المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أقوال الأئمة - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي أسماء المحبة

- ‌الباب الثانيفي اشتقاق هذه الأسماء ومعانيها

- ‌الأسماءُ الدالَّة عَلَى مسمًّى واحدٍ نوعان:

- ‌الباب الرابعفي أنَّ العالمَ العُلويَّ والسُّفليَّ إنَّما وُجد بالمحبَّة ولأجلها

- ‌الحركة الإرادية تابعةٌ لإرادة المتحرِّك

- ‌ الملائكة مُوَكَّلَةٌ بالعالم العُلويِّ والسُّفلي

- ‌ الإيمانُ بالملائكة أحدَ أركان الإيمان الذي لا يَتمّ إلا به

- ‌الحبُّ والإرادة أصلُ كلِّ فعلٍ ومبدؤه

- ‌جميعُ حركات العالم العلويِّ والسُّفليِّ تابعةٌ للإرادة والمحبَّة

- ‌ يَنْطِق الكونُ بأجمعه بحمده تبارك وتعالى قالًا وحالًا

- ‌الباب الخامسفي دَواعي المحبَّة ومتعلَّقها

- ‌ المحبَّة تستدعي مشاكلةً ومناسبةً

- ‌داعي الحبِّ مِنَ المُحبِّ أربعة أشياء:

- ‌الباب السادسفي أحكام النظر، وغائلته، وما يجني على صاحبه

- ‌ العينَ مِرْآة القلب

- ‌سكرُ العشق أعظمُ من سكر الخمر

- ‌الباب السابعفي ذكر مناظرةٍ بين القلب والعين،ولوم كلٍّ منهما صاحبه(1)، والحكم بينهما

- ‌ أقوال الأئمة

- ‌الباب التاسعفي الجواب عمَّا احتجَّت به هذه الطَّائفة،وما لها وما عليها

- ‌الشَّهوةُ المجرَّدة لا تلتحق بالضرورات، ولا بالحاجات

- ‌الباب الثاني عشرفي سَكْرَةِ العُشَّاق

- ‌ حقيقة السُّكْرِ وسببه

- ‌الخمرُ شرابُ الأجسام، والعشق شراب النفوس، والألحانُ شراب الأرواح

- ‌الباب الثالث عشرفي أنَّ اللذَّة تابعةٌ لِلْمَحَبَّة في الكمال والنُّقصان

- ‌اللذَّة والألم يَنْشآن عن إدراك المُلائم والمُنافي

- ‌اللذَّة الجثمانيةُ:

- ‌الباب الرابع عشرفيمنْ مدح العِشْقَ وتمنَّاه، وَغَبَطَ صاحبَهعلى ما أُوتِيَهُ مِنْ مُناه

- ‌الباب الخامس عشرفيمن ذمَّ العِشْقَ، وتبرَّم به، وما احتجَّ بهكلُّ فريقٍ على صحَّة مذهبه

- ‌العشق هو الدَّاء الدَّويُّ؛ الذي تذوب معه الأرواح

- ‌العشقُ والهوى أصلُ كلِّ بليَّة

- ‌ الباب السَّادس عشرفي الحُكْم بين الفريقينوفصل النِّزاع بين الطائفتين

- ‌ العشق لا يُحْمدَ مطلقًا، ولا يُذَمُّ مطلقًا

- ‌الباب السابع عشرفي استحباب تخيُّر الصورة الجميلة للوِصالالذي يحبُّه الله ورسوله

- ‌الباب الثَّامن عشرفي أنَّ دواء المُحبِّين في كمال الوصالالذي أباحه ربُّ العالمين

- ‌ هل يجبُ على الزَّوج مجامعةُ امرأته

- ‌«خيرُ الأمور أوساطها»

- ‌الباب التاسع عشرفي ذكر فضيلة الجمالوميل النفوس إليه على كلِّ حال

- ‌ الجمال ينقسمُ قسمين: ظاهر وباطن

- ‌ الجمال الباطن يُزيِّن الصورة الظاهرة

- ‌ فصل في ذكر حقيقة الحُسْنِ والجمال ما هي

- ‌ممَّا يُذمُّ في النساء

- ‌ الباب العشرونفي علامات المحبَّة وشواهدها

- ‌ ذكر أقسام النفوس ومحابِّها

- ‌فصلومنها: إغضاؤه عند نظر محبوبه إليه

- ‌فصلومنها: كثرةُ ذكر المحبوب

- ‌أعلى أنواع ذكر الحبيب

- ‌المحبُّون ثلاثة أقسام:

