الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع عشر
فيمنْ مدح العِشْقَ وتمنَّاه، وَغَبَطَ صاحبَه
على ما أُوتِيَهُ مِنْ مُناه
هذا موضعٌ انقسم الناس فيه قسمين، وربما كان للشخص الواحد فيه مجموع الحالتين. فقسمٌ مدحوا العشق، وتمنَّوْه، ورغبوا فيه، وزعموا أن من لم يذُق طعمه؛ لم يذقْ طعم العيش. قالوا: وقد تبيَّن أنَّ كمالَ اللذَّة تابعٌ لكمال الحبِّ، فأعظمُ الناس لذَّةً بالشيء أكثرُهم محبةً له، وقد تقدم تقريرُه.
[64 أ] قالوا: وقد حبَّبَ الله سبحانه وتعالى إلى رُسُله وأنبيائه نساءهم وسراريهم، فكان آدم أبو البشر شديد المحبة لحواء، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى: أنه خلق زوجته منه؛ ليسكن إليها. قالوا: وحبُّه لها هو الذي حمله على موافقتها في الأكل من الشجرة.
قالوا: وأوَّلُ حبٍّ كان في هذا العالم حبُّ آدم لحوَّاء، وصار ذلك سنةً في ولده في المحبَّة بين الزَّوجين. قالوا: وهذا داود من محبَّته للنساء جمع بين مئة امرأةٍ، وكذلك ابنُه سليمان.
قالوا: وقد عاب اليهودُ ـ عليهم لعائن الله ـ النبي صلى الله عليه وسلم بحبه النساء وكثرة تزوُّجه، فأنزل الله سبحانه وتعالى ذبًّا عن رسوله صلى الله عليه وسلم وإخبارًا بأن ذلك من فضله، ونعمه عليه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا
آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء/ 54].
قالوا: وقد كان عند إبراهيم خليل الرحمن أجمل النساء سارة، ثم تسرَّى بهاجر، وكان شديد المحبة لها. قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: كان إبراهيم الخليل يحبُّ سُرِّيَّته هاجر محبَّةً شديدةً، وكان يزورها في كل يومٍ على البُراق من الشام من شغفه بها.
قال الخرائطيُّ
(1)
: حدثنا نصرُ بن داود، حدَّثنا الواقديُّ عن محمد بن صالح، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، فذكره.
وقد ثبت في الصحيح
(2)
من حديث الشعبيِّ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش وفيهم أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، فلما رجعت قلت: يا رسول الله! من أحبُّ الناس إليك؟ قال: «وما تُريد؟» قلت: أُحبُّ أن أعلم. قال: «عائشة» قلت: إنما أعني من الرجال، قال:«أبوها» .
وذكر مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد، عن عمته، عن عائشة: أن فاطمة ذكرتها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها:«يا بُنيَّة إنها حبيبة أبيك»
(3)
.
(1)
في «اعتلال القلوب» (ص 311)، وأول السند فيه:«حدثنا الصاغاني قال حدثنا الواقدي» .
(2)
البخاري (3662)، ومسلم (2384). وتقدم.
(3)
أخرجه الخرائطي (ص 44)، وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 45) بهذا الطريق.
وأصلُ الحديث في الصحيح
(1)
، من حديث الليث، عن ابن شهاب، عن محمَّد بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فدخلت [64 ب] وهو مضطجعٌ معي في مِرْطي، فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قُحافة، وأنا ساكتة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألست تُحِبِّين ما أُحِبُّ؟» قالت: بلى! قال: «فأحِبِّي هذه» .
وثبت في الصحيح
(2)
من حديث حمَّاد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسِمُ بين نسائه، فيعدلُ، ويقول:«اللهمَّ هذا فعلي فيما أملك، فلا تَلُمْني فيما تملك، ولا أملك» يُريد صلى الله عليه وسلم: أنه يُطيق العدل بينهنَّ في النفقة عليهنَّ، والقسم بينهنَّ، وأمَّا التسوية بينهنَّ في المحبَّة؛ فليست إليه، ولا يملكها.
وقال ابن سيرين
(3)
: سألت عبيدة عن قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء/ 129] فقال: يعني: الحب، والجماع.
(1)
البخاري (2581) ومسلم (2442).
