الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يظهر
(1)
هذا إذا غابَ أحدُهما عن حبيبه، وإلا فما دامَ بمرأًى منه وهو قادرٌ عليه متى
(2)
أحبَّ؛ فإنَّ النفسَ تسْكُن بذلك، وتطمئنُّ به، وهذا حالُ كلِّ مَنْ كان بحضرته ما يحتاج إليه من طعام وشرابٍ ولباسٍ، وهو قادرٌ عليه، فإنَّ نفسَه تسكُن عنده، فإذا حيل بينه وبينه اشتدَّ طلبُه له، ونِزاعُ نفسه إليه، على أنَّ المحبَّ للشيء متى أفرطَ في تناوُل محبوبه؛ نَفَرَتْ نفسُه منه، وربَّما انقلبتْ محبّتُهُ كراهةً. وسيأتي مَزِيدُ بيانٍ لهذا في باب سُلُوِّ المحبِّين إن شاء الله تعالى.
فصل
وداعي الحبِّ من المحبوب جمالُه، إمَّا الظاهرُ أو الباطنُ أو هما معًا، فمتى كان جميلَ الصُّورة، جميلَ الأخلاق والشِّيم والأوصاف؛ كان الدَّاعي منه أقوى. و
داعي الحبِّ مِنَ المُحبِّ أربعة أشياء:
أوّلُها: النظر إمَّا بالعين، أو بالقلب إذا وُصف له، فكثيرٌ من الناس يحبُّ غيرَه ويفنى [35 ب] فيه محبَّةً وما رآه، لكن وُصِفَ له.
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرْأَة أن تَنْعَتَ المَرْأَةَ لِزَوْجِهَا، حتَّى كأنَّه يَنْظُرُ إلَيْهَا. والحديث في الصَّحيح
(3)
.
(1)
ت: «نظير» .
(2)
ت: «ممن» .
(3)
أخرجه البخاري (5240، 5241) من حديث عبد الله بن مسعود.
الثاني: الاستحسان، فإن لم يُورث نظرُه استحسانًا لم تقع المحبَّةُ.
الثالث: الفكر في المنظور، وحديثُ النفس به، فإن شُغِل عنه بغيره ممَّا هو أهمُّ عنده منه لم يَعْلَق حبُّه بقلبه، وإن كان لا يعدم خطراتٍ وسوانحَ، ولهذا قيل: العشق حركة قلب فارغ. ومتى صادفَ هذا النظرُ والاستحسانُ والفكرُ قلبًا خاليًا؛ تمكَّن منه، كما قيل
(1)
:
أتاني هَواها قبلَ أن أعرِفَ الهوى
…
فصادفَ قلبًا خاليًا
(2)
فتمكَّنا
فإن قيل: فهل يتوقف على الطَّمع في الوصول إلى المُحَبِّ أم لا؟
قيل: الناسُ في هذا على أقسام:
منهم من يعشق الجمال المُطْلَق، فقلبُه مُعَلّقٌ به أين
(3)
استقلَّت ركائبُه، وأين
(4)
حلَّت مَضَارِبُه، وهذا لا يتوقَّف عشقُه على الطمع.
ومنهم من يعشقُ الجمالَ المقيَّد، سواءٌ طَمِعت نفسهُ في وِصَاله أو لم تطمع.
(1)
البيت للمجنون في «البيان والتبيين» (2/ 42)، و «الحيوان» (1/ 169، 4/ 167)، و «تزيين الأسواق» (1/ 180)، و «ديوانه» (ص 282). ويُنسب ليزيد بن الطثرية في «الزهرة» (1/ 62)، و «حماسة» ابن الشجري (ص 145)، و «وفيات الأعيان» (6/ 370)، و «شعره» (ص 95).
(2)
ت: «فارغًا» .
(3)
ش: «إن» .
(4)
ش: «وإن» .
ومنهم من لا يعشق إلا من طمعتْ نفسُه في وصاله، فإن يئسَ منه لم يَعْلَق حبُّه بقلبه.
والأقسام الثلاثة واقعةٌ في الناس، فإذا وُجد النظرُ والاستحسانُ والفكرُ والطمعُ؛ هاجت بلابلُه، وأمكن من معشوقه مقاتلَه، واستحكمَ داؤُه، وعجَزَ عن الأطباء دواؤه.
تالله ما أسَرَ الهوى مِن عاشقٍ
…
إلا وعزَّ عَلى النفوس فِكَاكُهُ
وإذا كان النظرُ مبدأ العشق؛ فحقيقٌ بالمُطْلَق ألا يعرِّضَ نفسَه للإسار الدائم بواسطة عينه
(1)
، وإذ قد أفضى بنا الكلام إلى النظر فلنذكرْ حُكْمَه وغائلَته.
(1)
ت: «حبه» .