الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عمرو بن العاص
(1)
، وأبو سعيدٍ الخُدْريُّ
(2)
، وعبد الله بن مسعودٍ
(3)
، وعبد الله بن عمر بن الخطاب
(4)
، وثابت بن قيس
(5)
، وأبو الدَّرداءِ
(6)
، وأبو هريرة
(7)
، وأبو ريحانة
(8)
رضي الله عنهم.
و
من أسمائه الحسنى: الجميلُ
، ومَنْ أحقُّ بالجمال ممن كلُّ جمالٍ في الوجود فهو من آثار صنعته، فلهُ جمال الذَّات، وجمالُ الأوصاف، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلُّها حُسْنى، وصفاتُه كلُّها كمالٌ، وأفعالُه كلُّها جميلةٌ، ولا يستطيع بشرٌ النظر إلى جلاله وجماله في هذه الدَّار، فإذا رأوه سبحانه في جنات عدنٍ أنْسَتْهُمْ رؤيتُه ما هم فيه من النعيم، فلا يلتفتون حينئذٍ إلى شيء غيره، ولولا حجابُ النور على وجهه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ــ تبارك وتعالى ــ ما انتهى إليه بصرُه من خلقه، كما في صحيح البخاري
(9)
من حديث أبي موسى ــ رضي الله عنه ــ
(1)
أخرجه أحمد (2/ 169، 170)، والحاكم في المستدرك (1/ 26).
(2)
أخرجه أبو يعلى في مسنده (1055).
(3)
أخرجه مسلم (91).
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4665).
(5)
أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 366).
(6)
لم أجده.
(7)
أخرجه أبو داود (4092)، والحاكم في المستدرك (4/ 181، 182).
(8)
أخرجه أحمد (4/ 133، 134).
(9)
لم أجده عند البخاري. وقد أخرجه مسلم (179) وغيره.
قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلماتٍ، فقال:«إن الله لا ينامُ، ولا ينبغي له أن ينام، يخفضُ القسط، ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابُهُ النُّور لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» .
وقال عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ: ليس عند ربكم ليلٌ، ولا نهار، نور السموات من نور وجهه، وإنَّ مقدار كل يوم من أيامكم عند الله اثنتا عشرة ساعة، فتُعرضُ عليه أعمالُكم بالأمس أول النهار أو اليوم، فينظرُ فيها ثلاث ساعات، فيطَّلع منها على بعض ما يكره، فيغضبه ذلك، فأوّلُ من يعلمُ بغضبه الذين يحملون العرش، يجدونه يثقُل عليهم فيُسبِّحه الذين [160 أ] يحملون العرش، وسرادقات العرش، والملائكة المقرَّبون، وسائرُ الملائكة، وينفخ جبريلُ في القرن، فلا يبقى شيءٌ إلَّا سمعه إلَّا الثقلين: الجنَّ والإنس، فيسبحونه ثلاث ساعات، حتى يمتلئ الرَّحمن رحمةً، فتلك ستُّ ساعاتٍ، ثم يُؤْتَى بما في الأرحام، فينظر فيها ثلاث ساعات، فيصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فتلك تسع ساعات، ثم ينظر في أرزاق الخلق كلهم ثلاث ساعات، فيبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيءٍ عليم، ثم قرأ:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن/ 29]. ثم قال عبد الله: هذا من شأنكم، وشأْن ربِّكم تبارك وتعالى.
رواه عثمان بن سعيد الدارمي
(1)
: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة عن الزبير بن عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله الفهري، عن ابن مسعودٍ ــ رضي الله عنه ــ، ورواه الحسن بن إدريس عن خالد بن الهيَّاج، عن أبيه عن عبّاد بن كثير، عن جعفر بن الحارث، عن معدان، عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ قال: إنَّ ربكم ليس عنده نهار ولا ليلٌ، وإن السموات مملوءاتٌ نورًا من نور الكرسي، وإن يومًا عند ربك اثنتا عشرة ساعةً، فتُرفعُ فيها أعمال الخلائق في ثلاث ساعات، فيرى فيها ما يكره، فيغضبه ذلك، وإن أوّل من يعلم بغضبه حملةُ العرش، يرونه يثقُل عليهم فيسبّحون له، ويسبح له سُرادقاتُ العرش في ثلاث ساعات من النَّهار، حتى يمتلئ ربنا رضًا، فتلك ستُّ ساعاتٍ من النهار، ثم يأْمر بأرزاق الخلائق، فيعطي من يشاء ويقتر على من يشاء في ثلاث ساعات من النهار، فتلك تسع ساعاتٍ، ثم تُرفع إليه أرحام كل دابة، فيخلق فيها ما يشاء، ويجعل المدة لمن يشاء في ثلاث ساعات من النهار، فتلك اثنتا عشرة ساعةً، ثم تلا ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ هذه الآية:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن/ 29] هذا من شأن ربنا تبارك وتعالى.
وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا به يوم الطائف: «أعوذُ بنور [160 ب] وجهك الذي أشرقت له الظُّلماتُ، وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخرة أن
(1)
في ردّه على بشر المريسي (ص 91).
يحلَّ عليَّ غضبُك، أو ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك»
(1)
.
فإذا جاء سبحانه وتعالى يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده تشرق لنوره الأرض كلُّها، كما قال الله تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ} [الزمر/ 69] وقولُ عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ: نورُ السموات والأرض من نور وجهه، تفسيرٌ لقوله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور/ 35].
وفي الصحيحين من حديث أبي بكر
(2)
ــ رضي الله عنه ــ في استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل: «اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن» .
وفي سنن ابن ماجه
(3)
، وحرب الكرماني من حديث الفضل بن عيسى الرَّقاشيِّ، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله ــ رضي الله عنهما ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أهل الجنة في نعيمهم؛ إذْ سطع لهم نورٌ، فرفعوا رُؤُوسهم، فإذا الربُّ قد أشرف عليهم من فوقهم،
(1)
ذكره ابن هشام في السيرة النبوية (1/ 420). وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء (1036)، والمعجم الكبير (25/ 346) من حديث عبد الله بن جعفر.
(2)
بل من حديث ابن عباس، كما رواه البخاري (6317)، ومسلم (769).
(3)
برقم (184). وأخرجه أيضًا البزار (3/ 67)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 274 - 275)، وابن عدي في الكامل (6/ 13)، والآجري في الشريعة (615)، والدارقطني في الرؤية (51). قال البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف.
فيقول: السلام عليكم يا أهل الجنة! وذلك قوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس/ 58] فيرفعون رؤوسهم، فينظرون إليه، وينظر إليهم، ولا يلتفتون إلى شيءٍ من النعيم حتى يحتجب عنهم، فيبقى نوره وبركته عليهم وعلى ديارهم ومنازلهم». لفظ حديث حرب:«فما ظنُّ المُحبين بلذّة النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم؟» .
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «أسألُك لذَّة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك» . ذكره الإمام أحمد، والنسائيُّ، وابنُ حبان في صحيحه
(1)
.
فاسمع الآن شأن أوليائه وأحبائه عند لقائه، ثم اختر لنفسك
(2)
:
أنت القتيلُ بكل من أحببته
…
فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
قال هشامُ بن حسَّان عن الحسن: إذا نظر أهل الجنة إلى الله تعالى؛ نسوا نعيم الجنة.
وقال هشام بن عمَّار
(3)
: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان، حدثنا سعيد بن عبد الله [161 أ] الجرشي
(1)
أخرجه أحمد (4/ 264)، والنسائي (3/ 54 - 55)، وابن حبان (1971)، وأبو يعلى في مسنده (1624)، والحاكم في المستدرك (1/ 524). وهو حديث صحيح.
(2)
البيت لابن الفارض في ديوانه (ص 151).
(3)
وأخرجه أبو نعيم في صفة الجنة (397) مختصرًا من طريق آخر عن أبي إسحاق به. وفي إسناده الحارث الأعور وهو ضعيف، واتهم بالكذب.
القاضي: أنه سمع أبا إسحاق الهمدانيَّ يحدث عن الحارث الأعور، عن عليِّ بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ رفعه قال: «إن الله إذا أسكن أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النار، بعث إلى أهل الجنة الروح الأمين فيقول: يا أهل الجنة! إن ربكم يقرئكم السلام، ويأمركم أن تزوروه إلى فناء الجنة، وهو أبطح الجنة، تُربته المسك، وحصباؤُه الدُّرُّ والياقوت، وشجرهُ الذهب الرطب، وورقه الزُّمُرُّد، فيخرج أهل الجنة مستبشرين مسرورين، فثَمَّ يجمعهم، وثَمَّ كرامةُ الله، والنظر إلى وجهه، وهو موعد الله أنجزهُ لهم، فيأذن الله لهم في السماع، والأكل، والشرب، ويكسون حلل الكرامة، ثم ينادي منادٍ: يا أولياء الله! هل بقي مما وعدكم ربكم شيء؟ فيقولون: لا، وقد أنجزنا ما وعدنا، فما بقي شيءٌ إلا النظر إلى وجهه، فيتجلى لهم الربُّ في حجبٍ، فيقول: يا جبريل! ارفع حجابي لعبادي؛ كي ينظروا إلى وجهي. قال: فيرفع الحجاب الأوَّل، فينظرون إلى نور من نور الرب، فيخرون له سجدًا، فيناديهم الرب: يا عبادي! ارْفعوا رؤوسكم؛ فإنها ليست بدار عملٍ، إنما هي دارُ ثوابٍ، فيرفع الحجاب الثاني، فينظرون أمرًا هو أعظم وأجلُّ، فيخرون لله حامدين ساجدين، فيناديهم الربُّ: ارفعوا رؤوسكم، إنها ليست بدار عمل، إنما هي دارُ ثوابٍ، ونعيم مُقيمٍ.
