَظِّي منكِ حَظِّي منهمُ
(1)
ت: «قال» . والأبيات لأبي الشيص الخزاعي في «حماسة» أبي تمام (2/ 119 - 120)، و «الشعر والشعراء» (2/ 843)، و «العقد الفريد» (5/ 374، 375)، و «الأغاني» (16/ 402)، و «الأمالي» للقالي (1/ 218). وفي «الأغاني» (22/ 225)، و «اللآلي» للبكري (1/ 507) أنها لعلي بن عبد الله بن جعفر.
(2)
ت: «أكرم» ، وهي رواية الحماسة.
أجدُ الملامةَ في هَواكِ لذيذةً
…
حُبًّا لذكركِ فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ
فصل
وأما العَلاقة، وتُسمَّى العَلَقَ بوزن الفَلَق، فهي من أسمائها. قال الجوهري
(1)
: والعَلَق أيضًا: الهوى، يقال: نظرةٌ من ذي عَلَق، قال الشاعر
(2)
:
ولقد أردتُ الصبرَ عنكِ فعاقَنِي
…
عَلَقٌ بقلبِي من هَواكِ قديمُ
وقد عَلِقَهَا بالكسر وعَلِقَ حبُّها بقلبه؛ أي: هَوِيَهَا. وعَلِق بها عُلوقًا. وسميت عَلاقةً؛ لتعلُّق القلب بالمحبوب، قال الشاعر
(3)
:
أعلاقةً أُمَّ الوُلَيِّد بعدَ ما
…
أفنانُ رأْسِكَ كالثَّغَامِ المُخْلِس
(1)
في «الصحاح» (4/ 1529).
(2)
هو كثير عزة، والبيت في «ديوانه» (ص 206)، و «الخصائص» (2/ 171)، و «اللسان» (علق). ويُروى لابن الدمينة في «ديوانه» (ص 48).
(3)
البيت للمرار بن سعيد الفقعسي في «شعره» (ص 461)، و «كتاب» سيبويه (1/ 116، 2/ 139)، و «إصلاح المنطق» (ص 45)، و «اللسان» (علق، ثغم، فنن)، و «شرح شواهد المغني» (2/ 722)، و «خزانة الأدب» (4/ 493)، و «شرح أبيات مغني اللبيب» (5/ 269).
فصل
وأما الهوى: فهو ميلُ النفس إلى الشيء، وفعله: هَوِيَ، يَهوَى، هَوًى، مثل: عَمِيَ، يَعْمَى، عَمًى. وأمَّا هَوَى يَهْوِي بالفتح فهو السقوط، ومصدرهُ الهُوِيُّ بالضم، ويقال الهوى أيضًا على نفس المحبوب، قال الشاعر
(1)
:
إنَّ التي زعمتْ فؤادَكَ مَلَّها
…
خُلِقَتْ هواكَ كما خُلِقْتَ هوًى لها
ويقال: هذا هوى فلانٍ، وفلانةُ هواه، أي: مَهْوِيَّتُهُ ومحبوبته.
وأكثر ما يُستعمل في الحبّ المذموم، كما قال الله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) [10 أ] فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات/40 ــ 41]. ويُقال: إنما سمي هوًى؛ لأنه يهوي بصاحبه. وقد يُستعمل في الحبِّ الممدُوح استعمالًا مقيَّدًا. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»
(2)
.
(1)
البيت لعروة بن أذينة أو غيره، انظر:«سمط اللآلي» (1/ 409)، و «الحماسة» (2/ 13)، و «أمالي» القالي (1/ 156)، و «عيون الأخبار» (4/ 29)، و «أمالي» المرتضى (1/ 411)، و «الشعر والشعراء» (2/ 572)، و «زهر الآداب» (1/ 166).
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (15)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (4/ 369)، والبغوي في «شرح السنة» (1/ 213) من حديث عبد الله بن عمرو. قال النووي في «الأربعين» (41): حديث حسن صحيح، رُوِّيناه في كتاب «الحجة» بإسنادٍ صحيح. وتعقبه ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 394) فقال: تصحيح هذا الحديث بعيد جدًّا من وجوه. ثم ذكرها.
وفي الصحيحين
(1)
عن عُروة قال: كانت خَوْلَةُ بنت حكيم من اللاتي وهَبْنَ أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة رضي الله عنها: أما تستحي المرأة أنْ تَهَبَ نفسَها للرجل؟ فلما نزلت {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب/51] قلتُ: يا رسول الله! ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواكَ.
وفي قصة أسارى بدرٍ قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: فهَوِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يَهْوَ ما قلتُ. وذكر الحديث
(2)
.
وفي السنن
(3)
أنَّ أعرابيًّا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جئتُ أسألك عن الهوى، فقال:«المَرْءُ مع من أحبَّ» .
فصل
وأما الصَّبْوة والصِّبا: فمن أسمائها أيضًا، قال في الصحاح
(4)
: والصِّبا من الشوق، يقال منه: تَصَابى، وصَبَا، يَصْبُو، صَبْوَةً، وَصُبُوًّا، أي:
(1)
البخاري (5113)، ومسلم (1464).
(2)
أخرجه مسلم (1763) من حديث عمر بن الخطاب.
(3)
أخرجه الترمذي (3536)، والنسائي في الكبرى (6/ 344)، وأحمد (4/ 239، 240) من حديث صفوان بن عسّال المرادي بهذا السياق. وإسناده حسن.
(4)
(6/ 2398).
مالَ إلى الجهل، وأَصْبَتْهُ الجاريةُ. وصَبِيَ صَبَاء، مثل: سَمِع سماعًا، أي: لعب مع الصِّبيان.
قلت: أصل الكلمة من الميل، يقال: صَبا إلى كذا، أي: مال إليه، وسُمِّيَت الصَّبْوة بذلك؛ لميل صاحبها إلى المرأة الصبِيَّة، والجمع صبايا، مثل: مَطِيَّةٍ ومَطَايا. والتَّصابي: هو تعاطي الصَّبْوة، مثل: التمايل وبابه.
والفرق بين الصِّبَا والصَّبْوَة والتَّصَابي: أنَّ التَّصابي هو
(1)
تعاطي الصِّبا، وأن يفعلَ فعل ذي الصَّبْوة. وأما الصِّبا فهو نفس الميل. وأما الصَّبْوة فالمرَّة من ذلك، مثل: الغَشْوَة، والكَبْوة، وقد يقال على الصفة اللازمة، مثل: القَسْوَة. وقد قال يوسف الصِّدِّيق عليه السلام: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف/33].
فصل
وأما الصَّبابة: فقال في الصحاح
(2)
: هي رقة الشوق وحرارته، يقال: رجل صَبٌّ: عاشقٌ مشتاق، وقد صَبِبْتَ يَا رجلُ ــ بالكسر ــ قال الشاعر
(3)
:
ولستَ بصَبٍّ إلى الظَّاعنينْ
…
إذا ما صديقُك لم يَصْبَب
(1)
ش: «هي» .
(2)
(1/ 161).
(3)
البيت للكميت من «هاشمياته» (ص 189)، و «اللسان» (صبب).
قلت: والصَّبَابة من المضاعف من صبَّ يَصَبُّ، وَالصِّبا وَالصَّبْوةُ من المعتلّ، وهم كثيرًا ما يعاقبون بينهما، فبينهما تناسبٌ لفظي ومعنويّ، قال
(1)
: [10 ب]
تَشَكَّى المُحبُّونَ الصَّبابةَ لَيْتَني
…
تَحَمَّلْتُ ما يَلقَوْن مِنْ بينهم وَحْدِي
ويقال: رجلٌ صَبٌّ وَامْرَأَةٌ صَبٌّ، كما يقال: رجلٌ عَدْلٌ وَامْرَأَةٌ عَدْلٌ.
فصل
وأما الشَّغَف: فمن أسمائها أيضًا. قال الله تعالى: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف/30]. قال الجوهري
(2)
وغيره: والشَّغَاف: غِلاف القلب، وهو جلدةٌ دونه كالحجاب، يقال: شَغَفَه الحبُّ، أي: بَلغَ شَغَافَه، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} ثم قال: دخلَ
(3)
حبُّه تحتَ الشَّغَاف.
(1)
البيت لمجنون ليلى في «ديوانه» (ص 116)، وبلا نسبة في «حماسة» أبي تمام (2/ 30)، و «الزهرة» (1/ 435)، و «الصناعتين» (ص 131)، و «شرح المضنون به» (ص 241)، و «الموشى» (ص 332).
(2)
في «الصحاح» (4/ 1382).
(3)
ش: «دخلت» .
فصل
وأما الشَّعَفُ ــ بالعين المهملة ــ ففي الصحاح
(1)
: شَعَفَه الحُبُّ؛ أي: أحرقَ قلبه. وقال أبو زيدٍ: أمرضَه، وقد شُعِف بكذا فهو مَشْعُوفٌ، وقرأ الحسن:{قد شَعَفَها حُبّاً} قال: بَطنَها حُبًّا
(2)
.
فصل
وأما المِقَةُ: فهي فِعْلة من وَمِق يَمِقُ، وَالمِقَة: المحبَّة، والهاء عوضٌ من الواو، كالْعِظَة والعِدَة والزِّنَة، فإنَّ أصلَها فعل، فحذفوا الفاء فعوَّضوا منها تاء التأنيث جبرًا للكلمة، وتعويضًا لما سقط منها، والفعل: وَمِقَه، يَمِقه بالكسر فيهما، أي: أحبَّه، فهو وامق.
فصل
وأما الوَجْد: فهو الحبُّ الذي يتبعه الحزن، وأكثر ما يُستعمل الوَجْدُ في الحزن، يقال منه: وَجَدَ وَجْدًا بالفتح، ونحن نذكر هذه المادة وتصاريفها. يقال: وَجَد مطلوبَه يَجِده وُجودًا، فإن تعلّق ذلك
(3)
بالضالَّةِ؛ سمَّوْهُ وِجْدَانًا، ووَجَدَ عليه في الغضب مَوْجِدَةً، ووجَد في الحزن وَجْدًا
(1)
(4/ 1382).
(2)
«حبًّا» ساقطة من ش.
(3)
«ذلك» ساقطة من ش.
بالفتح، ووجد في المال، أي: صار واجدًا وَجْدًا ووُجْدًا ووِجْدًا بالفتح والضم والكسر وجِدَةً إذا استغنى. وأما إطلاق اسم الوَجْد على مجرَّد المحبة فغير معروف، وإنما يطلق على محبَّةٍ معها فَقْدٌ يُوجب الحزن.
