الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وأربعين ومائة
فيها سار جيش العراق، والجزيرة لغزو الدّيلم، وعلى النّاس محمّد بن السّفّاح.
وحج بالنّاس المنصور، وأهمّه شأن محمّد بن عبد الله بن حسن، وأخيه إبراهيم لتخلّفهما عن الحضور عنده، فوضع عليهما العيون [1] وبذل الأموال، وبالغ في تطلّبهما لأنه عرف مرامهما، وقبض على أبيهما فسجنه في بضعة عشر من أهل البيت وماتوا في سجنه.
قيل: طرحهم في بيت وطيّن عليهم حتّى ماتوا.
ولما بلغ محمّدا وفاة أبيه ثار بالمدينة، وسجن متولّيها، وتتبّع أصحابه، وخطب النّاس، وبايعوه طوعا وكرها، واستعمل على مكّة، واليمن، والشّام عمّالا لم يتمكّنوا، وأحبّه النّاس حبّا عظيما، وكان فيه من الكمال وخصال الفضل، ويشبه النّبيّ- صلى الله عليه وسلم في الخلق والخلق، واسمه واسم أبيه، حتّى قيل: إن خاتمه بين كتفيه، وكان أهل المدينة يعدون فيه من الكمال ما لو جاز أن يبعث الله نبيا بعد محمّد- صلى الله عليه وسلم لكان هو.
وتكاتب هو والمنصور مكاتبات عظيمة، ولكليهما قول فصل جزل، والحق والتحقيق في جانب محمّد.
[1] أي الجواسيس. قال ابن منظور: قال ابن سيدة: العين الذي يبعث ليتجسس الخبر، ويسمى ذا العينين، ويقال تسمية العرب ذا العينين وذا العوينتين، كله بمعنى واحد «لسان العرب» (عين) .
وقد كان المنصور، والسّفّاح في خلافة الأمويين من الدّعاة إلى محمّد بن عبد الله هذا، ولما أعيا المنصور أمره، جهز إليه ابن عمه عيسى بن موسى بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وقال: لا أبالي أيّهما قتل صاحبه، لأن عيسى ولي العهد بعد المنصور، على ما رتّبه لهم السّفّاح، فسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب إلى الأشراف يستميلهم، فمال كثير منهم، وتحصّن محمّد بالمدينة، وأعمق خنادقها، وزحف عليه عيسى، وناداه بالأمان، وناشده الله، ومحمّد لا يرعوي لذلك، ولما ظهر له وتخاذل أصحابه، واغتسل وتحنّط، وقاتلهم بنفسه قتالا شديدا ومعه ثمانون رجلا، وقتل بيده اثني عشر رجلا ثم قتل، واستشهد لثنتي عشرة ليلة من رمضان سنة خمس وأربعين، وله اثنتان وخمسون سنة، وقبره بالبقيع مشهور مزور، وبعث برأسه إلى المنصور، وكانت مدة قيامه شهرين واثني عشر يوما.
وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة في هذه السنة أيضا. وقد كان سار إليها من الحجاز، فدخلها سرّا في عشرة أنفس، فدعا إلى نفسه سرا، وجرت له أمور، وتهاون متولّي البصرة في أمر إبراهيم حتّى اتّسع الخرق، وخرج أول ليلة من رمضان، ونزل إليه متولّي الكوفة بالأمان، ووجد إبراهيم في بيت المال ستمائة ألف، ففرقها في أصحابه، ولما بلغ المنصور خروجه، تحوّل إلى الكوفة ليأمن غائلة أهلها، وألزم النّاس لبس السواد، وجعل يقتل ويحبس من اتّهمه، وبعث إبراهيم عاملا إلى الأهواز، وآخر إلى فارس وسائر البلدان، فأتاه مقتل أخيه بالمدينة قبل عيد الفطر بثلاث، فعيّد منكسرا، وجهز المنصور لحربه خمسة آلاف، فكان بينهما وقعات قتل فيها خلق عظيم، ولم يبرح المنصور حتّى قدم عيسى من المدينة فوجّهه إلى إبراهيم، وجعل المنصور لا يقرّ له قرار، ولا يأوي إلى فراش خمسين ليلة، كل ليلة يأتيه فتق من ناحية، وعنده مائة ألف بالكوفة، ولو هجم عليه إبراهيم بالكوفة لأوقع به، ولكنه قال:
أخاف أن يستباح الصغير والكبير. فقيل له: إذا كان هذا فلم خرجت عليه؟
فالتقى الجمعان على يومين من الكوفة، فظهر جيش إبراهيم، وتهيّأ له الفتح، لولا حملة من عيسى بن موسى، وظاهره ابنا سليمان بن علي، فكسروا جيش إبراهيم، وجاءه سهم فوقع في حلقة [1] فأنزلوه وهو يقول: وَكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً 33: 38 [الأحزاب: 38] . وبعثوا برأسه إلى المنصور، وقتل وسنّه ثمان وأربعون سنة [2] وهرب أهل البصرة بحرا وبرّا.
وكان خرج مع إبراهيم كثير من القرّاء، والعلماء، منهم: هشيم، وأبو خالد الأحمر [3] وعيسى بن يونس، وعبّاد بن العوّام، ويزيد بن هارون، وأبو حنيفة، وكان يجاهر في أمره، ويحثّ النّاس على الخروج معه، كما كان مالك يحثّ النّاس على الخروج مع أخيه محمّد.
وقال أبو إسحاق الفزاريّ لأبي حنيفة: ما اتّقيت الله حيث حثثت أخي على الخروج مع إبراهيم فقتل، فقال: إنه كما لو قتل يوم بدر.