- ‌فصلومنها: الإقبالُ على حديثه، وإلقاءُ سمعه كلِّه إليه

- ‌فصلومنها: محبَّةُ دار المحبوب وبيته

- ‌فصلومنها: الإسراع إليه في السير

- ‌فصلومنها: محبةُ أحباب المحبوب، وجيرانه، وخدمه

- ‌فصلومنها: انجلاء همومه وغمومه إذا رأى محبوبه أو زاره

- ‌فصلومنها: البهتُ والرَّوعة التي تحصلُ عند مواجهة الحبيب، أو عند سماع ذكره

- ‌ سبب هذه الرَّوعة، والفزع، والاضطراب

- ‌فصلومنها: غيرتُه لمحبوبه وعلى محبوبه

- ‌أقوى الناس دينًا أعظمُهم غيرةً

- ‌للمحب في هذا ثلاثةُ أحوال:

- ‌فصلومنها: سروره بما يُسرُّ به محبوبه

- ‌فصلومنها: حبُّ الوحدة، والأنس بالخلوة، والتفرُّد عن الناس

- ‌فصلومنها: استكانةُ المحبِّ لمحبوبه، وخضوعُه، وذلُّه له

- ‌فصلومنها: امتدادُ النفَس، وتردُّد الأنفاس، وتصاعدُها

- ‌فصلومنها: هجرُه كل سبب يُقصيه من محبوبه

- ‌المحبَّة النافعة

- ‌فصلومنها: الاتفاق الواقع بين المحبّ والمحبوب

- ‌الباب الحادي والعشرونفي اقتضاء المحبة إفراد الحبيب بالحبوعدم التَّشريك بينه وبين غيره فيه

- ‌ المحبة ثلاثة أقسام: محبة الله، والمحبة له وفيه، والمحبة معه

- ‌الباب الثاني والعشرونفي غَيْرَةِ المُحبِّين على أحبابهم

- ‌الغيرة نوعان: غيرةٌ للمحبوب، وغيرة عليه

- ‌فصلومنها: شدةُ الموافقة للحبيب

- ‌الباب الثالث والعشرونفي عفاف المُحبِّين مع أحبابهم

- ‌الباب الرابع والعشرون في ارتكاب سبيل الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام

- ‌الصحيح: أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزاني

- ‌الباب الخامس والعشرون في رحمة المُحبين، والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين

- ‌الباب السادس والعشرون في ترك المحبين أدنى المحبوبَينِ رغبةً في أعلاهما

- ‌النفس الأبيةُ لا ترضى بالدُّون

- ‌الرَّاغبون ثلاثةُ أقسام: راغبٌ في الله، وراغبٌ فيما عند الله، وراغبٌ عن الله

- ‌حياةُ القلب مع الله لا حياة له بدون ذلك أبدًا

- ‌من أسمائه الحسنى: الجميلُ

- ‌من علامات المحبَّة الصَّادقة

- ‌أشدُّ العقوبات العقوبة بسلب الإيمان

- ‌ من ترك لله شيئًا؛ عوَّضه الله خيرًا منه

- ‌الباب الثامن والعشرون فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذَّة الوصال الحرام

- ‌الباب التَّاسع والعشرون في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

- ‌لا ينبغي ذم الهوى مطلقًا، ولا مدحه مطلقًا

- ‌ حاكم العقل، وحاكم الدِّين

- ‌ متَّبع الهوى ليس أهلًا أن يطاع

- ‌ متَّبع الهوى بمنزلة عابد الوثن

- ‌ الهوى داءٌ، ودواؤه مخالفته

- ‌ الهوى تخليطٌ، ومخالفته حِمْيَةٌ

- ‌ التَّوحيد واتِّباع الهوى متضادَّان

- ‌ الهوى رِقٌّ في القلب، وغُلٌّ في العُنُق، وقيدٌ في الرِّجل

- ‌ مخالفة الهوى توجبُ شرف الدنيا، وشرف الآخرة

الفصل: ‌ أقوال الأئمة

وأمَّا‌

‌ أقوال الأئمة

؛ فحكى السَّمعانيُّ

(1)

: أنَّ الشافعي كتب إليه رجل في رقعة:

سل المفتي المكيَّ هل في تزاوُرٍ

ونظرةِ مُشتاقِ الفؤادِ جُناحُ؟

فأجابه الشافعي:

معاذَ إلهِ العرشِ أن يُذْهِبَ التُّقى

تلاصقُ أكبادٍ بهن جِرَاحُ

وذكر الخرائطيُّ

(2)

هذا السؤال والجواب عن عطاء بن أبي رباح، وأوَّلُه سألتُ عطا المكيَّ.

وذكر الحاكمُ في «مناقب الشافعي»

(3)

رضي الله عنه من شعره:

يقولون لا تنظر وتِلكَ بليَّةٌ

ألا كلُّ ذي عينين لابُدَّ ناظرُ

وليس اكتحالُ العينِ بالعين ريبةً

إذا عفَّ فيما بين ذاك الضَّمائرُ

(1)

كما في «الواضح المبين» (ص 89). وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (9/ 150، 151)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (2/ 94). وانظر:«ديوان الشافعي» (ص 64)، و «شرح المختار من شعر بشار» (ص 48)، و «معجم الأدباء» (6/ 2406)، و «طبقات الشافعية» للسبكي (1/ 303، 304)، و «تزيين الأسواق» (1/ 34).

(2)

في «اعتلال القلوب» (ص 86). والخبر مع الشعر في «الكامل» للمبرد (1/ 379، 380)، و «نكت الهميان» (ص 89)، و «أخبار النساء» (ص 34)، و «محاضرات الأدباء» (3/ 132).

(3)

نقل عنه في «الواضح المبين» (ص 88)، وقال: وزعم ابن أبي طاهر في كتابه المنثور والمنظوم أنهما لرجل من غطفان في أبيات طويلة.

ص: 178

وذكر الإستراباذيُّ في كتاب «مناقب الشافعي»

(1)

أنَّ رجلًا كتب إلى سعيد بن المسيَّب:

يا سيِّدَ التَّابعين والبَرَرَهْ

نسيتُ في العِشْق سورة البقره

فكُن بفتواك

(2)

مُشْفقًا رَفِقًا

باهَى بك الله أكرمُ البرره

هل حرَّم الله لَثْم خدِّ فتًى

أوصافُه بالجمالِ مشتهره؟

فأجابه سعيد:

يا سائلي عن خفيِّ لَوْعَتِه

عليك بالصَّبرِ تَحْمَدَنْ أثرَه

ولا تكن طالبًا لفاحِشةٍ

أوْ كالَّذي ساق سيلُه مطرهْ

(3)

وراقب الله واخش سطوته

وخالفِ الفاسِقِين والفجرهْ [44 أ]

وقبِّل الخدَّ من حبيبك ذا

في كلِّ يومٍ وليلةٍ عشره

وقال أبو العباس المبرِّد في «الكامل»

(4)

: قال أعرابيٌّ، أنشدنيه أبو العالية:

سألت الفتى المكيَّ ذا العِلْمِ ما الَّذي

يَحِلُّ من التَّقبيل في رَمَضانِ

(1)

نقل عنه في «الواضح المبين» (ص 89).

(2)

ت: «بفتياك» .

(3)

ت: «نظره» .

(4)

(1/ 374). ونقل عنه في «الواضح المبين» (ص 90).

