الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وعشرين ومائة
فيها توفي أبو سعد [1] سعيد بن أبي سعيد المقبريّ [2] المحدّث المكثر عن أبي هريرة. وروى عن سعد بن أبي وقّاص.
قال ابن سعد: ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين.
قال الذهبيّ في «العبر» [3] : قلت: ما سمع منه ثقة في اختلاطه. انتهى.
وفيها مات- في ربيع الآخر- الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي، وكانت خلافته عشرين سنة، إلّا أشهرا [4] وكانت داره عند الخوّاصين بدمشق، فعمل منها السلطان نور الدّين مدرسة، وكان ذا رأي وحزم وحلم، وجمع للمال [5] عاش أربعا وخمسين سنة، وكان أبيض سمينا، أحول سديدا، حسن الكلام، شكس الأخلاق، شديد الجمع للمال، قليل البذل.
وكان حازما متيقظا لا يغيب عنه شيء من أمر ملكه.
قال المسعودي [6] : كان هشام أحول فظا غليظا يجمع الأموال، ويعمر
[1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 159) :«أبو سعيد» وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال.
[2]
في الأصل: «القبري» وهو تحريف من الناسخ. وأثبت ما في المطبوع.
[3]
(1/ 160) ، وقد نقل المؤلف رحمه الله الترجمة كلها عنه.
[4]
في الأصل، والمطبوع:«إلّا شهرا» وأثبت ما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف.
[5]
في «العبر» : «وجمع المال» وهو تحريف، فيصحح فيه.
[6]
في «مروج الذهب» (3/ 217) .
الأرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحلبة، فاجتمع له فيها من خيله وخيل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس، وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من الخيل، واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب ولأمتها، واصطنع الرّجال وقوّى الثّغور [1] واتخذ القنيّ والبرك بمكّة، وغير ذلك من الآثار [2] التي أتى عليها داود بن علي في صدر الدّولة العبّاسية.
وفي أيامه عمل الخزّ [3] فسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه، ومنعوا ما في أيديهم فقلّ الإفضال، وانقطع الرّفد، ولم ير زمان أصعب من زمانه.
وكان زيد بن عليّ يدخل على هشام، فدخل عليه يوما بالرّصافة [4] فلما مثل بين يديه، لم ير موضعا يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه.
فقال له: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله. فقال له هشام:
أسكت لا أم لك، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة، وأنت ابن أمة، فقال: يا أمير المؤمنين إن لك جوابا، إن أحببت أجبتك به، وإن أحببت أمسكت عنك، قال: لا بل أجب. قال: إن الأمهات لا يقعدن بالرّجال عن الغايات، وقد كانت أمّ إسماعيل أمة لأمّ إسحاق- صلى الله عليهما وسلم- فلم يمنعه ذلك أن ابتعثه الله نبيا [5] ، وجعله للعرب أبا، وأخرج من صلبه خير البشر محمدا- صلى الله عليه وسلم أفتقول لي كذا وأنا ابن فاطمة، وابن عليّ؟ وقام وهو يقول:
[1] جمع ثغر، وهو موضع المخافة من فروج البلدان. انظر «مختار الصحاح» ص (84) .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«والآبار» وهو تصحيف، والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 217) .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«الحزر» ، والتصحيح من «مروج الذهب» .
والخزّ: من الثياب. انظر «مختار الصحاح» ص (174) .
[4]
قال ياقوت: الرصافة: غربي الرّقة، بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام، وكان يسكنها في الصيف. «معجم البلدان» (3/ 47) .
[5]
في الأصل، والمطبوع:«فلم يمنعه ذلك إلى أن ابتعثه الله نبيا» بزيادة «إلى» وليس لوجودها مبرر، ولعلها من زيادات النساخ، وقد أبقيت العبارة كما جاءت في «مروج الذهب» .
شرّده الخوف وأزرى به
…
كذاك من يكره حرّ الجلاد
منخرق الخفّين يشكو الجوى [1]
…
تنكثه [2] أطراف مرو حداد
قد كان في الموت له راحة
…
والموت حتم في رقاب العباد
إن يحدث الله له دولة
…
يترك آثار العدا كالرّماد
وعرض هشام يوم الجند بحمص، فمرّ به رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور، فقال له هشام: ما حملك على أن تربط [3] فرسا نفورا؟
فقال الحمصيّ لا والرّحمن الرّحيم يا أمير المؤمنين، ما هو بنفور، وإنما أبصر حولك فظن أنه عين غزوان [4] البيطار فنفر، فقال له هشام: تنحّ، فعليك وعلى فرسك لعنة الله، وكان غزوان [4] نصرانيا ببلاد حمص، كأنه هشام في حوله وكشفته.
وبينما هشام ذات يوم جالسا [خاليا][5] وعنده الأبرش الكلبيّ، إذ طلعت وصيفة لهشام عليها حلّة، فقال للأبرش: مازحها، فقال لها الأبرش: هبي لي حلّتك، فقالت: لأنت أطمع من أشعب، فقال [لها] هشام: ومن أشعب؟
فقالت: كان مضحكا بالمدينة، وحدثته [6] ببعض أحاديثه، فضحك هشام وقال: اكتبوا إلى إبراهيم بن هشام- وكان عامله على المدينة- في حمله إلينا، فلما ختم الكتاب، أطرق هشام طويلا. ثم قال: يا أبرش، هشام يكتب إلى بلد رسول الله- صلى الله عليه وسلم ليحمل إليه [منه] مضحك؟ لاها الله، ثم تمثل:
[1] في الأصل: «الوحي» وهو تحريف، وفي المطبوع:«الوجا» وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«ينكبه» والتصحيح من «مروج الذهب» .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«ترتبط» وما أثبته من «مروج الذهب» .
