المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مما يذم في النساء - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي أسماء المحبة

- ‌الباب الثانيفي اشتقاق هذه الأسماء ومعانيها

- ‌الأسماءُ الدالَّة عَلَى مسمًّى واحدٍ نوعان:

- ‌الباب الرابعفي أنَّ العالمَ العُلويَّ والسُّفليَّ إنَّما وُجد بالمحبَّة ولأجلها

- ‌الحركة الإرادية تابعةٌ لإرادة المتحرِّك

- ‌ الملائكة مُوَكَّلَةٌ بالعالم العُلويِّ والسُّفلي

- ‌ الإيمانُ بالملائكة أحدَ أركان الإيمان الذي لا يَتمّ إلا به

- ‌الحبُّ والإرادة أصلُ كلِّ فعلٍ ومبدؤه

- ‌جميعُ حركات العالم العلويِّ والسُّفليِّ تابعةٌ للإرادة والمحبَّة

- ‌ يَنْطِق الكونُ بأجمعه بحمده تبارك وتعالى قالًا وحالًا

- ‌الباب الخامسفي دَواعي المحبَّة ومتعلَّقها

- ‌ المحبَّة تستدعي مشاكلةً ومناسبةً

- ‌داعي الحبِّ مِنَ المُحبِّ أربعة أشياء:

- ‌الباب السادسفي أحكام النظر، وغائلته، وما يجني على صاحبه

- ‌ العينَ مِرْآة القلب

- ‌سكرُ العشق أعظمُ من سكر الخمر

- ‌الباب السابعفي ذكر مناظرةٍ بين القلب والعين،ولوم كلٍّ منهما صاحبه(1)، والحكم بينهما

- ‌ أقوال الأئمة

- ‌الباب التاسعفي الجواب عمَّا احتجَّت به هذه الطَّائفة،وما لها وما عليها

- ‌الشَّهوةُ المجرَّدة لا تلتحق بالضرورات، ولا بالحاجات

- ‌الباب الثاني عشرفي سَكْرَةِ العُشَّاق

- ‌ حقيقة السُّكْرِ وسببه

- ‌الخمرُ شرابُ الأجسام، والعشق شراب النفوس، والألحانُ شراب الأرواح

- ‌الباب الثالث عشرفي أنَّ اللذَّة تابعةٌ لِلْمَحَبَّة في الكمال والنُّقصان

- ‌اللذَّة والألم يَنْشآن عن إدراك المُلائم والمُنافي

- ‌اللذَّة الجثمانيةُ:

- ‌الباب الرابع عشرفيمنْ مدح العِشْقَ وتمنَّاه، وَغَبَطَ صاحبَهعلى ما أُوتِيَهُ مِنْ مُناه

- ‌الباب الخامس عشرفيمن ذمَّ العِشْقَ، وتبرَّم به، وما احتجَّ بهكلُّ فريقٍ على صحَّة مذهبه

- ‌العشق هو الدَّاء الدَّويُّ؛ الذي تذوب معه الأرواح

- ‌العشقُ والهوى أصلُ كلِّ بليَّة

- ‌ الباب السَّادس عشرفي الحُكْم بين الفريقينوفصل النِّزاع بين الطائفتين

- ‌ العشق لا يُحْمدَ مطلقًا، ولا يُذَمُّ مطلقًا

- ‌الباب السابع عشرفي استحباب تخيُّر الصورة الجميلة للوِصالالذي يحبُّه الله ورسوله

- ‌الباب الثَّامن عشرفي أنَّ دواء المُحبِّين في كمال الوصالالذي أباحه ربُّ العالمين

- ‌ هل يجبُ على الزَّوج مجامعةُ امرأته

- ‌«خيرُ الأمور أوساطها»

- ‌الباب التاسع عشرفي ذكر فضيلة الجمالوميل النفوس إليه على كلِّ حال

- ‌ الجمال ينقسمُ قسمين: ظاهر وباطن

- ‌ الجمال الباطن يُزيِّن الصورة الظاهرة

- ‌ فصل في ذكر حقيقة الحُسْنِ والجمال ما هي

- ‌ممَّا يُذمُّ في النساء

- ‌ الباب العشرونفي علامات المحبَّة وشواهدها

- ‌ ذكر أقسام النفوس ومحابِّها

- ‌فصلومنها: إغضاؤه عند نظر محبوبه إليه

- ‌فصلومنها: كثرةُ ذكر المحبوب

- ‌أعلى أنواع ذكر الحبيب

- ‌المحبُّون ثلاثة أقسام:

- ‌فصلومنها: الإقبالُ على حديثه، وإلقاءُ سمعه كلِّه إليه

- ‌فصلومنها: محبَّةُ دار المحبوب وبيته

- ‌فصلومنها: الإسراع إليه في السير

- ‌فصلومنها: محبةُ أحباب المحبوب، وجيرانه، وخدمه

- ‌فصلومنها: انجلاء همومه وغمومه إذا رأى محبوبه أو زاره

- ‌فصلومنها: البهتُ والرَّوعة التي تحصلُ عند مواجهة الحبيب، أو عند سماع ذكره

- ‌ سبب هذه الرَّوعة، والفزع، والاضطراب

- ‌فصلومنها: غيرتُه لمحبوبه وعلى محبوبه

- ‌أقوى الناس دينًا أعظمُهم غيرةً

- ‌للمحب في هذا ثلاثةُ أحوال:

- ‌فصلومنها: سروره بما يُسرُّ به محبوبه

- ‌فصلومنها: حبُّ الوحدة، والأنس بالخلوة، والتفرُّد عن الناس

- ‌فصلومنها: استكانةُ المحبِّ لمحبوبه، وخضوعُه، وذلُّه له

- ‌فصلومنها: امتدادُ النفَس، وتردُّد الأنفاس، وتصاعدُها

- ‌فصلومنها: هجرُه كل سبب يُقصيه من محبوبه

- ‌المحبَّة النافعة

- ‌فصلومنها: الاتفاق الواقع بين المحبّ والمحبوب

- ‌الباب الحادي والعشرونفي اقتضاء المحبة إفراد الحبيب بالحبوعدم التَّشريك بينه وبين غيره فيه

- ‌ المحبة ثلاثة أقسام: محبة الله، والمحبة له وفيه، والمحبة معه

- ‌الباب الثاني والعشرونفي غَيْرَةِ المُحبِّين على أحبابهم

- ‌الغيرة نوعان: غيرةٌ للمحبوب، وغيرة عليه

- ‌فصلومنها: شدةُ الموافقة للحبيب

- ‌الباب الثالث والعشرونفي عفاف المُحبِّين مع أحبابهم

- ‌الباب الرابع والعشرون في ارتكاب سبيل الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام

- ‌الصحيح: أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزاني

- ‌الباب الخامس والعشرون في رحمة المُحبين، والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين

- ‌الباب السادس والعشرون في ترك المحبين أدنى المحبوبَينِ رغبةً في أعلاهما

- ‌النفس الأبيةُ لا ترضى بالدُّون

- ‌الرَّاغبون ثلاثةُ أقسام: راغبٌ في الله، وراغبٌ فيما عند الله، وراغبٌ عن الله

- ‌حياةُ القلب مع الله لا حياة له بدون ذلك أبدًا

- ‌من أسمائه الحسنى: الجميلُ

- ‌من علامات المحبَّة الصَّادقة

- ‌أشدُّ العقوبات العقوبة بسلب الإيمان

- ‌ من ترك لله شيئًا؛ عوَّضه الله خيرًا منه

- ‌الباب الثامن والعشرون فيمن آثر عاجل العقوبة والآلام على لذَّة الوصال الحرام

- ‌الباب التَّاسع والعشرون في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

- ‌لا ينبغي ذم الهوى مطلقًا، ولا مدحه مطلقًا

- ‌ حاكم العقل، وحاكم الدِّين

- ‌ متَّبع الهوى ليس أهلًا أن يطاع

- ‌ متَّبع الهوى بمنزلة عابد الوثن

- ‌ الهوى داءٌ، ودواؤه مخالفته

- ‌ الهوى تخليطٌ، ومخالفته حِمْيَةٌ

- ‌ التَّوحيد واتِّباع الهوى متضادَّان

- ‌ الهوى رِقٌّ في القلب، وغُلٌّ في العُنُق، وقيدٌ في الرِّجل

- ‌ مخالفة الهوى توجبُ شرف الدنيا، وشرف الآخرة

الفصل: ‌مما يذم في النساء

وقال بعضُ السلف: جعل الله البهاء والهوج مع الطول، والدَّهاء والدَّمامة مع القصر، والخير فيما بين ذلك.

و‌

‌ممَّا يُذمُّ في النساء

المرأة القصيرةُ الغليظة، وهي التي عناها الشاعر بقوله

(1)

:

وأنتِ التي حبَّبتِ كلَّ قصيرةٍ

إليَّ ولم تشعُر بذاك القصائرُ

عَنيتُ قصيرات الحِجال ولم أُرِدْ

قِصَار النِّسا شرُّ النِّساء البحاترُ

والبحاتر: هنَّ القصار الغلاظ، وبعضهم يبالغ في هذا حتى يُفضِّل المهازيل على السِّمان.

أنشد الزمخشريُّ

(2)

:

لا أعشقُ الأبيض المنفوخ من سمنٍ

لكنَّني أعشقُ السُّمْر المهازيلا

إني امْرُؤٌ أركب المُهْرَ المضمَّر في

يوم الرِّهان فدَعني واركب الفيلا

وطائفةٌ تفضِّل السِّمان، وتقول: السمنُ نصف الحسن، وهو يسترُ كل عيبٍ في المرأة، ويُبدي محاسنها، وخيار الأمور أوساطها.

ومما يُستحسن في المرأة طول أربعة، وهنَّ: أطرافُها، وقامتُها،

(1)

البيتان لكثير في ديوانه (ص 369)، وإصلاح المنطق (ص 184، 274).

(2)

في ربيع الأبرار (2/ 267)، وانظر البصائر والذخائر (6/ 130)، وديوان الصبابة (ص 105).

ص: 340

وشعرُها، وعنقُها. وقصرُ أربعة: يدها، ورجلها، ولسانها، وعينها، فلا تبذل ما في بيت زوجها، ولا تخرج من بيتها، ولا تستطيل بلسانها، ولا تطمحُ بعينها. وبياض أربعة: لونها، وفرقها، وثغرها، وبياض عينها، وسوادُ أربعة: أهدابها، وحاجبها، وعينها، وشعرها. وحمرةُ أربعة: لسانها، وخدّها، وشفتها [89 ب] مع لعسٍ، وإشراب بياضها بحمرة. ودقَّة أربعة: أنفها، وبنانها، وخصرها، وحاجبها. وغلظ أربعة: ساقها، ومعصمُها، وعجيزتها، وذاك منها. وسعة أربعة: جبينها، ووجهها، وعينها، وصدرها. وضيقُ أربعة: فمها، ومنخرها، وخرقُ أُذُنها، وذاك منها. فهذه أحقُّ النِّساء بقول كُثير

(1)

:

لو أنَّ عَزَّة خاصمتْ شمس الضُّحى

في الحُسْنِ عند مُوَفَّقٍ لقضى لها

وقول الآخر

(2)

:

لو أبصر الوجه منها وهو منهزمٌ

ليلًا وأعداؤُه من خلفه وقفا

وقول الآخر

(3)

:

يا طيب مرعى مُقلةٍ لم تخفْ

بوجنتيْها زجْرَ حُرَّاس

حلَّت بوجهٍ لم يَغِضْ ماؤُه

ولم تَخُضْه أعينُ النَّاس

(1)

ديوانه (ص 394).

(2)

يشبهه بيت للخبز رزي في المحب والمحبوب (1/ 281)، ونهاية الأرب (2/ 95).

(3)

البيتان لبريه المصري في الورقة (ص 102).

ص: 341

وقول الآخر

(1)

:

فلم يزلْ خدُّها رُكنًا ألوذُ به

والخالُ في خدِّها يُغني عن الحجر

وقول الآخر، أنشده المبرد

(2)

:

وأحسنُ من ربع ومن وصف دمنةٍ

ومن جبلي طيٍّ ومن وصفكم سَلْعا

تلاحظُ عيني عاشقين كلاهُما

له مُقلةٌ في خد معشوقه ترعى

وأنشد ثعلب

(3)

:

خُزاعيَّةُ الأطراف مُرِّيَّةُ الحشا

فزاريَّةُ العينين طائيَّةُ الفم

ومكيةٌ في الطيب والعطر دائمًا

تبدَّتْ لنا بين الحطيم وزمزم

ثم قال: وصفها بما يستحسن من كل قبيلة.

وقال صالح بن حسَّان

(4)

يومًا لأصحابه: هل تعرفون بيتًا من الغزل

(1)

البيت لكشاجم في ديوانه (ص 236)، والمحب والمحبوب (1/ 63)، ونهاية الأرب (2/ 75).

(2)

كما في اعتلال القلوب (ص 342).

(3)

انظر: اعتلال القلوب (ص 165)، والشعر لعدي بن الرقاع في ديوانه (ص 268). وبلا نسبة في عيون الأخبار (4/ 27)، والعقد الفريد (6/ 403، 413).

(4)

أخرجه الخرائطي (ص 95 - 96). والخبر والشعر في الأغاني (17/ 129).

