الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وعشرين ومائة
فيها في جمادى الآخرة مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بحصن البحراء [1] بقرب تدمر. وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر. وكان من أجمل النّاس، وأقواهم وأجودهم نظما، ولكنه كان فاسقا متهتكا، زعم أخوه سليمان أنه راوده عن نفسه. فقاموا عليه لذلك مع ابن عمه يزيد بن الوليد الملقّب بالنّاقص، لكونه نقص الجند أعطياتهم.
وبويع يزيد النّاقص، فمات في العشر من ذي الحجّة من السنة عن ست وثلاثين سنة.
وبويع بعده أخوه إبراهيم بن الوليد، وكان في يزيد زهد وعدل، وخير، لكنه قدريّ.
قال الشّافعيّ: ولي يزيد بن الوليد، فدعا النّاس إلى القدر وحملهم عليه، وسيأتي الكلام عليه بقية قريبا إن شاء تعالى. قاله في «العبر» [2] .
وقال المسعوديّ في «مروج الذهب» [3] : ظهر في أيام الوليد بن يزيد،
[1] في الأصل، والمطبوع:«البخراء» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 161) .
[2]
(1/ 162) .
[3]
(3/ 225) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
يحيى بن زيد بن علي [بن الحسين بن علي][1] بن أبي طالب بالجوزجان من بلاد خراسان، منكرا للظلم وما عمّ النّاس من الجور، فسيّر إليه نصر بن سيّار، سلم [2] بن أحوز المازني، فقتل يحيى في المعركة بسهم أصابه في صدغه بقرية يقال لها: أرعونة، ودفن هنالك، وقبره مشهور [مزور][3] إلى هذه الغاية، وليحيى وقائع كثيرة، ولما قتل، ولىّ أصحابه يومئذ، واحتزّوا رأسه، فحمل إلى الوليد، وصلب جسده بالجوزجان، فلم يزل مصلوبا إلى أن خرج أبو مسلم صاحب الدّولة [العبّاسية][4] فقتل سلم [5] بن أحوز، وأنزل جثة يحيى، فصلى عليها ودفنت هنالك، وأظهر أهل خراسان النّياحة على يحيى بن زيد سبعة أيام في سائر عمائرها [6] في حال أمنهم على أنفسهم من سلطان بني أميّة، ولم يولد في تلك السنة مولود بخراسان إلّا وسمّي يحيى أو زيد، لما داخل [7] أهل خراسان من الجزع والحزن عليه [8] .
وكان ظهور يحيى في آخر سنة خمس وعشرين، وقيل: في [أول][9] سنة ست وعشرين ومائة، وكان يحيى يوم قتل يكثر من التمثل بقول الخنساء:
نهين النّفوس وهون النّفو
…
س يوم الكريهة أوفى لها [10]
[1] زيادة من «مروج الذهب» (3/ 225) .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«سالم» ، وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب» والمصادر التي بين يدي.
[3]
زيادة من «مروج الذهب» .
[4]
زيادة من «مروج الذهب» .
[5]
في الأصل، والمطبوع:«سالم» ، والتصحيح من «مروج الذهب» والمصادر التي بين يدي.
[6]
في «مروج الذهب» : «في سائر أعمالها» .
[7]
في الأصل: «دخل» وأثبت ما في المطبوع.
[8]
في الأصل، والمطبوع:«عليهما» ، والتصحيح من «مروج الذهب» .
[9]
لفظة «أول» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «مروج الذهب» .
[10]
البيت في «ديوانها» ص (126) طبع مكتبة الأندلس ببيروت وروايته فيه:
وكان الوليد بن يزيد صاحب شراب ولهو وطرب وسماع للغناء، وهو أول من حمل المغنّين إليه من البلدان، وجالس الملهين، وأظهر الشّرب والملاهي والعزف.
وفي أيامه كان ابن سريج المغنّي، ومعبد، والغريض [1] وابن عائشة، وابن محرز، وطويس، ودحمان، المغنّين، وغلبت شهوة الغناء في أيامه على الخاص والعام، واتخذ القيان، وكان متهتكا، ماجنا، خليعا، وطرب الوليد لليلتين خلتا من ملكه وأرق فأنشأ يقول:
طال ليلي وبتّ أسقى السّلافه
…
وأتاني نعيّ من بالرّصافه
فأتاني [2] ببردة وقضيب
…
وأتاني بخاتم الخلافة [3]
ومن مجونه قوله عند وفاة هشام، وقد أتاه البشير بذلك، وسلّم عليه بالخلافة.
