الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس
في دَواعي المحبَّة ومتعلَّقها
الدَّاعي قد يُراد به: الشعورُ الذي تتبَعُه الإرادةُ والميل، فذلك قائمٌ بالمحبِّ، وقد يُراد به: السببُ الذي لأجله وُجدت المحبَّةُ، وتعلّقت به، وذلك قائمٌ بالمحبوب، ونحن نُريد بالدَّاعي: مجموعَ الأمرين، وهو ما قام بالمحبوب من الصِّفات التي تدعو إلى محبَّته، وما قامَ بالمُحبِّ من الشُّعور بها، والموافقة التي بين المحبِّ والمحبوب، وهي الرابطة بينهما، وتُسمَّى بين المخلوق والمخلوق: مناسبةً وملاءَمةً.
فهاهنا ثلاثة أُمور: وصفُ المحبوب وجمالُه، وشعورُ المحبِّ
(1)
به، والمناسبةُ، وهي العلاقة والملاءمة التي بين المحبِّ والمحبوب، فمتى قَوِيتِ الثَّلاثةُ وكَمُلَت؛ قوِيت المحبَّةُ واستحكمت، ونقصانُ المحبَّة وضعفُها بحسب ضعفِ هذه الثلاثة أو نَقْصِها
(2)
، فمتى كان المحبوبُ في غاية الجمال، وشعورُ المحبِّ بجماله أتمَّ شُعور، والمناسبةُ التي بين الرُّوحين قوية؛ فذلك الحبُّ اللازم الدائم، وقد يكون [26 أ] الجمالُ في نفسه ناقصًا، لكن هو في عين المحبِّ كامل،
(1)
ش: «المحبوب» .
(2)
ت: «بعضها» .
فتكون قوَّة محبته بحسب ذلك الجمال عنده، فإنَّ حُبَّك الشيءَ
(1)
يُعمي ويُصِمُّ، فلا يرى المحبُّ أحدًا أحسن من محبوبه. كما يُحْكى أنَّ عَزَّة دخلت على الحجَّاج فقال لها: يا عزَّةُ! والله ما أنتِ كما قال فيك كُثَيِّر، فقالت: أيُّها الأمير إنَّه لم يَرَني بالعين التي رأيتَني بها.
ولا ريبَ أنَّ المحبوبَ أحلى
(2)
في عين مُحبِّه، وأكبرُ في صدره من غيره، وقد أفصحَ بهذا القائلُ في قوله
(3)
:
فو الله ما أدري أزِيدَتْ ملاحةً
…
وحُسْنًا على النِّسوان أم ليس لي عَقْلُ
وقد يكون الجمالُ مُوَفَّرًا، لكنَّه ناقصُ الشعور به، فَتَضْعُفُ محبَّتُه لذلك، فلو كُشفَ له عن حقيقته لأسر قلبَه.
ولهذا أُمِرَ النساءُ بسَتْرِ وجوههن عن الرِّجال، فإنَّ ظهورَ الوجه يُسفِرُ عن كمال
(4)
المحاسن، فيقع الافتتان، ولهذا شُرع للخاطب أن ينظرَ إلى المخطوبة، فإنَّه إذا شاهد حسنَها وجمالَها؛ كان ذلك أدعى إلى حصول المحبَّة والأُلفة بينهما، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إذا أراد
(1)
ش: «للشيء» . وهذا الحديث سبق تخريجه.
(2)
ت: «أجلّ» .
(3)
البيت للحكم الخضري في «الحماسة» (2/ 72)، و «سمط اللآلي» (1/ 16).
(4)
في هامش ت: «جمال» .
أحدُكُم خِطبة امْرَأةٍ فلينظُر إلى ما يدعُوه إلى نِكَاحِها، فإنَّه أَحْرَى أن يُؤْدَم بَيْنَهُمَا»
(1)
أي: يُلاءم ويُوافقَ ويُصْلَحَ، ومنه الإدام الذي يُصْلَحُ به الخبز. وإذا وُجِد ذلك كلُّه، وانْتَفَتِ المناسبة والعَلاقة التي بينهما لم تَسْتحكم المحبَّة؛ وربما لم تقع ألبتةَ، فإن التناسُبَ الذي بين الأرواح من أقوى أسباب المحبَّة.
فكلُّ امرئ يصبُو إلى مَنْ يُناسبُهْ
(2)
وهذه المناسبة نوعان: أصليةٌ من أصل الخِلْقة، وعارضةٌ بسبب المجاورة أو الاشتراك في أمرٍ من الأمور، فإنَّ من ناسبَ قصدُك قصدَه حصلَ التوافقُ بين رُوحِك ورُوحِه، فإذا اختلفَ القصدُ زالَ التوافُق، فأمَّا التناسُب الأصلي، فهو اتفاقُ أخلاق، وتشاكُلُ أرواح، وشوقُ كلِّ نفسٍ إلى مُشاكلها، فإنَّ شِبْهَ الشيء
(3)
يَنجذبُ إليه بالطبع، فتكون الرُّوحان
(1)
أخرجه أحمد (3/ 334، 360)، وأبو داود (2082)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 165)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 84) من حديث جابر،، وإسناده حسن.
والجزء الأخير من الحديث أخرجه أحمد (4/ 244، 245، 246)، والترمذي (1087)، والنسائي (6/ 69)، وابن ماجه (1866) من حديث المغيرة بن شعبة. وفي الباب عن أنس وغيره من الصحابة.
(2)
صدره: وكلُّ امرئ يهفو إلى من يحبه.
وهو بلا نسبة في «مدارج السالكين» (2/ 386)، و «وبدائع الفوائد» (2/ 673).
(3)
ت: «سببه الذي» .
متشاكلتين [26 ب] في أصل الخِلقة، فينجذب كلٌّ منهما إلى الأخرى بالطبع، وقد يقعُ الانجذاب والميلُ بالخاصِّيَّةِ، وهذا لا يُعلَّل، ولا يُعرَف سَبَبُه، كانجذاب الحديد إلى الحجر المِغْنَاطيس. ولا ريبَ أنَّ وقوعَ هذا القَدْر بين الأرواح أعظمُ من وقوعه بين الجمادات، كما قيل:
محاسنُها هَيُولى كلِّ حسنٍ
…
ومِغْنَاطيسُ أَفْئِدَةِ الرِّجال
وهذا الذي حَمَلَ بعضَ الناس على أن قال: إنَّ العشقَ لا يقفُ على الحُسْن والجمال، ولا يلزمُ من عَدَمِهِ عَدَمُه، وإنما هو تشاكُل النفوسِ وتمازُجُها في الطباع المخلوقة فيها، كما قيل
(1)
:
وما الحُبُّ من حُسْنٍ ولا مِنْ مَلاحةٍ
…
ولكنَّه شيءٌ به الرُّوح تَكْلَفُ
قال هذا القائل: فحقيقتُه أنَّه مِرْآة يُبْصرُ فيها المحبُّ طباعَه وَرِقَّته في صورة محبوبه، ففي الحقيقة لم يحبَّ إلا نفسه وطباعَه ومُشاكِلَه.
وقال بعضُهم لمحبوبه: صادفتُ فيك جوهرَ نفسي، ومُشَاكِلَتَها
(2)
في كلِّ أحوالها، فانبعثتْ نفسي نحوَك، وانقادتْ إليك، وإنَّما هويتُ نفسي.
(1)
البيت لمحمد بن داود الظاهري في «مصارع العشاق» (2/ 58)، و «ذم الهوى» (ص 302)، و «ديوان الصبابة» (ص 258)، و «تزيين الأسواق» (2/ 59). وبلا نسبة في «التمثيل والمحاضرة» (ص 212).
(2)
ت: «مشاكلها» .
وهذا صحيحٌ من وجهٍ، فإنَّ المناسبة عِلَّةُ الضَّمِّ شَرْعًا وقدرًا، وشاهِدُ هذا بالاعتبار: أنَّ أحبَّ الأغذية إلى الحيوان ما كان أشبَه بجوهر بدنه، وأكثرَه مناسبةً له، وكلَّما قويت المناسبة بين الغاذي والغذاء كان ميلُ النفس إليه أكثر، وكلَّما بعدت المناسبة حصلت النُّفرةُ عنه، ولا ريبَ أنَّ هذا قَدْرٌ زائدٌ على مجرَّد الحسن والجمال، ولهذا كانت النفوسُ الشريفة الزكيَّةُ العُلْويَّة تعشقُ صفاتِ الكمال بالذَّات، فأحبُّ شيء إليها العلمُ، والشَّجاعةُ، والعفَّةُ، والجودُ، والإحسانُ، والصبر
(1)
، والثباتُ؛ لمناسبة هذه الأوصاف لجوهرها، بخلاف النفوس اللئيمة الدنيَّة فإنَّها بِمعْزِلٍ عن محبَّة هذه الصفات، وكثيرٌ من الناس يحملُه على الجود والإحسان فرطُ عشقه ومحبَّتِه له، واللَّذَّةُ التي يجدُها
(2)
في بذله، كما قال المأمون: لقد حُبِّبَ إليَّ العفوُ حتى خشيتُ ألَّا أُؤْجَر عليه [27 أ].
وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى
(3)
: تعلَّمتَ هذا العلمَ لله؟ فقال: أمَّا لله فعزيز، ولكنْ شيءٌ حُبِّبَ إليَّ، ففعلتُه.
وقال آخر: إنِّي لأفرحُ بالعطاءِ، وأَلْتَذُّ به أعظمَ مما يفرحُ الآخذُ بما يأخذه مني.
(1)
ش: «والتصبر» .
(2)
بعدها في ش زيادة «المحب» .
(3)
«بن حنبل
…
تعالى» ساقطة من ت.
وفي هذا قيل في مدح بعض الكُرَماء
(1)
:
وتأْخذُه عندَ المَكَارِم هِزَّةٌ
…
كما اهْتَزَّ عندَ البَارحِ الغُصُنُ الرَّطْبُ
قال شاعرُ الحماسة
(2)
:
تراهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا
…
كأنَّك تُعطيه الذي أنتَ سائِلُهْ
وكثيرٌ من الأجواد يعشقُ الجودَ أعظمَ عِشق، فلا يصبِرُ عنه مع حاجته إلى ما يجودُ به، ولا يقبلُ فيه عَذْلَ عاذلٍ، ولا تأخذُه فيه لومةُ لائم، وأما عشَّاق العلم فأعظمُ شَغَفًا به وعشقًا له من كل عاشقٍ بمعشوقِه، وكثيرٌ منهم لايشْغَلُهُ عنه أجملُ صورة من البشر.
وقيل لامرأةِ الزُّبَيْر بن بكَّار ـ أو غيره ـ: هنيئًا لكِ؛ إذ ليست لك ضَرَّة، فقالت: والله لهذه الكتبُ أضرُّ عليَّ من عِدَّة ضرائرَ!
(1)
البيت لأبي الشغب العبسي كما في «الحماسة» (1/ 154)، و «بهجة المجالس» (1/ 773، 774). وفي «شرح الحماسة» للتبريزي (1/ 144): قال أبو عبيدة: الشعر للأقرع بن معاذ القشيري. والقصيدة التي منها هذا البيت بلا نسبة في «أمالي القالي» (2/ 3)، وانظر:«سمط اللآلي» (2/ 629، 630).
(2)
هو زهير بن أبي سلمى كما في «ديوانه» (ص 142)، والبيت ليس في «الحماسة» ، ولا زهير من شعرائها. نعم نُسِب البيت لعبد الله بن الزَّبير الأسدي ضمن قصيدة له في «الأغاني» (14/ 227)، وهو من شعراء الحماسة.
وحدثني أخو شيخنا عبد الرحمن بن تيمية عن أبيه، أنه
(1)
قال: كان الجَدُّ إذا دخل الخلاءَ يقول لي: اقرأْ في هذا الكتاب، وارفعْ صوتَك حتى أسمع.
وأعرف مَنْ أصابه مرَضٌ من صُداع، وحُمَّى، وكان الكتابُ عند رأسه، فإذا وجد إفاقةً؛ قرأ فيه، فإذا غُلب؛ وضعَه، فدخل عليه الطبيبُ يومًا وهو كذلك، فقال: إنَّ هذا لا يَحِلُّ لك، فإنَّك تُعِينُ على نفسك، وتكونُ سببًا لفوات مطلوبك.
وحدَّثني شيخنا قال: ابتدأ بي مرضٌ، فقال لي الطبيب: إنَّ مطالعتَك، وكلامَك في العلم يزيدُ المرضَ. فقلت له: لا أصبرُ عن
(2)
ذلك، وأنا أُحاكمك إلى علمك: أليستِ النفسُ إذا فرحتْ وسُرّت قويت الطبيعةُ، فدفعتِ المرض؟ فقال: بلى! فقلت له: فإنَّ نفسي تُسَرُّ بالعلم، فتقوى به الطبيعة، فأجدُ راحةً. فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا، أو كما قال.
فعشقُ صفاتِ الكمال من أنفع العشق وأعلاه، [27 ب] وإنَّما يكونُ بالمناسبة التي بينَ الرُّوح وتلك الصِّفاتِ، ولهذا كان أعلى الأرواح وأشرفُها أعلاها وأشرفها معشوقًا، كما قيل
(3)
:
(1)
«أنه» ساقطة من ش.
(2)
ش: «على» .
(3)
البيت لابن الفارض في «ديوانه» (ص 90).
أنت القتيلُ بكلِّ مَنْ أحْبَبْتَه
…
فاخْتَرْ لنفسِكَ في الهوى مَنْ تَصْطفي
فإذا كانت المحبَّةُ بالمشاكلة والمناسبة ثبتت وتمكَّنت، ولم يُزِلْها إلا مانعٌ أقوى من السَّبب، وإذا لم تكن بالمشاكلة فإنَّما هي محبةٌ لغرضٍ من الأغراض، تزولُ عند انقضائه وتضمحِلُّ. فمن أحبّكَ لأمرٍ ولَّى عند انقضائه، فداعي المحبَّة وباعثُها إن كان غَرَضًا للمحبِّ لم يكن لمحبَّته بقاءٌ، وإن كان أمرًا قائمًا بالمحبوب سريعَ الزوال والانتقال زالت محبَّتُه بزواله، وإن كان صفةً لازمةً له
(1)
فمحبَّتُه باقيةٌ ببقاء داعيها، ما لم يُعارضْه معارضٌ يُوجب زوالَها، وهو إمَّا تغيُّرُ حالٍ في المُحبِّ، أو أذًى من المحبوب، فإنَّ الأذى إما أن يُضْعِفَ المحبَّة، أو يُزِيلَها.
قال
(2)
:
خذي العفوَ منِّي تستديمي مَوَدَّتي
…
ولا تَنْطِقي في سَوْرتي حين أغضَبُ
(1)
«له» ساقطة من ش.
(2)
البيتان لشريح القاضي في «الوحشيات» (ص 185)، و «عيون الأخبار» (3/ 11)، و «حماسة الظرفاء» (1/ 163)، ولأبي الأسود الدؤلي في «ديوانه» (ص 96)، و «الأشباه والنظائر» للخالديين (2/ 274)، و «عيون الأخبار» (4/ 77)، ولأسماء بن خارجة الفزاري في «الأغاني» (18/ 128)، و «الموشي» (ص 149)، والتذكرة الحمدونية (3/ 339)، ولعامر بن عمرو البكائي في «حماسة» ابن الشجري (ص 64)، والحماسة البصرية (2/ 71).
فإنِّي رأيتُ الحُبَّ في القلبِ والأذى
…
إذا اجتمعا لم يَلْبَثِ الحُبُّ يَذْهَبُ
وهذا موضعٌ انقسمَ المحبُّون فيه قسمين: ففرقةٌ قالت: ليس
(1)
بحبٍّ صحيح ما يزيله الأذى، بل علامَةُ الحبِّ الصَّحيح: أنَّه لا ينقص بالجفوة، ولا يُذهِبه الأذى. قالوا: بل المحب يلتذُّ بأذى محبوبه له، كما قال أبو الشِّيص
(2)
:
وقفَ الهوى بي حَيْثُ أنتِ فليس لي
…
متَأخَّرٌ عَنْهُ ولا مُتَقَدَّمُ
وأهَنْتِني فأَهنتُ نفسيَ جاهِدًا
…
ما مَنْ يهونُ عليكِ مِمَّن أكرم
(3)
أَشبهتِ أعدائي فصِرْتُ أُحِبُّهم
…
إذ كان حظِّي منك حظِّي منهمُ
أجدُ الملامةَ في هواكِ لذيذةً
…
حبًّا لِذكْركِ فلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ
[28 أ] فهذا هو الحبُّ على الحقيقة، فإنَّه متضمنٌ لغاية الموافقة،
(1)
ش: «ليست» .
(2)
تقدمت هذه الأبيات مع تخريجها.
(3)
ش: «يكرم» ، ويُروى بالروايتين كما سبق.
بحيث قد اتَّحَدَ
(1)
مرادُه ومرادُ محبوبه من نفسه، فأهانَ نفسَه موافقةً لإهانةِ محبوبه له، وأحبَّ أعداءَه لمَّا أشبههم محبوبُه في أذاه. وهذا وإن كانت الطِّباع تأْباه؛ لكنه مُوجَبُ الحبِّ التامِّ ومقتضاه.
وقالت فرقةٌ: بل الأذى مزيلٌ للحبِّ، فإنَّ الطِّباعَ مجبولةٌ على كراهة من يُؤذيها، كما أنَّ القلوبَ مجبولةٌ على حبِّ من يُحسِنُ إليها. وما ذكرَه أُولئك فدعوى منهم.
والإنصاف أن يُقال: يجتمعُ
(2)
في القلب بغضُ أذى الحبيب وكراهتُه ومحبَّتُه من وجهٍ آخر، فيحبُّه ويُبغض أذاه، وهذا هو الواقع، والغالبُ منهما
(3)
يوازي المغلوبَ ويبقى الحكم له، وقد كشفَ عن هذا المعنى الشاعرُ في قوله
(4)
:
ولو قُلْتِ طَأْ في النَّارِ أَعْلَمُ أنَّه
…
رِضًا لكِ أو مُدْنٍ لنا مِنْ وِصَالِك
لقدَّمتُ رِجْلي نحوَها فَوَطِئْتُها
…
هُدًى منكِ لي أو ضَلَّةً من ضَلالِك
(1)
ش: «ا تخذ» .
(2)
ت: «يجمع» .
(3)
ش: «منها» .
(4)
الأبيات لابن الدُّمينة في «الحماسة» (2/ 62)، و «ديوانه» (ص 17 - 18)، وانظر هناك التخريج واختلاف النسبة (ص 218).
وإنْ ساءَني أن نِلْتِنِي بِمَسَاءةٍ
…
فقد سَرَّني أنِّي خَطَرْتُ بِبَالِك
فهذا قد أنصفَ حيث أخبر: أنَّه يسوؤهُ
(1)
أن ينالَه محبوبُه بمساءة، ويسرُّه خطورُه بباله، لا كمن
(2)
ادَّعى أنَّه يلتذُّ بأذى محبوبه له، فإنَّ هذا خارج عن الطِّباع، اللهمَّ إلا أن يكون ذلك الأذى وسيلةً إلى رضا المحبوب وقربه، فإنَّه يلتذُّ به إذا لاحظ غايتَهُ وعاقبتَه، فهذا يقعُ. وقد أخبرني بعضُ الأطباء قال: إني أَلْتَذُّ بالدواء الكريه إذا علمتُ ما يحصُل به من الشِّفاء، وأضعُه عَلَى لساني، وأَتَرَشَّفُه محبةً له.
ومن هذا التذَاذُ المُحبِّينَ بالمشاقِّ التي تُوصلُهم إلى وصَال محبوبهم وقُربِه، وكلَّما ذكروا روحَ الوصَال، وأنَّ ما هم فيه طريقٌ موصلٌ إليهم؛ لذَّ لهم مُقَاساتُه، وطابَ لهم تحمُّلُه، كما قال
(3)
:
لها أحاديثُ من ذِكْرَاكَ تشْغَلُهَا
…
عن الشَّرابِ وتُلْهيها عن الزَّاد
(1)
ش: «يسره» تحريف.
(2)
ش: «لكن» .
(3)
الأبيات لإدريس بن أبي حفصة في «ديوان المعاني» (1/ 63)، و «مجموعة المعاني» (ص 95)، و «زهر الآداب» (1/ 507، 508)، و «الحماسة البصرية» (1/ 157). وتُنسب لمروان بن أبي حفصة في «ديوانه» (ص 53).