[1] قال ابن الأثير: الحلقة السلاح عاما، وقيل: هي الدّروع. «النهاية» (1/ 427) .
[2]
لفظة «سنة» سقطت من المطبوع.
[3]
في الأصل، والمطبوع:«أبو خلد الأحمر» .
وهو سليمان بن حيّان الأزديّ الكوفيّ. حدّث عن: حميد الطويل، وسليمان التيمي، وهشام بن عروة، وليث بن أبي سليم، وأبي مالك الأشجعي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعدة.
وحدّث عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشجّ، ويوسف بن موسى، وهنّاد، والحسن بن حمّاد سجّادة، والحسن بن حمّاد الضبي، والحسن بن حمّاد المرادي، وخلق. قال العجليّ:
ثقة، يؤاجر نفسه من التجار. وقال أبو حاتم: صدوق، ووثقه جماعة. وقال ابن معين:
صدوق وليس بحجة، وتابعه على هذا ابن عدي. وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: هو ثقة، وليس بثبت. قلت (القائل الحافظ الذهبي) : كان موصوفا بالخير، والدّين، وله هفوة، وهي خروجه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وحديثه محتجّ به في سائر الأصول. توفي سنة تسع وثمانين ومائة. عن «سير أعلام النبلاء» (9/ 19- 21) طبع مؤسسة الرسالة.
وقال شعبة: والله لهي عندي بدر الصغرى.
وقال ابن قتيبة في «المعارف» [1] : فأما الحسن بن الحسن بن علي فولد عبد الله، والحسن، وإبراهيم، وجعفرا، وداود، ومحمّدا.
وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن [2] يكنى أبا محمّد، وكان خيّرا، فاضلا، ورؤي يوما يمسح على خفّيه، فقيل له: تمسح؟ فقال: نعم، قد مسح عمر بن الخطّاب، ومن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق.
وكان مع أبي العبّاس- أي السفاح- وكان له مكرما، وبه آنسا.
وأخرج يوما سفطا [3] فيه جوهر، فقاسمه إياه، وأراه بناء قد بناه، وقال له: كيف ترى هذا؟ فقال متمثّلا:
ألم تر حوشبا أمسى يبنّي
…
قصورا نفعها لبني بقيله
يؤمّل أن يعمّر عمر نوح
…
وأمر الله يحدث كلّ ليله
فقال له: أتتمثل [4] بهذا وقد رأيت صنيعي بك؟ فقال: والله ما أردت بها سوءا، ولكنها أبيات حضرت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان مني! فقال: قد فعلت. ثم ردّه إلى المدينة.
فلمّا ولي أبو جعفر ألحّ في طلب ابنيه محمّد وإبراهيم ابني عبد الله فتغيّبا [5] بالبادية، فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبو هما عبد الله وإخوته حسن، وداود، وإبراهيم، وأن يشدّوا وثاقا ويبعث بهم إليه، فوافوه في طريق مكّة
[1] ص (212- 213) والمؤلف ينقل عنه مع بعض التصرف.
[2]
في الأصل، والمطبوع:«عبد الله بن حسن بن حسن» وأثبت ما في «المعارف» لابن قتيبة.
[3]
قال الفيروزآبادي: السفط كالجوالق، أو كالقفة. «القاموس المحيط» (2/ 378) .
[4]
في «المعارف» : «أتمثل» .
[5]
في الأصل، والمطبوع:«وتغيبا» وأثبت ما في «المعارف» لابن قتيبة.
بالرّبذة، مكتّفين، فسأله عبد الله أن يأذن له عليه، فأبى أبو جعفر، فلم يره [1] حتّى فارق الدّنيا، ومات في الحبس وماتوا، وخرج ابناه محمّد وإبراهيم على أبي جعفر، وغلبا على المدينة، ومكّة، والبصرة، فبعث إليهما موسى بن عيسى، فقتل محمّدا بالمدينة، وقتل إبراهيم ب باخمرا على ستة عشر فرسخا من الكوفة.
وإدريس بن عبد الله بن حسن، أخوهما هو الذي سار إلى الأندلس، والبربر، وغلب عليهما. انتهى.
وفيها- أي في سنة أربع وأربعين- توفي أبو مسعود سعيد بن إياس الجريريّ البصريّ محدّث البصرة. روى عن أبي الطّفيل وعدّة، وكان إماما، حافظا، ثبتا، إلّا أنه ساء حفظه وتغير قبل موته.
وفقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضّبيّ القاضي. روى عن أنس والتابعين.
قال أحمد العجليّ: كان عفيفا، صارما، عاقلا، يشبه النّساك، شاعرا، جوادا.
وعقيل بن خالد [2] الأيليّ مولى بني أميّة، وصاحب الزّهري، لقي عكرمة [3] وطائفة، وكان حافظا، ثبتا، حجّة.
[1] في الأصل: «فلم يرده» ، وفي المطبوع:«فلم يروه» وأثبت ما في «المعارف» .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«عقيل بن خالد» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 197) .
[3]
يعني عكرمة البربري مولى عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه.
وفي ذي الحجّة مجالد بن سعيد الهمدانيّ [1] الكوفيّ، صاحب الشّعبي، ليّنوا حديثه [2] وقد خرّج له مسلم مقرونا بآخر.
[1] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف.
[2]
في «العبر» (1/ 197) : «كتبوا حديثه» ولعله تحريف من الناسخ. انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 542) ، و «تقريب التهذيب» (2/ 229) .