ص: 342

في امرأةٍ خفرة؟ قلنا: نعم! بيتٌ لحاتم في زوجته ماوية

(1)

:

يُضيء لها البيتُ الظَّليلُ خصاصه

إذا هي يومًا حاولت أن تبسَّما

قال: ما صنعتُم شيئًا! قلنا: فبيتُ الأعشى

(2)

:

كأنَّ مِشْيتَها منْ بيتِ جارتِها

مَرُّ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عجلُ

قال: جعلها تدخلُ و تخرجُ! قلنا: يا أبا محمد! فأيُّ بيت هو؟ قال: قول أبي قيس بن الأسْلت [90 أ]

(3)

:

وتُكرمُها جاراتُها فيزُرْنها

وتعتلُّ عن إتيانِهنَّ فتُعْذرُ

قلت: وأحسن من هذا كلِّه ما قاله إبراهيم بن محمَّد الملقَّب بنفْطويهِ

(4)

:

وخبَّرها الواشون أنَّ خيالها

إذا نمتُ يَغْشى مضْجَعِي ووِسادي

فخفَّرها فرطُ الحياء فأرسلت

تُعيِّرني غَضْبَى بطولِ رُقادي

(1)

ديوانه (ص 81).

(2)

ديوانه (ص 55).

(3)

له في الأشباه والنظائر (1/ 21)، والعقد الفريد (4/ 226)، وخزانة الأدب (2/ 48)، والمحب والمحبوب (2/ 157)، وديوان المعاني (1/ 243)، وعيون الأخبار (3/ 25).

(4)

انظر اعتلال القلوب (ص 96)، وذم الهوى (ص 240).

ص: 343

ومما يُستحسن في المرأة: رقةُ أديمها، ونعومةُ ملمسه، كما قال قيس بن ذَريح

(1)

:

تعلَّق رُوحي رُوحها قبل خلقنا

ومنْ بعد ما كُنَّا نِطافًا وفي المهدِ

فزاد كما زدْنا فأصبح ناميًا

فليس وإن متنا بِمُنْفَصم العهدِ

ولكنَّه باق على كلِّ حادثٍ

ومؤنسُنا في ظُلمة القبرِ واللَّحْدِ

يكادُ مسيلُ الماءِ يخْدِش جلدها

إذا اغتسلتْ بالماء من رقَّة الجلْد

ولي من أبيات:

يُدمي الحريرُ أديمها من مَسِّه

وأديمُها منه أرقُّ وأنعمُ

فصل

فيا أيُّها العاشقُ سمعُه قبل طَرْفه، فإنَّ الأُذن تعشقُ قبل العين أحيانًا، وجيش المحبَّة قد يدخلُ المدينة من باب السمع، كما يدخلُها من باب البصر، والمؤمنون يشتاقون إلى الجنة وما رأوها، ولو رأوها؛ لكانوا أشدَّ لها شوقًا، والصَّرُورة يكاد قلبُه يذوبُ شوقًا إلى رؤية البيت الحرام، فإنْ شاقتك هذه الصفات، وأخذتْ بقلبك هذه المحاسن:

فاسمُ بعينيك إلى نسوةٍ

مهُورُهنَّ العملُ الصالحُ

(1)

له في ديوانه (ص 82)، واعتلال القلوب (ص 183)، وعيون الأخبار (4/ 145)، والأغاني (9/ 194، 196)، وفوات الوفيات (3/ 207)، وتزيين الأسواق (1/ 135). ونسبت لقيس بن الملوح في الموشى (ص 146). ولجميل في ديوانه (ص 77).

ص: 344

وحدِّثِ النَّفس بعشق الأُلى

في عِشْقِهِنَّ المتْجَرُ الرَّابح

واعْملْ على الوصلِ فقد أمكنتْ

أسبابُه ووقتُها رائحُ

(1)

فصل

وقد وصف الله سبحانه نساء الجنَّة بأحسنِ الصِّفات، وحلَّاهنَّ بأحسن الحُليِّ، وشوَّق الخُطَّاب إليهن، حتى كأنَّهم يرونهنَّ رؤية العين.

قال [90 ب] الطبرانيُّ

(2)

: حدَّثنا بكرُ بنُ سهل الدمياطيُّ، حدّثنا عمرو بن هشام البيروتي، حدثنا سليمان بن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمِّه، عن أُمّ سلمة قالت: قلت يا رسول الله! أخبرني عن قول الله عز وجل: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة/22] قال: «حُورٌ: بيضٌ، عينٌ: ضخامُ العيون، شعرُ الحوراء بمنزلة جناح النَّسْرِ» .

قلت: أخبرني عن قوله عز وجل: {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة/23]. قال: «صفاؤهنَّ صفاء الدُّرِّ الذي في الأصداف؛ الذي لم تَمَسَّه الأيدي» قلت: يا رسول الله! أخبرني عن قوله: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن/70]. قال: «خيراتُ الأخلاق، حِسَانُ الوجوه» .

(1)

الأبيات لأبي نواس في ديوانه (ص 618)، وبعضها في البيان والتبيين (3/ 198).

(2)

في الكبير (23/ 368)، والأوسط (3165). وفي إسناده سليمان بن أبي كريمة، ضعّفه أبو حاتم وابن عدي، كما في مجمع الزوائد (7/ 118، 119).

ص: 345

قلت: أخبرني عن قوله: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات/49]. قال: «رِقَّتُهُنَّ، كرِقَّة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة ممَّا يلي القِشْرَ وهو الغِرْقِئ» .

قلت: يا رسول الله! أخبرني عن قوله عز وجل: {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة/37]. قال: «هُنَّ اللواتي قُبضن في دار الدُّنيا عجائزَ، رُمْصًا، شُمطًا، خلقهنَّ الله بعد الكِبَرِ، فجعلهنَّ عذارى، عُرُبًا: متعشِّقَاتٍ، متحبِّبَاتٍ، أترابًا: على ميلاد واحد» .

قلت: يا رسول الله! نساء الدُّنيا أفضلُ أم الحور العين؟ قال: «بل نساء الدُّنيا أفضلُ من الحُور العين، كفضل الظِّهارةِ على البِطانة» .

قلت: يا رسول الله! وبِمَ ذلك؟ قال: «بصلاتهنَّ، وصيامهنَّ، وعبادتهنَّ الله، ألبس الله وجوهَهن النُّور، وأجسادَهنَّ الحرير، بيضُ الألوان، خُضْرُ الثياب، صُفْرُ الحُليِّ، مجامِرُهنَّ الدرُّ، وأمشاطهنَّ الذَّهب، يقُلْن: نحن الخالداتُ، فلا نموت، ونحن النَّاعماتُ، فلا نَبْأسُ أبدًا، نحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ألا ونحن الرَّاضياتُ، فلا نسخط أبدًا، طُوبى لمنْ كنَّا له وكان لنا» .

قلت: يا رسول الله! المرأةُ منّا تتزوَّج الزَّوجين، والثلاثة، والأربعة، ثم تموتُ، فتدخل الجنَّة، ويدخلون معها، من يكون زوجُها؟

قال: «يا أُمَّ سلمة! إنها تُخيَّر، فتختار أحسنهم خُلُقًا، فتقول: أي ربِّ

ص: 346

إن هذا كان أحسنهم [19 أ] معي خُلُقًا في دار الدُّنيا، فزوِّجنيه. يا أُمَّ سلمة! ذهب حسنُ الخُلُق بخيري الدُّنيا والآخرة».