إني سمعت خليلي
…
نحو الرّصافة رنّه
أقبلت أسحب ذيلي
…
أقول ما حالهنّه
إذا بنات هشام
…
يندبن والدهنّه
يدعون ويلا وعولا
…
والويل حلّ بهنّه
أنا المخنّث حقّا
…
إن لم أنيكهنّه [4]
نهين النفوس وهون النفوس
…
يوم الكريهة أبقى لها
[1]
في المطبوع: «والقريض» وهو تحريف. وهو عبد الملك، مولى العبلات، من مولدي البربر، من أشهر المغنين في صدر الإسلام، ومن أحذقهم في صناعة الغناء. سكن مكة، وغنى سكينة بنت الحسين، وكان يضرب بالعود، وينقر بالدف، ويوقع بالقضيب، كنيته أبو يزيد أو أبو مروان، ولقب ب «الغريض» لجماله ونضارة وجهه، مات سنة (95) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 156) .
[2]
في «مروج الذهب» : «وأتاني» .
[3]
في المطبوع، و «مروج الذهب» :«وأتاني بخاتم للخلافة» .
[4]
في المطبوع، و «مروج الذهب» :«أنيكنّهنّه» .
ومن مليح قوله في الشّراب:
وصفراء في الكأس كالزّعفران
…
سباها لنا التّجر من عسقلان
تريك القذاة وعرض الإناء
…
وستر لها دون مسّ البنان
لها حبب كلّما صفّقت
…
تراها كلمعة برق يماني
ومن مجونه أيضا على شرابه قوله لساقيه:
اسقني يا يزيد بالقرقارة [1]
…
قد طربنا وحنّت الزّمّارة [2]
اسقني اسقني فإنّ ذنوبي
…
قد أحاطت فما لها كفّاره
والوليد يدعى خليع بني مروان، وقرأ ذات يوم وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ [3] عَنِيدٍ من وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى من ماءٍ صَدِيدٍ 14: 15- 16 [إبراهيم: 15- 16]، فدعا بالمصحف فنصبه غرضا [4] [للنشّاب] [5] وأقبل يرميه وهو يقول:
أتوعد كلّ جبّار عنيد
…
فها أنا ذاك جبّار عنيد
إذا ما جئت ربّك يوم حشر
…
فقل يا ربّ خرّقني الوليد [6]
وذكر محمّد بن يزيد المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبيّ- صلى الله عليه وسلم ومن ذلك الشعر:
تلعّب بالخلافة هاشميّ
…
بلا وحي أتاه ولا كتاب
فقل لله يمنعني طعامي
…
وقل لله يمنعني شرابي
[1] في الأصل، والمطبوع:«بالطرجهارة» وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب» .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«المزمارة» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«وخاب كل خيار» وهو تحريف شنيع.
[4]
الغرض: الهدف الذي يرمى فيه. «مختار الصحاح» ص (472) .
[5]
زيادة من «مروج الذهب» (3/ 226) .
[6]
أعوذ بالله من هذا الكلام صحت نسبته إليه أو لم تصح، فإنه مما لا يتلفظ به إلّا من حبط عمله، وأيقن بأن جهنم لا محال مستودعه ومقره. والبيتان في «مروج الذهب» .
فلم يمهل بعد قوله هذا إلّا أياما حتّى قتل. انتهى ما ذكره في «المروج» ملخصا.
وأمّ الوليد بنت أخي الحجّاج بن يوسف الثّقفيّة، ويكنى أبا العبّاس.
وقصمه الله وهو ابن سبع وثلاثين سنة. وقيل: اثنتان وأربعون سنة، ودفن بدمشق بين باب الجابية وباب الصغير.
وفيها توفي جبلة بن سحيم الكوفي. روى عن ابن عمر، ومعاوية.