ص: 179

فقال لي المكيُّ أمَّا لِزَوجةٍ

فسَبعٌ وأما خُلَّةٍ فثمان

وذكر أبو بكر الخطيب في كتاب «رواة مالك»

(1)

عن بعضهم:

أقولُ لمُفْتٍ بين مكَّة والصَّفا

لكَ الخيرُ هل في وَصْلِهنَّ حرامُ؟

وهل في صَمُوتِ الحَجْلِ مهضومة الحشا .. عذاب الثَّنايا إنْ لَثمتُ أثامُ

فقال ليَ المفتي وسالت دموعُه

على الخدِّ من عينيه فهي تُؤَامُ

ألا ليتني قبَّلتُ تلك

(2)

عشيةً

ببطن منًى والمُحْرِمونَ نيامُ

وقال الحاكم في كتاب «مناقب الشافعي»

(3)

: حدَّثنا أبو العلاء بن كُوشيار الحاري، أنبأنا عليُّ بن سليمان الأخفش، عن محمد بن الجهم قال: سمعتُ الربيع يقول: حضرتُ الشافعيَّ بمكة، وقد دفع إليه رجلٌ

(1)

كما في «الواضح المبين» (ص 90).

(2)

ت: «ذاك» .

(3)

نقل عنه في «الواضح المبين» (ص 90 - 91).

ص: 180

رقعةً فيها:

أقولُ لمُفتي خَيْفِ مَكَّة والصفا

لك الخيرُ هل في وَصْلِهنَّ حرامُ؟

وهل في صَمُوت الحَجْلِ مهْضُومة الحشا

عذابِ الثَّنايا إنْ لَثمْتُ أثامُ؟

قال: فوقَّع الشافعيُّ فيها:

فقال ليَ المفتي وفاضتْ دموعهُ

على الخدِّ من عين وهنَّ تؤَامُ

ألا ليتني قبَّلتُ ذاك عشيةً

ببطنِ منًى والمُحْرمون نيامُ

وقال عمرو بن سفيان بن ابنة جامع بن مُرْخِيَة

(1)

:

إنَّا سألنا مالِكًا وقرينه

ليث بن سعدٍ عن لِثام الوامقِ

أيجوزُ؟ قالا والذي خلق الورى

ما حرَّمَ الرَّحمنُ قُبلَة عاشِق

ذكر ذلك صاحب كتاب «رستاق الاتفاق» وهو شاعر المصريين، فأنشد فيه

(2)

لعمرو بن سفيان هذا، وكتب بها إلى [44 ب] ابن عُيَيْنَة:

(1)

كما في «الواضح المبين» (ص 91 - 92) نقلًا عن «رستاق الاتفاق» .

(2)

نقل عنه في «الواضح المبين» (ص 92).

ص: 181

قلنا لسفيان الهلالي مرَّةً

أيَحْرُمُ ضمُّ العاشق المُشتاق

لحبيبه من بعد نَأْي ناله

فأجاب لا والواحد الخلَاّق

وأنشد فيه

(1)

لجَدِّه جامع، وكتب بها إلى عليِّ بن زيد بن جُدْعَان:

سألنا ابنَ جُدْعان بن عمرو أخا العُلا

أيَحْرُم لثمُ الحِبِّ في ليلةِ القدر؟

فقال لنا المكّي وناهِيْكَ عِلْمُهُ

ألا لا ومَنْ قدْ جاءَ بالشَّفْعِ والوَتْر

وأنشد لإبراهيم بن المدبَّر

(2)

، وكتب بها إلى أبي بكر بن عيَّاش أحد أئمة القُرَّاء:

سألتُ ابن عَيَّاشٍ وكانَ مُعلِّمًا

لك الخيرُ هل في ضَمَّةِ الحِبِّ من وزْرِ؟

فقالَ أبو بكرٍ ولا في لِثَامه

ألم يأْتِنَا التنزيلُ بالوَضْعِ للإصْرِ؟!

وأنشدَ لآخرَ

(3)

وكتبَ بها إلى الإمام أحمد بن حنبل، قال: وزعم

(1)

نقل عنه في المصدر السابق (ص 92).

(2)

نقل عنه في «الواضح المبين» (ص 92).

(3)

كما في «الواضح المبين» (ص 92).