فصل

وقد وصفهنَّ تعالى بأنهنَّ كواعب، وهي جمع كاعِبٍ، وهي المرأة التي قد تكعَّب ثديُها، واستدار، ولم يتدَلَّ إلى أسفل، وهذا من أحسن خلق النِّساء، وهو ملازمٌ لسنِّ الشباب.

ووصفهنَّ بالحُور، وهو حُسْنُ ألوانِهنَّ وبياضُهُ، قالت عائشة

(1)

رضي الله عنها: البياض نصفُ الحسن.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا تمَّ بياضُ المرأة في حسن شعرها؛ فقد تمَّ حسنُها. والعرب تمدحُ المرأة بالبياض، قال الشاعر

(2)

:

بِيضٌ أوانسُ ما هممْنَ بريبةٍ

كظِباءِ مكَّة صَيْدُهنَّ حرامُ

يُحْسَبْنَ من لين الحديثِ زوانيًا

ويَصُدُّهُنَّ عن الخَنَا الإسلامُ

والعِينُ: جمعُ عَيْنَاء، وهي المرأةُ الواسعة العين مع شدَّة سوادها، وصفاء بياضها، وطولِ أهدابها وسوادها.

(1)

أخرج عنها الخرائطي (ص 165).

(2)

البيتان لبشار بن برد في البيان والتبيين (1/ 276)، والمختار من شعر بشار (ص 197). ولعروة ابن أذينة في الحماسة البصرية (2/ 111، 112). وبلا نسبة في الموشى (ص 162، 163)، والزهرة (1/ 119)، ومصارع العشاق (2/ 177)، وديوان الصبابة (ص 210).

ص: 347

ووصفهنَّ بأنهنَّ خيْراتٌ حسان، وهو جمع خيْرة، وأصلها خيِّرة بالتَّشديد، كطَيِّبة، ثم خُفِّف الحرف، وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهرًا وباطنًا، فكمل خَلْقها، وخُلُقها، فهنَّ خيراتُ الأخلاق، حسانُ الوجوه.

ووصفهنَّ بالطَّهارة، فقال:{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة/25] طَهُرْنَ من الحيض والبول والنَّجوِ وكلِّ أذًى يكون في نساء الدُّنيا، وطهُرت بواطنُهنَّ من الغيرة، وأذى الأزواج، وتجنِّيهنَّ عليهم، وإرادة غيرهم.

ووصفهنَّ بأنَّهنَّ مَقْصُوراتٌ في الخيام، أي: ممنوعاتٌ من التبرُّج، والتبذل لغير أزواجهنَّ، بل قد قُصِرْنَ على أزواجهنَّ، لا يخرجن من منازلهم، وقُصِرْن عليهم، فلا يُرِدن سواهم.

ووصفهنَّ سبحانه بأنهنَّ قاصراتُ الطَّرْف، وهذه الصِّفةُ أكمل من الأولى، ولهذا كنَّ لأهل الجنتين الأوليين، فالمرأة منهنَّ قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له، ورضاها به، فلا يتجاوزُ طرفُها عنه إلى [91 ب] غيره، كما قيل

(1)

:

أذودُ سَوَامَ الطَّرْفِ عنكَ وماله

على أحدٍ إلا عليك طريقُ

وكذلك حال المقصورات أيضًا، ولكن أولئك مقصوراتٌ، وهؤلاء قاصرات.

(1)

البيت لقيس بن ذريح في ديوانه (ص 128)، والتذكرة الحمدونية (6/ 164). ولمضرس بن قرط في أمالي القالي (2/ 257). وانظر سمط اللآلي (2/ 893).

ص: 348

ووصفهنَّ سبحانه بقوله: {أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة/36 ــ 37] وذلك لفضل وطءِ البكر، وحلاوته، ولذاذته على وطء الثَّيِّب.

قالت عائشة: يا رسول الله! لو مررت بشجرة قد رُعي منها، وشجرةٍ لم يُرْعَ منها؛ ففي أيِّهما كنت تُرتِع بعيرك؟ قال:«في التي لم يُرع منها»

(1)

يعني: أنه لم يتزوَّج بكرًا غيرها.

وصحَّ عنه: أنَّه قال لجابر لما تزوَّج امرأة ثيبًا: «هلَّا بكرًا تُلاعبُها وتُلاعبك؟»

(2)

.

فإن قيل: فهذه الصفة تزول بأوَّل وطْءٍ، فتعود ثيِّبًا، قيل: الجواب من وجهين:

أحدهما: أنَّ المقصود من وطء البكر أنَّها لم تذُق أحدًا قبل وطئها، فتُزْرع محبته في قلبها، وذلك أكملُ لدوام العشرة، فهذا بالنسبة إليها، وأمَّا بالنسبة إلى الواطئ؛ فإنَّه يَرْعى روضةً أُنفًا، لم يرْعَها أحدٌ قبله، وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن/56] ثم بعد هذا تستمرُّ له لذّةُ الوطءِ حال زوال البكارة.

والثاني: أنه قد رُوي: «أنَّ أهل الجنة كلما وطئ أحدهم امرأةً؛ عادت بكرًا، كما كانت، فكلَّما أتاها؛ وجدها بكرًا»

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (5189، 5190)، ومسلم (2448).

(2)

أخرجه البخاري (443، 5079)، ومسلم (715).

(3)

سيأتي الحديث قريبًا.

ص: 349

وأما العُرُبُ: فجمعُ عروب، وهي التي جمعت إلى حلاوة الصُّورة حسن التأتي، والتبعُّل، والتحبُّب إلى الزوج بدَلِّها، وحديثها، وحلاوة منطقها، وحسن حركاتها.

قال البخاريُّ في صحيحه

(1)

: وأمَّا الأتراب: فجمع تِرْب، يقال: فلانٌ تِرْبي: إذا كنتما في سنٍّ واحدةٍ، فهنَّ مستوياتٌ في سنِّ الشباب، لم يُقصِّرْ بهنَّ الصغر، ولم يُزْرِبهنَّ الكِبَرُ، بل سنُّهن سنُّ الشباب لأكمل الشبان.

وشبههنَّ تعالى باللُّؤْلُؤ المكنون، وبالبيض المكنون، وبالياقوت والمرجان، فخذ من اللؤلؤ صفاء لونه، وحسن بياضه، ونعومة ملمسه، وخذ من البيض المكنون ــ[92 أ] وهو المصون؛ الذي لم تنله الأيدي ــ اعتدال بياضه، وشوْبه بما يُحسِّنهُ من قليل صُفرةٍ، بخلاف الأبيض الأمهق، المتجاوز في البياض، وخذ من الياقوت والمرجان حسن لونه في صفائه، وإشرابه بيسيرٍ من الحمرة.

فصل

فاسمع الآن وصفهنَّ بخبر الصادق المصدوق، فإن مالت النفسُ وحدَّثتك بالخِطبة، وإلا فالإيمان مدخول. فروى مسلمٌ في صحيحه

(2)

(1)

لم أجده فيه. وفي تفسير سورة (ص) منه: «أتراب: أمثال» .

(2)

رقم (2834). وأخرجه أيضًا البخاري (3327).