فيرفع الحجاب الثالث، فعند ذلك ينظرون إلى وجه رب العالمين، فيقولون حين ينظرون إلى وجهه: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك، فيقولُ: كرامتي أمكنتكم من النظر إلى وجهي وأحلتْكم داري. فيأذنُ الله للجنَّة أن تتكلم، فتقول: طوبى لمن سكنني!
وطوبى لمن يخلد فِيَّ! وطوبى لمن أُعددتُ له! وذلك قول الله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد/ 29] وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/ 22 ــ 23].
وفي الصحيحين
(1)
من حديث أبي موسى ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من [161 ب] ذهب، آنيتُهما، وحليتُهُما، وما فيهما، وجنتان من فضةٍ، آنيتهما، وحليتهما، وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلَّا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍ» .
وذكر عثمان بن سعيد الدَّارميُّ
(2)
: حدثنا أبو الرَّبيع، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن كعب، قال: ما نظر الله إلى الجنة إلا قال: طيبي لأهلك! فزادت طيبًا على ما كانت، وما من يوم كان عيدًا في الدنيا إلا يخرجون في مقداره إلى رياض الجنة، ويبرزُ لهم الربُّ تبارك وتعالى، فينظرون إليه، وتسفي عليهم الريح بالطيب، والمسك، فلا يسألون ربهم ــ تبارك وتعالى ــ شيئًا إلا أعطاهم، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفًا.
(1)
البخاري (4597)، ومسلم (180).
(2)
في الرد على الجهمية (ص 201). وأخرجه أيضًا الآجري في الشريعة (573)، وأبو نعيم في صفة الجنة (ص 21). وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف.
وقال عبد بن حميد
(1)
أخبرني شبابةُ عن إسرائيل، حدثنا ثُوير بن أبي فاختة: سمعت ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أدنى أهل الجنة منزلةً من ينظرُ إلى خدمه، ونعيمه، وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوةً، وعشيَّةً» ثم تلا هذه الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/ 22 ــ 23] رواه الترمذي
(2)
في جامعه عنه.
وذكر عثمان بن سعيد الدارميُّ
(3)
عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة إذا بلغ منهم النعيمُ كلَّ مبلغ، وظنُّوا أن لا نعيم أفضلُ منه؛ تجلَّى لهم الربُّ ــ تبارك وتعالى ــ فنظروا إلى وجه الرحمن، فنسوا كلَّ نعيمٍ عاينُوهُ حين نظروا إلى وجه الرحمن» .
وقال الحسن البصري في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/ 22 ــ 23] قال: حسَّنها تبارك وتعالى بالنظر إليه ــ سبحانه ــ
(1)
في المنتخب من مسنده (819).
(2)
برقم (3330). وأخرجه أيضًا أحمد (2/ 13، 64)، والحاكم في المستدرك (2/ 509، 510). وفي إسناده ثوير، وهو ضعيف.
(3)
في الرد على الجهمية (189)، والرد على بشر المريسي (229). وأخرجه الدارقطني في الرؤية (193)، وفي إسناده محمد بن يونس الكديمي وهو متهم.
وحقَّ لها أن تنضَر وهي تنظر إلى ربها عز وجل.
قال أبو سليمان الدَّارانيُّ: لو لم يكن لأهل المحبَّة ــ أو قال: المعرفة ــ إلا هذه الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/ 22 ــ 23] لاكتفوا بها.
وذكر النسائي
(1)
من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، [162 أ] عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: قلنا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تُضامُون في رُؤية الشمس في يوم لا غيم فيه،، وفي القمر ليلةَ البدر لا غيمَ فيها؟» قلنا: لا! قال: «فإنكم سترون ربكم حتَّى إن أحدكم ليُحاضرُهُ مُحاضرةً، فيقولُ: عبد ي! هل تعرفُ ذنب كذا وكذا؟ فيقول: ربِّ! ألم تغفر لي؟ فيقول: بمغفرتي صِرتَ إلى هذا» .
وفي الصحيحين
(2)
من حديث مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد الخُدري ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا، وسعديك، والخير في يديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحدًا من خلقك! فيقولُ: ألا أُعطيكُمْ
(1)
في السنن الكبرى (7763). وإسناده صحيح.
(2)
البخاري (6549، 7518)، ومسلم (2829).
أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربِّ! وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني، فلا أسخطُ عليكُم أبدًا».