(2)
لم يروه البخاري ولا مسلم، بل أخرجه أحمد (6/ 144)، وأبو داود (2134)، والترمذي (1140)، والنسائي (7/ 64)، وابن ماجه (1971) بهذا الإسناد.
(3)
أخرجه الخرائطي (ص 43)، والطبري في «تفسيره» (5/ 313).
وقال ابن عباس
(1)
: لا تستطيع أن تعدل بينهنَّ في الشَّهوة، ولو حرصتَ.
وقال أبو قيس مولى عمرو بن العاص
(2)
: بعثني عمروٌ إلى أمّ سلمة، فقال: سلها أكانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ أهله وهو صائم؟ فإن قالت: لا؛ فقل لها: إن عائشة رضي الله عنها حدَّثتنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبِّلها وهو صائم. فسألها، فقالت: لا، فأخبرَها بما قال عمرو، فقالت أُمّ سلمة رضي الله عنها: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى عائشة لم يتمالك عنها، أمَّا أنا فلا.
وقال بيان عن الشَّعبيِّ
(3)
: أتاني رجلٌ، فقال: كُلّ أُمَّهات المؤمنين أُحِبّ إلا عائشة. فقلت: أمَّا أنت فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عائشة رضي الله عنها أحبَّهنَّ إلى قلبه.
وقال مُصْعَبُ بن سعد
(4)
: فرض عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لأُمهات المؤمنين رضي الله عنهن عشرة آلاف، عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين وقال: إنَّها حبيبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
أخرجه الخرائطي (ص 43)، والطبري (5/ 314).
(2)
أخرجه الخرائطي (ص 43 - 44)، وأحمد (6/ 317) عنه.
(3)
أخرجه الخرائطي (ص 44).
(4)
أخرجه الخرائطي (ص 45)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (6/ 350).
وكان مسروق
(1)
إذا حدَّث عن عائشة رضي الله عنها يقول: حدَّثتني الصَّدِّيقَةُ بنت الصِّدِّيق، حبيبةُ رسول ربّ العالمين، المبرَّأةُ من فوق سبع سموات.
قال أبو محمد بن حزم
(2)
: وقد أحبَّ من [65 أ] الخلفاء الراشدين والأئمة المهْدِيِّين كثيرٌ.
قال الخرائطي
(3)
: واشترى عبد الله بن عمرَ جاريةً روميَّةً، فكان يُحِبُّها حبًّا شديدًا، فوقعت ذات يوم عن بغلةٍ له، فجعل يمسحُ التراب عن وجهها، ويُفدِّيها، وكانت تقول له: أنت قالون، تعني: جيد، ثم إنها هربت منه، فوجدَ عليها وجدًا شديدًا، وقال:
قد كنتُ أحسِبُني قالونَ فانصرفتْ
…
فاليومَ أحسب أنِّي غيرُ قالون
وقصة مُغيث وعشقِهِ بَرِيرة، حتى إنه كان يطوف وراءَها، ودموعُه تسيلُ على خدّيه في الصَّحيح
(4)
.
وكان عُرْوة
(5)
بن أُذيْنَة شيخُ مالكٍ من العلماء الثِّقات، الصُّلَحاء،
(1)
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 44).
(2)
«طوق الحمامة» (ص 35).
(3)
لم أجد النص في «اعتلال القلوب» . وانظر «تاريخ دمشق» ، و «لسان العرب» (قلن). ومصدر المؤلف:«الواضح المبين» (ص 29).
(4)
تقدم تخريجها.
(5)
في النسختين: «عمرو» .
وقفت عليه امرأةٌ فقالت: أنت الذي يقال له: الرجلُ الصَّالح، وأنت تقول
(1)
:
إذا وجَدْتُ لهيبَ الحبِّ في كَبِدي
…
عَمَدْتُ نحو سِقاءِ القوم أبْتَرِدُ
هَبْني بَرَدْتُ ببَرْدِ الماء ظاهرَه
…
فمنْ لنارٍ على الأحْشَاء تتَّقِدُ؟
وكان محمد بن سيرين ينشد
(2)
:
إذا خَدِرَتْ رِجْلي تذكّرتُ منْ لها
…
فناديتُ لُبْنى باسمِها ودعَوْتُ
دعوتُ التي لو أنَّ نفسي تُطيعُني
…
لألقيتُ نفسي نحوَها وقضَيْتُ
وقال صالح عن ابن شهاب: حدّثني عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ: أنَّ ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريبٍ من ثمانين رجلًا، ليس فيهم إلا قرشيٌّ، والله ما رأيتُ صفحة وجوهٍ
قطُّ أحسن من وجوههم يومئذٍ، قال: فذكروا النساء، فتحدَّثوا فيهنَّ، وتحدَّثت معهم، حتى أحببتُ أن نسكتَ.