فصل
وأما الكَلَف: فهو من أسماء الحبِّ أيضًا، يقال: كَلِفْتُ بهذا الأمر، أي: أُولِعتُ به [11 أ] فأَنا كَلِفٌ به، قال
(1)
:
فتعلَّمِي أنْ قد كَلِفْتُ بكُم
…
ثم اصنعي ما شئْتِ عن عِلْم
وأصل الكلمة
(2)
من الكُلْفة والمشقَّة، يقال: كلَّفه تكليفًا إذا أمره بما يَشُقُّ. قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة/ 286]، ومنه تكلَّفتُ الأمرَ: تجشَّمته، والكُلْفَةُ: ما يُتكَلَّف من نائبةٍ أو حقّ. والمتكلِّف: المتعرّض لِمَا لا يَعنيه، قال الله تعالى:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص/86].
وقيل: هو مأْخوذٌ من الأثر، وهو شيءٌ يعلو الوجهَ كالسِّمْسِم.
(1)
البيت لأبي صخر الهذلي في «شرح أشعار الهذليين» (2/ 975) من قصيدة له. وانظر: «الحماسة» (2/ 12)، و «الزهرة» (1/ 86)، و «الأغاني» (24/ 126)، و «ذيل أمالي القالي» (ص 118).
(2)
ش: «اللفظة» .
والكَلَف أيضًا: لونٌ بين السواد والحُمْرة، وهي حُمْرةٌ كدِرَة تعلو الوجه، والاسم الكُلْفَة.
فصل
وأما التَّتَيُّم: فهو التعبُّد، قال في الصحاح
(1)
: تَيْمُ الله أي عبدالله، وأصله من قولهم: تيَّمه الحبُّ؛ إذا عبَّده وذلَّله، فهو مُتيَّم. ويقال: تَامَتْه المرأةُ، قال لَقيط بن زُرارة
(2)
:
تامَتْ فؤادَك لو يَحْزُنْك ما صَنَعَتْ
…
إحدى نساءِ بَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا
فصل
وأما العشق: فهو أميرُ هذه الأسماء وآخِيَّتُها
(3)
، وقلَّما وَلِعَت به العرب، وكأنهم ستروا اسمَه، وَكَنَوْا عنه بهذه الأسماء فلم يكادوا يُفْصحوا به، ولا تكاد تجده في شعرهم القديم، وإنما أُولع به المتأخرون.
ولم يقع هذا اللفظ في القرآن، ولا في السُّنَّة إلا في حديث سُوَيد بن سَعِيد، وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى. وبعدُ، فقد استعملوه في
(1)
(5/ 1879).
(2)
البيت له في «العقد الفريد» (6/ 84)، و «مجمع الأمثال» (1/ 148)، و «اللسان» (تيم)، و «شرح أبيات مغني اللبيب» (5/ 109). وبلا نسبة في «جمهرة اللغة» (ص 411)، و «شرح شواهد المغني» (2/ 665).
(3)
ش: «وأرجيتها» . ط: «أخبثها» .
كلامهم، قال الشاعر
(1)
:
وماذا عسى الواشونَ أنْ يتحدَّثوا
…
سوى أن يقولوا إنني لكِ عاشقُ
نعم صدقَ الواشون أنتِ حبيبةٌ
…
إليَّ وإن لم تَصْفُ منكِ الخلائِقُ
قال في الصحاح
(2)
: العِشْق: فَرْط الحبِّ، وقد عشقها عِشْقًا، مثل: عَلِمَ عِلْمًا، وعَشَقًا أيضًا عن الفَرَّاء، قال رُؤْبة
(3)
:
ولم يُضِعْها بين فَرْكٍ وَعشَقْ
قال ابن السّراج: إنما حرَّكه ضرورةً، وإنما لم يُحرّكه بالكسر إتْباعًا للعين، كأنه كره الجمع بين كسرتين؛ [11 ب] فإنَّ هذا عزيزٌ في الأسماء. ورجلٌ عِشِّيقٌ مثال فِسِّيق، أي: كثير العشق. والتَّعشُّق: تكلّف العِشْق، قال الفرّاء: يقولون امرأةٌ مُحِبٌّ لزوجها وعاشق.
وقال ابن سِيده: العِشْق: عجبُ المحبّ بالمحبوب يكون في عفاف الحبِّ ودَعارته، يعني: في العفَّة والفجور. وقيلَ: العِشْقُ الاسم، والعَشَق المصدر، وقيل: هو مأخوذ من شجرة يُقال لها: عاشقة، تخضرّ
(1)
البيتان لجميل بن معمر في «الحماسة» (2/ 128)، و «الخزانة» (2/ 558)، و «ديوانه» المجموع (ص 142). ولمجنون ليلى في «ديوانه» (ص 202). وانظر مزيد التخريج هناك.
(2)
(4/ 1525).
(3)
له في «ديوانه» (ص 104)، و «تهذيب اللغة» (10/ 203)، و «اللسان» (سرر، شبق، عسق، عشق).
ثم تَدِقُّ وتصفرُّ. قال الزَّجَّاجي
(1)
: واشتقاق العاشق من ذلك.
وقال الفرَّاء: عَشِقَ عِشْقًا وَعَشْقًا وعَشَقًا: إذا أفرط في الحبِّ، والعاشق الفاعل، والمعشوق المفعول، والعَشِيقُ يقال لهذا ولهذا، وامرأةٌ عاشقٌ وعاشقةٌ، قال
(2)
:
وَلَذٍّ كَطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ طَرَحْتُهُ
…
عَشِيَّةَ خِمْسِ القومِ والعَيْنُ عاشِقَهْ
وقال الفرَّاء: العشق نبتٌ لَزِجٌ، وسُمِّيَ العشق الذي يكون من الإنسان لِلصُوقهِ بالقلب. وقال ابن الأعرابي: العَشَقَةُ: اللبلابة تخضرُّ، وتصفرُّ، وتَعْلَق بالذي يليها من الأشجار، فاشتقّ من ذلك العاشق.
وقد اختلف الناس هل يُطْلَق هذا الاسم في حقّ الله تعالى؟
(3)
فقالت طائفةٌ من الصوفية: لا بأس بإطلاقه، وذكروا فيه أثرًا لا يثبتُ، وفيه:«فإذا فعلَ ذلك عَشِقَني وعَشِقتُه»
(4)
.
وقال جمهور الناس: لا يُطْلَقُ ذلك في حقِّه سبحانه، فلا يُقال: إنه
(1)
ط: «الزجاج» .
(2)
البيت للراعي النميري في «ديوانه» (ص 186)، و «اللسان» (صرخد، لذذ)، و «التنبيه والإيضاح» (2/ 31، 71). وبلا نسبة في «مجمل اللغة» (4/ 245).
(3)
انظر كلام شيخ الإسلام في هذا الموضوع في «مجموع الفتاوى» (10/ 131). وقد اعتمد عليه المؤلف ولخَّصه هنا.
(4)
هذا لفظ الأثر عن عبد الواحد بن زيد في الحديث القدسي المشهور: «لا يزال عبدي يتقرب إليَّ
…
». انظر: «مجموع الفتاوى» (10/ 131).
يَعْشَق، ولا يقال: عَشِقَه عبدُه.
ثم اختلفوا في سبب المنع على ثلاثة أقوال:
أحدها: عدم التوقيف، بخلاف المحبة.
الثاني: أنَّ العشقَ إفراطُ المحبَّة، ولا يمكن ذلك في حق الربِّ تعالى، فإن الله تعالى لا يُوصف بالإفراط في الشيء، ولا يبلغ عبدُه ما يستحقُّه من حبِّه، فضلًا أن يُقالَ: أفرطَ في حبّه.
الثالث: أنه مأخوذ من التغيُّر، كما يُقال للشجرة المذكورة عاشقة، ولا يُطلق ذلك على الله سبحانه.
فصل
وأمَّا الجَوَى: ففي الصحاح
(1)
: الجوى: الحُرْقةُ، وشدَّة الوَجْد [12 أ] من عشقٍ، أو حُزْنٍ، تقول منه: جَوِيَ الرجلُ ــ بالكسر ــ فهو جَوٍ، مثل: دَوٍ، ومنه قيل للماء المتغير
(2)
المُنْتِن: جَوٍ، قال الشاعر
(3)
:
ثم كان المزاجُ ماءَ سحابٍ
…
لا جَوٍ آجِنٌ ولا مطروقُ
(1)
(6/ 2306).
(2)
«المتغير» ساقطة من ش.
(3)
هو عدي بن زيد العبادي، والبيت له في «ديوانه» (ص 79)، و «المحب والمحبوب» (4/ 163)، و «الأغاني» (6/ 77)، و «قطب السرور» (ص 655)، و «التذكرة الحمدونية» (8/ 355)، و «اللسان» (طرق). وبلا نسبة في تهذيب اللغة (11/ 230، 234)، و «أساس البلاغة» ، و «اللسان» (جوا).
فصل
وأمَّا الدَّنَفُ: فلا تكاد تستعمله
(1)
العرب في الحبِّ، وإنَّما وَلِع به المتأخرون، وإنَّما استعملته العربُ في المرض. قال في الصحاح
(2)
: الدَّنَف بالتحريك: المرض الملازم. ورَجل دَنَفٌ أيضًا ــ يعني بفتح النون ــ وامرأةٌ دَنَفٌ، وقومٌ دَنَف، يستوي فيه المذكر والمؤنَّث، والتثنية والجمع، فإن قلت: رجل دَنِفٌ قلت: امرأَةٌ دَنِفَةٌ، أَنَّثتَ وثنَّيتَ وجمعتَ، وقد دَنِف المريضُ بالكسر: ثقُل. وأدْنَفَ بالألف مثلُه، وأدْنَفَهُ المرضُ يتعدَّى ولا يتعدَّى، فهو مُدْنِفٌ وَمُدْنَف.
قلت: وكأنهم استعاروا هذا الاسم للحبّ اللازم تشبيهًا له به، والله أعلم.
فصل
وأمَّا الشَّجْوُ: فهو حُبٌّ يتبعه همٌّ وحزن. قال في الصحاح
(3)
: الشَّجْوُ: الهمُّ والحُزْن، يقال: شَجَاهُ يَشْجُوهُ شَجْوًا: إذا حَزَنه
(4)
، وأشْجاه يُشْجيه إشجاءً: إذا أَغَصَّه
(5)
. تقول منهما جميعًا: شَجِيَ بالكسر
(1)
ش: «يكاد يستعمله» .
(2)
(4/ 1360).
(3)
(6/ 2389).
(4)
ش: «أحزنه» .
(5)
ش: «أغضبه» تحريف.
يَشْجَى شَجًا، قال
(1)
:
لا تُنكروا القتلَ وقد سُبِينا
…
في حَلْقِكُم عَظْمٌ وقد شَجِينا
أرادَ: حلوقكم، والشَّجَا: ما يَنْشَبُ في الحَلْق من عَظْمٍ أو غيره، ورجلٌ شَجٍ، أي: حزينٌ، وامرأةٌ شَجِيَةٌ، على فَعِلة. فأُطلقَ هذا الاسم على الحبِّ للزومه كالشَّجَا الذي يَعْلَقُ
(2)
بالحَلق، ويَنْشَبُ فيه.
