المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثلاث وتسعين ومائة - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - جـ ٢

[ابن العماد الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر ومائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثماني عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة إحدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة تسع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمسين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومائة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة إحدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

فيها سار الرّشيد إلى خراسان ليمهّد قواعدها، وكان قد بعث في العام الماضي هرثمة بن أعين فقبض له على الأمير عليّ بن عيسى بن ماهان بحيلة وخديعة، واستصفى أمواله وخزائنه، فبعث بها، فوافت الرّشيد وهو بجرجان، على ألف وخمسمائة جمل [1] ثم سار إلى طوس في صفر وهو عليل، وكان رافع بن اللّيث قد استولى على ما وراء النهر وعصى، فالتقى جيشه وعليهم أخوه وهرثمة [2] فهزمهم وقتل أخو رافع، وملك هرثمة بخارى.

وفي ذي القعدة، توفي الإمام العلم أبو بشر إسماعيل بن عليّة الأسديّ، مولاهم، البصريّ، واسم أبيه إبراهيم بن مقسم، وعليّة أمّه. سمع أيوب وطبقته.

قال يزيد بن هارون [3] : دخلت البصرة وما بها أحد يفضل في الحديث على ابن عليّة.

وقال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة.

[1] تصحفت في الأصل، والمطبوع إلى «حمل» والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 310) .

[2]

في الأصل، والمطبوع:«وعليهم أخوهم وهرثمة» ، وأثبت لفظ «العبر» للذهبي وهو مصدر المؤلف في نقله.

[3]

تحرّف في «العبر» للذهبي (1/ 310) إلى «فهد بن هارون» .

ص: 428

وقال ابن معين: كان ثقة، ورعا، تقيا.

وقال شعبة: ابن عليّة سيّد المحدّثين.

وقال ابن ناصر الدّين: كان ثبتا، متقنا، لم يحفظ عنه خطأ فيما يرويه، وشهرته بأمه عليّة دون أبيه. انتهى.

وبعده بأيام توفي محمد بن جعفر غندر الحافظ، أبو عبد الله، البصريّ، صاحب شعبة. وقد روى عن حسين المعلّم وطائفة. وقال: لزمت شعبة عشرين سنة.

قال ابن معين: كان من أصحّ النّاس كتابا.

وقال غيره: مكث غندر خمسين سنة يصوم يوما ويفطر يوما.

وقال ابن ناصر الدّين: روى عنه أحمد، وابن المديني، وغيرهما. كان أصحّ النّاس كتابا في زمانه، وكان فيه بعض تغفل مع إتقانه. انتهى.

وفيها مخلد بن يزيد [1] الحرّانيّ محدّث رحّال. روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وطبقته.

وفيها في ذي الحجة أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاريّ الكوفيّ الحافظ نزيل دمشق، وابن عمّ أبي إسحاق [الفزاريّ][2] . روى عن حميد الطّويل وطبقته.

قال أحمد: ثبت حافظ.

وقال ابن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين.

[1] في الأصل، والمطبوع:«مجالد بن يزيد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 311) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/ 77) .

[2]

زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 311) .

ص: 429

وقال ابن ناصر الدّين: كان ثقة حجة.

وقال في «المغني» [1] : ثقة حجة. لكنه يكتب عمّن دبّ ودرج، فينظر في شيوخه.

وفيها الإمام أبو بكر بن عيّاش الأسديّ مولاهم، الكوفيّ الحنّاط [2] شيخ الكوفة في القراءة [والحديث][3] وله بضع وتسعون سنة. كان أجلّ أصحاب عاصم. قطع الإقراء [من][4] قبل موته بتسع عشرة سنة.

وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السّنّة من أبي بكر بن عيّاش.

وقال غيره: كان لا يفتر من التلاوة، قرأ اثنتي عشرة [5] ألف ختمة. وقيل أربعين ألف ختمة [6] .

وفيها العبّاس بن الأحنف أحد الشعراء المجيدين، ولا سيما في الغزل، ومن شعره:

إذا هي لم تأتيك إلّا بشافع

فلا خير في ودّ يكون بشافع

[1]«المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 652) .

[2]

تحرّفت في «العبر» للذهبي إلى «الخياط» فتصحح فيه.

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (8/ 436) : وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة، فإن أبا هاشم الرفاعي، وحسين بن عبد الأول سألاه عن اسمه، فقال: شعبة. وسأله يحيى بن آدم وغيره عن اسمه، فقال: اسمي كنيتي. وأما النسائيّ فقال: اسمه محمد. وقيل: اسمه مطرف. وقيل: رؤبة. وقيل: عتيق. وقيل: سالم، وقيل: أحمد، وعنترة، وقاسم، وحسين، وعطاء، وحمّاد، وعبد الله.

