الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: أنَّ تفسيره قد جاء في نفس الحديث: يجهرُ به. هذا لفظُه، قال أحمد: نحن أعلم بهذا من سفيان، إنَّما هو تحسين الصوتِ به، يُحسِّنه ما استطاع.
الثالث: أنَّ هذا المعنى لا يتبادر إلى الفهم من إطلاق هذا اللفظ، ولو احتمله، فكيف وبنية اللفظ لا تحتمله، كما تقدم؟!
وبعد فإذا كان من التغني بالصوت؛ ففيه معنيان:
أحدهما: يجعله له مكان الغناء لأصحابه من محبته له، ولهجه به، كما يحبُّ صاحب الغناء لغنائه.
والثاني: أنَّه يزيِّنه بصوته، ويحسِّنه ما استطاع، كما يُزيِّن المغنّي غناءه بصوته. وكثيرٌ من المحبين ماتوا عند سماع القرآن بالصوت الشَّجي، فهؤلاء قتلى القرآن، لا قتلى عُشاق المُرْدان، ولا النِّسْوان!!
فصل
ومنها: محبَّةُ دار المحبوب وبيته
، حتى محبَّةُ الموضع الذي حلَّ به، وهذا هو السرُّ الذي لأجله عكفت القلوب على محبَّة الكعبة البيت الحرام، حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجرَ الأوطان والأحباب. ولذَّ لهم فيها السَّفرُ الذي هو قطعةٌ من العذاب، فركبوا الأخطار، وجابوا المفاوز والقفار، واحتملوا في الوصول غاية المشاق، ولو أمكنهم لسَعَوا إليها على الجفون والأحداق.
نعم أسعى إليك على جفوني
…
وإن بَعُدت لمسراك الطريق
وسرُّ هذه المحبة هي إضافةُ الربِّ سبحانه له إلى نفسه بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج/26].
لما انتسبتُ إليك صرت معظمًا
…
وعلوتُ قدرًا دون من لم ينتسبْ
وكلُّ ما نُسِب إلى المحبوب فهو محبوب {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن/19]{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء/1]{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان/1]{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة/23]. ومن فهم معنى هذا؛ فهم معنى قوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران/26][101 ب] وقول عبد ه ورسوله صلى الله عليه وسلم: «لبَّيك، وسعديك، والخير في يديك، والشرُّ ليس إليك»
(1)
.
وإذا كان من يحبُّ مخلوقًا مثله؛ يحبُّ داره، كما قال
(2)
:
أمُرُّ على الدِّيارِ ديار ليلى
…
أقبِّلُ ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبُّ الدِّيارِ شغفْنَ قلبي
…
ولكن حبُّ منْ سكن الدِّيارا
(1)
أخرجه مسلم (771) من حديث علي بن أبي طالب.
(2)
البيتان للمجنون في ديوانه (ص 170)، وخزانة الأدب (2/ 169، 170). وبلا نسبة في تزيين الأسواق (1/ 60)، وديوان الصبابة (ص 30).