ص: 350

من حديث أيُّوب عن محمد بن سيرين قال: إما تفاخروا، وإما تذاكروا: الرجالُ أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّل زُمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلةَ البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دُرِّي في السماء إضاءةً، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان يُرى مُخُّ سُوقِهما من وراء اللَّحم، وما في الجنَّة عَزَبٌ» .

وقال الطبراني في معجمه

(1)

: حدَّثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي الفسوي قالا: حدَّثنا سعيدُ بن سليمان، حدثنا فضيل بن مرزوق عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أوَّلُ زُمرةٍ يدخلون الجنة كأنَّ وجوههُم صورة القمر ليلة البدرِ، والزُّمرة الثانية على أحسن كوكب دُرِّي في السماء، لكلِّ واحد منهم زوجتان من الحُور العين، على كُل زوجة سبعون حُلَّةً، يُرى مُخُّ سُوقهما من وراء لُحُومِهِمَا وحُللِهما، كما يُرى الشَّرابُ الأحمرُ في الزُّجاجة البيضاء» .

قال الحافظُ أبو عبد الله المقدسي

(2)

: هذا عندي على شرط الصَّحيح.

(1)

في الكبير (10321)، والأوسط (919). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 411): إسناده صحيح.

(2)

هو ضياء الدين صاحب «المختارة» . وكذا حكم عليه المؤلف في حادي الأرواح (ص 431).

ص: 351

وفي الصَّحيحين

(1)

من حديث هَمَّام بن مُنبِّه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوَّلُ زُمْرةٍ تلِجُ الجنَّة صُوَرُهُم على صورة القمر ليلة البدْر، لا يبصُقُون فيها، ولا يمتخِطُون فيها، ولا يتغوَّطُون فيها، آنيتُهُم وأمشاطُهُمُ الذَّهبُ والفضَّةُ، ومجامِرُهُم الأَلُوَّة، ورشحُهُم المِسْك، [92 ب] ولكلِّ واحد منهم زوجتان، يُرى مخُّ ساقِهما من وراء اللَّحْم من الحُسن، لا اختلاف بينهُم ولا تباغُض، قُلُوبهم على قلب واحدٍ، يُسبِّحون الله بكرةً وعشيةً» .

وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده

(2)

: حدَّثنا يونسُ بنُ محمد، حدَّثنا الخزْرَج بن عثمان السَّعديُّ، حدَّثنا أبو أيوب مولى عثمان بن عفان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قِيْدُ سوْطِ أحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خيْرٌ من الدُّنْيَا ومِثْلِها معَهَا. [ولقَابُ قوسِ أحدِكُم من الجنَّة خيرٌ من الدُّنيا ومثلِها معها]

(3)

، ولنصيف امرأة من الجنَّة خيرٌ من الدُّنيا ومثْلِها معها» قال: قلت: يا أبا هريرة! وما النَّصيف؟ قال: الخِمار، فإذا كان هذا قدْر الخمار، فما قَدْرُ لابِسِه؟!

وقال ابن وهب

(4)

: أنبأنا عمرو أنَّ درَّاجًا أبا السَّمح حدَّثه عن أبي

(1)

البخاري (3245)، ومسلم (2834).

(2)

2/ 345. ورجاله ثقات، كما في مجمع الزوائد (10/ 115).

(3)

زيادة من المسند.

(4)

أخرجه أحمد (3/ 75). ودرّاج ضعيف.

ص: 352

الهيثم عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرَّجُل في الجنَّة لتأتيه امْرأةٌ تضرِبُ على منكبه، فينظر وجهه في خدِّها أصفى من المرآة، وإن أدْنى لُؤلُؤة عليها لتُضيءُ ما بين المشرق والمغرب، فتسلمُ عليه، فيرد عليها السلام، ويسألها: من أنت؟ فتقول: أنا المزيدُ، وإنهُ ليكونُ عليها سبعون ثوبًا أدناها مثل النعمان. فينفُذُها بصرُه، حتَّى يرَى مُخَّ ساقِها من وراء ذلك، وإن عليها التيجان، وإنَّ أدنى لُؤلُؤة عليها لتُضيءُ مابين المشرق والمغرب» . وبعض هذا الحديث في جامع الترمذي

(1)

، وهو على شرطه.

وفي صحيح البخاري

(2)

من حديث أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لغَدْوةٌ في سبيل الله، أوْ روْحَةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولقابُ قوس أحدِكُم، أو موضع قِيْدِه ـ يعني: سوطه ـ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، ولو اطَّلعت امرأةٌ من نساء الجنَّة إلى الأرض؛ لملأت ما بينهما ريحًا، وأضاءتْ ما بينهما، ولنصيفُها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها» .

وفي المسند

(3)

من حديث محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «للرَّجُلِ من أهل الجنَّة زوْجتان من الحُور العين، على كُلِّ واحدةٍ سبعون حُلَّةً، [93 أ] يُرى مُخُّ ساقها من وراء الثياب» .

(1)

رقم (2565).

(2)

رقم (2792، 2796، 6568). وأخرجه أيضًا مسلم (1880).

(3)

2/ 345.

ص: 353

وقال الترمذي: حدَّثنا عمرو أنَّ درَّاجًا أبا السمح حدَّثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخُدريِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن أدْنى أهْل الجنَّة منزلة الَّذي له ثمانُون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجةً، ويُنْصَبُ لهُ قُبَّةٌ من لُؤلُؤٍ، وزبرْجَدٍ، وياقُوتٍ كما بيْنَ الجابِية وصنْعاء» رواه الترمذي

(1)

.

وفي معجم الطبراني

(2)

من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خُلِق الحورُ العينُ من الزَّعْفَرانِ» .

فصل

فإن أردت سماع غنائهنَّ؛ فاسمع خبره الآن، ففي معجم الطَّبراني

(3)

من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أزْواج أهْلِ الجَنَّة ليُغَنِّين أزْواجَهنُ بأحْسَن أصْوَاتٍ، ما سمعها أحدٌ قطُّ، إن ممَّا يُغَنِّينَ به: نحنُ الخيِّرَاتُ الحِسَانُ، أزواجُ قوم كرام، ينْظُرُون بقُرَّة أعيانٍ، وإنَّ مما يُغنِّين به: نحنُ الخالداتُ، فلا نمُتْنَهْ، نحنُ الآمناتُ، فلا نخفْنَهْ، نحنُ المُقيماتُ، فلا نظعَنَّهْ» .

(1)

برقم (2562). وأخرجه أيضًا أحمد (3/ 75) وإسناده ضعيف.

(2)

الكبير (7813)، والأوسط (290). وفي الإسناد ضعفاء كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 419).

(3)

الصغير (734)، والأوسط (4914). ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي (10/ 419).

ص: 354

وقد قيل في قوله تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم/15]: إنه السماع الطيبُ، ولا ريب أنه من الحبرة.