ص: 182

بعضُهم أنَّه إسحاق بن مُعاذ بن زهير شاعر أهل مصر في وقته:

سألتُ إمام الناس نَجْلَ ابنِ حَنْبَلٍ

عن الضَّمِّ والتَّقبيلِ هل فيه من باسِ؟

فقال إذا جلَّ العَزَاءُ فواجبٌ

لأنَّكَ قد أحييتَ عبدًا مِن النَّاس

وأنشد لابن مُرْخِيَةَ

(1)

، وكتبَ بها إلى أبي حنيفة:

كتبنا إلى النعمانِ يومًا رسالةً

نُسائِلُه عن لَثْمِ حِبٍّ مُمَنَّعِ

فقالَ لنا لا إثمَ فيه وإنَّه

شهيٌّ إذا كانتْ لِعَشْرٍ وَأَرْبَع

وكتبَ رجل إلى أبي جعفر الطحاويِّ

(2)

:

أبا جعفرٍ ماذا تقولُ فإنَّه

إذا نابنا خَطْبٌ عَلَيْكَ المعَوَّلُ

فلا تُنْكِرَنْ قولي وَأَبشرْ برحمةِ الـ

إله عن الأمْرِ الَّذي عنه تُسألُ

أبِالحُبِّ عارٌ أمْ مِن الحُبِّ مَهْرَبٌ

وهلْ مَنْ لحا أمر الصَّبَابةِ يَجْهلُ؟

وهل بمُبَاحٍ فيه قَتْلُ مُتيَّمٍ

يهاجِرُه أحبابُه وَهو يوصِلُ؟ [45 أ]

فرأْيَكَ في ردِّ الجَوابِ فإنَّني

بما فيه تَقْضِي أيُّها الشَّيْخُ أفعلُ

(1)

انظر: المصدر السابق (ص 92 - 93).

(2)

كما في «الواضح المبين» (ص 93) نقلًا عن كتاب «المحنة» .

ص: 183

فأجابه الطَّحاوي:

سأقضي قضاءً في الذي عنه تَسأَلُ

وأحكُمُ بين العاشِقَيْن فأعْدِلُ

فديتُكَ ما بالحُبِّ عارٌ عَلِمْتُه

بلِ العارُ تركُ الحُبِّ إِنْ كُنْتَ تَعقِلُ

(1)

ومهما لحَا في الحُبِّ لاحٍ فإنَّه

لعمرُكَ عندي من ذَوي الجَهْل أجْهَلُ

وليس مُباحًا عندنا قتلُ مُسْلِمٍ

بلا تِرَةٍ بل قاتلُ النَّفسِ يُقْتَلُ

ولكنَّه إنْ ماتَ في الحُبِّ لم يكنْ

له قَوَدٌ فيه ولا عنه يُعقلُ

وِصَالُكَ من تهوى وإنْ صدَّ واجبٌ

عليكَ كذا حكمُ المُتيَّمِ يَفْعَلُ

فهذا جوابٌ فيه عندي قناعةٌ

لما جئتَ عنه أيُّها الصَّبُّ تَسْأَلُ

ويكفي أنَّ المعتزلة مِنْ أشدِّ الناس تعظيمًا للذنوب، وهم يُخلِّدون أصحابَ الكبائر، ولا يَرَوْنَ تحريمَ ذلك، كما ذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه المشهور

(2)

لبعض المعتزلة:

سألنا أبا عثمان عَمْرًا وواصِلًا

عن الضَّمِّ والتَّقبيلِ للخَدِّ والجِيْدِ

فقالا جميعًا والَّذي هو عادلٌ

يجوزُ بلا إثمٍ فدعْ قَوْلَ تفنيد

وقال إسحاق بن شبيب

(3)

:

سألنا شيوخَ الواسطيِّين كلَّهم

عن الرَّشْفِ والتَّقبيلِ هل فيهما إثمُ؟

(1)

ت: «تفعل» .

(2)

نقل عنه مغلطاي في «الواضح المبين» (ص 91).

(3)

كما في المصدر السابق (ص 91).

ص: 184

فقالُوا جميعًا ليس إثمًا لزوجةٍ

ولا خُلَّةٍ والضَّمُّ من هذه غُنْمُ

وأنشد أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمَّد بن سعد الخير في كتابه «شرح الكامل»

(1)

:

فلمَّا أنْ أُبيحَ لنا التَّلاقِي

تعانَقْنا كما اعْتَنق الصَّدِيقُ

وهل حرَجًا تَراهُ أو حَرامًا

مَشوقٌ ضمَّه صَبٌّ مَشُوقُ؟!