قالوا: ولولا لطافةُ الحبِّ ولذَّتُه لما تمنَّاه المُتَمنُّون. قال شاعر
(1)
سبق تخريج البيتين. والخبر والشعر في «العقد الفريد» (6/ 16)، و «الأغاني» (18/ 329)، و «أمالي المرتضى» (1/ 413)، و «مصارع العشاق» (2/ 130)، و «التذكرة الحمدونية» (6/ 189)، و «الشعر والشعراء» (2/ 580)، و «المعارف» (ص 493).
(2)
البيتان لقيس بن ذريح في «ديوانه» (ص 69)، و «الأغاني» (9/ 193)، و «تزيين الأسواق» (1/ 134).
الحماسة
(1)
:
تَشَكَّى المحبُّون الصَّبابةَ ليتني
…
تحمَّلتُ ما يَلْقَوْن مِنْ بينهم وَحدي
فكانتْ لقلبي لذَّةُ الحبِّ كلُّها
…
فلم يَلْقَها قبلي مُحِبٌّ ولا بَعدي
قالوا: والعشقُ المباحُ مما يُؤجر عليه العُشّاقُ، كما قال شريك بن عبد الله
(2)
ـ وقد سُئل عن العُشّاق ـ فقال: أشدُّهم حُبًّا أعظمُهم أجرًا. وصدق والله إذا كان المعشوق ممَّنْ يُحِبُّ الله للعاشق قربَه ووصلَه، وقالت امرأة
(3)
:
لن يقبل اللهُ من معشوقةٍ عملًا
…
يومًا وعاشقُها لَهْفَانُ مَهْجُورُ
ليستْ بمأْجورةٍ في قتلِ عاشقِها
…
لكنَّ عاشِقَها في ذاك مأْجورُ
ونحن نقول: متى باتت مهاجرةً لفراش عاشقها الذي هو بعلُها؛ لعنتها الملائكة حتى تُصْبِحَ.
قالوا
(4)
: والعشقُ يُصفِّي الهمَّ، ويهذّب العقل، ويبعثُ على حسن
(1)
البيتان لمجنون ليلى في «ديوانه» (ص 116). وبلا نسبة في «الحماسة» (2/ 30)، و «شرح المضنون به على غير أهله» (ص 241).
(2)
كما في «الواضح المبين» (ص 22) نقلًا عن الجاحظ.
(3)
البيتان في «الموشى» (ص 162)، و «مصارع العشاق» (2/ 177، 217)، و «الواضح المبين» (ص 22). ويأتي ذكرهما مع خبر عند المؤلف فيما بعد.
(4)
من هنا إلى (ص 265) مختصر من «الواضح المبين» (ص 60 - 65).
اللباس، وطيب المطعم، ومكارم الأخلاق، ويُعلي الهمَّة، ويحملُ على طيب الرائحة، وكرم العشرة، وحفظ الأدب والمُروءة، وهو بلاءُ الصَّالحين، ومحنة العابدين، وهو ميزان العقول، وجلاء الأذهان، وهو خُلُق الكرام، كما قيل
(1)
:
وما أحببتُها فُحْشًا ولكن
…
رأيتُ الحُبَّ أخلاقَ الكِرام
قالوا: وأرواحُ العُشَّاقِ عَطِرَةٌ لطيفة، وأبدانهم رقيقةٌ ضعيفة، وأرواحُهم بطيئةُ الانقياد لمن قادَها، حاشا سكنَها الذي سكنت إليه، وعقدت حبَّها عليه، وكلامُهم، ومنادمتهم تزيد في العقول، وتُحرِّكُ النفوسَ، وتُطيّب الأرواح، وتلهو بأخبارهم أُولو الألباب.