وقال عبد الله بن محمد البغوي

(1)

: حدَّثنا عليٌّ، أنبأنا زهيرٌ عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن عليٍّ رضي الله عنه قال:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر/73] حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها؛ وجدوا عنده شجرةً، يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما، فكأنَّما أُمروا به، فشربوا منها، فأذهب الله ما في بطونهم من قذًى، أو أذًى، أو بأْس، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم، ولم تتغيَّر أشعارُهم بعدها أبدًا، ولم تشعث رؤوسهم، كأنهم ادَّهَنُوا بالدِّهان، ثُمَّ انتهوا إلى خزنة الجنة، فقالوا:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر/73] ثم تلقَّاهم الولدان يطيفون بهم، كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم يقدم عليهم [93 ب] من غيبته، فيقولون له: أبشر بما أعدَّ الله تعالى لك من الكرامة، ثم ينطلق غلامٌ من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحُور العين، فيقول: جاء فلان باسمه الذي كان يُدْعى به في الدنيا قالت: أنت رأيتُهُ؟ قال: أنا رأيتُه، وهو بِأَثري، فيستخفّ إحداهنَّ الفرحُ حتى تقومُ على أُسْكُفَّة بابها، فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه، فإذا جندلُ اللؤلؤ فوقه صرحٌ أخضر، وأحمرُ، وأصفرُ من كل لون، ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فإذا مثل البرق، ولولا أن الله ــ عز وجل ــ قدَّره؛ لألمَّ أن يذهب بصره،

ص: 355

ثم طأطأ رأسه، فإذا أزواجه، وأكوابٌ موضوعة، ونمارقُ مصفوفة، وزرابيُّ مبثوثة، ثم اتكأوا فقالوا:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف/43] ثم ينادي منادٍ: تحيَوْنَ فلا تموتون أبدًا، وتقيمون فلا تظعنون أبدًا، وتصحُّون فلا تمرضون أبدًا.

وفي سنن ابن ماجه

(1)

من حديث أُسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل مُشمِّرٌ للجنة! فإن الجنة لا خطر لها، هي وربِّ الكعبة نُورٌ يتلألأُ، وريحانةٌ تهتزُّ، وقصرٌ مشيدٌ، ونهرٌ مطّرد، وثمرةٌ نضيجة، وزوجةٌ حسناءُ جميلةٌ، وحُلَلٌ كثيرةٌ، ومقامٌ في أبَدٍ في دارٍ سليمةٍ، وفاكهة وخُضرةٍ، وحبْرةٍ ونعمةٍ، في محلَّةٍ عالية بهيَّةٍ» . قالوا: نعم يا رسول الله! نحنُ المشمِّرون لها، قال:«قولوا: إن شاء الله» . فقال القوم: إن شاء الله.

فصل

فهذا وصفُهنَّ وحسنُهنَّ، فاسمع الآن لذَّةَ وصالهنَّ، وشأنه، ففي مسند أبي يعلى الموصلي

(2)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا طويلًا وفيه: «فأقولُ: يا ربِّ! وعدْتني الشَّفاعةَ فشفِّعْنِي في أهلِ الجنَّة يدخلون الجنَّة، فيقول الله: قد شفَّعْتُك وأذِنْتُ لهم في دُخُولِ الجنَّة» .

(1)

رقم (4332). وهو حديث ضعيف.

(2)

لم أجده في مسنده.

ص: 356

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي بعثني بالحقَّ! ما أنتم في الدُّنيا [94 أ] بأعرف بأزواجكم، ومساكنكُم من أهل الجنة بأزواجهم، ومساكنهم، فيدخلُ رجُل منهمْ على ثنتين وسبعين زوجةً مما يُنشئُ الله، وثنتين من ولد آدم، لهما فضلٌ على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا، يدخلُ على الأُولى منْهُما في غُرفةٍ من ياقُوتةٍ، على سرير من ذهب مُكَلّلٍ باللُّؤْلُؤِ، عليه سبعون زوجًا من سُندُسٍ وإسْتَبْرقِ، وإنهُ ليضعُ يده بين كتفيها، ثُمَّ ينظرُ إلى يده من صدرها، ومن وراء ثيابها، وجلدها، ولحمها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها، كما ينظر أحدُكم إلى السِّلك في قصبة الياقوت، كبدُهُ لها مرآةٌ ــ يعني: وكبدُها له مرآةٌ ــ فبينا هُو عندها لا يملُّها ولا تملُّه، ولا يأتيها من مرةٍ إلا وجدها عذراء، ما يفتُرُ ذكرُه، ولا تشتكي قُبُلها، فبينا هو كذلك؛ إذ نُودي: إنا قد عرفنا أنك لا تملُّ، ولا تمل إلا أنه لا منيَّ ولا منيَّةَ إلا أن يكون لك أزواجٌ غيرها، فيخرج، فيأتيهنَّ واحدةً واحدةً، كُلما جاء واحدةً قالت: والله ما في الجنة شيءٌ أحسنُ منك! وما في الجنة شيءٌ أحبُّ إليَّ منك» . وهذا قطعةٌ من حديث الصُّور الطويل الذي رواه إسماعيل بن نافع

(1)

.

وفي صحيح مسلم

(2)

من حديث أبي موسى الأشعريِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمؤمن في الجنَّة لخيمة من لُؤلؤةٍ واحدةٍ مُجَوَّفةٍ، طولُها

(1)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور (609).

(2)

رقم (2838).

ص: 357

سِتُّون ميلًا، للمؤمن فيها أهلُون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضُهُم بعضًا» ورواه البخاري

(1)

وقال: ثلاثون ميلًا.

وفي جامع الترمذي

(2)

من حديث أنسٍ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُعْطى المؤمنُ في الجنة قوَّة كذا وكذا من النساء» قلت: يا رسول الله! ويطيقُ ذلك؟ قال: «يُعْطى قوة مئة» . قال: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ.

وفي معجم الطَّبراني

(3)

من حديث أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله! [94 ب] هل نَصِلُ إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: «إنَّ الرجل ليصلُ في اليوم إلى مئة عذراء» وفي لفظٍ: قلنا: يا رسول الله! نُفضي إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: «إي والذي نفسي بيده! إنَّ الرجل ليُفْضي في الغداة الواحدة إلى مئة امرأة عذراء» . قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي: ورجالُ هذا الحديث عندي على شرط الصَّحيح.

وفي حديث لقيط العقيليِّ الطويل؛ الذي رواه الطبراني

(4)

، وعبدُ الله بن أحمد في السُّنَّة وغيرهما: أنه قال: قلت: يا رسول الله! أولنا فيها أزواجٌ مصلحات؟ قال: «الصالحاتُ للصالحين، تَلذُّوا بهنَّ مثل لذَّاتِكُم

(1)

رقم (4879).

(2)

رقم (2539).

(3)

الصغير (795)، والأوسط (722).

(4)

في الكبير (19/ 211)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/ 13 - 14). قال الهيثمي: إسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط.

ص: 358

في الدنيا ويلذُّوا بكم غير أن لا توالُد».