وفي الصحيح، والسُّنن، والمسانيد
(1)
من حديث ثابت البُناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب ــ رضي الله عنه ــ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دخل أهل الجنة الجنة؛ نادى مناد: يا أهل الجنَّة! إنَّ لكم عند الله موعدًا يُريد أن يُنجزَكُمُوهُ. فيقولون: ما هو؟! ألمْ يُبَيِّضْ وُجُوهنا، ويُثقِّلْ موازِيننا، ويُدْخِلْنَا الجنَّة، ويُجِرْنَا من النَّارِ؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فوالله! ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقرَّ لأعْيُنِهمْ» .
وفي صحيح البخاري
(2)
من حديث جرير بن عبد الله، قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال:«إنكم سترون ربَّكم كما ترون هذا القمر لا تُضامُّون في رُؤيتِهِ، فإن استطعتُم ألَّا تُغْلبوا على صلاةٍ قبْل طُلوعِ الشمس، وقبْل غُروبها؛ فافعلوا» .
وفي الصحيحين
(3)
من حديث الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ: أنَّ الناس قالوا: يا رسول الله! هل نرى
(1)
أخرجه مسلم (181)، وأحمد (4/ 332، 333)، والترمذي (2552)، وابن ماجه (187).
(2)
برقم (7434 ومواضع أخرى)، وأخرجه أيضًا مسلم (633).
(3)
البخاري (7437)، ومسلم (182).
ربَّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تضارُّون [162 ب] في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله! قال: «فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله! قال: «فإنكم ترونه كذلك» وفي لفظٍ: «فإنكم لا تُضارُّون في رُؤية ربكم إلَّا كما تُضارُّون في رؤْيتهما» .
وقال الترمذيُّ
(1)
: حدَّثنا قُتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة ــ رضي لله عنه ــ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ، ثم يطلع عليهم ربُّ العالمين ــ تبارك وتعالى ــ فيقول: ألا ليتَّبع كلُّ إنسانٍ ما كان يعبد، فيمثَّل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون، فيطلع عليهم ربُّ العالمين ــ تبارك وتعالى ــ فيقولُ: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك! نعوذ بالله منك! نعوذ بالله منك! الله ربُّنا! هذا مكانُنا حتى نرى ربَّنا، ثم يأمرهم ويُثبِّتُهم. ثم يتوارى، ثم يطلع عليهم، فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك! نعوذ بالله منك! الله ربنا، وهذا مكاننا حتَّى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويُثبِّتُهُم» . قالوا: وهل نراهُ يا رسول الله؟! قال: «وهل تُضارُّون في رُؤيةِ القمرِ ليلةَ البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله! قال: «فإنكم لا تُضارُّون في رُؤيته تلك
(1)
برقم (2557).
الساعة». قال: «ثُمَّ يتوارى، ثم يطلعُ، فيُعرِّفهم نفسه فيقول: أنا ربكم فاتبعوني! فيقوم المسلمون، ويوضع الصراطُ، فيمرون عليه مثل جياد الخيل، والركاب، وقولهم عليه: سلِّم سلِّم، ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوجٌ، فيقالُ: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ ثم يطرح فيها فوجٌ فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتى إذا أوعَبُوا فيها؛ وضع الرحمن ــ تبارك وتعالى ــ فيها قدمهُ. فانزوى بعضُها إلى بعض، وقالت: قط قطْ.
فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ أُتي بالموت مُلبيًا، فيُوقفُ على السُّور؛ الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقالُ: يا أهل [163 أ] الجنَّة! فيطلعون خائفين، ثم يُقالُ: يا أهل النار! فيطلعون مستبشرين، يرجون الشفاعة، فيُقالُ لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناهُ، هو الموت الذي وُكل بنا، فيضجع، فيُذبحُ ذبْحًا على السُّور. ثمَّ يُقالُ: يا أهل الجنة! خلودٌ، ولا موتٌ، ويا أهل النَّار! خُلودٌ، ولا موتٌ».
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأصله في الصحيحين، لكن هذا السياقُ أجمع وأخصر. وفي لفظٍ للترمذي
(1)
: «فلو أن أحدًا مات فرحًا؛ لمات أهلُ الجنة، ولو أن أحدًا مات حزنًا؛ لماتَ أهلُ النَّار» .
(1)
برقم (2558) من حديث أبي سعيد الخدري. وفي إسناده عطية بن سعد العوفي وسفيان بن وكيع، وهما ضعيفان.