فأحاديثُ العُشّاقِ زينة مجالسهم، ورُوح محادثتهم، ويكفي أن يكون الأعرابي الذي لا يُذْكر مع الملوك ولا مع الشجعان الأبطال يعشقُ، ويشتهر بالعِشْق، فيُذْكَر في مجالس الملوك والخلفاء ومَنْ دونَهم، وتدوَّن أخبارُه، وتُرْوى أشعارُه، ويُبقي له العشقُ ذكرًا مخلَّدًا، ولولا العشقُ لم يُذكر له اسمٌ، ولم يَرْفَعْ به رأسا.
وقال بعض العقلاء: العشقُ للأرواح بمنزلة الغذاء للأبدان، إن تركتَه ضرّك، وإن أكثرتَ منه قتلك.
(1)
بلا نسبة في «الواضح المبين» (ص 61). ولأبي إسحاق الشيرازي في «الروض المعطار» (ص 444).
وقال [66 أ] ابنُ عبد البَرّ في كتابه «بهجة المجالس»
(1)
: وُجد في صحيفةٍ لبعض أهل الهند: العشقُ ارتياحٌ جُعِل في الرُّوح، وهو معنًى تُنْتِجُه النجومُ في مطارح شُعاعِها، ويتولَّد في الطِّباع بوصلة أشكالها، وتَقْبَلُه الرُّوح بلطيف جوهرها، وهو بَعْدُ جلاءُ القلوب، وصيقلُ الأذهان ما لم يُفْرِط، فإذا أفرط صارَ شقاء قاتلًا، ومرضًا مُنْهِكًا، لا تنفُذُ فيه الآراء، ولا تَنْجَعُ فيه الْحِيل، والعلاجُ منه زيادةٌ فيه.
وقال أعرابيٌّ: هو أنس النفس، ومحادث العقل، تُجِنُّه الضَّمائر، وتخدمُه الجوارح.
وقال عبد الله بن طاهر أميرُ خُراسان لولده: اعشَقُوا تَظْرُفُوا، وعفُّوا تشرفوا.
وقال قُدامة: وصفه بعضُ البلغاء فقال: يشجِّع الجبان، ويسخِّي البخيل، ويُصَفِّي ذهن البليد، ويُفْصِح لسان العييّ، ويبعثُ حَزْم العاجز، ويذِلُّ له عزُّ الملوك، ويصرع له صَوْلَةُ الشجاع، وهو داعيةُ الأدب، وأوّلُ بابٍ تُفْتَق به الأذهانُ والفِطَن، وتستخرجُ به دقائق المكايد والحِيَل، وإليه تستروحُ الهمم، وتسكنُ نوافرُ الأخلاق والشِّيَم، يُمْتعُ جليسَه، ويؤنس أليفه، وله سرورٌ يجول في النفوس، وفرحٌ يسكُن في القلوب.
وقيل لبعض الرؤساء: إن ابنَك قد عشقَ، فقال: الحمد لله! الآن
(1)
(1/ 817).
رقَّت حواشيه، ولَطُفَتْ معانيه، ومَلُحتْ إشاراته، وظَرُفت حركاته، وحسُنت عباراته، وجادت رسائله، وحلتْ شمائله، فواظبَ على المليح، واجتنب القبيح.
وقيل لآخر ذلك فقال: إذا عشق لَطُف، وظرُف، ودقَّ، ورَقَّ. وقيل لبعضهم
(1)
: متى يكون الفتى بليغًا؟ قال: إذا صنَّف كتابًا، أو وصف هوًى، أو حبيبًا.
وقيل لسعيد بن سلم: إنَّ ابنك شرع في الرَّقيق من الشِّعر، فقال: دعوه يظرُف وينظف ويلْطُف.
وقال العباس بن الأحنف
(2)
:
وما الناسُ إلا العاشقونَ ذوو الهوى
…
ولا خيرَ فِيْمن لا يُحِبُّ ويعْشَقُ
وقال الحسين بن مُطير
(3)
[66 ب]:
إنَّ الغواني جَنَّةٌ رَيْحانُها
…
نضر الحياة فأينَ عنها تَعزِفُ
لولا ملاحتهنَّ ما كانتْ لنا
…
دنيا نَلَذُّ بها ولا نتصرَّفُ
(1)
في «الواضح المبين» (ص 63): قال أنوشروان لبزرجمهر.
(2)
«ديوانه» (ص 197)، و «منازل الأحباب» (ص 50)، و «الواضح المبين» (ص 63)، و «تزيين الأسواق» (1/ 43).