وفي المحرم هلك خالد بن عبد الله القسريّ الدّمشقيّ الأمير تحت العذاب، وله ستون سنة، وكان جوادا ممدّحا، خطيبا، مفوّها، خطب بواسط يوم أضحى، وكان ممن حضره الجعد بن درهم، فقال خالد في خطبته:
الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلا، وموسى كليما، فقال الجعد- وهو بجانب المنبر- لم يتخذ الله إبراهيم خليلا، ولا موسى كليما، ولكن من وراء وراء، فلما أكمل خالد خطبته قال: يا أيها النّاس ضحّوا قبل الله ضحاياكم، فإني مضحّ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا موسى كليما. في كلام طويل. ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر. فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية.
والجعد هذا من أوّل من نفى الصّفات، وعنه انتشرت مقالة الجهميّة، إذ ممن حذا حذوه في ذلك الجهم بن صفوان، عاملهما الله تعالى بعدله.
قال الذّهبيّ في «المغني» [1] : الجعد بن درهم ضالّ مضلّ، زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا، تعالى الله عمّا يقول الجعد علوا كبيرا.
انتهى.
[1](1/ 131) .
وقال فيه [1] أيضا: خالد بن عبد الله القسري، عن أبيه، عن جده، صدوق، لكنه ناصبيّ جلد. انتهى.
وقال ابن معين عن خالد هذا: كان رجل سوء يقع في علي- رضي الله عنه ولي العراق لهشام. انتهى.
وقال ابن الأهدل في «تاريخه» عن خالد: كان أمير العراق لهشام، وكان أحد الأجواد، كتب إليه هشام: بلغني أن رجلا قال لك: إن الله كريم، وأنت كريم جواد، وأنت جواد، حتّى عدّ عشر خصال، والله لئن لم تخرج من هذا لأستحلنّ دمك، فكتب إليه خالد: إنما قال لي: إن الله كريم يحب الكريم، فأنا أحبك لحب الله إياك.
ولكن أشد من هذا مقام ابن شقيّ [2] البجلي بحضرة أمير المؤمنين قائلا: خليفتك أحبّ إليك أم رسولك، فقال: بل خليفتي، فقال: أنت خليفة الله ومحمد ورسوله، والله لقتل رجل من بجيلة أهون من كفر أمير المؤمنين.
فكتب هشام إلى عامله على اليمن يوسف ابن عم الحجّاج يقول:
اشفني من ابن النصرانية، فسار يوسف من حينه، واستعمل ولده الصّلت مكانه، ووصل العراق في سبعة عشر يوما، فوقع على خالد بالحيرة منزل النّعمان بن المنذر على فرسخ من الكوفة، فعذّبه أشد تعذيب، وجعل عليه كل يوم مالا معلوما، إن لم يؤدّه ضاعف عذابه، ومدحه أبو الشغب [3] العبسي في السجن بقوله:
لعمري لقد عمّرتم السّجن خالدا
…
وأوطأتموه وطأة المتثاقل
[1] يعني في «المغني في الضعفاء» (1/ 203) .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«ابن سعي» وهو تحريف، والتصحيح من «مرآة الجنان لليافعي (1/ 290) . وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (5/ 278) .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«أبو الشعث» ، والتصحيح من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 291) .
ألا إنّ خير النّاس حيّا وميّتا
…
أسير ثقيف عندهم في السّلاسل
لقد كان نهّاضا لكلّ ملمّة
…
ويعطي اللهى غمرا [1] كثير النّوافل
وقد كان يبني [2] المكرمات لقومه
…
ويعطي العطا في كلّ حقّ وباطل [3]
فأنفذ إليه عطاء ذلك اليوم، فاعتذر عن قبولها، فأقسم عليه ليأخذنها.
وكان خالد فيما قيل، من ذرّيّة شقّ الكاهن، وشقّ ابن خالة سطيح، وكانا من أعاجيب الزّمان، كان سطيح جسدا ملقى بلا جوارح، ووجهه في صدره، ولم يكن له رأس ولا عنق، وكان لا يقدر يجلس إلّا إذا غضب، فإنه ينتفخ فيجلس، قيل: وكان يطوى مثل الأديم، وينقل من مكان إلى مكان.