فصل
وأما الشوق: فهو سفرُ القلب إلى المحبوب، وقد وقعَ هذا الاسم في السُّنَّة، ففي المسند
(3)
من حديث عمَّار بن ياسر، أنه صلَّى صلاةً، فأوجزَ فيها، فقيل له: أوجزتَ يا أبا اليقظان! فقال: لقد دعوتُ فيها
(1)
الرجز للمسيب بن زيد مناة في «شرح أبيات سيبويه» (1/ 212)، و «اللسان» (شجا). ولطفيل في «جمهرة اللغة» (ص 1041)، و «المحتسب» (2/ 87) وليس في ديوانه. وبلا نسبة في اللسان (نهر، سمع، أمم، عظم، مأى)، و «الخزانة» (2/ 105)، و «تهذيب اللغة» (2/ 125، 302)، و «المحتسب» (1/ 246)، و «المخصص» (1/ 31، 10/ 30).
(2)
ت: «تعلّق» .
(3)
(4/ 264). وأخرجه أيضًا النسائي (3/ 54، 55)، وأبو يعلى في «مسنده» (1624)، وابن حبّان في «صحيحه» (1971)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 524)، وإسناده حسن.
[12 ب] بدَعواتٍ سَمِعْتُهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بِهنَّ: «اللهم بعلمكَ الغيبَ، وقُدرتكَ على الخلق، أحْينِي إذا كانتِ الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحقِّ في الغضب والرِّضا، وأسألك القصدَ في الفقر والغِنى، وأسألك نعيمًا لا يَنْفَد، وأسألك قرّةَ عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك بَرْدَ العيش بعد الموت، وأسألك لذَّة النظر إلى وجهك، والشوقَ إلى لقائك، في غير ضرَّاءَ مُضِرَّة، ولا فتنةٍ مُضِلَّة، اللهم زَيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مُهتدين» .
وجاء في أثرٍ إسرائيليّ
(1)
: «طالَ شوقُ الأبرار إلى لقائي، وأنا إلى لقائِهم أشوَقُ» . وقد قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت/5].
قال بعضُ العارفين: لما علمَ الله شوقَ المُحبِّين إلى لقائه؛ ضربَ لهم موعدًا للِّقاءِ تَسكنُ به قلوبهم.
وبعدُ: فهذه اللفظة من أسماء الحبِّ، قال في الصحاح
(2)
: الشوق
(3)
(1)
ذكره الديلمي في «مسند الفردوس» (5/ 8126)، والغزالي في «الإحياء» (3/ 8). قال العراقي: لم أجد له أصلًا. وذكره الفتني في «تذكرة الموضوعات» (ص 196).
(2)
(4/ 1504).
(3)
ش: «التشوق» .
والاشتياق: نِزاع النفس إلى الشيء. يقال: شَاقَنِي الشيءُ يَشُوقُني فهو شائقٌ وأنا مَشُوْق
(1)
، وشوَّقني، فتشوَّقتُ: إذا هيَّجَ شوقَكَ، قال الراجز
(2)
:
يا دارَ ميّةَ بالدَّكادِيكِ البُرَقْ
…
سَقْيًا لقَدْ هيَّجتِ شوقَ المشتأَقْ
يُريد: المشتاق، قال سِيْبَوَيْه: هَمَز ما ليس بمهموزٍ ضرورةً.
فصل
واختُلِفَ في الفرق بين الشوق والاشتياق: أَيُّهُما أقوى، فقالت طائفة: الشوق أقوى
(3)
، فإنه صفةٌ لازمة، والاشتياق فيه نوع افتعالٍ، كما يدلّ عليه بناؤه، كالاكتساب ونحوه. وقالت فرقة: الاشتياق أقوى لكثرة حروفه، وكلَّما قويَ المعنى وزادَ زادوا حروفَه. وحكمتْ فرقةٌ ثالثةٌ بين القولين، وقالت: الاشتياق يكون إلى غائب، وأما الشوق
(4)
فإنه يكون للحاضر والغائب.
(1)
«الشيء
…
مشوق» ساقطة من ش.
(2)
الرجز لرؤبة في «شرح شواهد الشافية» (ص 175) وليس في «ديوانه» . وهو بلا نسبة في «الخصائص» (3/ 145)، و «سر صناعة الإعراب» (1/ 91)، و «تهذيب اللغة» (5/ 241)، و «اللسان» (بوز، شوق، دكك، حول).
(3)
«أقوى» ساقطة من ش.
(4)
ش: «التشوق» .
والصواب [13 أ] أن يقال: الشوق مصدرُ شاقَه، يشُوقه: إذا دعاه إلى الاشتياق إليه، فالشوق داعية الاشتياق ومبدؤه، والاشتياقُ مُوجَبهُ وغايته، فإنه يقال: شاقني فاشتقتُ، فالاشتياق فعلٌ مطاوع لشاقني.
واختلف أرباب الشوق: هل يزول الشوق بالوصال أو يزيد؟ فقالت طائفةٌ: يزول، فإنَّ الشوقَ طسفرُ القلب إلى المحبوب، فإذا وصلَ إليه انتهى السفر.
وأَلقتْ عَصَاها واستقرَّ بها النَّوَى
…
كما قَرَّ عَيْنًا بالإيابِ المسافِرُ
(1)
قالوا: ولأن الشوق إنَّما يكون لغائبٍ، فلا معنى له مع الحضور، ولهذا إنما يقال للغائب: أنا إليك مشتاق، وأما من لم يزل حاضرًا مع المحبِّ فلا يُوصف بالشَّوق إليه. وقالت طائفة: بل يزيدُ بالقرب واللقاء، واستدلوا بقول الشاعر
(2)
:
وأعظمُ ما يكونُ الشوقُ يومًا
…
إذا دَنَتِ الخِيَامُ من الخِيَام
قالوا: ولأن الشوقَ هو حُرقة المحبَّة والتهابُ نارها في قلب المُحبِّ، وذلك مما يزيدُه القربُ والمواصلةُ.
(1)
البيت لمعقِّر بن حمار البارقي من قصيدة له في «النقائض» (2/ 676)، وهو له في «الاشتقاق» (ص 481)، و «المؤتلف والمختلف» للآمدي (ص 92)، و «معجم الشعراء» للمرزباني (ص 204). ونسب لغيره في «البيان والتبيين» (3/ 40)، و «اللسان» (عصا). وبلا نسبة في «الأغاني» (15/ 123).
(2)
البيت بلا نسبة في «ديوان الصبابة» (ص 36)، و «تزيين الأسواق» (1/ 58).
والصوابُ أنَّ الشوقَ الحادثَ عند اللقاء والمواصلة غيرُ النوع الذي كان عند الغَيْبة عن المحبِّ، قال ابن الرومي
(1)
:
أُعانِقُها والنفسُ بعدُ مَشُوقةٌ
…
إليها وهل بعدَ العِناقِ تَدانِي؟!
وألثِمُ فاها كي تزولَ صَبابَتِي
…
فيشتدُّ ما ألقى من الهيَمانِ
ولم يكُ مقدارُ الذي بي من الجَوى
…
ليَشْفِيَه ما ترشُفُ الشَّفتانِ
كأن فؤادي ليس يَشفي غَلِيلَه
…
سوى أن يرى الرُّوحينِ يَمتزجان
فصل
وأمَّا الخِلابة: فهي الحبُّ الخادِع، وهو الحبُّ الذي وصلَ إلى الخِلْب، وهو الحجابُ الذي بين القلب وسَواد البطن. وسُمِّي الحبُّ خِلابةً؛ لأنه يخدعُ ألبابَ [13 ب] أربابه، والخِلابة: الخديعة باللسان، يقال: خَلَبَهُ يَخْلُبه بالضم، واخْتَلبه مثلُه. وفي المثل:«إذا لم تَغْلِبْ فاخْلِبْ»
(2)
(1)
«ديوانه» (5/ 2475)، و «أمالي» القالي (1/ 226)، و «ديوان المعاني» (1/ 223)، و «زهر الآداب» (1/ 182)، و «التذكرة الحمدونية» (6/ 97). والأولان بلا نسبة في «ذم الهوى» (ص 591)، و «طريق الهجرتين» (2/ 726).
(2)
المثل في «أمثال» أبي عبيد (ص 156)، و «جمهرة الأمثال» (1/ 66)، و «مجمع الأمثال» (1/ 34)، و «المستقصى» (1/ 375)، و «اللسان» (خلب).
أي: فاخدَعْ. والخَلِبة: الخَدَّاعة من النساء
(1)
. قال الشاعر
(2)
:
أودى الشبابُ وحُبُّ الخالةِ
(3)
الخَلِبَهْ
…
وقد بَرِئْتُ فما بالقلب مِنْ قَلَبَهْ
قال ابن السِّكِّيت
(4)
: رجلٌ خلَاّب، أي: خدَّاعٌ كَذَّاب، ومنه البرق الخُلَّب: الذي لا غيثَ فيه، كأنَّه خادع، ومنه قيل لمن يَعِدُ ولا يُنْجِز: إنما أنت برقٌ خُلَّب. والخُلَّب أيضًا: السَّحابُ الذي لا مطرَ فيه. ومنه الحديث: «إذا بَايَعْتَ فَقُلْ لا خِلابةَ»
(5)
أي: لا خديعة. والحبُّ أحقُّ ما يُسَمَّى
(6)
بهذا الاسم؛ لأنه يُعْمِي ويُصِمّ، ويَخْدَعُ لُبَّ المحبِّ وقلبَه.
(1)
«من النساء» ساقطة من ش.
(2)
هو النمر بن تولب، والبيت له في «ديوانه» (ص 331)، و «جمهرة اللغة» (ص 1056، 1319)، و «أساس البلاغة» (قلب)، و «اللسان» (خلب، قلب). وبلا نسبة في «جمهرة اللغة» (ص 293)، و «تهذيب اللغة» (7/ 562)، و «اللسان» (خيل).
(3)
ت، ش:«الخالب» . والمثبت من ط ومصادر التخريج.
(4)
في «إصلاح المنطق» (ص 419).
(5)
أخرجه البخاري (2117، 2407، 2414، 6964)، ومسلم (1533) من حديث ابن عمر.
(6)
ت: «سمّي» .
فصل
وأمَّا البَلابلُ: فجمعُ بَلْبَلَة، يُقال: بَلابلُ الحبِّ، وبلابلُ الشَّوْق، وهي وَسْواسه وهمُّه. قال في الصِّحاح
(1)
: الْبَلْبَلَةُ، والْبَلْبَال: الهمُّ، ووَسْوَاس الصدر.
