الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لنفسه؛ دفعًا للدَّور والتسلسل. والإرادة إما أن تكونَ لجلب منفعةٍ ولذةٍ إمَّا للمتحرّك وإمَّا لغيره، أو دفع ألمٍ ومضرَّة إمَّا عن المتحرّك أو عن غيره، والعاقلُ لا يجْلِبُ لغيره منفعةً ولا يدفعُ عنه مَضرَّةً إلا لما له هو في ذلك من اللَّذة ودفع الألم، فصارت حركته الإرادية تابعةً لمحبته، بل هذا حكم كلِّ حيٍّ متحرِّك.
وأمَّا الحركة الطبيعية فهي حركة الشيء إلى مستقرِّه ومركزه، وتلك تابعةٌ للحركة التي اقتضت خروجَه عن مركزه، وهي القَسْرية؛ التي إنَّما تكون بقسرِ قاسرٍ أخرجَه عن مركزه، إما باختياره، كحركة الحجر إلى أسفلَ إذا رُمِيَ به إلى جهة فوق، وإمَّا بغير اختيار مُحَرِّكه، كتحريك الرياح للأجسام إلى جهة مَهَابِّها
(1)
، وهذه الحركة تابعةٌ للقاسر، وحركةُ القاسر ليست منه بل مبدؤها من غيره، فإن
الملائكة مُوَكَّلَةٌ بالعالم العُلويِّ والسُّفلي
، تُدبِّره بأمر الله عز وجل كما قال تعالى:{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات/5]، وقال:{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [الذاريات/4].
وقال تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} [المرسلات/1 ــ 5].
وقال: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات/1 ــ 5].
(1)
ت: «مابها» .
وقد وكَّل الله سبحانه بالأفلاك والشمس والقمر ملائكةً تُحرّكها، ووكَّلَ بالرياح ملائكةً تُصرِّفها بأمره، وهم خَزَنتُها، قال تعالى:[22 أ]{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة/6].
قال غيرُ واحد من السلف: عَتَتْ على الخُزَّان فلم يقدروا على ضبطها. ذكره البخاري في صحيحه
(1)
.
ووكَّلَ بالقطر ملائكةً، وبالسَّحاب ملائكةً
(2)
تسوقه إلى حيث أُمرت به.
وقد ثبت في الصحيح
(3)
(1)
تعليقًا في (6/ 376)(مع الفتح).
(2)
«وبالسحاب ملائكة» ساقطة من ش.
(3)
مسلم (2984) من حديث أبي هريرة.
ووكَّل الله سبحانه بالجبال ملائكةً، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه جاءه ملك الجبال يسلّم عليه، ويستأْذنه في هلاك قومه إن أحبَّ، فقال: «بَلْ أَسْتَأني بهم
(1)
؛ لَعَلَّ الله أنْ يُخْرِجَ منْ أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُد الله، لا يُشْرِكُ به شيئًا»
(2)
.
ووكّل بالرّحِم ملكًا يقول: يا ربِّ نطْفةٌ؟ يا ربِّ علقةٌ؟ يا ربِّ مضغةٌ؟ يا ربّ ذكرٌ أم أُنثى؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ وشقيٌّ أم سعيد؟
(3)
.
ووكّل بكل عبدٍ أربعةً من الملائكة في هذه الدنيا: حافظانِ عن يمينه وعن شماله يكتبان أعماله، ومُعَقِّبَاتٌ من بين يديه ومن خلفه، أقلُّهم اثنان، يحفظونه من أمر الله.
ووكَّل بالموت ملائكةً، ووكَّل بمُساءلة الموتى ملائكةً في القبور، ووكَّل بالرَّحمة ملائكةً، وبالعذاب ملائكةً، وبالمؤمن ملائكةً يُثَبِّتونه، ويَؤزُّونه إلى الطاعات أزًّا، ووكَّل بالنَّار ملائكةً يبنونها، ويُوقدونها، ويصنعون [22 ب] أغلالَها وسلاسلَها، ويقُومون بأمرها، ووكَّل بالجنة ملائكةً يبنونها، ويفرشونها
(4)
، ويصنعونَ أرائكها، وسُرُرَها، وصِحافها، وَنمارِقَها، وزَرابيَّها.
(1)
ش: «لهم» .
(2)
أخرجه البخاري (3231، 7389)، ومسلم (1795) من حديث عائشة.
(3)
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (318)، ومسلم (2646) عن أنس.
(4)
ت: «يغرسونها» .