[3]

زيادة من «العبر» للذهبي، وهو مصدر المؤلف في نقله.

[4]

زيادة من «العبر» للذهبي.

[5]

في الأصل: «اثنتي عشر» .

[6]

في «العبر» للذهبي: «وقيل: أربعة وعشرين ألف ختمة» .

ص: 430

فأقسم ما تركي عتابك عن قلى

ولكن لعلمي أنّه غير نافع

وإني وإن لم ألزم الصّبر طائعا

فلا بدّ منه مكرها غير طائع [1]

وفي ثالث جمادى الآخرة توفي هارون الرّشيد أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور بن عبد الله العبّاسي بطوس. روى عن أبيه، وجدّه، ومبارك بن فضالة، وحجّ مرّات في خلافته، وغزا عدة غزوات، حتّى قيل فيه:

فمن يطلب لقاءك أو يرده

فبالحرمين أو أقصى الثّغور [2]

وكان شهما، شجاعا، حازما، جوادا، ممدّحا، فيه دين وسنّة مع انهماكه على اللّذات، والقيان، وكان أبيض، طويلا، سمينا، مليحا، قد وخطه الشّيب. وورد أنه كان يصلّي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات.

ويتصدّق كل يوم من بيت ماله بألف درهم. وكان يخضع للكبار ويتأدب معهم.

وعظه الفضيل، وابن السمّاك، وغيرهما. وله مشاركة في الفقه، والعلم، والأدب. قاله في «العبر» [2] .

وقال ابن الفرات: كان الرّشيد يتواضع لأهل العلم والدّين، ويكثر من محاضرة العلماء والصالحين.

قال عليّ بن المديني: سمعت أبا معاوية الضّرير يقول: أكلت مع الرّشيد طعاما يوما من الأيام، فصبّ على يديّ رجل لا أعرفه، فقال هارون:

يا أبا معاوية! تدري من يصبّ على يديك؟ قلت: لا. قال: أنا. قلت: أنت أمير المؤمنين! قال: نعم إجلالا للعلم.

[1] لم أجد الأبيات في «ديوانه» طبع دار صادر، وهي في «مرآة الجنان» (1/ 447) مع بعض الخلاف.

[2]

(1/ 312) .

ص: 431

ودخل عليه منصور بن عمّار، فأدناه، وقرّبه. فقال له منصور:

لتواضعك في شرفك أحبّ إلينا من شرفك. فقال له: يا أبا السّريّ عظني وأوجز، فقال: من عفّ في جماله، وواسى [1] من ماله، وعدل في سلطانه، كتبه الله من الأبرار. وكان طيّب النفس فكها، يحبّ المزح [2] ويميل إلى أهل العفّة، ويكره المراء في الدّين.

قال عليّ بن صالح: كان مع الرّشيد ابن أبي مريم المديني، وكان مضحاكا، محداثا، فكها، وكان الرّشيد لا يصبر عن محادثته، وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز، ولطائف المجان، فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا في قصره، وخلطه ببطانته وغلمانه، فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر، فكشف اللحاف عن ظهره، ثم قال له: كيف أصبحت؟

فقال: يا هذا ما أصبحت بعد، مر إلى عملك. قال: ويلك قم إلى الصّلاة، فقال: هذا وقت صلاة أبي الجارود [3] وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي، فمضى وتركه نائما، وقام الرّشيد إلى الصّلاة، وأخذ يقرأ في الصلاة الصبح وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 [يس: 22] وأرتج عليه [4] فقال له ابن أبي مريم: لا أدري والله لم لا تعبده. فما تمالك الرّشيد أن ضحك في صلاته، ثم التفت إليه كالمغضب. وقال: يا هذا ما صنعت؟ قطعت عليّ الصّلاة.

[1] في الأصل: «وأوسي» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع.

[2]

في المطبوع: «المزاح» .

[3]

هو زياد بن المنذر الهمذاني، أبو الجارود، رأس «الجارودية» من الزيدية. من أهل الكوفة.

كان من غلاة الشيعة. افترق أصحابه فرقا، وفيهم من كفّر الصحابة بتركهم بيعة عليّ رضي الله عنه بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم. له كتب، منها «التفسير» رواية عن أبي جعفر الباقر. وكان يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على إمامة عليّ بالوصف لا بالتسمية. مات سنة (150) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 55) .

[4]

أي لم يقدر على القراءة، كأنه أطبق عليه كما يرتج الباب. انظر «مختار الصحاح» ص (232)«رتج» . (ع) .