(3)
البيتان له في «اعتلال القلوب» (ص 332)، و «الواضح المبين» (ص 63 - 64). وأخلَّ بهما الديوان المجموع.
وقال غيره
(1)
:
ولا خيرَ في الدُّنيا ولا في نعيمِها
…
وأنتَ وحيدٌ مفردٌ غيرُ عاشِق
وقال آخر
(2)
:
هل العَيْشُ إلا أنْ تروح وتغتدي
…
وأنت بكأسِ العِشْقِ في النَّاس نشوانُ
وقال العَطوي
(3)
:
ما دِنتُ بالحبِّ إلَّا
…
والحبُّ دينُ الكرام
وقال آخر
(4)
:
نظرتُ إليها نظرةً فهوِيتُها
…
ومن ذا له عقلٌ سليمٌ ولا يَهوى؟!
وقال آخر
(5)
:
(1)
بلا نسبة في «الواضح المبين» (ص 64)، و «منازل الأحباب» (ص 51).
(2)
البيت لمسلم بن الوليد في «الواضح المبين» (ص 64) برواية:
هل العيش إلا أن تروح من الصبا
…
وتغدو صريع الكأس والأعين النجلِ
(3)
«الواضح المبين» (ص 64).
(4)
البيت مع آخر في المصدر السابق (ص 64).
(5)
البيت في «الواضح المبين» (ص 64)، و «منازل الأحباب» (ص 52)، و «الصناعتين» (ص 112)، و «محاضرة الأبرار» (2/ 485)، و «تزيين الأسواق» (1/ 43)، و «الموشى» (ص 123)، و «ديوان الصبابة» (ص 42). وهو للمجنون في «العقد الفريد» (5/ 344)، و «سر الفصاحة» (ص 246).
وما سرَّني أنِّي خَلِيٌّ مِن الهوى
…
ولو أنَّ لي ما بين شَرْقٍ ومَغْرب
وقال آخر
(1)
:
وما تلفَتْ إلا من العشق مُهْجَتي
…
وهلْ طاب عيشٌ لامرئ غير عاشق؟!
وقال آخر
(2)
:
ولا خيرَ في الدُّنيا بغير صَبابةٍ
…
ولا في نعيمٍ ليس فيه حَبيبُ
وقال الكُمَيْت
(3)
:
ما ذاق بُؤْسَ معيشةٍ ونعيمَها
…
فيما مضَى أحدٌ إذا لم يَعْشقِ
العشقُ فيه حلاوةٌ ومَرارةٌ
…
فاسأل بذلك من تطعَّم أوْ ذُق
(1)
البيت في «الواضح المبين» (ص 64)، و «منازل الأحباب» (ص 52)، والموشى (ص 123).
(2)
البيت بلا نسبة في «الواضح المبين» (ص 64)، و «منازل الأحباب» (ص 51)، و «ديوان الصبابة» (ص 42).
(3)
«ديوانه» (1/ 217 - 218)، وحواشي «أمالي المرتضى» (1/ 60)، و «الحماسة البصرية» (2/ 226)، و «مجالس ثعلب» (2/ 462)، و «الموشى» (ص 153)، و «الزهرة» (1/ 108)، و «أخبار النساء» (ص 67)، و «ديوان الصبابة» (ص 42).
وقال آخر:
وما طابتِ الدُّنيا بغير محبَّةٍ
…
وأيُّ نعيمٍ لامرئ غيرِ عاشق؟!
وقال آخر
(1)
:
اسكُنْ إلى سكنٍ تلذُّ بحبِّه
…
ذهب الزمانُ وأنت خالٍ مُفْردُ
وقال آخر
(2)
:
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى
…
فأنت وعَيْرٌ في الفلاة سواءٌ
وقال آخر
(3)
:
إذا أنت لم تعشقْ ولم تَدْرِ ما الهوى
…
فكن حجرًا من يابس الصَّخرِ جَلْمَدا
وقال آخر
(4)
:
إذا أنت لم تعشقْ ولم تَدْرِ ما الهوى
…
فقم فاعتلف تِبْنًا فأنت حمارُ
(1)
البيت بلا نسبة في «ديوان الصبابة» (ص 42).
(2)
البيت في «ذم الهوى» (ص 306)، و «الواضح المبين» (ص 65)، و «تزيين الأسواق» (1/ 43).