فصل
وأمَّا التَّباريحُ: فيقال: تباريحُ الحبِّ، وتباريحُ الشوق، وتباريحُ الجَوى. وبرَّح به الحبُّ والشوقُ: إذا أصابَه منه البَرْح، وهو الشِّدة. قال في الصحاح
(2)
: لقيتُ منه بَرْحًا بارِحًا؛ أي: شِدَّةً وأذى. قال الشاعر
(3)
:
أَجِدَّكَ هذا عَمْرَكَ الله كلَّما
…
دعاكَ الْهَوى بَرْحٌ لِعينيْكَ بارحُ
ولقيتُ منه بناتِ بَرْحٍ، وبني بَرْحٍ، ولقيتُ منه البِرَحِين والبُرَحِين، بكسر الباء وضمها؛ أي: الشدَائدَ والدَّواهي.
فصل
وأما السَّدَم ــ بالتحريك ــ: فهو الحبُّ الذي يتبعه ندمٌ وحزن. قال في
(1)
(4/ 1640).
(2)
(1/ 355).
(3)
البيت بلا نسبة في «اللسان» (برح)، و «ديوان الأدب» (1/ 100).
الصِّحاح
(1)
: السَّدَم ــ بالتحريك ــ: النَّدَم والحُزن، وقد سَدِم بالكسر. ورجلٌ نادمٌ سادِم، ونَدْمَانُ سَدْمَانُ. وهو إتباعٌ. وما له هَمٌّ ولا سَدَمٌ إلا ذاك.
فصل
وأما الغَمَرَات: فهي جمع غَمْرَة، والغَمْرَةُ: ما يَغْمُرُ القلبَ من حبٍّ أو سُكرٍ أو غفلة. قال الله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ [14 أ] هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات/10 ــ 11] أي: في غفلة قد غَمَرَت قلوبهم. وقال تعالى: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون/54] ومنه: الماء
(2)
الغَمْر الكثير الذي يُغطِّي من دخلَ فيه، ومنه: غَمَرَات الموت، أي: شدائده، وكذلك غَمَرَات الحبّ، وهو ما
(3)
يُغطِّي قلبَ المحبِّ فَيَغْمُرُه، ومنه قولهم: رجلٌ غَمْرُ الرِّدَاءِ، كناية عن السخاء؛ لأنه يَغْمُرُ العيوبَ، أي: يُغطِّيها فلا يظهر مع السخاء عيب. قال كُثَيِّر
(4)
:
غَمْرُ الرِّداء إذا تبسَّمَ ضاحِكًا
…
غَلِقتْ لضَحْكتِه رِقابُ المال
(1)
(5/ 1948).
(2)
«الماء» ساقطة من ش.
(3)
«ما» ساقطة من ش.
(4)
«ديوانه» (ص 288)، و «أمالي» القالي (2/ 291)، و «سمط اللآلي» (2/ 934)، و «اللسان» (غمر، ضحك، ردي) وغيرها.
وقال القُطَامِيّ
(1)
يصفُ سفينة نوح:
إلى الجُودِيّ حتَّى صارَ حَجْرًا
…
وكانَ لذلك الغَمْرِ انحسارُ
أي: لذلك الماء الذي غمرَ الأرض ومن عليها.
فصل
وأمَّا الوَهَل: فهو بتحرك الهاء، وأصله: الفَزَعُ، والرَّوعُ، يقال: وَهِلَ يَوْهَلُ وهو وَهِلٌ وَمُسْتَوْهِلٌ. قال القُطَامِيّ
(2)
يصفُ إبلًا:
وترى لِجَيْضَتِهِنَّ عند رَحِيْلِنَا
…
وَهَلًا كأنَّ بِهِنَّ جِنَّةَ أوْلَق
وإنَّما كان الوَهَل من أسماء الحبِّ لما فيه من الرَّوع، ومنه يقال: جمالٌ رائع.
فإن قيل: ما سببُ رَوْعَة الجمال؟ ولأيِّ شيء إذا رأى المحبُّ محبوبَهُ فُجاءةً يرتاعُ لذلك، ويَصفرُّ لونهُ، ويُبْهَتُ؟ قال الشاعر
(3)
:
(1)
في «ديوانه» (ص 144)، و «اللسان» (غمر، تا)، و «التنبيه والإيضاح» (2/ 179).
(2)
في «ديوانه» (ص 107)، و «تهذيب اللغة» (11/ 137)، و «اللسان» (جيض، وهل).
(3)
البيت لعروة بن حزام في «الشعر والشعراء» (2/ 626)، و «ديوان المعاني» (1/ 282)، و «الأغاني» (24/ 159)، و «زهر الآداب» (2/ 949)، و «أمالي» المرتضى (1/ 459)، و «مصارع العشاق» (1/ 318)، و «الخزانة» (1/ 534، 3/ 616)، والتذكرة الحمدونية (6/ 58)، و «ذم الهوى» (ص 408)، و «فوات الوفيات» (2/ 448). ولكثير عزة في «ديوانه» (ص 522)، و «اللآلي» (1/ 400)، و «حماسة» ابن الشجري (ص 153)، وللمجنون في «ديوانه» (ص 59). وللأحوص في ملحق «ديوانه» (ص 213). وانظر:«سمط اللآلي» (1/ 400).
وما هو إلا أنْ أراها فُجَاءَةً
…
فأُبْهَتُ حتّى لا أكادُ أُجيبُ
وكثيرٌ من الناس يرى محبوبَه فيَصفرُّ ويَرتعِدُ. قيل: هذا مما خفي سببه على أكثر المحبِّين، فلا يدرون ما سببه، فقيل: سببُه أنَّ للجمالِ سلطانًا
(1)
على القلوب، وإذا بدا راعَ القلوبَ بسلطانه، كما يَرُوعُها الملِكُ ونحوهُ مِمَّن له سلطانٌ على الأبدان، فسلطانُ الجمال والمحبَّة على القلوب، وسلطانُ الملوك على الأبدان، فإذا كان [14 ب] السلطانُ الذي على الأبدان يَرُوع إذا بدا؛ فكيف بالسلطان الذي هو أعظم منه؟!
قالوا: وأيضًا فإنَّ الجمالَ يأْسِرُ القلبَ فيُحِسّ القلبُ بأنه أسيرٌ ولا بُدَّ لتلك الصورة التي بَدتْ له فيرتاع، كما يرتاع الرجلُ إذا أحسَّ بمن يأْسِرُه، ولهذا إذا أمن الناظرُ من ذلك لم تَحْصُل له هذه الرَّوعة. قال
(1)
ش: «الجمال سلطان» .
الشاعر
(1)
:
علامةُ مَنْ كان الهَوَى بفؤادِه
…
إذا ما رأى محبوبَهُ يتغيَّرُ
(1)
فصل
وأما الشَّجَن: فهو من أسمائه، فإنَّ الشَّجَنَ: الحاجةُ حيث كانت، وحاجة المحبِّ أشدُّ شيءٍ إلى محبوبه. قال الراجز
(2)
:
إنِّي سأُبدي لكَ فيما أُبدي
لي شَجَنانِ شَجَنٌ بِنَجْدِ
وشجَنٌ لي ببلادِ السِّندِ
والجمع شُجون. قال
(3)
:
والنفسُ شَتَّى شُجُونُها
(1)
«الشاعر» ساقطة من ت.
(2)
البيت في «خزانة الأدب» (3/ 616) بقافية «أن يتحيَّرا» .
(3)
الرجز بلا نسبة في «الموشى» (ص 100)، و «فصل المقال» (ص 68)، و «اللسان» (شجن)، و «مقاييس اللغة» (3/ 249)، و «المخصص» (12/ 223).
(4)
صدر البيت كما ذكره ابن بري:
ذكرتك حيث استأمن الوحش والتقت
…
رفاق به والنفس شتَّى شجونُها
وهو بلا نسبة في اللسان (شجن)، و «جمهرة اللغة» (ص 478)، و «مقاييس اللغة» (3/ 248)
ويُجمع على أشجان. قال الشاعر
(1)
:
تَحَمَّل أَصْحَابِي ولم يجدوا وجدي
…
وللنَّاس أشجانٌ ولي شَجَنٌ وحدي
وقد شَجَنَتْنِي الحَاجَةُ، تَشْجُنُنِي، شَجْنًا: إذا حَبَسَتْكَ. ووجهٌ آخر أيضًا، وهو أنَّ الشَّجَن: الحُزْن، والجمع أشجان. وقد شَجِنَ ـ بالكسر ـ فهو شاجنٌ. وأشجنَه غيرُه، وشَجَنَه، أي: أحزنه. والحب فيه الأمران: هذا وهذا.
فصل
وأما اللاعج: فهو اسم فاعل، من قولهم: لَعَجَه الضربُ: إذا آلَمَه، وأحرقَ جلدَه. قال الهُذَلِيّ
(2)
:
............................
…
ضربًا أليمًا بِسِبْتٍ
(3)
يَلْعَجُ الجِلِدَا
ويُقال: هَوًى لاعجٌ، لِحُرقةِ
(4)
الفؤاد من الحبِّ.
(1)
البيت بلا نسبة في «الحماسة» (2/ 115)، وينسب إلى النمر بن تولب ونصيب.
(2)
هو عبد مناف بن رِبْع الهذلي، كما في «شرح أشعار الهذليين» (2/ 672)، و «نوادر» أبي زيد (ص 30)، و «جمهرة اللغة» (ص 483)، و «اللسان» (لعج، جلد، عجل). والبيت بلا نسبة في «الخصائص» (2/ 333)، و «المنصف» (2/ 308).
(3)
«بسبت» ساقطة من ت، ش. والمثبت من مصادر التخريج. وصدر البيت:
إذا تجرد نوحٌ قامتَا معه
(4)
ش: «هو اللاعج بحرقة» .
فصل
وأمَّا الاكتئاب: فهو افتعالٌ من الكآبةِ، وهي سوء الحال، والانكسار من الحزن، وقد كَئِبَ الرجلُ يَكأبُ، كَأْبةً وكَآبةً
(1)
كَرَأْفَةٍ وَرَآفة، ونشأةٍ ونَشاءة. فهو كئيب، وامرأةٌ كئيبةٌ، وكأْباءُ أيضًا. قال الراجز
(2)
:
أوْ أنْ تُرَىْ كأْبَاءَ لَمْ تَبْرَ نْشِقي
واكتأبَ الرجلُ مثله. ورمادٌ مكتئبُ اللون: إذا ضربَ إلى السواد، كما يكون [15 أ] وجهُ الكئيب. والكآبة تتولَّدُ من حصول الحبِّ وفوتِ المحبوب، فتحدُثُ بينهما حالةٌ سيِّئَة تُسمَّى الكآبة.
فصل
وأمَّا الوَصَبُ: فهو ألمُ الحُبِّ ومرضُه، فإنَّ أصلَ الوَصَب: المرض، وَقَد وَصِبَ الرَّجلُ يَوْصَبُ فهو وَصِبٌ، وَأَوْصَبه اللهُ فهو مُوْصَبٌ
(3)
، وَالمُوَصَّبُ ــ بالتشديد ــ: الكثير الأوجاع.