ص: 432

قال: والله ما فعلت، إنما سمعت منك كلاما غمّني حين سمعته، فضحك الرّشيد. وقال: إيّاك والقرآن والدّين، ولك ما شئت بعدهما.

وكان للرّشيد فطنة وذكاء.

قال الأصمعيّ: تأخرت عن الرّشيد ثم جئته، فقال: كيف كنت يا أصمعي؟ قلت: بتّ والله بليلة النابغة، فقال: أنا والله هو:

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

فعجبت من ذكائه وفطنته لمّا قصدته.

ودخل الأصمعيّ على الرّشيد ومعه بنيّة له، فقال له الرّشيد: قبّلها، فسكت الأصمعيّ، فقال: قبّل ويلك، فقال الأصمعيّ في نفسه: إن فعلت قتلني، ثم قام فوضع كمّه على رأسها، ثم قبّل. فقال: والله لو أخطأت هذا لضربت عنقك.

وكان الرّشيد- رحمه الله يحبّ الحديث وأهله، وسمع الحديث من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الزّهري، وأكثر حديثه عن آبائه. وروى عنه القاضي أبو يوسف، والإمام الشّافعي رضي الله عنهما. ذكر ذلك ابن الجوزي.

ومما رواه الرّشيد عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم «عقّوا عن أولادكم فإنها نجاة لهم من كلّ آفة» [1] .

وكان كثير البكاء من خشية الله تعالى، سريع الدمعة عند الذكر، محبّا للمواعظ.

[1] لم أره بهذا اللفظ، والمحفوظ ما رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 301- 302) :«عقوا عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 433

قال يحيى بن أيوب العابد: سمعت منصور بن عمّار يقول: ما رأيت أغزر دمعا عند الذّكر من ثلاثة: فضيل بن عياض، وأبي عبد الرّحمن الزّاهد، وهارون الرّشيد.

ودخل الإمام الشّافعيّ- رضي الله عنه على الرّشيد فقال له: عظني، فقال: على شرط رفع الحشمة، وترك الهيبة، وقبول النصيحة. قال: نعم.

قال: اعلم أن من أطال عنان الأمل في الغرّة طوى عنان الحذر في المهلة.

ومن لم يعوّل على طريق النجاة خسر يوم القيامة إذا امتدت إليه [1] يد الندامة. فبكى هارون ووصله بمال جزيل.

ودخل ابن السّمّاك على الرّشيد، فاستسقى الرّشيد ماء، فقال له ابن السّمّاك: بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال:

بملكي. قال: لو منعت خروجها بكم كنت تشتريه؟ قال: بملكي. فقال: إن ملكا قيمته شربة ماء لجدير أن لا ينافس فيه.

وكان للرّشيد شعر حسن منه:

ملك الثّلاث الغانيات عناني

وحللن من قلبي بكلّ مكان

ما لي تطاوعني البريّة كلّها

وأطيعهنّ وهنّ في عصياني

ما ذاك إلّا أن سلطان الهوى

وبه قوين أعزّ من سلطاني

وكان نقش خاتم الرّشيد، العظمة والقدرة لله. انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا.

وقال ابن قتيبة في «المعارف» [2] : وأفضت الخلافة إلى هارون الرّشيد سنة سبعين ومائة. وبويع له في اليوم الذي توفي فيه موسى ببغداد. وولد له

[1] لفظة «إليه» سقطت من المطبوع.

[2]

ص (381- 383) بتحقيق الدكتور ثروة عكاشة، طبع دار المعارف بمصر، والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

ص: 434

ابنه عبد الله المأمون ليلة أفضت الخلافة إليه في صبيحتها. وأمه الخيزران وكانت تنزل الخلد ببغداد في الجانب الغربيّ.

وكان يحيى بن خالد وزيره، وابناه الفضل، وجعفر، ينزلون في رحبة الخلد، ثم ابتنى جعفر قصره بالدّور، ولم ينزله حتّى قتل. وحجّ هارون بالنّاس ستّ حجج، آخرها سنة ستّ وثمانين ومائة.

وحجّ معه في هذه السنة ابناه ووليّا عهده: محمد الأمين، وعبد الله المأمون. وكتب لكل واحد منهما على صاحبه كتابا، وعلّقه في الكعبة.

فلما انصرف، نزل الأنبار.

ثم حجّ بالناس سنة ثمان وثمانين [ومائة][1] .

وقتل جعفر بن يحيى بالعمر [2] موضع بقرب الأنبار سنة تسع وثمانين ومائة [3] آخر يوم من المحرم، وبعث بجثته إلى بغداد.