(3)
البيت للأحوص في «ديوانه» (ص 99)، و «الموشى» (ص 122)، و «الحماسة البصرية» (1/ 127)، و «زهر الآداب» (1/ 350)، و «منازل الأحباب» (ص 50)، ولعمر بن أبي ربيعة في «ديوانه» (ص 51). وبلا نسبة في «الواضح المبين» (ص 65)، و «تزيين الأسواق» (1/ 43).
(4)
البيت بلا نسبة في «الموشى» (ص 122)، و «منازل الأحباب» (ص 50).
وقال آخر
(1)
:
إذا لم تذُق في هذه الدار صبْوةً
…
فموتُك فيها والحياةُ سواءُ
وقال الأقرعُ بنُ مُعاذ
(2)
:
ولا خيرَ في الدُّنيا إذا أنت لم تَزُرْ
…
حبيبًا ولا وافَى إليك حبيبُ
وقال آخر:
وما ذاق طعم العيش من لم يكن له
…
حبيبٌ إليه يطمئنُّ ويسكُنُ
[67 أ] وقال علي بن أبي كثير
(3)
لابن أبي الزرقاء: هل عشقت قطُّ حتى تُكاتب، وتراسل، وتُواعد؟ قال: لا. فقال: لا يجيء منك شيء.
وكان لبعض الملوك
(4)
ولدٌ واحدٌ ساقطُ الهِمَّة، دنيء النفس، فأراد أن يُرشحه للمُلْكِ، فسلّط عليه الجواري والقِيان، فعشق منهنَّ واحدة، فأُعْلِمَ بذلك المَلِكُ، فسُرَّ، وأرسل إلى المعشوقة أن تجنَّي عليه،
(1)
البيت بلا نسبة في «ديوان الصبابة» (ص 42).
(2)
البيت له في «الواضح المبين» (ص 66)، و «ديوان الصبابة» (ص 42)، و «تزيين الأسواق» (1/ 44)، وللمجنون في «ديوانه» (ص 50)، ولابن الدمينة في «الحماسة البصرية» (2/ 194). ولرجل من بني عبس في أمالي القالي» (2/ 40). وبلا نسبة في «الموشى» (ص 123).
(3)
الخبر في «الواضح المبين» (65).
(4)
الخبر مطولًا في «المحاسن والمساوئ» (1/ 280)، و «المستطرف» (3/ 32).
وقُولي: إنِّي لا أصلُح إلَاّ لملكٍ، أو عالم. فلمَّا قالت له ذلك؛ أخذ في التعلُّم، وما عليه الملوك من آداب المُلْكِ حتى برع في ذلك.
وقال المرْزُباني
(1)
سُئل أبو نَوْفَل: هل يسلمُ أحدٌ من العِشْق؟ فقال: نعم! الجِلْفُ الجافي؛ الذي ليس له فضلٌ، ولا عنده فهم، فأما من في طبعه أدنى ظُرْفٍ، أو معه دماثة أهل الحجاز وظُرْفُ أهل العراق؛ فهيهات!
وقال علي بن عبدة
(2)
: لا يخلو أحدٌ من صبْوةٍ؛ إلا أن يكون جافي الخِلْقة ناقصًا، أو منقوص الهمَّة، على خلاف تركيب الاعتدال.
قالوا: ولم يكمُل أحدٌ قطُّ إلا من عشقُه لأهل الكمال وتشبُّهه بهم، فالعالم يبلغُ في العلم بحسب عشقه له، وكذلك صاحبُ كلِّ صناعةٍ وحرفةٍ.
ويكفي أنَّ العاشق يرتاحُ لكريم الأخلاق، والأفعال، والشِّيم؛ لِتُحْمَدَ شمائلُه عند معشوقه، كما قال
(3)
:
ويرتاحُ للمعروفِ في طلبِ العُلا
…
لِتُحْمَدَ يومًا عند ليلى شمائلُه
وقال أبو المِنْجاب
(4)
: رأيت في الطواف فتًى نحيفَ الجسم، بَيِّن
(1)
نقل عنه مغلطاي في «الواضح المبين» (ص 65).
(2)
كما في «الواضح المبين» (ص 65).
(3)
البيت لكثير عزة في ديوانه (ص 246). وبلا نسبة في «ديوان الصبابة» (ص 44).
