الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثوى في قريش بضع عشرة حِجَّةً
…
يذكِّرُ لو يلقى حبيبًا مواتيا
ويعرضُ في أهل المواسم نفسه
…
فلم ير من يُؤْوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقرت به النوى
…
وأصبح مسرورًا بطيبة راضيا
بذلنا له الأموال من حل مالنا
…
وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
نُعادي الذي عادى من الناس كلهم
…
جميعًا وإن كان الحبيب المصافيا
ونعلم أن الله لا رب غيره
…
وأن رسول الله أصبح هاديا
فالمحبُّ وصفه الإيثار، والمُدَّعي طبعه الاستئثار.
فصل
ومنها: سروره بما يُسرُّ به محبوبه
كائنًا ما كان، وإن كرهتهُ نفسه، فيكون عنده بمنزلة الدواء الكريه، يكرهه طبعًا، ويحبه لما فيه من الشفاء. وهكذا المحبُّ مع محبوبه، يسره ما يرضى به محبوبه؛ وإن كان كريهًا لنفسه. وأما من كان واقفًا مع ما تشتهيه نفسه من مراضي محبوبه فليست محبته صادقة، بل هي محبة معلولةٌ، حتى يُسَرَّ بما ساءه وسره من مراضي محبوبه. وإذا كان هذا موجودًا في محبة الخلق بعضهم لبعض؛ فالحبيب لذاته أولى بذلك، قال أبو الشيص
(1)
:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي
…
متأخرٌ عنه ولا متقدَّمُ
(1)
تقدمت الأبيات.
وأهنتني فأهنتُ نفسي جاهدًا
…
ما من يهونُ عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرتُ أُحبُّهم
…
إذْ كان حظِّي منك حظّي منهم [104 ب]
أجدُ الملامة في هواك لذيذةً
…
حبا لذكرك فليلُمني اللُّوَّمُ
وقريب من هذا البيت الأخير قول الآخر
(1)
:
لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ
…
لقد سرَّني أنِّي خطرتُ ببالك
وقال الآخر
(2)
:
صدودك عنِّي إن صددت يسرُّني
…
ولم أرَ قبلي عاشقًا سُرَّ بالصدِّ
سُرِرْتُ به أنِّي تيقّنت أنَّما
…
دعاكِ إليه رغبةٌ منك في وُدِّي
ولو كنت فيه تزهدين لساءه
…
ولكنَّما عَتْب المُحبِّ من الوجدِ
فيا فرحة لي أن رأيتُك تعتبي
…
عليَّ لذنبٍ كان منِّي على عمد
وقال الآخر:
أهوى هواها وطول البعد يُعجبُها
…
فالبُعدُ قد صار لي في حُبِّها أربا
فمن رأى والهًا قبلي أخا كلفٍ
…
ينأى إذا حبُّه من أرضه قربا
وقريبٌ من هذا قول أحمد بن الحسين
(3)
:
يا منْ يعزُّ علينا أنْ نُفارقهم
…
وجدانُنا كلَّ شيءٍ بعدكم عدمُ
(1)
تقدم.
(2)
الأبيات بلا نسبة في الزهرة (1/ 158).
(3)
هو المتنبي في ديوانه (4/ 87).
إن كان سرَّكُم ما قال حاسِدُنا
…
فما لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألمُ
واهتدمَه بعضهم فقال:
يا من يعزُّ علينا أن نُلِمَّ بهم
…
إذْ بُعدُنا عنهم قد صار قصدهمُ
إنْ كان يُرضيكم هذا البُعاد فما
…
فيه لِصبِّكمُ جرحٌ ولا ألمُ
ولعمرُ الله أكثر هذه دعاوي لا حقيقة لها، والصادقُ منهم يخبر عن عزمه وإرادته، لا عن حاله وصفته، ولقد أحسن القائل
(1)
:
رضُوا بالأماني وابْتُلوا بحظوظهم
…
وخاضُوا بحارَ الحبِّ دعوى وما ابتلُّوا
فهم في السُّرى لم يبرحوا من مكانهم
…
وما ظعنوا في السير عنه وقد كلُّوا
[105 أ] وإن كان هذا وصف قائلها بعينه وحاله؛ فإنَّه خاض بحار الحبِّ وما ابتلَّ له فيها قدم، فأخبر عن نفسه عند انكشافِ غطائه، وطلَبِ الرسلِ له لقدومه على ربه، فقال، وصدق
(2)
:
إن كان منزلتي في الحب عندكم
…
ما قد لقيتُ فقد ضيَّعتُ أيامِي
(1)
ابن الفارض في ديوانه (ص 134 - 135).
(2)
ابن الفارض في ديوانه (ص 207).
أُمنيَّةٌ ظفرتْ نفسي بها زمنًا
…
فاليوم أحْسَبُها أضغاث أحلام
وهذه حال كل من أحبَّ مع الله شيئًا سواه، فإنه إلى هذه الغاية يصير ولابدَّ، وسيبدو له إذا انكشف الغطاءُ: أنَّه إنما كان مغرورًا، مخدوعًا بأُمنيَّةٍ ظفرت نفسه بها مدَّة حياته، ثم انقطعتْ، وأعقبتِ الحسرة والنَّدامة. قال تعالى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة/166 ــ 167].
فالأسبابُ التي تقطعت بهم هي: الوصل، والعلائق، والمودَّاتُ التي كانت لغير الله، وفي غير ذات الله، وهي التي تقدم إليها سبحانه فجعلها هباءً منثورًا، فكلُّ محبةٍ لغيره فهي عذابٌ على صاحبها، وحسرةٌ عليه إلا محبَّته، ومحبَّة ما يدعو إلى محبَّته، ويُعينُ على طاعته، ومرضاته، فهذه التي تبقى في القلب يوم تُبلى السرائر، كما قال
(1)
:
ستبقى لكم في مُضْمَر القلب والحشا
…
سريرةُ حبٍّ يوم تُبلى السرائرُ
وقال الآخر
(2)
:
إذا تصدَّع شملُ الوصلِ بينهمُ
…
فللمُحبِّين شملٌ غيرُ مُنْصدع
(1)
البيت للأحوص في ديوانه (ص 118). وانظر سمط اللآلي (2/ 786).
(2)
ذكرهما المؤلف بلا نسبة في الرسالة التبوكية (ص 58).