ولم يزل يحيى بن خالد، وابنه الفضل محبوسين حتّى ماتا بالرّقّة.

وخرج الوليد بن طريف الشّاري في خلافته، وهزم غير مرة عسكره [4] ، فوجّه إليه يزيد بن مزيد، فظفر به فقتله.

وخرج بعده خراشة [5] الشّاري أيضا.

وقتل هارون أنس بن أبي شيخ، وهو ابن أخي خالد الحذّاء [6]

[1] زيادة من «المعارف» .

[2]

في الأصل: «بالقم» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع وهو موافق لما في «المعارف» .

[3]

كذا في الأصل، والمطبوع:«سنة تسع وثمانين ومائة» ، وفي «المعارف» ط. د. ثروة عكاشة ص (382)، وط. الصاوي ص (167) :«سنة سبع وثمانين ومائة» .

[4]

في «المعارف» بطبعتيه: «وهزم غير مرة عسكر» .

[5]

في الأصل، والمطبوع، و «المعارف» ط. الصاوي:«حراشة» وهو تصحيف، والتصحيح من «المعارف» ط. د. عكاشة.

[6]

في الأصل، والمطبوع:«وهو ابن أبي خالد الحذاء» وما أثبته من «المعارف» بطبعتيه.

ص: 435

المحدّث. وكان أنس صديقا لجعفر بن يحيى، وصلبه بالرّقّة، وكان يرمى بالزندقة. وكذلك البرامكة [كانوا][1] يرمون بالزّندقة، إلّا من عصم الله منهم، ولذلك قال الأصمعيّ فيهم:

إذا ذكر الشّرك في مجلس

أضاءت قلوب [2] بني برمك

وإن تليت عندهم آية

أتوا بالأحاديث عن مزدك

وغزا هارون سنة تسعين ومائة الرّوم، فافتتح هرقلة، وظفر ببنت بطريقها، فاستخلصها لنفسه، فلما انصرف ظهر رافع بن ليث بن نصر بن سيّار بطخارستان مباينا لعلي بن عيسى، فوجّه إليه هرثمة لمحاربته وإشخاص علي بن عيسى إليه، فلما قدم عليه أمر بحبسه واستصفى [3] أمواله، وأموال ولده.

وتوجّه هارون سنة اثنتين وتسعين ومائة ومعه المأمون نحو خراسان حتّى قدم طوس فمرض بها ومات، وقبره [4] هناك.

وكانت وفاته ليلة السبت، لثلاث خلون من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وتسعين ومائة، وقد بلغ من السن سبعا وأربعين سنة. وكانت ولايته ثلاثا وعشرين سنة، وشهرين، وسبعة عشر يوما. ومن ولد هارون: محمد، أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر، والمأمون، واسمه عبد الله، وأمه تسمى مراجل. والمؤتمن واسمه القاسم، وصالح، وأبو عيسى، وأبو إسحاق المعتصم [وأبو يعقوب][5] ، وحمدونة، وغيرهم. انتهى ما قاله ابن قتيبة.

[1] زيادة من «المعارف» لابن قتيبة ط. د. عكاشة.

[2]

في الأصل، والمطبوع:«أثارت قلوب» وأثبت ما في «المعارف» .

[3]

في «المعارف» : «واستصفاء» .

[4]

في «المعارف» : «فقبره» .

[5]

زيادة من «المعارف» لابن قتيبة.

ص: 436

وقال ابن الأهدل: وفي إمرة الرّشيد وأخيه الهادي قام يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنّى وبثّ دعاته في الأرض، وبايعه كثيرون من أهل الحرمين، واليمن، ومصر، والعراقين. وبايعه من العلماء محمد بن إدريس الشّافعي، وعبد ربّه بن علقمة، وسليمان بن جرير، وبشر بن المعتمر، والحسن بن صالح، وغيرهم. وكان هذا في زمن الهادي، فلما فتّش عنه الرّشيد وأخذ عليه بالرصد والطلب، وأمعن في ذلك، فلحق يحيى بخاقان ملك التّرك، وأقام عنده سنتين وستة أشهر والكتب ترد عليه من هارون، وعماله يسألونه تسليم يحيى، فأبى وقال: لا أرى في ديني الغدر، وهو رجل من ولد نبيّكم، شيخ عالم. وقيل: إنه أسلم على يديه سرّا، ثم رحل يحيى من عنده إلى طبرستان، ثم إلى الدّيلم، فأنفذ هارون في طلبه الفضل بن يحيى البرمكي في ثمانين ألف رجل، وكاتبه ملك الدّيلم من الرّيّ، وبذلوا له الأموال حتّى انخدع، ولما فهم يحيى فشله قبل أمان الرّشيد بالأيمان المغلّظة، وكتب له بذلك نسختين، ونسخة عنده، ونسخة عند يحيى البرمكي، فلما قدم عليه أظهر برّه وكرامته. وأعطاه مالا جزيلا، ثم خرج إلى المدينة بإذنه، وقيل: بإذن الفضل دونه، وفرّق المال بالمدينة على قرابته، وقضى دين الحسين بن علي، وحجّ ولم يزل آمنا حتّى وشى به عبد الله بن مصعب الزّبيريّ، فاستدعاه الرّشيد وأخبره بقول الزّبيريّ، فقال يحيى: إن هذا قد كان بايع أخي محمدا ومدحه بقوله:

قوموا بأمركم ننهض بنصرتنا

إنّ الخلافة فيكم يا بني الحسن

واليوم يكذب عليّ ويسعى بي إليك، فصدّقه هارون وعذره، ومات ابن مصعب في اليوم الثالث.

قيل: وسبب نقض أمان يحيى أنه قال له الرشيد في مناظرات عددها ويحيى في كلّها يقيم له الحجّة على نفسه اتقاء لشرّه، حتّى قال له: من

ص: 437

أقرب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم منّا؟ فاستعفاه فلم يعفه، وكرّر ذلك مرارا، فلم يعفه، فقال له يحيى بعد لجاج عظيم: لو بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم أكان له أن يتزوج فيكم؟ فقال الرّشيد: نعم، قال: فنحن له أن يتزوج فينا؟ قال: لا.

قال: فهذه حسب، فأنف الرّشيد وغضب، وطلب الفقهاء، فاستفتاهم في نقض أمان يحيى، فأحجم بعضهم، وتكلم بعضهم بموجب العلم أنه لا سبيل إلى نقضه، وقال بعضهم: هذا رجل شقّ عصا المسلمين، وسفك الدماء، لا أمان له، فأمر الرّشيد بحبسه، وضيّق عليه حتّى مات محبوسا.

وقيل: إنه شدّ إلى جدار، وسمر على يديه ورجليه، وسدّ عليه المنافذ حتّى مات، وقيل: إنه وقع رقعة [1] ودفعها إلى يحيى بن خالد وحرّج عليه بوقوفه بين يدي الله إلّا كتمها إلى موته، ثم يدفعها إلى هارون، فدفعها بعد موته إلى هارون، فإذا فيها:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، يا هارون المستعدى [عليه][2] ، قد تقدم والخصم بالأثر، والقاضي لا يحتاج إلى بيّنة.

وأما إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنّى فإنه لما انفلت من وقعة فخّ لحق بالمغرب ومعه ابن أخيه محمد بن سليمان الذي قتل بفخّ، فتمكن بها ودعا ونشر دعوته، وأجابوه، واستعمل ابن أخيه على أدنى المغرب من تاهرت إلى فاس، وبقي بها وولده يتوارثونها، وانتشر ملكهم، واستقروا.

يقال: إن إدريس أدرك بالسمّ إلى هناك، وأوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس، فقام بالأمر إحدى وعشرين سنة، وأوصى إلى ابنه إدريس المثلث، وكان أحد العلماء.

قال صاحب كتاب «روضة الأخبار» : وهم على ذلك إلى هذه الغاية،

[1] في المطبوع: «وقع في رقعة» .

[2]

لفظة «عليه» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.

ص: 438

يتوارثون المغرب، والبربر.

ويقال: إن عبد المؤمن القائم اليوم بأرض المغرب ينسب إلى بني الحسن بن علي، ظهر على الأندلس سنة أربعين وخمسمائة، وفيه يقول الشاعر من قصيدة طويلة:

ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل

مثل الخليفة عبد القائم بن علي

وقد ملكوا المغرب كلهم والأندلس إلى يومنا هذا، وهي سنة سبع وعشرين وستمائة. انتهى ما قاله ابن الأهدل.

وفيها، وقيل: بعدها فقيه الأندلس زياد بن عبد الرّحمن اللّخميّ شبطون، صاحب مالك، وعليه تفقّه يحيى بن يحيى قبل أن يرحل إلى مالك، وكان زياد ناسكا، ورعا، أريد على القضاء فهرب.

وفيها قتل نقفور ملك الرّوم في حرب برجان [1] وكانت مملكته تسعة أعوام، وملك بعده ابنه شهرين وهلك، فملك زوج أخته ميخائيل بن جرجس لعنهم الله تعالى.

[1] قال الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر في خبر من عبر» للذهبي (1/ 313) : كذا كان يسمى ملك البلغار، فإن الحرب التي قتل فيها نقفور كانت مع البلغار.

ص: 439