(1)
«وكآبة» ساقطة من ش.
(2)
في هامش ت: «أوله: عزَّ على عمك أن تُؤوَّقي» . والرجز لجندل بن المثنى الطهوي في «اللسان» (كأب، أهق، برشق)، و «التنبيه والإيضاح» (1/ 131)، و «ديوان الأدب» (4/ 229). وبلا نسبة في «جمهرة اللغة» (ص 245، 980، 1217)، و «تهذيب اللغة» (9/ 376)، و «الصحاح» (1/ 207)، و «مقاييس اللغة» (1/ 157)، و «المخصص» (5/ 24).
(3)
ش: «وصب» تحريف.
وفي الحديث الصحيح
(1)
ووصَب الشيءُ يَصِبُ وُصُوبًا: إذا دامَ، تقول: وَصَب الرجلُ على الأمر: إذا داومَ عليه. قال الله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات/9]. وقال تعالى: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النحل/52] أي: الطاعة دائمةً.
فصل
وأمَّا الحُزْن: فقد عُدَّ
(2)
من أسماء المحبَّة، والصَّواب أنَّه ليس من أسمائها، وإنَّما هو حالة تحدُثُ للمحبِّ، وهي ورود المكروه عليه، وهو خلاف المسرَّة. ولما كان الحُبُّ لا يخلو من ورود ما لا يَسُرُّ على قلب المحبِّ كان الحزن من لوازمه. وفي الحديث الصحيح
(3)
: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم -كان يقول: «اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَن، وَالعَجْزِ والْكَسَل، وَالجُبْنِ وَالبُخْل، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجال» .
فاستعاذَ صلى الله عليه وسلم -من ثمانية أشياء، كل شيئين منها قرينان. فالهمُّ والحزن قرينان، فإن ورود المكروه على القلب إن كان لما مضى فهو الحزن، وإن كان لما يُستقبل فهو الهمُّ. والعجز والكسل قرينان، فإنَّ تخلُّفَ
(1)
أخرجه البخاري (5641)، ومسلم (2573) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.
(2)
«عدّ» ساقطة من ش.
(3)
أخرجه البخاري (6369)، ومسلم (2706) من حديث أنس بن مالك.
العبد عن كماله إن كان من عدم القدرة فهو العجز، وإن كان من عدم الإرادة فهو الكسل. والجبنُ والبخل قرينان، فإنَّ الرجل يُراد منه النفعُ بماله أو ببدنه، فالجبَان لا يَنفعُ ببدنه، والبخيلُ لا يَنفعُ بماله. وضَلَعُ الدَّين وَغَلَبة الرجال قرينان، فإنَّ قهرَ الناس نوعان: نوعٌ بحقٍّ، فهو ضَلَع الدَّين، ونوعٌ بباطلٍ، فهو غَلَبَةُ الرِّجال.
وقد نفى الله سبحانه [15 ب] عن أهل الجنَّة الخوفَ والحزنَ، فلا يحزنون على ما مضى، ولا يخافون ممَّا يأتي، ولا يطيبُ العيش إلا بذلك، والحبُّ يلزمه الخوف والحزن.
فصل
وأمَّا الكَمَدُ: فمن أحكام المحبَّة في الحقيقة، وليس من أسمائها، ولكن المتكلمون في هذا الباب لا يُفرّقون بين اسم الشيء ولازمه وحكمه. والكَمَد: الحزن المكتوم، تقول منه: كَمِدَ الرجل، فهو كَمِدٌ وكَمِيدٌ، والكُمْدَةُ: تَغَيُّرُ اللون، وأَكْمَدَ القصَّارُ الثوبَ: إذا لم يُنَقِّه.
فصل
وأمَّا اللَّذْع: فهو من أحكام المحبَّة أيضًا، وأصلُه من لَذْع النار. يقال: لَذَعَتْهُ النَّارُ لَذْعًا: أحرقته، ثم شبَّهوا لَذْع اللِّسان بِلَذْع النار، فقالوا: لَذَعَهُ بلسانه، أي: أحرقَه بكلامه، يُقال: أعوذ بالله من لَوَاذِعِهِ.
فصل
وأمَّا الْحُرَق: فهي أيضًا من عوارض الحُبِّ وآثاره، والحُرقة تكون من الحُبِّ تارةً، ومنه قولهم: ما لك حُرْقةٌ على هذا الأمر، وتكون من الغيظ. ومنه في الحديث:«تَرَكْتُهُمْ يَتَحَرَّقُون عَلَيْكُمْ»
(1)
.
فصل
وأما السُّهْدُ: فهو أيضًا من آثار المحبَّة ولوازمها، فالسُّهادُ: الأرَقُ. وقد سَهِدَ الرجل ـ بالكسر ـ يَسْهَد سَهَدًا، والسُّهُدُ ـ بضم السين والهاء ـ: القليل النوم. قال أبو كبير الهُذَلي
(2)
:
فأَتتْ به حُوشَ الْجَنَانِ مُبَطَّنًا
…
سُهُدًا إذا ما نامَ لَيْلُ الهَوْجَل
وَسَهَّدْتُه أنا، فهو مُسَهَّد.
فصل
وأمَّا الأرَقُ: فهو أيضًا من آثار المحبَّة ولوازمها، فإنَّه السَّهَرُ. وقد أرِقتُ ــ بالكسر ــ أي: سَهِرْتُ، وكذلك ائْتَرَقْتُ على افتعلتُ، فأنا أرِقٌ وأرَّقَنِي كذا تَأْريقًا، أي: أسْهرني.
(1)
ذكره ابن هشام في «السيرة النبوية» (3/ 102).
(2)
البيت له في «الحماسة» (1/ 74)، و «الشعر والشعراء» (2/ 675)، و «شرح أشعار الهذليين» (3/ 1073)، و «اللسان» (سهد، حوش، هجل)، و «خزانة الأدب» (3/ 466)، و «المعاني الكبير» (1/ 519)، و «جمهرة اللغة» (ص 360).
فصل
وأمَّا اللَّهَفُ: فمن أحكامها وآثارها أيضًا، يقال: لَهِفَ ـ بالكسر ـ يَلْهَفُ لَهَفًا؛ أي: حزن وتحسَّر. وكذلك التَّلهف على الشيء. وقولُهم: يا لَهْفَ فلان! كلمةٌ يُتَحَسَّرُ بها على ما فات، واللَّهْفان: المتحسِّر، واللَّهِيف: المضطر.
فصل
وأمَّا الحنين: فقال في الصحاح
(1)
: الحَنين: الشوقُ وتَوَقَانُ النَّفس. تقول منه: حَنَّ إِلَيْهِ يَحِنُّ حَنينًا، فهو حانٌّ. والحَنَانُ: الرحمة. تقول منه: حَنَّ عليه [16 أ] يَحِنُّ حَنَانًا، ومنه قوله تعالى:{وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم/13]. وتحنَّنَ عليه: تَرَحَّمَ. والعرب تقول: حَنَانَك يَا رَبّ! وحَنَانَيْك، بمعنى واحدٍ، أي: رَحْمَتكَ. قال امْرُؤُ القَيْس
(2)
:
ويَمْنَحُها بنو شَمَجى بن جَرْمٍ
…
مَعِيزَهُمُ حَنَانَكَ ذا الحَنَان
وقال طَرَفَةُ
(3)
:
أبا مُنْذِرٍ أَفْنيتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنا
…
حَنَانَيكَ بَعْضُ الشَّرِّ أهونُ مِنْ بَعْض
(1)
(5/ 2104). و «في الصحاح» ساقطة من ش.
(2)
«ديوانه» (ص 143)، و «اللسان» (حنن).
(3)
«ديوانه» (ص 172).
وفي الحقيقة: الحَنين من آثار الحُب ومُوجباته. وحنينُ الناقة: صوتها في نِزَاعِها إلى ولدها، وحَنَّةُ الرجل: امرأتُهُ. قال
(1)
:
وليلةٍ ذاتِ دُجًى سَرَيْتُ
ولم تَضِرْني حَنَّةٌ وَبَيْتُ
قلت: سُمِّيَت حنَّةً لأن الرجلَ يَحِنُّ إليها أينَ كان.
فصل
وأمَّا الاستكانة: فهي أيضًا من لوازم الحُبِّ وأحكامه، لا من أسمائه المختصة به، وأصلها: الخضوع. قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون/76]، وقال تعالى:{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران/146].
(1)
الرجز لأبي محمد الفقعسي في «اللسان» (جمم، حنن). ولرؤبة في «إصلاح المنطق» (ص 136)، و «المحتسب» (2/ 290)، و «المخصص» (14/ 20) وليس في ديوانه. وقيل: إنه للعجاج، انظر:«سمط اللآلي» (1/ 201). وهو بلا نسبة في «أمالي» القالي (1/ 52، 2/ 244)، و «الفصوص» لصاعد (1/ 219)، و «مجالس العلماء» (ص 184)، و «سرّ صناعة الإعراب» (2/ 636)، و «تهذيب اللغة» (14/ 320)، و «مقاييس اللغة» (5/ 233)، و «اللسان» (ليت).
وأصلُها: استفعلَ، من الكون
(1)
، وهذا الاشتقاق والتصريفُ يُطابق اللفظ
(2)
، وأما المعنى فالمستكينُ ساكنٌ خاشعٌ، ضدُّ الطائش، ولكن لا يُوافق السكون تصريف اللفظة، فإنه إن كان افْتَعَلَ كان ينبغي أن يُقال اسْتكَنَ؛ لأنه ليس في كلامهم افْتعَالَ، والحقُّ أنه اسْتَفْعَلَ من الكون، فنقلوا حركة الواو إلى الكاف قبلها، فتحرَّكت الواو أصلًا، وانفتح ما قبلها تقديرًا، فقُلبت ألِفًا، كاستقام. والسكون: الحالة التي فيها إنابةٌ وذلٌّ وخضوع. وهذا يُحْمَد إذا كان لله، ويُذَمُّ إذا كان لغيره، ومنه الحديث:«أعُوذُ بِكَ مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْن»
(3)
أي: الرجوع عن الاستقامة بعد ما كنتُ عليها.
فصل
وأمَّا التَّبالةُ: فهي فعالة من تَبَلَه إذا أفناه. قال [16 ب] الجوهريُّ
(4)
: تَبَلَهم الدهرُ وأتبلَهم: إذا أفناهُم، قال الأعشى
(5)
:
أأن
(6)
رأتْ رَجُلًا أعْشَى أضرَّ به
…
رَيْبُ الزَّمانِ ودهْرٌ مُتْبِلٌ خَبِلُ
(1)
ت: «السكون» وهو خطأ.