وذكر ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن دَرَّاج، عن عبد الرحمن بن حُجَيرة، عن أبي هريرة أنه قال: أنطأُ في الجنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم والذي نفسي بيده! دحْمًا دحْمًا، وإذا قام عنها رجعتْ مُطَهَّرة بكرًا»

(1)

.

قال الحافظ أبو عبد الله

(2)

: دَرّاجٌ اسمه: عبد الرحمن بن سمعان المصري، وثَّقهُ يحيى بن معين؛ وأخرج عنه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، وكان بعض الأئمة ينكر بعض حديثه، والله أعلم.

وفي معجم الطَّبراني

(3)

من حديث أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنَّة إذا جامعوا نساءهم، عُدْنَ أبكارًا» .

وفيه أيضًا

(4)

من حديث أبي أُمامة أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُئل: هل يتناكح أهل الجنة؟ فقال: «بِذَكرٍ لا يملُّ، وشهوة لا تنقطعُ، دحمًا دحمًا» .

(1)

أخرجه ابن حبان (2633 - موارد)، وأبو نعيم في صفة الجنة (393). وإسناده حسن.

(2)

هو الضياء المقدسي، انظر قوله في كتابه «صفة الجنة» (ص 131، 132).

(3)

الصغير (249)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 417): فيه معلى بن عبدالرحمن الواسطي وهو كذاب.

(4)

في الكبير (7674، 7721). وفيه هاشم بن زيد الدمشقي وهو ضعيف.

ص: 359

وفيه

(1)

أيضًا عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيجامع أهل الجنَّة؟ قال: «دَحْمًا دَحْمًا، ولكن لا منيَّ ولا منيةَ» .

نظم الشيخ شمس الدين المؤلف

(2)

فيا خاطب الحُور الحسان وطالبًا

لوصالهنَّ بجنَّة الحيوان

لو كنت تدري من خطبت ومن طلبـ

ـت بذلتَ ما تحوي من الأثمان

أو كنت تدري أين مسكنها جعلـ

ـت السَّعي منك لها على الأجفان [95 أ]

أسرِعْ وحُثَّ السَّير جُهدك إنما

مسراك هذا ساعةٌ لزمان

فاعشق وحدّثْ بالوصال النفس وابْـ

ذُلْ مهرَها ما دُمْت ذا إمكان

واجعل صيامك دون لقياها ويو

م الوَصْل يوم الفطر من رمضان

واجعل نعوت جمالها الحادي وسِرْ

نحو الحبيب ولست بالمُتواني

فاسمع إذًا أوصافها ووصالها

واجعل حديثك ربة الإحسان

يا من يطوف بكعبة الحسن التي

حُفَّت بذاك الحِجْرِ والأركان

ويظلُّ يسعى دائمًا حوْل الصَّفا

ويحثّ من مسعاه كلَّ أوان

ويروم قُربان الوصال على مِنًى

والخَيْفُ يحْجُبه عن القُربان

فلذا تراه مُحرمًا أبدًا ومو

ضعُ حِلِّه منه فليس بدان

يبغي التمتُّع مُفرِدًا عن حبِّه

متجرِّدًا يبغي شفيع قِران

(1)

في الكبير (7479). وفي إسناده خالد بن يزيد، وهو متروك.

(2)

في ش: «فصل» بدل هذا العنوان. والأبيات ـ مع بعض الاختلاف ـ للمؤلف من نونيته المعروفة بالكافية الشافية (ص 258، 259، 278، 280 ـ 284). وفي البيت الأول خزم بزيادة الفاء.

ص: 360

ويظلُّ بالجمرات يرمي قلبه

هذي مناسكُه بكل أوانِ

والنَّاسُ قد قَضَّوا مناسكَهم وقد

حَثُّوا ركائبهم إلى الأوطان

وحدتْ بهم هممٌ لهم وعزائمٌ

نحو المنازل ربَّة الإحسان

رُفِعتْ لهم في السَّيْر أعلامُ الوصا

ل فشمَّروا يا خيبة الكسلان

ورأوا على بُعدٍ خيامًا مُشرفا

تٍ مشرقاتِ النُّور والبُرهان

فتيمَّموا تلك الخيام فآنسوا

فيهنَّ أقمارًا بلا نُقصان

من قاصرات الطَّرْفِ لا تبغي سوى

محبوبها من سائر الشُّبَّانِ

قصَرتْ عليه طرفها من حُسْنِهِ

والطَّرْفُ منه مُطلقٌ بأمان

ويحار منه الطرفُ في الحسن الذي

قد أُعطيت فالطرفُ كالحيران [95 ب]

ويقولُ لمَّا أن يُشاهد حُسنها

سبحان مُعطي الحُسن والإحسان

والطرف يشربُ من كؤوس جمالها

فتراه مثل الشَّارب النَّشْوانِ

كمُلتْ خلائقُها وأُكمِل حسنُها

كالبدْر ليل السِّتِّ بعد ثمانِ

والشمس تجري في محاسن وجهها

والليل تحت ذوائب الأغصان

فيظلُّ يَعجب وهو موضعُ ذاك من

ليل وشمس كيف يجتمعان

ويقول سبحان الذي ذا صنعُهُ

سبحان مُتْقِنِ صنْعة الإنسانِ

لا الليلُ يُدركُ شمسها فتغيب عنـ

ـد مجيئه حتَّى الصباح الثَّاني

والشَّمسُ لا تأتي فتُخفي الليلَ بل

يتصاحبان كلاهُما أخوانِ

وكلاهُما مرآةُ صاحبه إذا

ما شاء يُبصِرُ وجهه يريان

فيرى محاسن وجهه في وجهها

وترى محاسنها به بعيانِ

حُمْر الخُدود ثُغورُهنَّ لآلئٌ

سودُ العيون فواترُ الأجفانِ

ص: 361

والبرقُ يبدو حين يبسمُ ثغرُها

فيضيءُ سقف القصرِ بالجُدْرانِ

ريانة الأعطاف منْ ماء الشَّبا

ب فغصنُها بالماء ذو جريان

والقدُّ منها كالقضيب اللَّدْنِ في

حُسن القوام كأوسط القُضبانِ

لما جرى ماء النعيم بغُصنِها

حملَ الثمارَ كثيرةَ الألوانِ

فالوردُ والتفاح والرمّان في

غصنٍ تعالى غارسُ البستانِ

(1)

في مغرسٍ كالعاج تَحسبُ أنه

عالي النَّقا أو واحدُ الكُثْبان

لا الظَّهرُ يلحقُه وليس ثُديُّها

بلواحقٍ للبطن أو بدوانِ

لكنَّهنَّ كواعبٌ ونواهدٌ

فثُدِيُّهُنَّ كأحسن الرُّمانِ

والجيدُ ذو طولٍ وحُسنٍ في بيا

ضٍ واعتدال ليس ذا نُكران

يشكو الخَلِيُّ بِعادَه فله مدى الـ

أيام وسواسٌ من الهِجرانِ [96 أ]

والمِعْصمان فإن تشأْ شبِّهْهما

بسبيكتين عليهما كفَّانِ

كالزُّبْدِ لينًا في نعومة ملْمَسٍ

أصدافُ درٍّ دُوِّرت بوزانِ

والصَّدْرُ مُتَّسِعٌ على بطنٍ لها

والخَصْرُ منها مغرمٌ بثمانِ

وعليه أحسن سُرَّةٍ هي زينةٌ

للبطن قد غارت من الأعكان

حُقٌّ من العاج استدار وحشوهُ

حبَّاتُ مسكٍ جلَّ ذو الإتقان

وإذا نزلت رأيت أمرًا هائلًا

ما للصِّفات عليه من سُلطان

لا الحيضُ يغشاه ولا بولٌ ولا

شيء من الآفات في النِّسوانِ

فخذان قدْ حَفَّا به حرسًا لهُ

فجنابُه في عزَّةٍ وصيانِ

(1)

البيتان ساقطان من ت.