وقال الخطيب في تاريخ بغداد

(2)

: حدَّثنا أبو الحسن علي بن أيوب ابن الحسين إملاءً، حدَّثنا أبو عبيد الله المَرْزُبانيُّ وابن حَيَّويه وابن شاذان قالوا: حدّثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن [45 ب] عرفة نِفْطوَيْه، قال: دخلتُ على محمَّد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه، فقلت له: كيف تجدُك؟ قال: حبُّ مَنْ تَعْلَمُ أورثني ما ترى! فقلت له: ما منعك عن الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ قال: الاستمتاعُ على وجهين: أحَدُهما: النظرُ المباح، والثاني: اللَّذَّة المحظورة، فأمَّا النظرُ المباحُ؛ فأورثني ما ترى، وذكرَ القِصَّة. وستأتي في باب عَفَافِ العُشَّاق.

(1)

كما في «الواضح المبين» (91). والأبيات أربعة في «القرط على الكامل» (ص 354)، وأبو الحسن علي بن إبراهيم جمع في «القرط» حواشي أبي الوليد الوقشي وابن السيد البطليوسي على «الكامل» ، وهي مهمة جدًّا.

(2)

(5/ 262).

ص: 185

والمقصود أنه لم يَرَ النظرَ إلى معشوقه ولا عِشْقَه حرامًا. وجرى على هذا المذهب أبو محمد بن حَزْم في كتاب «طوق الحمامة» له. قالوا: ونحن نحاكمُكم إلى واحدٍ يُعدّ بآلافٍ مؤلَّفةٍ، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية فإنَّه سُئل

(1)

:

ما تقول السَّادة الفقهاء رضي الله عنهم في رجل عاشقٍ في صورةٍ، وهي مُصِرَّةٌ على هجره منذ زمنٍ طويل، لا تزيده إلا بُعدًا، ولا يزداد لها إلا حُبًّا، وعشقُه لهذه الصُّورة من غير فسقٍ ولا خَنَا، ولا هو ممَّن يُدَنِّسُ عشقه بزنى، وقد أفْضى به الحالُ إلى الهلاكِ لا مَحالة؛ إن بقي مع محبوبه على هذه الحالة، فهل يَحِلّ لمن هذه حالُهُ أن يُهْجَرَ؟ وهل يجبُ وِصَالُه على المحبوب

(2)

المذكور؟ وهل يأثم ببقائه على هجره؟ وماذا يجبُ من تفاصيل أمرهما؟ وما لكلِّ واحدٍ منهما على الآخر من الحقوق ممَّا يُوافقُ الشرعَ؟

فأجاب بخطِّه بجوابٍ طويل، قال في أثنائه: فالعاشقُ له ثلاثُ مقامات: ابتداءٌ، وتوسُّطٌ، ونهاية، أمَّا ابتداؤه فواجبٌ عليه فيه

(3)

كتمانُ ذلك، وعدمُ إفشائه للخلق، مراعيًا في ذلك شرائط الفُتوَّة من العفَّة مع

(1)

نشرت هذه الفتيا بتمامها في «جامع المسائل» (1/ 175 - 186)، وسيأتي مناقشة المؤلف لها وبيان أنها لا تصح لشيخ الإسلام.

(2)

«على المحبوب» ساقطة من ت.

(3)

«فيه» ساقطة من ت.

ص: 186

القدرة، فإنْ زادَ به الحال إلى المقام الأوسط؛ فلا بأْس بإعلام محبوبه بمحبَّته

(1)

إيَّاه، فيخفَّ بإعلامه وشكواه إليه ما يجدُ منه، ويحذر من اطلاع الناس على ذلك، فإنْ زادَ به الأمرُ حتى خرجَ عن الحدود والضَّوابط التحقَ بالمجانين والموسوسين.

فانقسمَ العشَّاقُ قسمين: قسمٌ قَنِعُوا بالنظرة بعد النَّظرة، فمنهم من يموتُ وهو كذلك، ولا يُظْهِرُ سِرَّه [46 أ] لأحدٍ، حتى محبوبُه لا يدري به.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من عَشِقَ، فَعَفَّ، فكتمَ، فماتَ؛ فَهُوَ شَهِيدٌ»

(2)

.

