الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وثلاثين ومائة
فيها استولى أبو مسلم صاحب الدعوة على ممالك خراسان، وهزم الجيوش، وأقبلت سعادة [1] بني العبّاس، وولّت الدّنيا عن بني أميّة، وكان ابتداء دعوته بمرو، وذلك أن أبا مسلم واسمه عبد الرّحمن بن مسلم قام بالدعوة الهاشمية، وابتداء أمره أن أباه مسلما رأى أنه خرج من إحليله [2] نار وارتفعت في السماء، ووقعت في ناحية المشرق، فقصها على مولاه عيسى بن معقل العجلي، فقال له: يولد لك غلام يكون له شأن، فمات أبوه، ووضعته أمه، ونشأ عند عيسى بن معقل، ثم حبس عيسى وأخوه إدريس جدّ أبي دلف العجلي [3] الذي يمدح في بقايا عليهم من الخراج، فكان أبو مسلم يختلف إليهما، فوافق عندهم يوما جماعة من نقباء الإمام محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس يدعون إلى بيعته سرا، فمال إليهم أبو مسلم، وسار معهم حتّى قدموا على الإمام محمّد بن عليّ بمكّة، فشكر فعلهم، وأشار إلى
[1] في الأصل: «سجادة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
[2]
قال ابن منظور: الإحليل: مخرج البول من الإنسان
…
والإحليل يقع على ذكر الرجل، وفرج المرأة. «لسان العرب» (حلل) .
[3]
أبو دلف: هو القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن سيّار بن شيخ بن سيّار بن عبد العزّى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجم. قاله ابن حزم في «جمهرة أنساب العرب» ص (313) وسوف ترد ترجمته في أول المجلد الثالث إن شاء الله تعالى.
أبي مسلم [1] وقال له: أنت ممن يتحرك في دولتنا، ومات الإمام عقب [2] ذلك، وقد أوصى إلى ابنه إبراهيم، فقدمت الدّعاة على إبراهيم ومعهم أبو مسلم وهو غلام حزوّر [3] فسلّموا أبا مسلم إليه، فكان يخدمه حضرا وسفرا، ثم أرسله إلى خراسان فشهر الدّعوة وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة، وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم غير معين، ثم أظهر الدّعوة إلى إبراهيم [4] بن محمّد، وكان إبراهيم بحرّان فقبض عليه مروان وجعل رأسه بجراب نورة [5] وشدّ عليه، فمات غما، وهرب أخوه عبد الله السّفّاح، فتوارى بالكوفة حتّى أتته جيوش أبي مسلم من خراسان بعد وقعاته العظيمة بأمراء الأمويين، فبايعوه وسموه المهدي الوارث للإمامة.
وكان أبو مسلم معظّما يلقاه أبو ليلى القاضي فيقبّل يده، فنهي أبو ليلى، فقال: قبّل أبو عبيدة يد عمر، فقيل: شبّهته بعمر، قال: تشبّهوني بأبي عبيدة.
ومن جوده أنّه حجّ في ركبه، فأقسم أن لا يوقد غير ناره، وقام بمؤونتهم حتّى قدم مكّة، ووقف بمكّة خمسمائة وصيف يسقون النّاس في المسعى.
وآخر أمره أنه لما ولي أبو جعفر المنصور بعد أخيه السّفّاح، صدرت من أبي مسلم قضايا غيّرت قلبه عليه، ومن ذلك أنه كتب إليه كتابا فبدأ بنفسه، وخطب إليه عمته آسية، وقد كان في ابتداء دولة المنصور قام عليه
[1] في المطبوع: «وأشار لأبي مسلم» .
[2]
في الأصل: «عقيب» وأثبت ما في المطبوع.
[3]
قال ابن منظور: الحزوّر: الغلام الذي قد شبّ وقوي
…
والجمع حزاور وحزاورة. «لسان العرب» (حزر) .
[4]
في المطبوع: «ثم أظهر الدعوة لإبراهيم» .
[5]
الجراب: الوعاء، والنّورة الحجر الذي يحرق ويسوى منه الكلس. انظر «لسان العرب» (جرب) و (نور) .
