الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن علاماتها: قلةُ صبر المحب عن المحبوب، بل ينصرف صبرُه إلى الصبر على طاعته، والصبر عن معصيته، والصبر على أحكامه، فهذا صبرُ المحب، وأما الصبرُ عنه؛ فصبر الفارغ عن محبته، المشغول بغيره قال
(1)
:
والصبرُ يُحمَد في المواطن كلِّها
…
وعن الحبيب فإنه لا يُحمَد
فمن صبر عن محبوبه، أدَّى به صبره إلى فوات مطلوبه، وقال بعض المُحبِّين:
ما أحسن الصبر وأمَّا على
…
أن لا أرى وجهك يومًا فلا
لو أنَّ يومًا منك أو ساعةً
…
تُباعُ بالدُّنيا إذًا ما غلا
فصل
ومنها: الإقبالُ على حديثه، وإلقاءُ سمعه كلِّه إليه
، بحيث يفرغُ لحديثه سمعه، وقلبُه، وإن ظهر منه إقبالٌ على غيره؛ فهو إقبالٌ مستعارٌ، يستبينُ فيه التكلُّف لمن يرمُقُه، كما قال
(2)
:
وأُديمُ لَحْظَ مُحدِّثِي ليرى
…
أن قد فهمتُ وعندكم عقلي
(1)
البيت بقافية أخرى لمحمد بن عبد الله العتبي في التذكرة الحمدونية (4/ 263) وشطره الثاني فيه: «إلا عليك فإنه مذموم» . وفي الرسالة القشيرية (ص 184): «يجمل» مكان «يحمد» في الموضعين.
(2)
البيت لمجنون ليلى في ديوانه (ص 234)، والزهرة (1/ 65)، ومصارع العشاق (2/ 91).
فإن أعوزه حديثُه بنفسه؛ فأحبُّ شيء إليه الحديث عنه، ولاسيَّما إذا حدَّث عنه بكلامه، فإنَّه يقوم مقام خطابه، كما قال القائل: المحبُّون لا شيء ألذُّ [100 ب] لقلوبهم من سماع كلام محبوبهم، وفيه غاية مطلوبهم، ولهذا لم يكن شيءٌ ألذّ لأهل المحبَّة من سماع القرآن، وقد ثبت في الصحيح
(1)
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأْ عليَّ» قلت: أقرأُ عليك، وعليك أُنزل؟ قال:«إنِّي أُحِبُّ أنْ أسمعهُ من غيري» فقرأْت عليه من أوَّل سورة النِّساء حتى إذا بلغت قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء/41] قال: «حسبك» فرفعت رأْسي فإذا عيناه تذْرِفان!
وكان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا؛ أمروا قارئًا يقرأ وهم يستمعون، وكان عمر بن الخطاب إذا دخل عليه أبو موسى؛ يقول: يا أبا موسى! ذكِّرنا ربَّنا، فيقرأُ أبو موسى، وربما بكى عمر.
ومرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأبي موسى وهو يُصلِّي من الليل، فأعجبته قراءتُه، فوقف، واستمع لها، فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لقد مررتُ بك البارحة؛ وأنت تقرأُ، فوقفت، واستمعتُ لقراءتك» فقال: لو أعلمُ أنَّك كنت تسمعُ؛ لحبَّرته لك تحبيرًا
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري (4582، 5049، 5050، 5056)، ومسلم (800).
(2)
أخرجه البخاري (5048)، ومسلم (793) دون الجزء الأخير.
والله سبحانه وهو الذي تكلم بالقرآن يأذن، ويستمعُ للقارئ الحسن الصَّوت منْ محبَّته لسماع كلامه منه، كما قال صلى الله عليه وسلم:«لله أشدُّ أذنًا إلى القارئ الحسن الصَّوتِ من صاحب القيْنَةِ إلى قيْنَتِهِ»
(1)
. والأذَنُ ــ بفتح الهمزة والذَّال ــ مصدر أذِن يأْذنُ: إذا استمع، قال الشاعر
(2)
:
أيُّها القلبُ تعلَّل بددنْ
…
إن قلبي في سماعٍ وأذنْ
وقال صلى الله عليه وسلم: «زيِّنوا القُرآن بأصواتكم»
(3)
. وغلِط من قال: إنَّ هذا من المقلوب، والمرادُ: زينوا أصواتكم بالقرآن، فهذا وإن كان حقًّا؛ فالمراد: تحسينُ الصَّوتِ بالقرآن.
وصحَّ عنه أنه قال: «ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقُرآن»
(4)
، ووهِمَ من فسَّره بالغنى الذي هو ضدُّ الفقر من وجوهٍ:
أحدُها: أنَّ ذلك المعنى إنما يقال فيه: استغنى، [101 أ] لا تغنَّى.
(1)
أخرجه أحمد (6/ 19، 420)، وابن ماجه (1340)، وابن حبان (659 - موارد)، والحاكم في المستدرك (1/ 571) من حديث فضالة بن عبيد. وحسنه البوصيري وصححه الحاكم.
(2)
البيت لعدي بن زيد في ديوانه (ص 172)، ورسالة الغفران (ص 203).
(3)
أخرجه أحمد (4/ 283، 285، 296، 304)، وأبو داود (1468)، والنسائي (2/ 179، 180) من حديث البراء بن عازب. وإسناده جيد.
(4)
أخرجه البخاري (7527)، ومسلم (792) من حديث أبي هريرة.