[4]
في الأصل والمطبوع: «عرون» وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب» .
[5]
زيادة من «مروج الذهب» .
[6]
في الأصل، والمطبوع:«قال: مضحكة بالمدينة، وحدثه» وهو تحريف غير المعنى في سياق الكلام، والتصحيح من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 221) .
إذا أنت طاوعت الهوى قادك الهوى
…
إلى بعض ما فيه عليك مقال
وأوقف الكتاب.
ودخل هشام بستانا له ومعه ندماؤه، فطافوا به وفيه من كل الثمار، فجعلوا يأكلون ويقولون: بارك الله لأمير المؤمنين، فقال: وكيف يبارك لي فيه وأنتم تأكلون؟!، ثم قال: ادع قيّمه، فدعا به، فقال له: اقلع شجره واغرس فيه زيتونا حتّى لا يأكل أحد منه شيئا.
وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الأمر، فقال له: يا هشام أتؤمّل الخلافة وأنت جبان بخيل! قال: أي والله العليم الحليم [1] .
وذكر الهيثم بن عديّ، والمدائني وغيرهما، أن السّوّاس من بني أميّة ثلاثة: معاوية، وعبد الملك، وبهشام ختمت أبواب السياسة وحسن السّير [2] وأن المنصور كان في أكثر أموره، وتدبيره، وسياسته، متبعا لهشام في أفعاله، لكثرة ما يستحسنه من أخبار هشام وسيره. انتهى ملخصا.
ومن نوادره ما روي أنه تمادى في الصيد فوقع على غلام، فأمره ببعض الأمر، فأبى الغلام، وأغلظ له في القول، وقال له: لا قرّب الله دارك، ولا حيّا مزارك، في قصة طويلة، فيها أنه أمر بقتله وقرّب له نطع الدّم، فأنشأ الغلام يقول:
نبّئت أنّ الباز علّق مرّة
…
عصفور برّ ساقه المقدور
فتكلّم العصفور في أظفاره
…
والباز منهمك عليه يطير
ما في ما يغني لبطنك شبعة
…
ولئن أكلت فإنّني لحقير
فتعجّب الباز المدلّ بنفسه
…
عجبا وأفلت ذلك العصفور [1]
فضحك هشام، وقال: يا غلام احش فاه درّا وجوهرا.
وفيها توفي أشعث بن أبي الشّعثاء [2] المحاربيّ [3] الكوفي.
وآدم بن عليّ الشيبانيّ الكوفي الذي روى عن ابن عمر.
وأبو [بشر] جعفر بن أبي وحشيّة، وإياس [4] ، صاحب سعيد بن جبير.
وقد روى عن عبّاد بن شرحبيل الصحابي.
وأبو عبد الله محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس الهاشمي، والد المنصور، والسّفّاح، وله ستون سنة، وكان جميلا، وسيما، مهيبا، نبيلا، وكان دعاة العباسيين يكاتبونه ويلقّبونه بالإمام.
وسبب انتقال الأمر إلى العباسيين [5] ، أن الشيعة كانت تقصد إمامة محمّد بن الحنفيّة بعد أخيه الحسين، ونقلوها بعده إلى ولده أبي هاشم، فلما حضرت أبا هاشم الوفاة ولا عقب له، أوصى إلى محمّد بن علي المذكور،
[1] الأبيات في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 288) ط: مؤسسة الرسالة، وقد نقل المؤلف الخبر الأخير عنه بتصرف.
[2]
في الأصل، والمطبوع:«أشعث بن أبي الشّعث» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 160) ، وانظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (164) .
[3]
في «العبر» : «الحارثي» وهو تحريف.
[4]
يعني يعرف ب ابن أبي وحشية، وابن إياس أيضا. انظر «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 192 و 204) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق.
قلت: وقد فصل الأستاذ حسام الدّين القدسي ناشر الطبعة السابقة بين ذكر «ابن أبي وحشية» و «إياس» فبدى سياق النص في المطبوع وكأن المؤلف يتكلم عن رجلين!!، ولفظة «بشر» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 160) . ومن «تهذيب الكمال» .
[5]
في المطبوع: «للعباسيين» .
ودفع إليه كتبه، وصرف الشيعة إليه، ولما حضرته الوفاة، أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام، فلما حبسه مروان بن محمّد آخر ملوك الأمويين، وعرف أنه مقتول، أوصى إلى السّفّاح- وهو أول خلفاء العباسيين- وشرح القصة يطول، وسنورد تمامه في ترجمة السّفّاح [1] إن شاء الله تعالى.
وفيها، وقيل: في سنة أربع، زيد بن أبي أنيسة الجزريّ الرّهاويّ الحافظ، أحد علماء الجزيرة [2] ، وله أربعون سنة. روى عن جماعة من التابعين.
قال الذّهبيّ في «المغني» [3] : هو ثقة، نبيل.
قال أحمد: في حديثه بعض النكارة [4] .
وفيها، أو بعدها، زياد بن علاقة الثّعلبيّ الكوفي. روى عن طائفة. وكان معمّرا، أدرك ابن مسعود، وسمع من جرير بن عبد الله.
وفيها صالح مولى التوءمة المدنيّ، وقد هرم، وخرّف. لقي أبا هريرة وجماعة.
[1] انظر ص (161- 182) من هذا المجلد.
[2]
يعني جزيرة أقور التي تقع الآن بين سورية والعراق وتركيا.
[3]
(1/ 245) .
[4]
في الأصل، والمطبوع:«النكرة» ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» للذهبي.