وكان شقّ نصف إنسان له يد ورجل، وولدا في يوم واحد، وهو اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة [4] الحميرية زوجة عمرو بن مزيقياء بن عامر بن ماء السماء، وحين ولدا تفلت في أفواههما، وماتت من ساعتها ودفنت بالجحفة.
انتهى ما أورده ابن الأهدل.
وفيها توفي درّاج بن سمعان أبو السّمح المصري القّاص، مولى عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال السّيّوطيّ في «حسن المحاضرة» [5] : يقال: اسمه عبد الرّحمن، ودرّاج لقب.
[1] في الأصل، والمطبوع:«فضلا» والتصحيح من «مرآة الجنان» .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«يقني» وهو خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» .
[3]
الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 230) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 291) .
[4]
هي طريفة بنت الخير الحميرية. كاهنة يمانية، من الفصيحات البليغات. كانت زوجة للملك عمرو بن مزيقياء بن ماء السماء الأزدي الكهلاني، قيل: إنها تنبأت له بانهيار «السد» فاستعد هو وقومه للهجرة. انظر «الأعلام» (3/ 226) .
[5]
(1/ 266) طبع دار إحياء الكتب العربية في القاهرة بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله تعالى.
روى عن عبد الله بن الحارث بن جزء. وعنه اللّيث [1] . انتهى.
وفيها، وقيل: سنة ثمان، سعيد بن مسروق والد سفيان، الثّوريّ.
وعمرو بن دينار، أبو محمّد، الجحميّ مولاهم اليمنيّ الصنعانيّ الأبناويّ [2] بمكّة، عن ثمانين سنة.
قال عبد الله بن أبي نجيح: ما رأيت أحدا قطّ أفقه منه.
وقال شعبة: ما رأيت في الحديث أثبت منه.
قال في «العبر» [3] : سمع ابن عبّاس، وجابرا، وطائفة. انتهى.
وقال طاووس لابنه: إذا قدمت مكّة فجالس عمرو بن دينار، فإن أذنيه قمع العلم.
والقمع بكسر القاف وفتح الميم: إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل، يصب فيه الدّهن إلى قارورة أو نحوها.
وقال ابن قتيبة [4] : هو مولى ابن باذان من فرس اليمن. انتهى.
وفيها توفي عبد الرّحمن بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق التيميّ المدنيّ الفقيه، كان إماما، ورعا، كثير العلم.
وفيها على الصحيح سليمان بن حبيب المحاربي، قاضي دمشق. روى عن معاوية وجماعة.
قال أبو داود: ولي قضاء دمشق أربعين سنة.
[1] في المطبوع: «الليثي» وهو خطأ.
[2]
في الأصل، والمطبوع:«الإيناوي» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، فقد كان من «الأبناء» لذا نسبه المؤلف إليهم.
[3]
(1/ 163) .
[4]
انظر «المعارف» ص (468) .
وعبد الله بن هبيرة السّبئيّ [1] المصريّ وله ست وثمانون سنة.
وعبيد الله بن أبي يزيد المكي، صاحب ابن عبّاس.
ويحيى بن جابر الطائيّ، قاضي حمص.
قال ابن الأهدل: وفي ذي الحجّة منها مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك وقد بلغ من السن أربعين سنة، وولايته خمسة أشهر، وله عقب كثير، وفي جدّاته من أمه كسراويتين وقيصرية، وفي ذلك يقول مفتخرا:
أنا ابن كسرى وأنا ابن خاقان
…
وقيصر جدّي وجدّي مروان
ومن خطبته يوم قتل الوليد: أيّها النّاس والله ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا حرصا على الدّنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، إني لظلوم لها، ولكني خرجت غضبا [2] لله ولدينه، لمّا ظهر الجبار العنيد، المستحل لكل حرمة، الراكب لكل بدعة، الكافر بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب وكفؤي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني، حتّى أراح الله منه العباد، وطهّر منه البلاد، بحوله وقوته، لا بحولي ولا قوتي. انتهى.
[1] في الأصل، والمطبوع:«السباري» وهو تحريف، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (7/ 23) .
[2]
في الأصل: «غصبا» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع.