الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أآخرُ شيءٍ أنتِ في كلِّ هجْعةٍ
…
وأوَّلُ شيءٍ أنتِ وقتَ هُبوبي
وذكر المحبوب لا يكون على نسيانٍ مستحكم، فإنَّ ذكره بالقوَّة في نفس المحبِّ، ولكن لضيق المحلِّ يرد عليه ما يُغيِّب ذكره، فإذا زال الوارد؛ عاد الذِّكر كما كان.
و
أعلى أنواع ذكر الحبيب
أن يحبِس المحبُّ لسانه على ذكره، ثمَّ يحبسُ قلبه على لسانه، ثم يحبسُ قلبَه ولسانه على شهودِ مذكوره. وكما أن الذِّكر من نتائج الحبِّ، فالحبُّ أيضًا من نتائج الذكر، فكلٌّ منهما يُثْمِرُ الآخر، وزرعُ المحبَّة إنَّما يُسْقَى بماء الذِّكر، وأفضلُ الذِّكر ما صدر عن المحبَّة.
فصل
ومن علاماتها: الانقيادُ لأمر المحبوب، وإيثارُه على مراد المُحبِّ، بل يتَّحدُ مرادُ المُحبِّ والمحبوب. وهذا هو الاتِّحاد الصَّحيح، لا الاتحاد الذي يقوله إخوان النَّصارى من الملاحِدة، فلا اتِّحاد إلَّا في المراد، وهذا الاتِّحاد علامة المحبة الصادقة، بحيث يكون مرادُ المحبوب والمحبِّ واحدًا، فليس بمحبٍّ صادقٍ من له إرادةٌ تُخالف مُراد محبوبه منه، بل هذا مريدٌ من محبوبه، لا مريدٌ له، وإن كان مريدًا له؛ فليس مُريدًا لمُراده.
و
المحبُّون ثلاثة أقسام:
منهم منْ يُريد من المحبوب، ومنهم من
يُريد المحبوبَ، ومنهم من يُريد مراد المحبوب مع إرادته للمحبوب، وهذا أعلى أقسام المحبِّين، وزهدُ هذا أعلى أنواع الزُّهد، فإنَّه قد زهد في كل إرادةٍ تُخالف مُراد محبوبه، وبين هذا وبين الزُّهد في الدُّنيا أعظمُ ممَّا بين السماء والأرض.
والزُّهد خمسةُ [100 أ] أقسام: زهدٌ في الدُّنيا، وزهدٌ في النَّفس، وزهدٌ في الجاه والرِّئاسة، وزهدٌ فيما سوى المحبوب، وزهدٌ في كلِّ إرادةٍ تُخالف مُراد المحبوب، وهذا إنَّما يحصلُ بكمال المُتابعة لرسول الحبيب.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران/31] فجعل سبحانه متابعة رسوله سببًا لمحبَّتهم له، وكونُ العبد محبوبًا لله أعلى من كونه محبًّا له، فليس الشأْنُ أن تحبَّ الله، ولكن الشأن أن يُحبَّك الله، فالطاعةُ للمحبوب عنوانُ محبته، كما قيل
(1)
:
تعصي الإله وأنت تزعمُ حبَّه
…
هذا مُحالٌ في القياس بديعُ
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته
…
إنَّ المُحبَّ لمن يُحِبُّ مُطيعُ
(1)
الشعر لمحمود الوراق في العقد الفريد (3/ 215)، وزهر الآداب (1/ 98)، والكامل للمبرد (2/ 513)، والتمثيل والمحاضرة (ص 12). وفي بهجة المجالس (1/ 395) لمحمود الوراق وتنسب للشافعي. وتنسب أيضًا لذي الرمة في زيادات الديوان (ص 670).