الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله تعالى مخبرًا عن كمال أدب رسوله في ليلة الإسراء: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم/17] وهذا غايةُ الأدب، فإن البصر لم يزغ يمينًا ولا شمالًا، ولا طمح متجاوزًا إلى ما هو رائيه ومقبلٌ عليه، كالمُتشارف إلى ما وراء ذلك.
ولهذا اشتدَّ نهي النبي صلى الله عليه وسلم للمصلِّي أن يَرفع بصره إلى السماء، وتوعَّدهم على ذلك بخطف أبصارهم؛ إذ هذا من كمال الأدب مع مَنِ المصلي واقفٌ بين يديه، بل ينبغي له أن يقف ناكس الرَّأس، مطرقًا إلى الأرض، ولولا أن رب العالمين سبحانه فوق سمواته على عرشه؛ لم يكن فرقٌ بين النظر إلى فوق أو إلى أسفل.
فصل
ومنها: كثرةُ ذكر المحبوب
، واللهجُ بذكره وحديثه، فمن أحبَّ شيئًا أكثر من ذكرهِ بقلبه، ولسانه. ولهذا أمر الله سبحانه عباده بذكره على جميع الأحوال، وأمرهم بذكره أخوفَ ما يكونون، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال/45] والمحبون يفتخرون بذكر أحبابهم وقت المخاوف، وملاقاة الأعداء، كما قال قائلهم
(1)
:
(1)
البيت لأبي عطاء السندي في الحماسة (1/ 66)، والزهرة (1/ 200)، وشرح شواهد المغني (2/ 840)، وتزيين الأسواق (2/ 207).
ذكرتُكِ والخطيُّ يخطرُ بيننا
…
وقد نهِلتْ منَّا المثقَّفةُ السُّمْرُ
وقال غيره
(1)
:
ولقد ذكرتك والرماحُ كأنَّها
…
أشطانُ بئرٍ في لبان الأدهم
فوددْتُ تقبيل السُّيوف لأنها
…
برقت كبارق ثغرك المتبسِّم
وفي بعض الآثار الإلهية: «إنَّ عبدي كلَّ عبدي الذي يذكرني وهو مُلاقٍ قِرْنه»
(2)
. [99 ب]
فعلامةُ المحبة الصادقة ذكر المحبوب عند الرَّغب والرهب، قال بعضُ المحبين في محبوبه
(3)
:
يذكِّرنِيك الخيرُ والشَّرُّ والذي
…
أخافُ وأرجو والَّذي أتوقَّعُ
ومن الذكر الدالِّ على صدق المحبة سبقُ ذكر المحبوب إلى قلب المحبِّ ولسانه عند أول يقظته من منامه، وأن يكون ذكره آخر ما ينام عليه، كما قال قائلهم
(4)
:
(1)
البيتان لعنترة من معلقته، انظر ديوانه (ص 216).
(2)
أخرجه الترمذي (3580) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي.
(3)
البيت بلا نسبة في الحماسة (2/ 71). ولأعرابي من هذيل في البيان والتبيين (3/ 330)، والحيوان (7/ 148). ونسب لمجنون ليلى في ديوانه (ص 189).
(4)
البيت بلا نسبة في الحماسة (2/ 75)، وفي ذيل الأمالي (3/ 70) لامرأة.