ابن أخيه ابن السّفّاح عبد الله، فجهّز إليه أبو جعفر أبا مسلم فهزمه وقبض خزانته وما معه، فكتب إليه أبو جعفر المنصور: احتفظ بما في يديك ولا تضيّعه، فشق ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور، ثم إن المنصور استعطفه ومناه وحفظها له، وقال: لمسلم بن قتيبة الباهليّ: ما ترى في أبي مسلم؟ فقال: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا 21: 22 [الأنبياء: 22] . فقال:
حسبك لأذن واعية.
قيل: وقد كان قيل لأبي مسلم، أو رؤي له في الملاحم أنه يميت دولة ويحيي دولة، ويقتل بأرض الرّوم، وكان المنصور برومية، التي بناها الإسكندر ذو القرنين بمدائن كسرى [1] لما طاف الأرض، ولم يجد المنصور برومية منزلا سوى المدائن، فنزلها وبنى فيها رومية، وقدم أبو مسلم من حجّه على المنصور برومية، ولم يخطر بباله أنها مقتله، بل ذهب ذهنه إلى بلاد الرّوم، فدسّ المنصور جماعة خلف سريره وقال لهم: إذا دخل وعاتبته وضربت يدا على يد فأظهروا له واضربوا عنقه، ففعلوا، وأنشد حين رآه طريحا:
زعمت أنّ الكيل لا ينقضي [2]
…
فاستوف بالكيل أبا مجرم
اشرب بكأس كنت تسقي بها
…
أمرّ في الحلق من العلقم
واختلف في نسب أبي مسلم، فقيل: من العرب، وقيل: من العجم، وقيل: من الأكراد، وفي ذلك يقول أبو دلامة [3] :
أبا مجرم ما غيّر الله نعمة
…
على عبده حتّى يغيّرها العبد
[1] قلت: وهي اليوم في العراق. انظر «الروض المعطار» للحميري ص (276- 277) .
[2]
في «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (3/ 154) : «زعمت أنّ الدّين لا يقتضى» .
[3]
هو زند بن الجون الأسدي، المتوفى سنة (161) هـ. انظر ترجمته في ص (273- 274) من هذا المجلد.
أفي دولة المنصور حاولت غدرة
…
ألا إنّ أهل الغدر آباؤك الكرد
أبا مسلم خوّفتني القتل فانتحى
…
عليك بما خوّفتني الأسد الورد
وكان يدعي هو أنه ابن سليط بن علي بن عبد الله بن عبّاس.
وقال الكتبيّ في «غرر الخصائص» : قتل أبو مسلم ستمائة ألف.
انتهى.
وكان قتل المنصور له في سنة سبع وثلاثين ومائة.
وفي سنة إحدى وثلاثين مات الزّاهد المشهور فرقد السّبخيّ البصريّ.
حدّث عن أنس وجماعة، وفيه ضعف.
قال الذهبيّ في «المغني» [1] : فرقد السّبخي أبو يعقوب. [قال البخاريّ:
في حديثه مناكير. وقال يحيى القطّان: ما تعجبني الرّواية عنه عن سعيد بن جبير] [2] . وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد: ليس بالقوي. انتهى.
ومنصور بن زاذان البصري، زاهد البصرة وشيخها. روى عن أنس، وجماعة، وكان يصلي من بكرة إلى العصر، ثم يسبّح إلى المغرب.
وفيها قتل أبو مسلم الخراسانيّ إبراهيم بن ميمون الصائغ ظلما. روى عن عطاء ونافع.
وفيها توفي بالبصرة إسحاق بن سويد التميمي. روى عن ابن عمر، وجماعة.
وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الدّمشقيّ، مؤدّب أولاد عبد الملك بن مروان، وكان زاهدا، عابدا، روى عن أنس، وطائفة.
[1] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 509- 510) .
[2]
ما بين حاصرتين سقط من «المغني» المطبوع بتحقيق الدكتور نور الدّين عتر، فيستدرك فيه.
وفيها فقيه أهل البصرة أيوب السّختياني، أحد الأعلام، كان من صغار التابعين.
قال شعبة: كان سيّد الفقهاء.
وقال ابن عيينة: لم ألق مثله.
وقال حمّاد بن زيد: كان أفضل من جالسته وأشدّه اتباعا للسّنّة.