وفي مسند الحارث بن أبي أُسامة
(1)
من حديث أبي قرَّة عن مالك، عن زياد بن سعد، حدثنا أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله ــ رضي الله عنهما ــ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان يوم القيامة جُمعت الأممُ، ودُعي كُلُّ أُناسٍ بإمامهم، فجئنا آخر النَّاس، فيقولُ قائلٌ من الناس: من هذه الأمة؟ قال: فيشرف إلينا الناس، فيقال: هذه الأمة الأمينة، هذه أُمة محمدٍ، وهذا محمدٌ في أُمَّتِهِ. فيُنادي مُناد: إنكم الآخرون الأوَّلون. قال: فنأْتي، نتخطى رقاب الناس حتى نكون أقرب الناس إلى الله تعالى منزلة، ثم يدعى الناس كل أُناس بإمامهم، فيُدعى اليهود، فيقال: من أنتم؟ فيقولون: نحن اليهود. فيقال: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا موسى. فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: كتابنا التوراة. فيقول: ما تعبدون؟ فيقولون: نعبد عزيرًا، ونعبدُ الله. فيقول للملأ حوله: اسلُكُوا بهم في جهنم! ثم يُدعى النصارى، فيقول: من أنتم؟ فيقولون: نحن النصارى. فيقول: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا عيسى. فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: كتابنا الإنجيل. فيقول: ما تعبدون؟ فيقولون: نعبد عيسى، وأمه، والله. فيقول للملأ حوله: اسلكوا بهؤلاء في جهنم. فيُدعى عيسى، فيقول لعيسى: يا [163 ب] عيسى! {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة/ 116] فيقول: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ
(1)
لم أجده في «بغية الباحث» ، وأخرجه الدارقطني في الرؤية (54). وهو غريب من حديث مالك ..
مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة/ 116] إلى قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة/ 118].
ثم يدعى كل أُناس بإمامهم، وما كانوا يعبدون، ثم يصرخُ الصارخُ: أيُّها الناس! من كان يعبد إلهًا؛ فليتبعه، تقدمهم آلهتُهُمْ، منها: الخشب والحجارة، ومنها: الشمس والقمر، ومنها: الدَّجَّال، حتى يبقى المسلمون، فيقف عليهم، فيقول: من أنتم؟ فيقولون: نحن المسلمون! قال: خيرُ اسمٍ، وخيرُ داعيةٍ، فيقول: من نبيكم؟ فيقولون: محمدٌ! فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: القرآن! فيقول: ما تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله وحده لا شريك له. قال: سينفعكم ذلك إن صدقتم، قالوا: هذا يومنا الذي وعدنا، فيقول: أتعرفون الله إن رأيتُموه؟ فيقولون: نعم! فيقول: وكيف تعرفونه، ولم تروه؟ فيقولون: نعم أنه لا عدل له. قال: فيتجلَّى لهم تبارك وتعالى، فيقولون: أنت ربنا تباركت أسماؤُك، ويخرُّون لهُ سجدًا، ثم يمضي النُّور بأهله».
وفي مسند الإمام أحمد
(1)
ــ رضي الله عنه ــ من حديث أبي الزبير، قال: سألت جابرًا عن الورود، فأخبرني: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نجيء يوم القيامة على كوم فوق الناس، فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، فيقول: أنا ربكم! فيقولون: حتى ننظر إليك، قال
(1)
3/ 345 - 346. وأخرجه أيضًا مسلم (191).
فيتجلى لهم يضحك، فيتَّبعونهُ».
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي
(1)
أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري أتى عمر بن عبد العزيز، فقال: حدثنا أبو موسى الأشعري
ــ رضي الله عنه ــ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجمع الله الأمم يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا بدا له أن يصدع بين خلقه؛ مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم حتى يُقحمُوهم النار، ثم يأتينا ربُّنا؛ ونحن في مكانٍ، فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المؤمنون! فيقول: ما تنتظرون؟ [164 أ] فنقول: ننتظر ربنا! فيقول: من أين تعلمون أنه ربُّكم؟ فنقول: حدثتنا الرسل ــ أو جاءتنا الرسل ــ فيقول: هل تعرفونه؟ فنقول: نعلم أنه لا عدل له، فيتجلى لنا ضاحكًا، ثم يقول: أبشروا معشر المسلمين! فإنه ليس منكم أحدٌ إلا وقد جعلت مكانه في النار يهوديًا، أو نصرانيًا» فقال عمر لأبي بردة: آلله، لقد سمعت أبا موسى يحدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: إي والله الذي لا إله إلَّا هو لقد سمعت أبي يذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرَّةٍ، ولا مرَّتين، ولا ثلاثًا! فقال عمر بن عبد العزيز: ما سمعت في الإسلام حديثًا هو أحبُّ إليَّ منه.
(1)
في الرد على الجهمية (180). وأخرجه أيضًا الدارقطني في الرؤية (39). وأخرجه أحمد (4/ 407)، وعبد بن حميد في مسنده (540) مختصرًا. وإسناده ضعيف، فيه علي بن زيد وهو ضعيف.