(2)
ت: «مطابق للفظ» .
(3)
أخرجه مسلم (1343) من حديث عبد الله بن سرجس.
(4)
«الصحاح» (4/ 1643).
(5)
«ديوانه» (ص 55).
(6)
ت: «لئن» ، ش:«لأن» . والمثبت من الديوان.
أي: مُذهِبٌ بالأهل والولد. وتَبَلَه الحبُّ وأَتْبَلَهُ أي: أسقمَه وأفسدَه. قلت: ومنه قول كعب بن زهير بن أبي سُلْمى
(1)
:
بانت سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ
…
متيَّمٌ عِنْدَها لم يُفْدَ مَكْبُولُ
فصل
وأمَّا اللَّوْعة: فقال في الصحاح
(2)
: لَوْعة الحُبِّ: حُرْقته. وقد لاعَهُ الحُبُّ يَلُوعه، والْتَاعَ فُؤادُه أي: احترقَ
(3)
من الشوق، ومنه قولهم: أتَانٌ لاعَةُ الفُؤَادِ إلى جَحْشِهَا. قال الأصمعي: أي لائعةُ الفؤادِ، وهي التي كأنَّها وَلْهَى من الفَزَع.
فصل
وأمَّا الفُتون: فهو مصدرُ فتَنَهُ يَفْتِنُهُ فُتُونًا، قال الله تعالى:{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه/40] أي: امتحنَّاك واختبرناكَ.
(1)
«بن أبي سلمى» ساقطة من ت. والبيت مطلع قصيدته المشهورة في «ديوانه» (ص 6).
(2)
(3/ 1281، 1282).
(3)
ش: «أحرق» .
والفِتْنَةُ يُقال عَلَى ثلاثة
(1)
معانٍ:
أحدُها: الامتحان والاختبار، ومنه قوله تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف/155] أي: امتحانُكَ واختبارُكَ
(2)
.
والثاني: الافتتان نفسه، يُقال: هذه فِتْنَة فلان، أي افْتِتَانُه، ومنه قوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال/25] يقال: أصابته الفِتْنَةُ، وَفَتَنَتْهُ الدُّنيا، وَفَتَنَتْهُ المرأةُ، وأَفْتَنَتْهُ. قال الأعشى
(3)
:
لئن فَتَنَتْني لَهْيَ
(4)
بالأمس أَفْتَنَتْ
…
سَعيدًا فأضحَى قد قَلى كلَّ مُسْلِم
وأنكرَ الأصمعيُّ أفتنتْه.
والثالث: المفتون به نفسُه يُسَمَّى
(5)
فتنة، قال الله تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن/15].
(1)
ت: «ثلاث» .
(2)
ش: «امتحناك واختبرناك» .
(3)
هو أعشى همدان كما في «اللسان» (فتن)، و «المخصص» (4/ 62). والبيت لابن قيس الرقيات في «الخصائص» (3/ 315) وليس في ديوانه. وهو بلا نسبة في «جمهرة اللغة» (ص 406)، و «تهذيب اللغة» (14/ 289)، و «مقاييس اللغة» (4/ 473)، و «ديوان الأدب» (2/ 334).
(4)
ت: «إنّ» .
(5)
ت: «سمي» .
وأما قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام/23] أي: لم يكن عاقبةُ شركهم إلا أن تبرَّأوا منه وأنكروه. وأما قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات/13 ــ 14]. فقيل: المعنى يُحرَقون، ومنه: فتَنْتُ الذَّهبَ: إذا أدخلتَهُ النَّارَ لتنظرَ ما جَوْدَته، [17 أ] ودينارٌ مفتون. قال الخليل
(1)
: والفَتْنُ: الإحراق، قال الله تعالى:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات/13]. وورِقٌ فَتِينٌ، أي: فضةٌ مُحْرَقَة. وَافْتَتَنَ الرجل وفُتِنَ: إذا أصابته فتنةٌ فذهبَ مالُه وعقلُه. وفَتَنَتْهُ المرأة: إذا دَلَّهَتْه.
وقوله تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات/161 ــ 163] أي: لا تَفتِنُون على عبادته إلا مَنْ سبقَ في علم الله أنه يَصْلَى الجحيم
(2)
، فذلك الذي يفتتنُ بفتنتكم إياه.
وأما قوله تعالى: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم/5 ــ 6] فقيل: الباء زائدة. وقيل: المفتون مصدر، كالمعقول والميْسور
(3)
والمحلوف والمعسور. والصواب: أنَّ يُبْصِرُ مُضَمَّنٌ معنى يَشْعُرُ ويعلم، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ
بِخَلْقِهِنَّ
(1)
انظر كتاب «العين» (8/ 127).
(2)
«أي
…
الجحيم» ساقطة من ش.
(3)
ش: «المنشور» .
بِقَادِرٍ} [الأحقاف/33]، فعدَّى فعل الرؤية بالباء، وفي الحديث:«المُؤْمِنُ أخُو المُؤْمِنِ يَسَعُهُما المَاءُ والشَّجَرُ، ويَتَعاوَنَانِ على الْفتَّانِ»
(1)
. يُروى بفتح الفاء وهو واحدٌ، وبضَمها وهو جمع فاتنٍ، كتاجرٍ وتُجَّار.
والمقصود: أنَّ الحُبَّ موضعُ الفتون، فما فُتِن مَنْ فُتِنَ إلا بالمحبَّة.
فصل
وأمَّا الجنون: فمن الحُبِّ ما يكونُ جنونًا، ومنه قوله
(2)
:
قالتْ جُنِنْتَ بمن تهوَى فقلتُ لها
…
العشقُ أعظمُ ممَّا بالمجانين
العشقُ لا يَستفيقُ الدهرَ صَاحبُه
…
وإنما يُصْرَعُ المجنونُ في الحين
وأصل المادة من السَّتر في جميع تصاريفها، ومنه: أجنَّه اللَّيلُ، وجَنَّ عليه: إذا سترَه، ومنه الجَنِينَ؛ لاستتاره في بطن أُمِّه، ومنه الجَنَّة؛ لاستتارها بالأشجار، ومنه المِجَنُّ؛ لاستتار الضارب به والمضروب، ومنه الجِنُّ؛ لاستتارهم عن العيون، بخلاف الإنس، فإنَّهم يُؤْنَسُون؛ أي: يُرَون، ومنه الجُنَّة بالضم، وهي ما استترتَ به واتّقيتَ، ومنه قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة/16] وأجننتُ الميّتَ: [17 ب] واريتُه في
(1)
أخرجه أبو داود (3070)، والترمذي (2814) من حديث قيلة بنت مخرمة. وفي إسناده عبد الله بن حسان العنبري، قال الحافظ في «التقريب»: مقبول.
(2)
البيتان لمجنون ليلى في «ديوانه» (ص 281)، و «الأغاني» (2/ 36)، و «مصارع العشاق» (1/ 126، 2/ 181)، و «المستطرف» (3/ 32)، و «تزيين الأسواق» (1/ 164).
القبر، فهو جَنِين. والحُبُّ المفرط يَسترُ العقلَ، فلا يَعْقِلُ المحبُّ ما ينفعه ويضرُّه، فهو شعبةٌ من الجنون.
فصل
وأمَّا اللَّمم: فهو طَرَفٌ من الجنون، ورجل ملمومٌ، أي به لَمَمٌ، ويقال أيضًا: أصابت فلانًا من الجِنِّ لَمَّةٌ، وهو المَسُّ، والشيء القليل، قاله الجوهري
(1)
.
قلت: وأصلُ اللفظة من المقاربة، ومنه قوله تعالى:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم/32] وهي الصغائر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رَأَيتُ أَشبهَ باللّمم مما قال أبو هريرة: «إنَّ العينَ تزني، وزناها النظرُ، واليدَ تزني، وزناها البطشُ، والرِّجْل تزني، وزناها المشي، والفم يزني، وزِناه القُبَل»
(2)
.
ومنه: ألمَّ بكذا، أي: قاربَه ودنا منه، وغلامٌ مُلِمٌّ، إذا قاربَ البلوغ، وفي الحديث:«إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ»
(3)
أي: يقرب من ذلك.
(1)
«الصحاح» (5/ 2032).
(2)
أخرجه مسلم (2657).
(3)
أخرجه البخاري (6427)، ومسلم (1052) من حديث أبي سعيد الخدري.
وبالجملة فلا يستبين كونُ
(1)
اللَّمَم من أسماءِ الحبِّ وإن كان قد ذكره جماعة، إلا أن يُقال: إنَّ المحبوبَ قد ألمَّ بقلب المُحبِّ؛ أي نزلَ به، ومنه: ألمِمْ بنا، أي: انزل بنا، ومنه قوله
(2)
:
متى تأْتِنا تُلْمِمْ بنا في دِيارنَا
…
تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا ونارًا تأجَّجا
فصل
وأمَّا الخَبْلُ: فمن مُوجبات العشق وآثاره، لا من أسمائه، وإن ذُكر من أسمائه
(3)
فإنَّ أصلَه الفساد، وجمعُه خُبُول. والخَبَل ــ بالتحريك ــ: الجنون، يقال: به خَبَلٌ، أي: شيء من أهل الأرض، وقد خَبَله وخَبَّلَه
(4)
واخْتَبَلَه: إذا أفسدَ عقلَه أو عضوه، ورجلٌ مُخَبَّلٌ، وهو نوع من الجنون والفساد.
فصل
وأمَّا الرَّسِيسُ فقد كثُر في كلامهم: رَسِيسُ الهوى والشوق، ورَسيسُ الحبّ، فظنّ من أدخلَه في أسماء الحبِّ أنَّه منها، وليس كذلك، بل
(1)
ت: «أن يكون» .
(2)
البيت لعبيد الله بن الحرّ في شعره المجموع (ص 98) و «شرح أبيات سيبويه» (2/ 66)، و «سرّ صناعة الإعراب» (ص 675)، و «شرح المفصل» (7/ 53)، و «خزانة الأدب» (3/ 660). وبلا نسبة في «اللسان» (نور).
(3)
«وإن ذكر من أسمائه» ساقطة من ش.
(4)
ش: «تخبله» .
الرَّسِيسُ: الشيء الثابت، فرَسِيسُ الحبِّ: ثباتُه ودوامُه. ويمكن أن يكونَ من رَسِّ الحُمّى ورَسِيسها، وهو أوَّل مسِّها، فشبَّهوا رَسِيسَ الحبِّ بحرارته وحُرْقته برسيسِ الحُمَّى. [18 أ] وكان الواجب عَلَى هؤلاء أن يجعلوا الأُوارَ من أسماء الحبِّ؛ لأنه يُضاف إليه، قال
(1)
:
إذا وجدتُ أُوارَ الحبِّ في كَبِدي
…
أقبلتُ نحوَ سِقَاءِ القوْمِ أَبتَرِدُ
هَبْني بَرَدتُ ببَرْدِ المَاء ظاهِرَهُ
…
فمَنْ لِنَارٍ عَلَى الأَحْشاءِ تتَّقدُ
وقد وقع إضافة الرَّسِيسِ إلى الهوى في شعر ذي الرُّمَّة
(2)
، حيث يقول:
إذا غيَّرَ النَّأْيُ المُحبِّين لم يَكَدْ
…
رَسِيسُ الهَوى من حُبِّ مَيَّة يبرَحُ
وفيه إشكالٌ نحْويٌّ
(3)
، ليس هذا موضعَه.