ص: 362

قاما بخدمته هو السُّلطان بيـ

ـنهما وحقٌّ طاعةُ السُّلطان

وهو المطاعُ إذا هو استدعى الحبيـ

ـبَ أتاه طوعًا وهو غيرُ جبانِ

وجماعُها فهو الشفاء لصبِّها

فالصَّبُّ منه ليس بالضَّجْران

وإذا أتاها عادت الحسناء بِكْـ

ـرًا مثل ما كانت مدى الأزمانِ

وهو الشَّهيُّ ألذُّ شيء هكذا

قال الرسولُ لمنْ له أُذنانِ

يا ربِّ غفرًا قد طغت أقلامُنا

يا ربِّ معذرةً من الطُّغيان

أقدامُها منْ فضَّةٍ قد رُكِّبتْ

منْ فوقها ساقان ملتفَّانِ

والسَّاقُ مثلُ العاج ملمومٌ به

مخُّ العِظام تنالُه العينانِ

والرّيحُ مسْكٌ والجُسومُ نواعمٌ

واللونُ كالياقوت والمرْجانِ

وكلامُها يسبي العقول بنغمةٍ

زادتْ على الأوتار والعيدانِ

وهي العرُوب بشكلها وبِدلِّها

وتحبُّبٍ للزَّوْجِ كلَّ أوانِ [96 ب]

أترابُ سِنٍّ واحدٍ متماثلٍ

سنِّ الشَّباب لأجمل الشُّبَّانِ

بكرٌ فلم يأْخذ بكارتها سوى الـ

محبوب منْ إنسٍ ولا من جان

يُعْطى المُجامعُ قُوّة المئةِ التي اجـ

ـتمعت لأقوى واحد الإنسانِ

ولقد أتانا أنَّه يغْشى بيو

م واحدٍ مئةً من النِّسوانِ

ورجالُه شرْطُ الصَّحيح رَوَوا لهم

فيه وذا في مُعجمِ الطَّبراني

وبذاك فُسِّر شغلُهم في سورةٍ

منْ بعدِ فاطر يا أخا العِرْفانِ

هذا دليلٌ أنَّ قدْر نسائهم

عددٌ كمنزلهم من الإيمان (1)

(1)

الشطر الثاني في ش: «متفاوت بتفاوت الإيمان» .

ص: 363

وبه يزولُ توهُّم الإشكال عنْ

تلك النُّصوص بمنَّة الرَّحمن

في بعضها مئة أتى وأتى بها

سبعون أيضًا ثمَّ جا ثِنتانِ

فتفاوُتُ الزَّوجات مثلُ تفاوت

الدَّرجات فالأمران مختلفانِ

وبقوَّة المئةِ التي حصلتْ له

أفضى إلى مئةٍ بلا خورانِ

وأعفُّهم في هذه الدُّنيا هو الـ

أقوى هناك لِزُهْدِهِ في الفاني

فاجمعْ قُواك لما هُناك وغُضَّ منـ

ـك الطَّرْف واصبرْ ساعةً لزمانِ

ما هاهنا والله ما يَسوَى قُلا

مة ظُفْرِ واحدةٍ من النِّسوانِ

ونصِيفُها خيرٌ من الدُّنيا وما

فيها إذا كانت من الأثمان

لا تؤثرِ الأدنى على الأعلى فإنْ

تفعلْ رجعْتَ بذلَّةٍ وهوانِ

وإذا بدت في حُلَّةٍ منْ لبسها

وتمايلت كتمايل النَّشوانِ

تهتزُّ كالغُصن الرَّطيب وحملُه

وردٌ وتُفّاحٌ على رُمَّانِ

وتبخترت في مشيها ويحقُّ ذا

ك لمثلها في جنَّة الحيوان [97 أ]

ووصائفٌ منْ خلفها وأمامها

وعلى شمائلها وعن أيمانِ

كالبَدْرِ ليلةَ تمِّه قدْ حُفَّ في

غَسَقِ الدُّجى بكواكب الميزان

فلسانُه وفؤادُه والطَّرْفُ في

دهشٍ وإعجابٍ وفي سبحانِ

تستنطقُ الأفواه بالتَّسبيح إذ

تبدو فسبحان العظيم الشَّانِ

والقلبُ قبل زفافها في عُرسه

والعُرْسُ إثرَ العُرْسِ مُتَّصلانِ

حتى إذا ما واجهتْه تقابلا

أرأيتَ إذ يتقابلُ القمرانِ

فسلِ المتَيَّمَ هل يَحِلُّ الصَّبْرُ عنْ

ضمٍّ وتقبيلٍ وعن فلتانِ

وسل المتيَّم أين خلَّف صَبْره

في أيِّ وادٍ أم بأيِّ مكانِ

ص: 364

وسلِ المُتيَّم كيف حالتُه وقدْ

مُلِئتْ له الأذُنان والعينانِ

منْ منطقٍ رقَّت حواشيه ووجْـ

ـهٍ كمْ به للشَّمسِ منْ جريان

وسلِ المُتيَّم كيف عيشتُه إذًا

وهما على فرشيْهما خِلْوانِ

يتساقطان لآلئًا منثورةً

منْ بَيْنِ منظومٍ كنظم جُمانِ

وسلِ المُتيَّم كيف مجلسُهُ مع الـ

ـمحبوب في رَوْحٍ وفي ريحانِ

وتدور كاساتُ الرَّحيق عليهما

بأكُفِّ أقمارٍ من الولدان

يتنازعان الكأْسَ هذا مرةً

والخَوْدُ أخرى ثُمَّ يتَّكئانِ

فيضمُّها وتضمُّه أرأيت معْـ

ـشوقين بعد البُعْدِ يلتقيانِ

غابَ الرَّقيبُ وغابَ كلُّ منكِّدٍ

وهما بثوبِ الوَصْلِ مُشْتملانِ

أتراهما ضَجِرينِ من ذا العيشِ لا

وحياةِ ربك ما هما ضجرانِ

(1)

يا عاشقًا هانت عليه نفسُه

إذْ باعها غبْنًا بكل هوانِ

أترى يليقُ بعاقلٍ بيعُ الذي

يبقى ــ وهذا وصفُه ــ بالفاني؟!

(1)

البيت ساقط من ت.

ص: 365