(4)
أخرج عنه الخرائطي (ص 336). والخبر والشعر في ديوان الصبابة (ص 44).
الضعف يلوذُ، ويتعوَّذ، ويقول:
وَدِدْتُ بأن الحبَّ يُجمعُ كلُّه
…
فيُقذفُ في قلبي وينغلقُ الصدرُ
فلا ينقضي ما في فُؤادي من الهوى
…
ومنْ فرحي بالحبِّ أو ينقضي العُمْرُ
فقلت: يا فتى! أما لهذه البنيَّة حُرمةٌ تمنعُك من هذا الكلام؟ فقال: بلى والله! ولكن الحبَّ ملأ قلبي بفرح التَّذَكُّر، ففاضت الفكرةُ في سرعة الأوبة إلى من لا يشذُّ عنه معرفةُ ما بي، فتمنَّيتُ المُنى. والله ما يسُرُّني ما بقلبي منه ما فيه أميرُ المؤمنين من المُلك [67 ب]، وإنِّي أدعو الله أن يُثبته في قلبي عمري، ويجعله ضجيعي في قبري، دريْتُ به، أو لم أدر! هذا دعائي. وانصرف من جهتي، ثم بكى، فقلتُ: ما يُبكيك؟ قال: خوف ألَاّ يُستجاب دعائي، وله قصدت، وفيه رغبت مما يعطي الله سائر خلقه. ثم مضى.
قالت هذه الفرقة: وغايةُ ما يقدَّر في أمر العشق: أنَّه يقتُل صاحبَه، كما هو معروف عن جماعة من العُشَّاق، فقد قال سُوَيْدُ بن سعيد الحَدَثاني: حدَّثنا عليُّ بن مُسْهِر عن أبي يحيى القَتّات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«من عَشِقَ فكَتَم، وعفَّ، وصبر، فمات؛ فهُو شهيدٌ»
(1)
رواه عن سُويدٍ جماعةٌ.
(1)
تقدم تخريجه.
وقال الخطيب
(1)
: حدَّثنا أبو الحسن علي بن أيوب إملاءً، حدَّثنا أبو عبد الله المَرْزُباني وابنُ حَيَّويه وابن شاذان، قالوا: حدّثنا أبو عبد الله إبراهيمُ بن محمد بن عرفة نفْطويه قال: دخلتُ على محمد بن داود الأصبهانيِّ في مرضه الذي مات فيه، فقلت له: كيف تجدك؟ قال: حبُّ مَنْ تعلم أورثني ما ترى! فقلت: ما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين: أحدهما: النظر المباح. والثاني: اللذَّة المحظورة. فأمَّا النظرُ المباحُ فإنه أورثني ما ترى، وأمَّا اللذَّة المحظورةُ فإنَّه منعني منها ما حدَّثني أبي، حدَّثنا سويد بن سعيد، حدّثنا عليُّ بن مُسْهر عن أبي يحيى القتَّات، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من عَشِقَ وكتَمَ، وعفَّ، وصبر؛ غفر اللهُ له، وأدْخلَهُ الجَنَّة» .
قال الحاكم أبو عبد الله: إنَّما أتعجَّب من هذا الحديث، فإنَّه لم يحدِّث به غير سُويد، وهو وداود بن علي وابنه أبو بكر ثقاتٌ.
ثم رواه الخطيب
(2)
حدّثنا الأزهريُّ، حدَّثنا المُعافى بنُ زكريا، حدَّثنا قُطْبة بنُ المفضل بن إبراهيم الأنصاريُّ، حدَّثنا أحمد بن محمَّد ابن مسروق، حدَّثنا سُويد، حدَّثنا ابنُ مُسْهِر عن هشام بن عُرْوة، عن
(1)
في «تاريخ بغداد» (5/ 262). ومن طريقه السراج في «مصارع العشاق» (1/ 13 - 14).
(2)
في «تاريخ بغداد» (12/ 479).
أبيه، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.
ورواه الزُّبيرُ بنُ بكَّار عن عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجِشُون، عن عبد العزيز بن أبي [68 أ] حازم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم به، ولفظه:«من عشق، فعفَّ، فمات؛ فهو شهيدٌ» .