(1)
البيتان لعروة بن أذينة في «ديوانه» (ص 316)، و «الشعر والشعراء» (2/ 580)، و «المعارف» (ص 493)، و «أمالي» المرتضى (1/ 413)، و «مصارع العشاق» (2/ 130)، و «سمط اللآلي» (1/ 136). وللراهب المكي في «أساس البلاغة» (برد). وبلا نسبة في «أمالي» القالي (1/ 31)، و «اللسان» (برد).
(2)
«ديوانه» (ص 1192)، و «اللسان» (رسس)، و «المقاصد النحوية» (3/ 378)، و «خزانة الأدب» (4/ 74)، و «مصارع العشاق» (1/ 31).
(3)
انظر: «الخزانة» (4/ 74)، و «دلائل الاعجاز» (ص 274، 275).
فصل
وأمَّا الدَّاء المُخَامِرُ: فهو من أوصافه، وسُمِّي مُخَامِرًا لمخالطته لِلْقَلْبِ
(1)
والرُّوح، يُقال: خامرَه. قال الجوهري
(2)
: والمُخَامَرة: المخالطة. وخامرَ الرجلُ المكانَ: إذا لزمه. وقد يكون أُخِذَ من قولهم: استخمرَ فلانٌ فلانًا: إذا استعبدَه، وكأنَّ العشقَ داءٌ مستعبدٌ للعاشق، ومنه حديث مُعاذ:«مَنِ اسْتَخْمَرَ قَوْمًا»
(3)
أي: أخذهم قهرًا وتملَّكَ عليهم. فالحبُّ داءٌ مخالِطٌ مُسْتَعْبِد.
فصل
وأمَّا الودُّ: فهو خالصُ الحبّ وألْطَفُه وأرَقُّه، وهو من الحبِّ بمنزلة الرأْفة من الرحمة، قال الجوهري
(4)
: وَدِدْتُ الرجلَ أوَدُّه وُدًّا: إذا أحببتَه. والوِدُّ، والوَدُّ والوُدُّ: المودَّة. تقول: بودّي أن يكونَ كذا. وأما قول الشاعر
(5)
:
أيُّها العائدُ المُسَائِلُ عنَّا
…
وبِوِدِّيكَ أنْ تَرى أكفاني
(1)
ت: «القلب» .
(2)
«الصحاح» (2/ 650).
(3)
ذكره أبو عبيد في «غريب الحديث» (4/ 138).
(4)
«الصحاح» (2/ 549).
(5)
البيت بلا نسبة في «اللسان» (ودد).
فإنما أشبع كسرةَ الدال ليستقيمَ له البيت، فصارت ياءً. والوِدُّ الوديد بمعنى المودود، والجمع: أوُدٌّ، مثل: قِدْحٍ وأَقْدُح، وذئبٍ وأذْؤُب، وهما يتوادَّان، وهم أوِدَّاء. والوَدُود: المحبُّ، ورجالٌ وُدَدَاء يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لكونه وصفًا داخلًا على وصفٍ للمبالغة.
قلت: الوَدُود من صفات الله سبحانه وتعالى، أصله من المَوَدَّة، واختُلِفَ فيه على قولين:
فقيل: هو وَدودٌ بمعنى وادٍّ، كضَرُوبٍ بمعنى ضارب، وقَتُولٍ بمعنى [18 ب] قاتلٍ، ونؤُومٍ بمعنى نائم، ويشهدُ لهذا القول: أنَّ فَعُولًا في صفات الله
(1)
سبحانه بمعنى فاعلٍ، كغفور بمعنى غافر، وشكورٍ بمعنى شاكر، وصبورٍ بمعنى صابر.
وقيل: بل هو بمعنى مَوْدُود وهو الحبيبُ، وبذلك فسَّره البخاري في صحيحه
(2)
، فقال: الوَدود: الحبيبُ.
والأوَّل أظهرُ؛ لاقترانه بالغفور في قوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج/14]، وبالرحيم في قوله:{إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود/90]، وفيه سرٌّ لطيف،
وهو: أنَّه يحبُّ عبدَه بعد المغفرة، فيغفرُ له ويحبُّه، كما قال:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة/222]، فالتائب حبيبُ الله. فالودُّ: أصفى الحبِّ وألطفُه.
فصل
وأمَّا الخُلَّة: فتوحيدُ المحبَّة، فالخليل هو الذي يُوَحِّدُ حبَّه لمحبوبه، وهي مرتبةٌ
(1)
لا تقبلُ المشاركة، ولهذا اختصَّ بها في العالم الخليلان إبراهيم ومحمدٌ صلوات الله وسلامه عليهما، كما قال الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء/125]، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم -أنه قال:«إنَّ الله اتَّخَذني خَلِيلًا كمَا اتخَذَ إبْرَاهيمَ خَلِيلًا»
(2)
.
وفي الصحيح
(3)
عنه صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الأرْض خَلِيلاً لاتَّخَذتُ أبَا بَكْرٍ خَلِيلًا. وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمنِ» .
وفي الصحيح أيضًا
(4)
: «إنِّي أَبْرَأُ إلى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ» .
ولمَّا كانت الخُلَّة مرتبةً لا تقبل المشاركة؛ امتحنَ الله سبحانه إبراهيمَ الخليل بذبح ولده لمَّا أخذَ شعبةً من قلبه، فأرادَ سبحانه أن يُخْلِصَ تلك الشعبة له، ولا تكون لغيره، فامتحنَه بذبح ولده، والمراد
(1)
ش: «رتبة» .
(2)
أخرجه مسلم (532) من حديث جندب بن عبد الله.
(3)
أخرجه مسلم (2383) من حديث ابن مسعود.
(4)
ضمن الحديث السابق برواية أخرى.
ذَبحُه من قلبه، لا ذَبْحُه بالمُدْيَة، فلمَّا أسلما لأمر الله، وقدَّم محبَّة الله تعالى عَلَى محبة الولد؛ خَلَصَ مقام الخُلَّة، وَفُدِيَ الولدُ بالذِّبْح.
وقيل: إنَّما سُمِّيت خُلَّةً لتخلُّل المحبَّة جميعَ أجزاء الرُّوح، قال
(1)
:
قد تخلَّلتِ مَسْلَكَ الرُّوح مِنِّي
…
وبِذَا سُمِّي الخليلُ خَليلا
والخُلَّةُ: الخليلُ، يستوي فيه المذكر والمؤَنث؛ لأنه في الأصل مصدر قولك:[19 أ] خليلٌ بَيِّنُ الخُلَّة والخُلُولة، قال
(2)
:
ألا أبْلِغا خُلَّتي جَابِرًا
…
بأنَّ خَلِيلَكَ لَمْ يُقْتَل
ويُجمع عَلَى خِلال، مثل: قُلَّة وقِلال. والْخِلُّ: الودُّ والصَّديق. والْخِلَال أيضًا مصدر بمعنى المُخَالَّة
(3)
، ومنه قوله تعالى:{لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} [إبراهيم/31]، وقال في الآية الأخرى:{لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} [البقرة/254]، وقال امرؤ القيس
(4)
:
ولستُ بمَقْلِيِّ الخِلالِ ولا قَالِ
(1)
البيت بلا نسبة في «المنتخل» (2/ 801)، و «ديوان الصبابة» (ص 37).
(2)
البيت لأوفى بن مطر المازني في «جمهرة اللغة» (ص 107)، و «اللسان» (خطأ، خلل). وبلا نسبة في «تهذيب اللغة» (6/ 568)، و «ديوان الأدب» (3/ 27).
(3)
ت: «المخاللة» .
(4)
«ديوانه» (ص 35). وصدره:
صرفتُ الهوى عنهن من خشية الردى
والخليل: الصَّديق، والأنثى خليلة. والخِلالة والخَلالة والخُلالة بكسر الخاء وفتحها وضمِّها: الصَّداقةُ والمودَّة. قال
(1)
:
وكيف تُوَاصِلُ مَنْ أصبحتْ
…
خِلَالَتُهُ كأبي مَرْحَب
وقد ظنَّ بعضُ مَنْ لا علمَ عنده: أنَّ الحبيبَ أفضلُ من الخليل، وقال: محمَّدٌ حبيبُ الله، وإبراهيمُ خليلُ الله. وهذا باطلٌ من وجوهٍ كثيرة:
منها: أنَّ الخُلة خاصةٌ، والمحبَّة عامَّة، فإنَّ الله يحبُّ التَّوابين، ويحبُّ المتطهِّرين، وقال في عباده المؤمنين:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة/54].
ومنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفى أن يكونَ له من أهل الأرض خليل، وأخبرَ أنَّ أحبَّ النِّساء إليه عائشة، ومن الرجال أبوها
(2)
.
ومنها: أنه قال: «إنَّ الله اتَّخَذَني خلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إبرَاهيمَ
(1)
البيت للنابغة الجعدي في «ديوانه» (ص 26)، و «كتاب» سيبويه (1/ 215)، و «نوادر» أبي زيد (ص 189)، و «أمالي» القالي (1/ 192)، و «سمط اللآلي» (1/ 465)، و «اللسان» (رحب، خلل). وبلا نسبة في «إصلاح المنطق» (ص 112) و «مجالس ثعلب» (ص 77)، و «أمالي المرتضى» (1/ 202)، و «اللسان» (شرب، برر). و «أبو مرحب» كنية الظل، ويقال: هو كنية عرقوب الذي قيل فيه: مواعيد عرقوب.
(2)
أخرجه البخاري (3662)، ومسلم (2384) من حديث عمرو بن العاص.
خَليلًا»
(1)
.
ومنها: أنَّه قال: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أهْلِ الأَرْضِ خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ»
(2)
.
فصل
وأمَّا الخِلْمُ: فهو مأْخوذ من المُخَالَمَة، وهي المصادقة والمودَّة. والخِلْمُ: الصديق، والأخلام: الأصحاب. قال الكُمَيْت
(3)
:
إذا ابتسرَ الحربَ أَخْلامُهَا
…
كِشافًا وهُيِّجتِ الأفْحُلُ
فصل
وأمَّا الغرام: فهو الحبُّ اللازم، يُقال: رجلٌ مُغرمٌ بالحبِّ؛ أي: قد لزمه الحبُّ. وأصلُ المادة من اللزوم، ومنه قولهم: رجلٌ مُغْرَمٌ، من الغُرْم أو الدَّيْنِ. قال في الصحاح
(4)
: والغَرَام: [19 ب] الوَلوع، وقد أُغْرِمَ بالشيء، أي: أُولِعَ به، والغريمُ: الذي عليه الدَّيْن، يُقال: خذ من غريم
(1)
سبق تخريجه.