والقسمُ الثاني: أباحُوا لمن وصلَ إلى حدٍّ يُخاف على نفسه منه القُبْلَة في الحين، قالوا: لأنَّ تركها قد يُؤدِّي إلى هلاك النفس، والقُبلةُ صغيرةٌ وهلاكُ النفس كبيرةٌ.

وإذا وقعَ الإنسان في مَرَضين داوَى الأخطرَ، ولا خطرَ أعظمُ منْ

(1)

ت: «تعشقه» .

(2)

أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (1/ 349)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (5/ 156، 262)، وابن عدي في «الكامل» (3/ 1263) من طرق عن سويد بن سعيد الحدثاني عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس. واتفق الأئمة على تضعيف هذا الحديث، وسيأتي كلام المؤلف عليه.

ص: 187

قتل النفس، حتَّى أوجبوا على المحبوب مطاوعته على ذلك؛ إذا علمَ أنَّ تركَ ذلك يؤدِّي إلى هلاكه، واحتجُّوا بقول الله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء/31] وبقوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم/32] وبحديث الذي قال: يا رسول الله! إني لقيتُ امرأةً أجنبيةً، فأصبت منها كلَّ شيءٍ إلَاّ النكاح. قال:«أصَلَّيت معنا؟» قال: نعم، قال:«إن الله قد غفر لك»

(1)

فأنزل الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود/114].

ثم قال

(2)

: فإنْ كان هذا السَّائلُ كما زعمَ مِمَّن لا يُدنِّسُ عِشْقَه بزِنى، ولا يَصْحبُه بِخَنَا

(3)

، فَيُنْظَرُ في حاله، فإنْ كان من الطبقة الأولى؛ فالنظر كافٍ لهم؛ إن صدقت دعواهم. وإن كان من الطبقة الثانية فلا بأْس بشكواه إلى محبوبه؛ كي يَرِقَّ عليه ويرحَمَه، وإن غلبَ عليه الحال، فالتحقَ بالثالثة، أُبيح له ما ذكرنا بشرط ألَاّ يكون أُنْمُوذَجًا لفعل القبيح المحرَّم، فيلتحقَ بالكبائر ويستحق

(4)

القتل عند ذلك، ويزولَ عنه

(1)

أخرجه البخاري (526، 4687)، ومسلم (2763) من حديث ابن مسعود.

(2)

أي: شيخ الإسلام في الفتيا المشار إليها.

(3)

ت: «خنا» .

(4)

ت: «ويتحقق» .

ص: 188

العُذر، ويحقَّ عليه كلمةُ العذاب. انتهى ما ذكرناه من جوابه.

قالوا: وقد جوَّزت

(1)

طائفةٌ من فقهاء السَّلف والخلف استمناءَ الإنسان بيده إذا خافَ الزنى، وقد جوَّز طائفةٌ من الفقهاء لمن خاف على نفسه في الصَّوم الواجب من شدَّة الشَّبَق أن تتشقَّق أُنْثَيَاه أن يجامع امرأته، وبَنَوْا على ذلك فرعًا: وهو إذا كان له امرأتان حائضٌ وصائمة؛ فهل يطأُ هذه أو هذه علَى وجهين. ولا ريبَ أنَّ النظرَ والقبلة والضمَّ إذا تضمَّن شفاءَه مِنْ دائه؛ كان أسهلَ من الاستمناء باليد، والوطء في نهارِ رمضان.

وقد جَوَّزَ بعضُ الفقهاء للمرأة إذا خافت الزنى أن تتَّخذ لها شيئًا تُدخله في فرجها، وتُخرجه؛ لئلا تقعَ في محظور الزنى.

ولا ريبَ أنَّ الشَّريعةَ جاءت بالتزام

(2)

الدُّخول في أدنى المفسدتين؛ دفعًا لأعلاهما، وتفويت أدنى المصلحتين؛ تحصيلًا لأعلاهما، فأينَ مفسدةُ النَّظرِ، والقبلةِ، والضمِّ من مفسدة المرض، والجنون، أو الهلاك جملةً؟! فهذا ما احتجَّت به هذه الفرقة، ونحن نذكر ما لها وما عليها في ذلك بحول الله وقوَّته.

(1)

ت: «جوزوا» .

(2)

ت: «بإلزام» .

ص: 189