وقال ابن المديني: له نحو ثمانمائة حديث.
وقال ابن ناصر الدّين: هو أيوب بن أبي تميمة كيسان أبو بكر السّختيانيّ البصريّ، كان سيّد العلماء وعلم الحفّاظ، ثبتا في الأيقاظ [1] . انتهى.
وفيها الزّبير بن عديّ، قاضي الرّيّ. يروي عن أنس وجماعة.
وسميّ مولى أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث المخزوميّ المدنيّ، لقي كبار التابعين.
وفيها أبو الزّناد عبد الله بن ذكوان، مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة، وكانت رملة تحت عثمان بن عفّان، وكان أبو الزّناد يكنى أبا عبد الرّحمن، فغلب عليه أبو الزّناد.
وعن الأصمعيّ عن أبي الزّناد أنه قال: أصلنا من همدان، وكان عمر ابن عبد العزيز ولّاه خراج العراق مع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب، ومات أبو الزّناد فجأة في مغتسله في شهر رمضان وهو ابن ست وستين سنة.
وكان فقيها أحد علماء المدينة، لقي عبد الله بن جعفر، وأنسا.
[1] في الأصل: «في الإيقاظ» وأثبت ما في المطبوع.
قال اللّيث: رأيت أبا الزّناد وخلفه ثلاثمائة تابع، من طالب علم، وفقه، وشعر، وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة [1] .
قال أبو حنيفة: كان أبو الزّناد أفقه من ربيعة.
وفيها عبد الله بن أبي نجيح المكّيّ المفسّر صاحب مجاهد. كان مولى لبني مخزوم، ويكنى أبا يسار. وكان يقول بالقدر.
قال الذّهبيّ في «المغني» [2] : عبد الله بن أبي نجيح المكّيّ المفسّر ثقة. قال القطّان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد، بل كله عن القاسم بن أبي بزّة، وقد كره الجوزجانيّ فيمن رمي بالقدر، هو، وزكريّا بن إسحاق، وعبد الحميد بن جعفر، وإبراهيم بن نافع، وابن إسحاق، وعمر بن أبي زائدة، وشبل بن عبّاد، وابن أبي ذئب، وسيف بن سليمان. انتهى.
وفيها محمّد بن جحادة الكوفيّ. يروي عن أنس، وطائفة. توفي في رمضان.
وهمّام بن منبّه اليماني صاحب أبي هريرة. وكان من أبناء المائة.
قال أحمد: كان يغزو، فجالس أبا هريرة. وكان يشتري الكتب لأخيه وهب.
وفيها واصل بن عطاء المعتزليّ المتكلّم، كان ألثغ يبدل الراء غينا، وكان يخلص كلامه بحيث لا تسمع منه الرّاء، حتّى يظن خواص جلسائه أنه غير ألثغ، حتّى يقال: إنه دفعت إليه رقعة مضمونها: أمر أمير الأمراء الكرام أن
[1] يعني ربيعة بن فروخ التيمي المدني، أبو عثمان، المعروف بربيعة الرأي. انظر ص (159) من هذا المجلد.
[2]
(1/ 360) .
يحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منه الصّادر والوارد، فقرأ على الفور:
حكم حاكم الحكام الفخام أن ينبش جب على جادة الممشى، فيسقى منه الصّادي والغادي، فغيّر كل لفظ برديفه، وهذا من عجيب الاقتدار. وقد أشارت الشعراء إلى عدم [1] تكلمه بالرّاء، من ذلك قول بعضهم:
نعم تجنّب، لا، يوم العطاء كما
…
تجنّب ابن عطاء لفظة الرّاء
ولما قالت الخوارج بتكفير أهل الكبائر، وقالت أهل السّنّة بفسقهم، قال واصل بن عطاء: لا مؤمنون ولا كفار، فطرده الحسن عن مجلسه، وصار له شيعة.
قال السيد الشريف في «التعريفات» : الواصليّة: أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء، قالوا بنفي القدرة عن الله تعالى وتقدس، وبإسناد القدرة إلى العباد. انتهى.
[1] تحرفت في الأصل إلى «بعدم» وأثبت ما في المطبوع.