وفي الترمذي
(1)
من حديث الأوزاعي: حدثني حسانُ بن عطية، عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة ــ رضي الله عنه ــ فقال أبو هريرة: أسأل الله تعالى أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنَّة، فقال سعيد: أَوَ فيها سوق؟! فقال: نعم، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أن أهل الجنَّة إذا دخلوها؛ نزلوا فيها بفضل أعمالهم، فيُؤذنُ لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون الله تبارك وتعالى، فيبرز لهم عرشه، ويتبدَّى لهم في روضةٍ من رياض الجنة، فيوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم ــ وما فيهم دنيءٌ ــ على كُثبانِ المسكِ والكافور، ما يرون أنَّ أهل الكراسي أفضلُ منهم مجلسًا» .
قال أبو هريرة: قلتُ: يا رسول الله! وهل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «نعم! هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟» قلنا: لا، قال: «كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس أحدٌ إلَّا حاضرهُ الله تعالى محاضرةً، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان! أتذكرُ يوم كذا، عملت كذا، وكذا؟ فيُذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟! فيقولُ: بلى! فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه. قال: [164 ب] فبينا هُمْ على ذلك غشيتهم سحابةٌ من فوقهم،
(1)
برقم (2549). وأخرجه أيضًا ابن ماجه (4336). قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. فالحديث ضعيف.
فأمطرت عليهم طيبًا، لم يجدوا مثل ريحه شيئًا قطُّ، ثم يقولُ: قوموا إلى ما أعددتُ لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتُم! فنأتي سوقًا قد حفَّت به الملائكة، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذانُ، ولم يخطر على القلوب، فيُحمل إلينا ما اشتهينا، ليس يُباعُ فيه شيءٌ، ولا يُشترى، وفي ذلك السُّوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضًا، فيُقبلُ الرَّجُل ذو المنزلة الرَّفيعة، فيلقى من هو دونهُ ــ وما فيهم دنيٌّ ــ فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخرُ حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك: أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يحزن فيها، ثم ننصرفُ إلى منازلنا، فتتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحبًا وأهلًا! لقد جئت، وإن بك من الجمال والطيب أكثر مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا».
وقال يعقوب بن سفيان في مسنده
(1)
: حدثنا ابن المصفى، حدثنا سويد بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن خالد، عن زيد بن عليٍّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليِّ بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يزور أهل الجنة الربَّ تبارك وتعالى في كل يوم جمعة» وذكر ما يعطون. قال: ثم يقول الله تعالى: اكشفوا الحجب! فيكشفون حجابًا، ثم حجابًا، حتى يتجلى لهم عن وجهه ــ تبارك وتعالى ــ وكأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك، وهو قول الله عز وجل:{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق/ 35].
(1)
أخرجه اللالكائي في «شرح اعتقاد أهل السنة» (852). وفي إسناده عمرو بن خالد الواسطي متروك، ورماه وكيع بالكذب. فالحديث موضوع.
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي
(1)
من حديث الحسن ــ رضي الله عنه ــ عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا: أنه قال: «يأتينا ربُّنا يوم القيامة ونحن على مكان رفيع، فيتجلى لنا ضاحكًا» مرسل صحيح.
وقال عثمانُ الدارميُّ
(2)
: حدثنا أبو موسى، حدثنا أبو عوانة، حدثنا الأجلحُ، حدثنا الضحاك بن مزاحم، قال: إن الله يأمر السماء يوم القيامة، فتنشقُّ بمن فيها، فيحيطون بالأرض ومن فيها، ثم يأمرُ السماء الثانية
ــ حتى ذكر سبع سموات ــ [165 أ] فيكونون سبعة صفوف قد أحاطوا بالناس، ثم ينزل الملك الأعلى ــ جل جلاله ــ في بهائه وجماله، ومعه ما شاء من الملائكة.
وقال عثمان بن سعيد
(3)
: حدثنا هشام بن خالد الدمشقي ــ وكان ثقةً ــ حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غُفرة، عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاءني جبريل، وفي كفه مرآةٌ، فيها نُكتةٌ سوداءُ، فقلت: ما هذه
(1)
في الرد على الجهمية (139).
(2)
في الرد على الجهمية (143).
(3)
في الرد على الجهمية (144، 186). وأخرجه أبو يعلى (4089، 4228)، والطبراني في المعجم الأوسط (6731)، والدارقطني في الرؤية (65). قال ابن أبي حاتم في المراسيل (116) بعد ما ذكر الحديث:«قال أبي: عمر مولى غفرة لم يلق أنس بن مالك» . والحديث صحيح بطرقه.