رواه أبو بكر محمَّدُ بن جعفر بن سهل الخرائطيُّ في كتاب «اعتلال القلوب»
(1)
: حدَّثنا أبو يوسف يعقوب بن عيسى منْ ولد عبد الرحمن بن عوف، عن الزُّبير، فذكره، فخرج سُويد عن عُهدة التفرُّد به، على أنه لو تفرَّد به فهو ثقةٌ، احتجَّ به مسلمٌ في صحيحه.
وقال عبدُ الله بن أحمد: قال لي أبي: اكتبْ عنه حديث ضمام. وقال البغوي: كان حافظًا، وكان أحمد ينتقي لولدَيْهِ عليه: صالح، وعبد الله، فكانا يختلفان إليه، وقال مسلم: ثقةٌ، ثقة. وقال أبو حاتم الرازي ويعقوبُ ابن شيبة: هو صدوق، وأكثرُ ما عيب به التَّدليسُ، وقد صرَّح هاهنا بالتَّحديث، وعيب بأنَّه ذهب بصرُه في آخر عمره، فربَّما أُدخل عليه هذا الحديث في كتبه، ولكنَّ رواية الأكابر عنه هذا الحديث كان قبل ذهاب بصره؛ لأنه إنما عميَ في آخر عمره، وليس هذا بقادحٍ في حديثه.
(1)
(ص 79). ومن طريقه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص 326)، و «العلل المتناهية» (2/ 285 - 286).
قلت: وهذا حديثٌ باطلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعًا، لا يُشْبِهُ كلامه، وقد صحَّ عنه: أنَّه عَدَّ الشهداء ستة، فلم يذكر فيهم قتيل العِشْق، ولا يُمكن أن يكون كلُّ قتيل بالعشق شهيدًا، فإنَّه قد يعشق عشقًا يستحقُّ عليه العقوبة. وقد أنكر حُفَّاظ الإسلام هذا الحديث على سُوَيد، وقد تكلَّم الناسُ فيه، فقال ابنُ المديني: ليس بشيء، والضريرُ إذا كان عنده كتبٌ، فهو عيب شديد. وقال يعقوب بن شيبة: صدوقٌ مضطربُ الحفظ، ولاسيَّما بعدما عميَ، وقال البخاريُّ: كان قد عميَ فتلقَّن ما ليس من حديثه. وقال أبو أحمد الجرجاني: هذا الحديث أحد ما أُنكر على سُويد
(1)
، وأنكره البيهقيُّ، وأبو الفضل بن طاهر، وأبو الفرج بن الجوزي، وأدخله في كتابه «الموضوعات»
(2)
.
ولمَّا رواه أبو بكر بن الأزرق عن [68 ب] سُويد عاتبه عليه ابن المرْزُبان، فأسقط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منه. فكان سويدٌ إذا سُئل عنه؛ لا يرفعه، وهذا أحسنُ أحواله أن يكون موقوفًا؛ وكذلك رواه أبو محمد بن
(1)
انظر: ترجمة سويد وأقوال النقاد فيه في «تهذيب التهذيب» (4/ 272 - 275).
(2)
لم أجده في «الموضوعات» . وقد رواه في «العلل المتناهية» (2/ 285 - 286) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم بيَّن علله. وانظر الكلام على الحديث عند المؤلف في «زاد المعاد» (2/ 252 - 253)، و «الجواب الكافي» (أو)«الداء والدواء» (ص 353 - 354)، و «المنار المنيف» (ص 140). وانظر:«تلخيص الحبير» (2/ 142)، و «المقاصد الحسنة» (ص 419)، و «السلسلة الضعيفة» (409).
الحسين القاري من حديث أبي سعد البقَّال عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأمَّا سياق الخطيب له من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها فلا يشُكُّ منْ شمَّ رائحة الحديث: أنَّ هذا باطلٌ على هشام عن أبيه، عن عائشة، ولا يحتمل هذا المتنُ هذا الإسناد بوجهٍ، والتحاكمُ في ذلك إلى أهل الحديث لا إلى العارين الغرباء منه. والظاهر: أنَّ ابن مسروقٍ سرقه، وغيَّر إسناده.
وأمّا حديث الزُّبير بن بكار؛ فمن رواية يعقوب بن عيسى، وهو ضعيفٌ، لا تقوم به حجَّةٌ، قد ضعَّفه أهلُ الحديث، ونسبوه إلى الكذب.