الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عليُّ بنُ نصر
(1)
:
أفاتكُ أنت فاتكةٌ بقلبي
…
وحُسنُ الوجه يَفْتِكُ بالقلوبِ
أصونُك عن جميع النَّاس يا من
…
بُليتُ بها فأضحتْ منْ نصيبي
وعن نفسي أصونُك ليت نفسي
…
تقيك من الحوادث والخُطوب
وما حقُّ الحِسانِ عليَّ إلَّا
…
صيانتهُنَّ من دنس الذُّنوب
فصل
ومنها: شدةُ الموافقة للحبيب
، والحبيبُ يكره أن تنسب محبته إليه، وأن يذكر ذلك، فهو لموافقته لمحبوبه يغارُ عليه من نفسه، كما يسرُّه هجرُ محبوبه إذا علم أنَّ فيه مراده، قال الشاعر
(2)
:
سُرِرتُ بهجرك لمَّا علمـ
…
ـتُ أنَّ لقلبك فيه سُرورا
ولولا سرورُك ما سرَّني
…
ولا كنتُ يومًا عليه صبُورا
فصل
وملاك الغيرة وأعلاها ثلاثةُ أنواع: غيرةُ العبد لربِّه أن تُنْتهك محارمُهُ، وتُضيَّع حدودُه، وغيرتُه على قلبه أن يسكن إلى غيره، وأن
(1)
كما في اعتلال القلوب (ص 314 - 315).
(2)
البيتان لمنصور بن إسماعيل الفقيه في يتيمة الدهر (2/ 380)، ومعجم الأدباء (6/ 2724).
يأْنس بسواه، وغيرتُه على حُرْمتِه أن يتطلَّع إليها غيره. فالغيرةُ التي يحبُّها الله ورسولُه دارت على هذه الأنواع الثلاثة، وما عداها فإما من خُدَع الشيطان، وإما بلوى من الله، كغيرة المرأة على زوجها أن يتزوَّج عليها.
فإن قيل: فمن أيِّ الأنواع تعُدُّون غيرة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عليّ بن أبي طالب لمَّا عزم على نكاح ابنة أبي جهل، وغيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها؟
قيل: من الغيرة التي يحبُّها الله ورسوله، وقد أشار إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنها بضعةٌ منه، وأنه يؤذيه ما آذاها، ويُريبه ما أرابها، ولم يكن يَحْسُنُ ذلك الاجتماع ألبتَّة، فإن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم[119 ب] لا يحسن أن تجتمع مع بنت عدوّه عند رجل، فإن هذا في غاية المنافرة، مع أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صهْرَه الذي حدَّثه، فصدَّقه، ووعده فوفى له دليلٌ على أنَّ عليًّا كان كالمشروط عليه في العقد إمَّا لفظًا، وإما عُرْفًا وحالًا ألَّا يُريب فاطمة، ولا يُؤذيها، بل يُمْسكها بالمعروف، وليس من المعروف أن يضُمَّ إليها ابنة عدوِّ الله ورسوله، ويغيظها بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إلَاّ أنْ يُريد ابْنُ أبي طالبٍ أنْ يُطلِّق ابْنتي، ويتزوَّجَ ابْنة أبي جهلٍ»
(1)
.
والشَّرطُ العُرْفيُّ الحاليُّ كالشرط اللفظيِّ عند كثير من الفقهاء،
(1)
أخرجه البخاري (926، 3110، ومواضع أخرى)، ومسلم (2449) من حديث المسور بن مخرمة.
كفقهاء المدينة، وأحمد، وأصحابه. على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف عليها الفتنة في دينها باجتماعها وبنت عدوِّ الله عنده، فلم تكن غيرتُه صلى الله عليه وسلم لمجرد كراهة الطَّبع للمشاركة، بل الحاملُ عليها حُرْمةُ الدِّين، وقد أشارَ إلى هذا بقوله:«إنِّي أخافُ أنْ تفتتن في دينها»
(1)
.
والله أعلم.
(1)
تتمة للحديث السابق في بعض الروايات.