ياجبريل؟! قال: هذه الجمعة، أرسل بها إليك ربك، فتكون هدًى لك ولأمتك من بعدك. فقلت: وما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خيرٌ كثيرٌ، أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة، وفيها ساعةٌ لا يُوافقُها عبد مؤمنٌ، يصلي، يسأل الله خيرًا هُو له قسم إلَّا أتاهُ، ولا خيرًا ليس له بقسمٍ إلَّا ذُخرَ لهُ أفضلُ منه، ولا يستعيذُ بالله من شر ما هو مكتوب عليه إلَّا دُفع عنه أكثرُ منه. قلت: ماهذه النكتةُ السوداء؟ قال: هذه الساعةُ يوم تقوم القيامة، وهو سيدُ الأيام، ونحن نُسميه عندنا يوم المزيد.
قلت: ولم تُسمونه يوم المزيد يا جبريل؟! قال: لأنَّ ربك اتَّخَذَ في الجنَّة واديًا أفْيح من مسكٍ أبيض، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة؛ هبط الجبارُ عن عرشه إلى كرسيه إلى ذلك الوادي، وقد حفَّ الكرسي بمنابر من نور، يجلس عليها الصديقون، والشهداء يوم القيامة، ثم يجيءُ أهل الغُرف، حتى يُحْفوا بالكثيب، ثم يبدو لهم ذو الجلال والإكرام ــ تبارك وتعالى ــ فيقول: أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممتُ عليكم نعمتي، وأحللتكم دار كرامتي، فسلوني! فيقولون بأجمعهم: نسأل الرضا عنا! فيشهد لهم على الرضا، ثم يقول لهم: سلوني! فيسألونه حتى تنتهي نهمةُ كل عبد منهم، ثم يقول: سلوني! فيقولون: حسبنا ربنا! رضينا! فيرجع الجبارُ ــ جل جلاله ــ إلى عرشه، فيُفتحُ لهم بقدر إشراقهم من يوم الجمعة ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، [165 ب] ولا خطر على قلب بشر، ويرجع أهل الغُرف إلى غُرفهم، وهي غُرفةٌ من لُؤلؤةٍ بيضاء، وياقوتة حمراء، وزمرُّدةٍ خضراء، ليس فيها قصمٌ، ولا وصمٌ، مطرِدةٌ فيها أنهارُها، مُتدليةٌ فيها
ثمارُها، فيها أزواجها، وخدمها، ومساكنها، فليسوا إلى يوم أحوج منهم إلى يوم الجمعة؛ ليزدادوا فضلًا من ربهم ورضوانًا».
رواه عن أنسٍ جماعةٌ، منهم: عثمان بن عمير أبي اليقظان، ومن طريقه رواه الشافعي في مسنده
(1)
، وعبد الله بن الإمام أحمد في «السنة»
(2)
، ومنهم: أبو صالح، والزُّبير بن عديٍّ، وعليُّ بن الحكم البناني، وعبد الملك بن عمير، ويزيد الرَّقاشيُّ، وعبد الله بن بريدة، كلُّهم عن أنسٍ، وصححه جماعةٌ من الحفَّاظ، وزاد الشافعي في مسنده في آخره:«وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش» . وساقه عثمان بن أبي شيبة من طرقٍ، وقال في بعضها:«ثم يتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى، فيقول: أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممتُ عليكم نعمتي، وهذا محلُّ كرامتي» إلى أن قال: «ثمَّ يرتفعُ على كرسيه، ويرتفع معه النبيُّون، والصديقون، والشهداء، ويرجع أهل الغُرفِ إلى غُرَفِهِم» .
وروى محمَّد بن الزِّبرقان
(3)
، عن مقاتل بن حيَّان، عن أبي الزُّبير، عن جابر ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أهلَ الجنَّة ليحتاجون إلى العلماء في الجنَّة، كما يحتاجون إليهم في الدنيا، وذلك
(1)
1/ 126 - 127 (من ترتيب السندي). وفيه «عبيدالله» بدل «عثمان» ، وهو تحريف.
(2)
1/ 250 ـ 251.
(3)
روى عنه مجاشع بن عمرو، قال الذهبي في الميزان (3/ 437) بعد ذكره للحديث: هذا موضوع.
أنَّهم يزورون ربهم في كلِّ جمعة، فيقول لهم: تمنَّوا! فيقولون: وما نتمنَّى، وقد أدخلتنا الجنَّة، وأعطيتنا ما أعطيتنا؟ فيقال لهم: تمنَّوا فيلتفتون إلى العلماء» وذكر الحديث في قصَّة الجمعة.
وروى ابنُ منده
(1)
من حديث الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة
ــ رضي الله عنه ــ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قصَّة الجمعة بطولها، وفيها يقول:«سلوني! فيقولون: أرنا وجهك ربَّ العالمين ننظرُ إليك! فيكشفُ الله تبارك وتعالى تلك الحُجُب، ويتجلَّى لهم، فينظرون إليه» .