(2)
أخرجه البخاري (3654، 3657)، ومسلم (2382) من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
«ديوانه» (2/ 23)، و «المعاني الكبير» (ص 965)، و «تهذيب اللغة» (6/ 344)، و «اللسان» (هيج، خلم).
(4)
(5/ 1996).
السَّوء ما سَنَح. ويكون الغريمُ أيضًا: الذي له الدَّين، قال كُثَيِّر
(1)
:
قضَى كلُّ ذي دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيمَه
…
وَعَزَّةُ مَمْطولٌ مُعَنًّى غريمُهَا
ومن المادة قوله تعالى في جهنم: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان/65]. والغرام: الشرُّ الدائم اللازم، والعذاب. قال بِشْر
(2)
:
ويومُ النِّسَارِ ويومُ الجِفا
…
ركانا عَذابًا وكانا غَراما
وقال الأعشى
(3)
:
إنْ يُعاقِبْ يَكنْ غرامًا وإنْ يُعْـ
…
ـطِ جزيلًا فإنَّه لا يُبالي
وقال أبو عبيدة
(4)
: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} كان هلاكًا ولزَامًا لهم.
(1)
«ديوانه» (ص 143) و «العقد الفريد» (6/ 141)، و «زهر الآداب» (1/ 246)، و «حماسة ابن الشجري» (ص 154)، و «المقاصد النحوية» (3/ 3)، و «الخزانة» (2/ 382)، و «شرح المفصل» (1/ 8)، و «شرح شواهد الشافية» (ص 421).
(2)
ابن أبي خازم في «ديوانه» (ص 190)، و «مختارات ابن الشجري» (ص 274)، و «معجم البلدان» (2/ 144 الجفار)، و «معجم ما استعجم (ص 385 الجفار). والبيت للطرماح في ملحق «ديوانه» (ص 584) نقلًا عن «اللسان» (غرم) وهو وهم. والبيت بلا نسبة في «اللسان» (جفر)، و «جمهرة اللغة» (ص 462).
(3)
في «ديوانه» (ص 59)، و «اللسان» (غرم)، و «مقاييس اللغة» (4/ 419). والبيت بلا نسبة في «تهذيب اللغة» (8/ 131)، و «المخصص» (4/ 62، 12/ 98).
(4)
في «مجاز القرآن» (2/ 80).
وللُطْفِ المحبَّة عندهم واستعذابهم لها لم يكادوا يُطلِقون عليها لفظَ الغرام، وإن لهِجَ به المتأخرون.
فصل
وأما الهُيام: فقال في الصِّحاح
(1)
: هام عَلَى وجهه، يَهِيمُ هيمانًا
(2)
وهَيْمًا: ذهبَ من العِشْق أو غيره. وقلبٌ مُستهام أي: هائم. والهُيام بالضم: أشدُّ العطش. والهُيَامُ كالجنون من العشق. والهُيام: داء يأخذ الإبلَ فَتَهيمُ في الأرض لا تَرعى، يقال: ناقة هَيْمَاء. قال: والهِيام بالكسر: الإبل العِطَاش، الواحد: هَيْمَانُ، وناقةٌ هَيْمَى، مثل: عطشان وعطشى، وقومٌ هِيمٌ أي: عطاش، وقد هامُوا هُيامًا. وقوله تعالى:{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة/55] هي الإبل العِطَاش.
قلت: جمع أَهْيَمَ هِيمٌ، مثل أحمر وحُمْر، وهو جمع فَعلاء أيضًا كصفراء وصُفْر.
فصل
وأمَّا التَّدْليهُ ففي الصِّحاح
(3)
: التّدْلِيهُ: ذهاب العقل من الهوى.
(1)
(5/ 2063).
(2)
ش: «هياما» .
(3)
(6/ 2231).
يُقال: دَلَّهَهُ الحبُّ، أي: حَيَّره وأدهشَه. ودَلِهَ هو يَدْلَهُ. قال أبو زيد: الدَّلُوهُ: الناقة لا تكاد تجيء إلى إلْفٍ ولا ولد. وقد دَلَهَتْ عن إِلْفها وعن ولدها تَدْلَهُ دُلوهًا.
فصل
وأمَّا الوَلَهُ [20 أ] فقال في الصِّحاح
(1)
: الوَلَهُ: ذهابُ العقل، والتحيُّرُ من شدَّة الوَجْد. ورجلٌ وَالِهٌ، وامرأةٌ والِهٌ ووَالِهَةٌ. قال الأعشى
(2)
:
فأَقْبَلَتْ والهًا ثَكْلَى على عَجَلٍ
…
كُلٌّ دَهاها وكُلٌّ عِنْدَها اجْتَمَعا
وقد وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهًا وَوَلهانًا، وتَوَلَّهَ واتَّلَهَ، وهو افتعلَ، أُدْغِم. قال الشاعر
(3)
:
وَاتَّلَهَ الغَيُورُ
والتَّوْلِيهُ: أن يُفَرَّق بين الأم وولدها. وفي الحديث: «لا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ
(1)
(6/ 2256).
(2)
«ديوانه» (ص 155)، و «تهذيب اللغة» (6/ 421)، و «اللسان» (وله)، و «مقاييس اللغة» (6/ 140).
(3)
تمام البيت:
إذا ما حالَ دونَ كلام سعدى
…
تنائي الدارِ واتَّلَهَ الغيورُ
وهو لمليح الهذلي في «اللسان» (وله). وفي «شرح» أشعار الهذليين» (3/ 1011) برواية «والحَنِقُ الغيورُ» . ولا شاهد فيها
بِوَلَدِهَا»
(1)
، أي: لا تُجْعَل والهًا، وذلك في السَّبايا. وناقةٌ والِهٌ: إذا اشتدّ وَجْدُهَا عَلَى ولدها. والمِيلَاهُ: التي من عادتها أن يشتدَّ وَجْدُهَا على ولدها، صارت الواو ياءً لكسرة ما قبلها. وماءٌ مُولَهٌ ومُوَلَّهٌ: أرسل في الصحراء، فذهب، وقول رُؤْبة
(2)
:
به تَمَطَّتْ غَوْلَ كلّ مِيلَهِ
بنا حَرَاجيجُ المَهَارِي النُّفَّهِ
أرادَ البلاد التي تُوَلِّهُ الإنسان، أي: تُحيِّره.
فصل
وأمَّا التعبُّد: فهو غاية الحبِّ بغاية
(3)
الذلِّ، يقال: عبَّده الحبُّ أي: ذلَّله. وطريقٌ معبّدٌ بالأقدام؛ أي: مُذَلَّلٌ، وكذلك المحبُّ قد ذلَّله الحبُّ ووطَّأَه، ولا تصلُحُ هذه المرتبة لأحد غير الله عز وجل ولا يَغفِرُ الله سبحانه لمن أشركَ في عبادته، ويغفرُ ما دون ذلك لمن شاء.
(1)
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 5) من حديث أبي بكر بسندٍ ضعيف.
وانظر: تخريجه من طرق أخرى في «التلخيص الحبير» (3/ 15).
(2)
«ديوانه» (ص 167)، و «تهذيب اللغة» (14/ 43)، و «اللسان» (مهر، نفه، وله، مطا)، وبلا نسبة في «اللسان» (غول، تله)، و «تهذيب اللغة» (6/ 324).
(3)
ش: «وغاية» .
فمحبَّة العبودية هي
(1)
أشرفُ أنواع المحبَّة، وهي خالصُ حقِّ الله عَلَى عباده، وفي الصحيح
(2)
عن مُعاذ أنه قال: كنتُ سائرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معاذ!» فقلت: لَبَّيْكَ يا رسولَ اللهِ وسَعْديْكَ! قال: ثمَّ سارَ ساعةً، ثم قال:«يا معاذ!» قلت: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسعديك! ثم سارَ ساعةً فقال: «يا معاذ!» ، قلت: لبيكَ رسولَ الله وسعديك! قال: «أتدري ما حَقُّ الله على عباده؟» قلت: اللهُ ورسولُه أعلم، قال:«حقُّه عليهم أن يعبدوه لا يُشركوا به شيئًا. أتدري ما حقُّ العباد عَلَى الله إذا فعلوا ذلك؟ ألا يُعذِّبهم بالنار» .
وقد ذكرَ الله سبحانه رسولَه بالعبودية في أشرف مقاماته، وهي مقام التحدِّي، [20 ب] ومقام الإسراء، ومقام الدعوة، فقال في التحدِّي:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة/23]، وقال في مقام الإسراء:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء/1]، وقال في مقام الدعوة:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن/19].
وإذا تدافع أولو العزم
(3)
الشفاعةَ الكبرى يوم القيامة يقول المسيحُ لهم: «اذهبوا إلى محمدٍ، عبدٍ غفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر»
(4)
،
(1)
ت: «من» .
(2)
أخرجه البخاري (6267، 6500)، ومسلم (30).
(3)
«أولو العزم» ساقطة من ش.
(4)
قطعة من حديث الشفاعة، أخرجه البخاري (7410)، ومسلم (193) من حديث أنس.
فنالَ ذلك المقام بكمال العبودية
(1)
لله، وكمال مغفرة الله له. فأشرفُ صفاتِ العبد صفة العبودية، وأحبُّ أسمائه إلى الله اسم العبودية، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أحبُّ الأسماء إلى الله عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمنِ، وأَصدقُها حارثٌ وهَمَّام، وأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّة»
(2)
.
وإنَّما كان حارث وهمَّام أصدقَها لأنَّ كلَّ أحدٍ لابدَّ له من همٍّ وإرادةٍ وعزمٍ، ينشأ عنه حرثُه وفعلُه، وكلُّ أحدٍ حارثٌ وَهَمَّام، وإنَّما كان أقبَحَهَا حربٌ ومُرَّة؛ لما في مُسمَّى هذين الاسمين من الكراهة ونفور العقل عنها
(3)
، وبالله التوفيق.
(1)
ت: «عبوديته» .
(2)
أخرجه أحمد (4/ 345)، والبخاري في «الأدب المفرد» (814)، وأبو داود (4950) من حديث أبي وهب الجشمي. وفي إسناده عقيل بن شبيب مجهول، وأبو وهب ليس صحابيًّا، فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة. انظر:«العلل» لابن أبي حاتم (2/ 312). والجزء الأول من الحديث صحيح، أخرجه مسلم (2132) من حديث أنس.
(3)
ش: «عنهما» .