وذكر عثمان الدارمي
(2)
عن محمد بن كعب القُرَظيِّ: أنَّه حدَّث عمر بن عبد العزيز، قال: إذا فرغ [166 أ] الله من أهل الجنَّة والنار؛ أقبل في ظللٍ من الغمام والملائكة، فيسلِّم على أهل الجنَّة في أوَّل درجةٍ، فيردُّون عليه السلام. قال القُرظي: وهذا في القرآن: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس/ 58] فيقولُ: سلوني! يفعل بهم ذلك في درجهم حتى يستويَ على عرشه، ثمَّ تأتيهم التُّحفُ من الله، تحملها الملائكة إليهم.
وقال عبد الواحد بن زيدٍ عن الحسن: لو علم العابدون أنَّهم لا يرون ربَّهم في الآخرة، لذابت أنفسهم في الدنيا. وقال هشام بن حسَّان
(1)
أخرجه البزار (7/ 288 ـ 290). وفي إسناده القاسم بن مطيب، وهو متروك. انظر: مجمع الزوائد (10/ 422).
(2)
في الرد على الجهمية (146).
عنه: أنَّه تبارك وتعالى يتجلَّى لأهل الجنَّة، فإذا رأوه نَسُوا نعيمَ الجنَّة.
أعجب الصبر صبرُ المحبين، قال الشاعر
(1)
:
والصَّبر يُحمدُ في المواطن كلِّها
…
إلَّا عليك فإنه لا يحمد
وقف رجل على الشِّبليِّ، فقال: أيُّ الصَّبر أشدُّ على الصابرين؟ قال: الصبر في الله. فقال السَّائل: لا! فقال: الصَّبر لله. قال: لا! قال: فالصَّبر مع الله. قال: لا! قال: فما هو؟ قال: الصبرُ عن الله. فصرخَ الشبليُّ صرخةً كادت روحهُ تزهقُ. قال الشاعر
(2)
:
والصبرُ عنك فمذمومٌ عواقبهُ
…
والصبرُ في سائر الأشياء محمودُ
الخوفُ يبعدك عن معصيته، والرَّجاء يحركك إلى طاعته، والحبُّ يشوقك إليه شوقًا. لمَّا علم الله ــ سبحانه ــ أنَّ قلوب المشتاقين إليه لا تهدأ إلَّا بلقائه؛ ضرب لهم أجلًا لِلِّقاء؛ سكنًا لقلوبهم، فقال الله تعالى:{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: 5].
يا من شكا شوقه من طول فرقته
…
اصبر لعلَّك تلقى من تحب غدا
(3)
وسِرْ إليه بنار الشوقِ مجتهدًا
…
عساك تلقى على نار الغرام هُدَى
المحبُّ الصادق كلَّما قرب من محبوبه؛ زاد شوقًا إليه.
وأعظمُ ما يكون الشوقُ يومًا
…
إذا دنت الخيامُ من الخيام
(4)
(1)
سبق البيت.
(2)
البيت في الرسالة القشيرية (ص 186)، وإحياء علوم الدين (4/ 80).
(3)
البيت الأول في الرسالة القشيرية (ص 330).
(4)
سبق البيت.
كلَّما وقع بصرُ [166 ب] المحبِّ على محبوبه، أحدثت له رؤيته شوقًا على شوقه.
ما يرجعُ الطرفُ عنه حين يُبْصره
…
حتَّى يعود إليه الطرف مشتاقا
(1)
المحبُّ الصادقُ إذا سافر طرفُه في الكون؛ لم يجد له طريقًا إلَّا على محبوبه، فإذا انصرفَ بصره عنه؛ رجع إليه خاسئًا وهو حسير.
ويَسْرح طرفي في الأنام وينثني
…
وإنسانُ عيني في الدموع غريق
فيرجعُ مردودًا إليك وما لَه
…
على أحدٍ إلَّا عليكَ طريقُ
أقرُّ شيءٍ لعين المحبِّ خلوته بسرِّه مع محبوبه. حدَّثني من رأى شيخنا عُنْفُوان أمره، خرج إلى البريَّة بكرةً، فلمَّا أصحر؛ تنفَّس الصُّعداء، ثمَّ تمثَّل بقول الشاعر
(2)
:
وأخرجُ من بين البيوت لعلَّني
…
أُحَدِّثُ عنك القلبَ بالسرِّ خاليا
الشوق يحمل المحبَّ على العَجَلة في رضا محبوبه، والمبادرة إليها على الفور، ولو كان فيها تَلَفُه. {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه/ 83 ــ 84] قال
(1)
البيت لأبي نواس في ديوانه (ص 257). وبلا نسبة في العقد (6/ 426)، والموشى (ص 325).
(2)
سبق البيت.